الأصحاح 3: تأديب الأمة المختارة
بهذا الأصحاح يبدأ القسم الثاني من النبوءة، ممتداً إلى نهاية الأصحاح السادس، وهو يشتمل على كلمة الرب لإسرائيل، كعتاب أخير قبل تنفيذ القضاء الذي سبق وأشار إليه.
والذين يخاطبهم الرب بالقول «يا بني إسرائيل» في هذه النبوءة، ليسوا هم فقط العشرة الأسباط، بل «كل القبيلة التي أصعدتها من أرض مصر» (ع1)، ناظراً إليهم كأمة واحدة، ولو كانوا في ذلك التاريخ مملكتين. فإن امتيازاتهم الخاصة جعلتهم أكثر مسؤولية من الأمم الوثنية المجاورة. «إياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض». هذا امتياز خاص، «لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم» (ع2). وهذا مبدأ إلهي ينبغي ألا ننساه، وهو أن المسؤولية وليدة العلاقة. فلأن الرب أفرز إسرائيل عن الأمم، وأدخلهم في عهد معه، كان ينتظر منهم أن يظهروا الطاعة التي هي من مقتضيات مركزهم المرموق. وإلا فإنهم يكونون موضوعاً لمعاملته التأديبية. والأمر ذاته يصدُق على جماعة الله في التدبير الحاضر منظوراً إليها في مجموعها، وفي أفرادها؛ كل قديس على حده. فنحن مطالَبون أن نسلك بحسب دعوتنا السامية، وإلا فإننا نجلب على أنفسنا تأديب أبينا. على أن التأديب ليس دليلاً على أن قلب الله قاسٍ من نحونا، فالعكس صحيح. لأن محبته هي التي تجعله يعاملنا هكذا. فقد يظل العالم سائراً في حماقته، لا يعرف شيئاً عن مثل هذه المعاملات السياسية، لكن ليس هكذا مع الشعب الذي دُعي باسم الرب.
والعدد الثالث يكشف عن أسرار الشركة الصحيحة. فلن يسير اثنان معاً إلا إذا كانا على اتفاق، لا التشابه في تقدير الأمور والنظر إليها من زاوية واحدة فقط، بل المشاركة الفكرية إزاء أساس شركتهما معاً. فإن الله من جانبه لا يستطيع أن يسير في شركة قريبة مثل هذه مع أولئك الذين يطلبون مكسباً لأنفسهم في كل شيء. ولن يستطيع القديسون أن يسيروا معاً في علاقة مقدسة إذا كان أحد القديسين يطلب مجد الله، بينما الشريك الآخر غارق في الأفكار والطرق الشريرة.
وابتداء من العدد الرابع يعلن النبي السبب الذي يدفعه لرسالته هذه. ذلك لأن لكل نتيجة سبباً. فلابد أن ينفخ بالبوق لكي يرتعد الشعب، لأن الله عتيد أن يجلب عليهم شراً وبلية. «هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها؟»، ولاحظ أن “البلية” كارثة، فليس المقصود بها هنا الخطية. كما رأينا في الأصحاح الأول من نبوءة يوئيل، والله يستخدمها كعصا تأديب لشعبه. وها هو عاموس يحذِّر سكان مدن إسرائيل من هذه الكارثة.
إذاً فقد كان لدى عاموس ما يستلزم التنبؤ، والله أعلن له سره، فلا بد له أن يعلن ويذيع تلك الأسرار على مسامع الشعب. «السيد الرب قد تكلم فمن لا يتنبأ؟» (ع4-8). في الواقع، هذا مستوى رفيع، لكنه المستوى الوحيد الخليق بكل من يدعي أنه يخدم الحق الإلهي. فإذا لم يتكلم الله فإن توقعات أحدنا لن تختلف كثيراً عن الآخر، والآراء الفلسفية التي لأحدهم تتساوى في قابليتها للمدح أو النقد مع رأي الآخر. أما إذا كان الله نفسه قد تكلم في كلمته، ففي هذا الكفاية لكل من يخاف الله. وما على خادمه إلا أنه يذيع ما أُعلن له رافضاً مخالفات العلم الكاذب الاسم.
تلك قيمة الكتب المقدسة، وهي التي يحاول الشيطان بكل مكره أن يحرمنا منها في الوقت الحاضر. لكن الله قد أعلن مشيئته في كلمته «إن السيد الرب لا يصنع أمراً إلا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء». ومن هنا فإن رجل الإيمان يتقبل الكتابات النبوية التي صادق عليها الرب يسوع، بوصفه محكمة الاستئناف العليا، عالماً أنه قد «تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس». وهنا ينتصر الإيمان حيث يتعثر العقل المجرَّد في ظلام دامس، إذ يحاول عبثاً أن ينفذ ببصره إلى المستقبل، أو ليفسر الماضي أو يدرك الحاضر.
ولطالما سمعت من الذين يعارضون وحي الكتاب إنه ما لم نكن مهيئين للإيمان بعصمة كتبة الأسفار المقدسة، فباطلاً نتحدث عن كتاب معصوم، وهذا على النقيض من الإعلان الخطير الذي نطق به الرب يسوع «لا يمكن أن يُنقض المكتوب». أما مسألة العصمة البشرية فلا دخل لها هنا على الإطلاق. وحينما يتكلم الله، فالذي يعوز الإنسان هو أن يكون، لا معصوماً، بل مطيعاً في تقديم ما قد أعلنه. هكذا كانت الحال مع عاموس ورفقائه، جماعة الأنبياء. فليس من الضروري أن تتوفر للناسخ المعلومات الدقيقة عن الأحداث التي يمليها عليه آخر ليكتبها، وإنما هو يسمع الكلمة فيكتبها كما سمعها. وعلى هذه الصورة نستطيع أن نفهم كُتَّاب العهد القديم ومعنى أنهم كانوا «باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم، إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها». إنما عدم الإيمان هو الذي يثير المشكلات ويضع الصعوبات.
وفي الأعداد من 9-15 نجد الرسالة النبوية عن تشتيت إسرائيل، ولكن في نفس الوقت عن بقية تخلص. ففي قصور فلسطين ومصر يذاع أن السيد الرب سوف لا يكون سوراً لشعبه بسبب خطاياهم. وأن الأمم التي مرة شهدت لقوته سوف تشهد لعدالته، فلما كف شعبه عن السير معه، لم يجد بداً من أن يسلمهم للتأديب.
ولكن كما كان يفعل الراعي في الشرق حين يُنزع «من فم الأسد كُراعين أو قطعة أذن هكذا يُنتزع بنو إسرائيل الجالسون في السامرة في زاوية السرير وعلى دمقس (وسادة) الفراش». فالراعي الذي يفقد واحداً من قطيعه هو مسؤول عنه ما لم يثبت أن الوحوش مزقته، ومن هنا يسعى أن يسترد جزءاً من الخروف المفترس، ولو قطعة منه. هكذا سوف يستبقي الله جزءاً من إسرائيل، لا تفترسه وحوش الإمبراطوريات الأممية، ولو كان بقية صغيرة جداً. فلابد من معاقبة ذنوبهم بسبب ممارساتهم الوثنية، التي كان مذبح بيت إيل الذي أقامه يربعام بن نبَاط مثالاً لها. وسقوط ذلك المذبح معناه هلاك الذين تباهوا بثرائهم، غير مبالين بحالة إسرائيل الساقطة. وهذا سنراه بأكثر تفصيل في الأعداد الأولى من الأصحاح السادس.
- عدد الزيارات: 4044