Skip to main content

الأصحاح 1و2: تهمة الأمم

إن عاموس لا يخفي ما قد يميل الناس أن يدعوه “نشأته الوضيعة”، بل بكل جرأة يطالعنا بالقول «أقوال عاموس الذي كان بين الرعاة من تقوع، التي رآها عن إسرائيل في أيام عزيا ملك يهوذا، وفي أيام يربعام بن يوآش ملك إسرائيل، قبل الزلزلة بسنتين» (ع1). هنا اسم النبي، ودعوته المتواضعة، ومحل إقامته، وتاريخ نبوءته.

والزلزلة التي أشار إليها تصلح أن تكون علامة لأكثر من تاريخ واحد، فليس بين أيدينا سجل يحدد زمانها، ولكن يقال في التقليد اليهودي أنها حدثت يوم حاول عزيا أن يغتصب بتبجح وظيفة كاهن للرب ويدعي لنفسه حق ممارستها. ويربط يوسيفوس المؤرخ الحادثين معاً، لكن لا دليل على ذلك.

وإذ كان لنا في المقدمة من قبل جولة حول النقاط الأخرى المشار إليها في العدد الأول، لنتحول من فورنا إلى الرسائل النبوية، ومنها ثمانٍ في الأصحاحين الأولين؛ خمس في أصحاح وثلاث في الآخر.

ومن العدد الثاني نستخلص أن الأمم التي يتجه إليها الحديث لها علاقة بأورشليم وجبل صهيون. هناك وضع يهوه اسمه، لذلك فهو يزمجر غاضباً ويرسل صوته قاضياً دياناً، فتنوح مراعي الرعاة وييبس رأس الكرمل.

لاحظ أن كل نبوءة على حدة تبدأ بالصيغة الخطيرة ذاتها، فيما خلا اسم المملكة. «من أجل ذنوب دمشق الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه، لأنهم....». ويرى المفسرون اليهود أن هذه العبارة لها قوة العبارة الآتية “ثلاثة ذنوب قد غفرتها، أما الرابع فافتقده بالدينونة”. ومهما يكن من رأي فإن العبارة تتضمن أن الله في طول أناته قد صبر مرة وأخرى، منتظراً أن يتبين فيهم دليلاً على التوبة قبل أن يعاملهم آخر الأمر في غضب؛ ولكنهم لم يقدموا هذا الدليل. ففي ثلاثة ذنوب ملأوا كأس إثمهم، وفي الرابع فاض معلِناً أنه لا جدوى من اختبار جديد. فقد فسدوا ورجسوا في عينيه. إذاً فلا مفر من أن تأخذ الدينونة مجراها.

ويسلط النبي الضوء قوياً على رأس شرّ كل أمة، عند سرده بنود الاتهام المخيف، الذي يمتزج به الحكم عليها، الصادر من شفتي الرائي الملهم.

فان دمشق «داست جلعاد بنوارج من حديد». لقد اضطهدوا تخوم إسرائيل المكشوفة عبر الأردن، وكانوا في اضطهادها قساة غير راحمين جنساً أو عمراً، بل غمروا الأرض، وقطعوا أوصالهم، وعاملوهم كأنهم حبات حنطة تحت النورج. من أجل ذلك تلقاهم دينونة لا ترحم من حاكم الكون الذي كانت عيناه على كل طرقهم (ع3-5).

وغزة، تلك العاصمة الفلسطينية القديمة، افترسوا شعبه، وسبوهم وباعوهم لأدوم. وما أبشعها صورة - من الناحية الرمزية - للديانة الزائفة التي تُسلم الإنسان لقوة الجسد! وهكذا أعانوا العدو العنيف المتنكر لعلاقة الأخُوَّة، ليبيد ويستبعد قريبه. ولكن كما أنهم سعوا لإهلاك شعب الرب الضال، فإن ناره ويده على فلسطين لتهلكها بتمامها(ع6-8).

وصور، المدينة التجارية الواقعة على البحر، والتي كانت مرة في «عهد الأخُوَّة» مع إسرائيل أيام سليمان وحيرام، قد نسيت عهودها، وبالمثل ساندت أدوم إذ سلمته أسراها. لذلك ستأكل النار سورها الذي كانت تزعم أن أحداً لا ينفذ منه، وتمحو قصورها (ع9،10).

أما أدوم، أقسى أعداء ذرية يعقوب مرارة، فلم يكن متحفّظاً في فورته، بل «تبع بالسيف أخاه، وأفسد مراحمه». من أجل ذلك فإن الرب لن يشفق عليه في يوم غضبه العادل، مجازياً أدوم بما جمعه على إسرائيل من سخط. والوقع أن نبوءة عوبديا ترتبط بهذه الفقرة ارتباطاً وثيقاً (ع11،12).

