الأصحاح 9: حبـة لا تقع
الأصحاح الأخير ينقسم إلى قسمين. الأعداد العشر الأولى تطالعنا بالرؤيا الخامسة، وبإحصاء يهوه للضيقات التي سوف تصيب إسرائيل في أرض تيهانهم، مع اليقين بأن حبَّة واحدة من حنطته لا تقع أو تضيع. ثم في الأعداد من 11-15، كما هي العادة المألوفة مع الأنبياء، يتشوق الرائي إلى الرجوع للمجد والبركة في الأيام الأخيرة، يوم تنتهي تجاربهم وتخلص الأمة في البقية الراجعة.
والرؤيا في هذه المرة تتناول بيت الله. وفيها يُرى السيد قائماً على المذبح أو إلى جانبه، فيأمر بضرب تاج العمود حتى ترجف الأعتاب. والكهنة والشعب لن يتمكنوا من الهروب، فإنهم مخصصون للهلاك الذي لن ينجو منه أحد (ع1). ويعلن أنهم ولو نقبوا إلى الهاوية، أي مقر الأرواح، أو حاولوا أن يتسلقوا إلى السماء، فإن يده سوف تقبض عليهم. قد يختبئون في رأس الكرمل، أو في غمار البحر، فلن يهربوا من القضاء العادل بسبب خطاياهم. وحتى وهم مسبيون في وسط أعدائهم فإنه يرسل عليهم سيفاً ويجعل عليهم عينيه للشر لا للخير (ع2-4).
تلك هي الرؤيا. وعاموس يتخذها موضوعاً له في الأعداد التالية. فهو يصف عظمة الإله الذي ازدروه، ويدعو الطبيعة لتشهد لقدرته وحكمته تعالى. بلمسته تذوب الأرض والساكنون فيها ينوحون. يبسط السحب فوق السماوات ويصبَّ على الأرض أمطاراً، يهوه اسمه (ع5،6). مَنْ إذاً يتحدى ويناهض إلهاً كهذا؟ ومن ممن يحتقرونه يتوقع أنه ينجح؟
إن امتيازات إسرائيل الخاصة لن تجدي الآن نفعاً، فقد أصبحوا لا يستحقون أكثر من سواهم، فهم لا يفرقون شيئاً عن الكوشيين. ونفس الإله القدير الذي أخرج إسرائيل من أرض مصر، هو كذلك الذي أخرج الفلسطينيين من كفتور والأراميين من قير، ولم يعد إسرائيل في عينيه الآن سوى مملكة خاطئة أكثر شراً من جيرانهم. وهكذا فإنه يبيدهم عن وجه الأرض. بيد أنه ذكَر وعده للآباء، فكلمته عن النسل العتيد لن تسقط، لذلك فهو يستثني بقية، هو «لا يبيد بيت يعقوب تماماً» (ع7،8). بل سوف يغربلهم بين جميع الأمم كما الحنطة في غربال، لكن حبة واحدة لا تقع على الأرض. فقط الخطاة من الشعب هم الذين يموتون بالسيف، أولئك الذين قالوا «لا يقترب الشر ولا يأتي بيننا» (ع9،10). وهذا هو التشبيه الذي استخدمه سيدنا مع بطرس الواثق في نفسه. فقد كان عتيداً أن يدخل في غربال الشيطان، لكن ليس لهلاك قاطع، بل لكي ينفصل التبن عن الحنطة.
تلك هي نتيجة غربلة إسرائيل بين الأمم. فليس إسرائيل الله هم كل أولئك الذين من نسل إسرائيل، أي ليس جميع الذين من صُلب يعقوب هم بنو الإيمان. إنما الذين ينحنون لكلمة الرب ويصدِّقون شهادته هم إسرائيل الله، على هؤلاء يستمطر رسول العهد الجديد سلاماً ورحمة من الله. وهؤلاء هم الحنطة التي ستبقى محفوظة للملكوت العتيد.
في ذلك اليوم ستقام خيمة داود التي طال زمان سقوطها، وتعود مدينة أورشليم وتبنى وتقوم على أنقاض الماضي. وإسرائيل الراجع سوف يرث أرض أدوم، وجميع الأمم الناجية سوف تعترف بسيادتهم (ع11،12). ولاحظ أن هذا هو النص الذي اقتبسه يعقوب في أعمال15 ليبرِّر دعوة الأمم، ولو أن في تطبيقه لهذا الاقتباس ما هو أبعد من ذلك. وهذا القول يتفق تماماً مع فكرة انطلاق النعمة للأمم. كما نتبين منه أنه بعد ما يكتمل عمل الله الحاضر في أن يأخذ من بين الأمم شعباً لاسمه، سيحوِّل الرب يده ويمدها مرة أخرى لإسرائيل، ويقيم مظلة داود متمِّماً جميع المواعيد التي تكلم بها الأنبياء (أع15؛ إر16،17).
وفي وقت الرجوع المجيد ذاك، سوف تعود أرض فلسطين وتزرع وتترنم وتزهر. ويستقر سبي إسرائيل في أرضهم، أرض ميراثهم. والمدن الخربة سوف تعود وتبنى وتُسكن. والكروم والجنات سوف تزدهر. والله نفسه سيغرس شعبه المختار في الأرض التي أعطاها لآبائهم وثبتها بقسم «ولن يُقلَعوا بعد من أرضهم» التي يعيدهم إليها، بل هناك يسكنون تحت مُلك الرب يسوع المسيح الشامل.
والكلمات الثلاث «قال الرب إلهك» هي خاتمة قاطعة للسفر كله. فلقد تكلم الله، وسوف يُجري كلمته من أجل اسمه.
- عدد الزيارات: 3631