الأصحاح 6: مستريحون في صهيون
لم يكن بيت يوسف وحده هو الذي أغاظ الرب. بل الشعب كله كما سبق القول. وإذا ما قرأنا هنا عن إسرائيل فإن الإشارة لا تقف عند العشرة الأسباط، بل تنصرف إلى الأمة جمعاء. وهكذا يُختم هذا الجزء من النبوءة بكلمة فاحصة موجَّهة لأولئك المستريحين في صهيون، والذين اطمأنوا إلى جبال السامرة (ع1). فقد ظن أهل المملكة الجنوبية أنهم بمنأى من الخطر الذي يهدد المملكة الشمالية، فاطمأنوا إلى أنه في مقدور السامرة أن تصمد طويلاً في وجه الحصار، بحيث يتسنى لهم أن يتهيئوا لمواجهة الخطر إذا ما دنا. ومن ثم استراحوا، ولم يعبئوا بإطاعة صوت الله داعياً إياهم إلى التوبة، ولا تذللوا من أجل أحزان أخوتهم.
إن “الراحة في صهيون” تحدِّثنا عن الحالة السطحية التي يوجد فيها اليوم كثيرون من المدعوين أولاد الله، غير عابئين بالرسالة الخطيرة، ولا مُظهرين أي اهتمام للسلوك في قوة الحق. على أنه إذا كان شعب الله لا يبالون بما هو هام في عيني إلهنا، فليس لهم أن يتوقعوا أن يعمل الله لأجلهم في أوقات المصاعب والضيقات.
إن مدناً فلسطينية هلكت، وقد كانت يوماً جميلة رائعة. وما كلنة وحماة وجتُّ الآن سوى أطلال وبقايا لماضٍ مجيد، فقد أصابها الخراب. وهل كان إسرائيل خيراً من هذه الممالك؟ هم يستبعدون يوم البَلِّية، بينما الظلم والفساد يغشيان تخومهم. يضجعون على أسرة من العاج ويتمددون على فراش منقوشة، ويعيّدون بلا خوف آكلين أفخر قطعانهم ومواشيهم. يغنون على صوت آلات الطرب، ويعيون من كؤوس السلافة. ينعمون بأطيب الأدهان، لكن الله يدير عليهم دفة الحكم الخطير، فيعلن قائلاً «لا يغتمون على انسحاق يوسف» (ع2-6). أوَ ليس في هذا صوت لكل قديسي الله اليوم؟ أم لسنا في خطر داهم من العيشة لأجل ملذاتنا، والبهجة في مقتنياتنا، ونحن غافلون عن حالة الكنيسة المحزنة، غير مباليين بالانقسامات التي مردها إلى الإرادة الذاتية، والتي طالما أهانت الرب، رأس الكنيسة الممجَد؟ لا شك في أن المحبة الصادقة للرب تقودنا إلى تدريب أنفسنا إزاء الحالة الراهنة. ومثل هذه التدريبات تقودنا لأن نفتش الكتب المقدسة، وأن نحكم على الأشياء في نورها؛ بل تنشئ فينا الرغبة في السير أفراداً في السبل القديمة، التي سلك فيها شعب الله، حتى لو بلغ الأمر بواحد أن يضطر لأن يسير وحده. ومع هذا يجب أن نظهر بالضرورة تلك «المحبة نحو جميع القديسين» التي تُميز كل من استحضر - ولو على أقل قياس - إلى حقيقة أنه يوجد جسد واحد وروح واحد.
وبسبب انعدام الاهتمام بانسحاق يوسف، لم يتشدد الرب معهم، بل أعلن أنه يكره عظمة يعقوب وسوف يسلم حتى مدينة داود للقادم الأممي (ع 7،8 ).
وعندما يأتي الهلاك في آخر المطاف، فإن الإحساس المرعب بغضب الرب يهوه يسدُّ كل فم حتى وهم يدفنون الموتى، لأن اسم الرب لا يتوافق مع شفاههم الدنسة (ع9،10). إنه حقاً لأمر محزن أن يوجد الإنسان تحت عصا التأديب، ويعجز مع ذلك عن التجاوب مع ماسكها. تلك هي قمة القساوة التي تنشئها الخطية.
والأعداد من 11-14 تتكلم عن السبي البابلي الذي جاء من الشمال، بعد الغزو الأشوري بقرن من الزمان. فلما جاء الكلدانيون كطوفان غامر غشى كل الأرض، كان ذلك بأمر الرب، مستخدماً إياهم كعصاه التأديبية، لأن يهوذا حوَّل الحق سماً وثمر البر أفسنتينا، لذلك فإن القدوس يقف ضد خاصته إذا هم حوَّلوا حقه أكذوبة وسلكوا في النجاسة. وهذا المبدأ صحيح على كل قياس، فإن الرب البار يحب البر، ولن يربط اسمه بما يناقض البر.
وبهذه الرسالة يُختم القسم الثاني من نبوءة عاموس.
- عدد الزيارات: 3512