وأما مظهر الغضب الشيطاني الجهنمي الذي ظهر به عمون ضد إسرائيل، ساعياً بالقسوة البالغة العنف أن يمحو أمل الأمة المختارة رغبة في توسيع تخومهم، فقد استدعى المجازة الإلهية العادلة على رأسه المجرم، وتعريضه لكل غضب الرب في يوم زوبعة غضبه (ع13-15).

أما موآب، من الزاوية الأخرى، لم تكن تعنيه قسوة أدوم ضد إسرائيل، بل كل ما كان يهتم به هو إجراء القضاء عليه، بينما هو نفسه متهم بالتهم ذاتها. من أجل ذلك فسوف يقطع «القاضي من وسطهم ويقتل جميع رؤسائهم» (ص1:2-3).

إلى هذه الحدود ترامت الرسائل النبوية موجَّهة للشعوب المحيطة بأرض إسرائيل. والتاريخ شاهد على إتمام تلك النبوءة. فإن غزة وصور وأدوم وعمون وموآب لم تعد إلا مجرد أسماء. فقد تلاشى مجدها إلى الأبد. وإن كانت دمشق لا تزال، ولكن سُبي شعبها وسكن الغرباء في قصورهم. وهكذا دلت نبوءات النبي الراعي على أنها كلمة الرب.

على أن النبي لا يرفع صوته ضد الأمم فقط. فعلى يهوذا وإسرائيل كان يجب أن يعلن الدينونة الآتية بسبب طرقهم الدنسة.

فيهوذا، صاحب الامتيازات الأكثر، قد احتقر ناموس الرب ورفضوا أن يطيعوا وصاياه، أضلتهم أكاذيب معلميهم الزائفين، والأنبياء الذين فضلوهم على رسل السماء الذين أرسلهم إله آبائهم. الآباء، للأسف، تحولوا عن صخرهم، والبنون ساروا في طرقهم. لأجل هذا فقصور أورشليم تُحرق بالنار كقصور الأمم، والمكان الذي وضع فيه يهوه اسمه يسلم لأعدائه (ع4،5).

أما الاتهام الموجه لإسرائيل فهو أطولها جميعاً، فإن المملكة الشمالية المتكبرة تُتهم بالطمع والاستباحة والوثنية، وإلى جانب هذا كانت هناك اللا مبالاة إزاء الشر الواقع بينهم. لقد باعوا البار بالفضة، والبائس لأجل نعلين. والتجارة كانت في تقديرهم أغلى من دعوى المساكين. وإذ عاشوا في النجاسة قبيحة الوصف، كانوا لا يزالون يدعون أنفسهم باسم الرب القدوس، وهكذا دنّسوه في أعين الأمم. وجاءت الوثنية فألهبتهم «ويشربون خمر المُغَرَّمين في بيت آلهتهم»، وتمددوا بجانب كل مذبح على ثياب المحتاجين المرهونة. فقد كانت الشريعة تحرم الاحتفاظ بثياب الفقير كرهن في الليل، أما هؤلاء فلم يحتقروا الشريعة فقط بل - وعلناً - كرّسوا تلك الثياب المرهونة عندهم لعبادة أوثانهم. والقضاة أيضاً، ضداً لكل قانون، استغلوا غرامات المُغَرَّمين في شراء الخمر لأعيادهم الوثنية. هذه هي «خمر المُغَرَّمين». وهكذا أهين قدوس إسرائيل، أهانه أولئك الذين كانوا يفاخرون باسمه.

ومع ذلك فما أجمل ما يذكِّرهم به. فقد أباد الأموري من أمامهم حين أصعدهم من أرض مصر وسار بهم في البرية أربعين سنة. لكنهم أضلوا النذيرين بالخمر، وأبوا أن يستمعوا إلى إنذارات الأنبياء. تلك صورة مخزنة حقاً، أدعى للرثاء، ولكن ما أكثر ما تكررت منذ وقتهم! فإن أصحاب الامتيازات الفضلى هم غالباً أعظم المجرمين ذنباً.

وأخيراً اكتملت آثامهم. ولذلك وُضعت الحزمة الأخيرة على العجلة، وزمان الرحمة قد أتى إلى منتهاه. لذلك لا يثبت أحد «في ذلك اليوم»؛ يوم غضب الرب (ع6-16).

ما أخطرها اتهامات! وما أشد فعل هذه الكلمات القديمة. ألا ليتنا نعتبرها حسنا، نحن الذين يُدعى علينا اليوم اسم الرب.

  • عدد الزيارات: 4334