الأصحاح 4: فلم ترجعوا
في هذا الأصحاح يذكِّرهم الرب بالوسائل المتنوعة التي كان يستخدمها للكلام معهم بقصد ردهم إليه، وكانت النتيجة أنهم واصلوا طرق الخطية برغم الإنذار أو العقوبة. فقد احتقروا تأديب الرب.
من المحتمل أن يكون خطاب الأعداد الثلاثة الأولى موجهاً إلى نساء إسرائيل العظيمات. فإن أولئك النسوة المترفهات المتصلفات المتبجحات، ظلمن المساكين وسحقن البائسين لخدمة غاياتهن الجسدية. وأذ كُنَّ لا يبالين بالأحزان التي جلبنها على الآخرين في سبيل ملذاتهن التي حصلن عليها بأساليب شريرة، كُنَّ في ولائم مبتهجات، وقد فاتهن أن قدوس إسرائيل يرى. فقد أقسم بقدسه أن يعاقبهن على خطاياهن، ويأخذهن بحماقتهن، كما يقبض الصائد بالشص على السمكة الشرهة التي تزعم أنه لا خطر عليها وهي تقرض الطعم المنصوب لها.
اختلفت النظرة إزاء العددين 4،5. فقد رأى البعض فيها دعوة للتوبة موجهة لضمائر الشعب. وفي هذه الحالة تكون «تقدمة الشكر» مع «خمير»، موافقة لكلمة الله كما هي معلنة في لاويين13:7 حيث نرى أن خبز الخمير يصاحب ذبيحة السلامة أو الشكر، كاعتراف من جانب مقدم الذبيحة بعدم أهليته الشخصية. على أن ذبيحة الشكر لا تُقدَّم إلا حيث يكون الشعب في حالة صحيحة مستقيمة أمام الله. فدعوتهم إلى مذبح بيت أيل المنشق عن الله وتقديم ذبيحة الشكر هناك، حيث تكون الحاجة إلى ذبيحة خطية، أمر يناقض فكر الله.
أذاً، أستطيع أن أفهم أن هذه العبارات نوع من التهكم الخطير، قياساً على أسلوب إيليا التهكمي على كهنة البعل. ويبدو وكأن النبي يريد أن يقول: “هاتوا تقدمة خمير كذبيحة شكر لأنكم هكذا تريدون يا بني إسرائيل”. دون إشارة إلى فكرة خبز الخمير الذي يقدم مع الذبيحة أو أول الثمار، بل إن الخمير هو التقدمة التي يدعوهم النبي، متهكماً، أن يقدموها. إن العبارة كلها تعليق محزن على حالة إسرائيل التي يرثى لها، ذلك الشعب الذي ما كان نظام عبادتهم إلا إثما ومعصية، ومع ذلك كانوا يفاخرون بطقوسهم.
وحين يتطلع الله من عليائه إلى ادعاءات المسيحية الاسمية الأكثر إثماً، أَ فلا ينظر إليها متقززاً منها بالأكثر؟ على أنه إذا كان الضمير حيّاً فإنه يقود بالحري إلى الابتعاد عن إثم له هذا الطابع الأليم السافر.
أما إنه ليس في فكر الله أن يتقبل ذبيحة تُقدم في بيت أيل أو الجلجال: فواضح من ص5:5. فإن كل ما يحيط بهذين الموضعين، موضعي الارتداد عن الله، كان بغيضاً في عيني ذاك الذي وضع اسمه في أورشليم. ولكن وا أسفاه! فهناك كذلك قد بلغ الهوان والدنس.
وبسبب هذه الحالة التي كنا نتأمل فيها، أرسل عليهم جوعاً شديداً «وأنا أيضاً أعطيتكم نظافة الأسنان في جميع مدنكم، وعوز الخبز في جميع أماكنكم». ومع ذلك فلم يكن هناك دليل على التوبة، الأمر الذي جعل الله يقول «فلم ترجعوا إليَّ» (ع6)0 والمطر أيضاً منعه بطريقة تدعو إلى التساؤل والتدريب لو أن ضمائرهم كانت حية، حيث كان يعطي المطر لمدينة ويمنعه عن أخرى. مع ذلك يكرر قوله الأسيف «لم ترجعوا إليَّ يقول الرب» (ع7،8). ثم ضربهم باللفح واليرقان، وبذلك تلفت غلاتهم القليلة قبل أن تنضج. وإذ كانت الجنات والكروم أفضل حالاً، فقد أرسل القمص لكي يتلفها. ومع ذلك فما من يقظة. لقد ظل الضمير نائماً. «فلم ترجعوا إليَّ يقول الرب» (ع9).
وبالوباء عاقبهم «على طريقة مصر». وجعل جثث فتيانهم مع خيلهم التي قتلت في الحرب، تملأ الهواء برائحتها النتنة، فكانوا يتنفسون مرضاً وموتاً. ولكن يبدو أن أحداً لم يستطع أن يميز حقيقة مَن الذي كان يذلهم ويضايقهم، فلم يرجعوا إليه (ع10).
ثم زيدت على ويلاتهم كارثة طبيعية هائلة، قد تكون زلزلة، مصحوبة بنار. فقلب الله بعضاً منهم على غرار ما فعل بسدوم وعمورة، بحيث أن الذين أفلتوا ولم يبيدوا كانوا كشعلة منتشلة من النار. ومع ذلك فلم يرجعوا إلى الرب (ع11). لم يميزوا يده في كل ما أصابهم، ومن ثم حاولوا أن يفلتوا من الغضب، لم يسمعوا له، ولا سمعوا لرسله. وهذه أبداً طريق الإنسان الذي لم تمسه النعمة الإلهية. فإذ يغلق عينه عن براهين معاملات الله يواصل طريقه في عدم المبالاة، حتى تغلق عليه الهاوية فاها.
وبسبب عدم المبالاة لم يبقَ إلا شيء واحد: ينبغي أن يلاقوا في الدينونة ذاك الذي احتقروا إنذاراته وأعماله التأديبية «فاستعد للقاء إلهك يا إسرائيل».
ومع أنهم لم يعرفوه، لكنه هو الذي كوَّن الجبال وخلق الرياح. هو ذاته يعلن للإنسان أفكاره السرية، ويجعل الصبح ظلاماً، ويمشي على مشارف الأرض، هو الرب، يهوه، إله الجنود (ع13). هو الذي لابد أن يلاقوه... ولكن كيف؟
وأنت أيها القارئ ضع الأمر عينه قدامك إذا كنت لم تخلص بعد. فكر جيداً كيف تقف في يوم غضبه العظيم!
والمؤمن السالك في عدم المبالاة، تصدق عليه هذه الكلمة من زاويته الخاصة. فإنه إذا استقل بطريقه الخاصة قد يحتقر تأديب الرب ولا يسمع لصوت توبيخه. لكن لن يطول به المدى. فإن عاجلاً أو آجلاً سيلقى الله، ويومئذ يظهر كل شيء في محضره.
- عدد الزيارات: 3750