Skip to main content

أصحاح 3: إسرائيل في حاضره ومستقبله

هذا الأصحاح، على إيجازه، يصبح بالغ الأهمية إذ ما تيسر لنا إدراك طرق الله بالنسبة للأرض والشعب الأرضي. وأستطيع أن أقول إن هذا الأصحاح إنما هو رومية 11 العهد القديم، وإننا إذا ما تفحصناه على هدى ذلك الفصل من رسالة رومية، سنجده يلقي ضوءاً على سرِّ حالة إسرائيل الراهنة، وعلى النبوءات الخاصة بمجدهم المستقبل.

ومرة أخرى يتخذ الرب من رباط النبي بزوجته مثلاً. إن تلك التي كانت شهيرة بأنها «امرأة زنى» قد أصبحت «زانية»، والفارق بين اللفظين يتضح عند تطبيقهما على إسرائيل. فإن إسرائيل، الذي كان بلا أي حقوق قبل أن يحتضنهم يهوه في نعمته العجيبة، قد أثبت بعد أن ربطه الرب بنفسه بخاتم العهد، أنه لايزال غير مستحق لشيء، حتى شُبهوا، ليس فقط في نبوَّة هوشع، بل في نبوءات أخرى كذلك، بزانية تسعى وراء الغرباء دون سعي وراء رجلها.

واضح هنا أنه لا يقال للنبي أن يحب “زوجته”، فإنها أضاعت كل حقوق تلك الرابطة. وهي إنما تدعى “امرأة” وهي “حبيبة صاحب”، إذ أنها كانت قد اختارت، كما رأينا، رجلاً آخر مكان خطيبها الشرعي.

ومحبة هوشع لمثل هذه المرأة التافهة غير المستحقة، إنما تصور “محبة الرب لبني إسرائيل”، الذين برغم اعترافهم برباط عهد مع الرب، فقد التفتوا إلى آلهة أخرى وأحبوا أقراص الزبيب (ع1)، ذلك لأن الأقراص (أو الكعك) كانت تُعبِّر عن العلاقة الوثنية التي كانوا يتمسكون بها، كما يرى القارئ في إرميا 18:17؛19:44. فبتقديم الأقراص أو الكعك، كانوا يكرمون تلك التي كانت تحمل في يومهم لقب “ملكة السماوات”، لقباً خلعته المسيحية المرتدة على مريم أم ربنا، في تحدٍ مباشر لكلمة الله.

ويبدو أن جومر (إذ لا أرتاب في أنها هي فعلاً “المرأة” التي يتحدث عنها الفصل)، كانت قد تورطت بحيث أنه لم يمكن تحريرها من حالتها التاعسة المنحطة إلا بدفع ثمن الفداء. وهكذا اشتراها النبي «بخمسة عشر شاقل فضة وبحومر ولثك شعير»، وذلك هو ثمن العبد العادي؛ وفي ذلك تطبيق لأقوال إشعياء «مجانا بعتم (أنفسكم) وبلا فضة تفكون» (إش3:52). وعن طريق النبي ذاته كان الرب قد توسل إليهم متلطفاً «ارجع إلى لأني فديتك» (إش22:44). ومع أن ثمن الشراء قد دُفع على صليب الجلجثة، فإن يهوذا وإسرائيل لا يزالان شاردين، ورابطة الزواج لم تتجدد بعد وتستأنف.

يقول هوشع لجومر «تقعدين أياماً كثيرة لا تزني ولا تكوني لرجل وأنا كذلك لك» (ع3). فهي فترة اختبار، لا تحديد لها. فترة لابد أن تمرَّ قبل أن تسترد امتيازات الزواج. والروح القدس يطبِّق هذه الأقوال في الأعداد الختامية «لأن بني إسرائيل سيقعدون أياماً كثيرة بلا ملك وبلا رئيس وبلا ذبيحة وبلا تمثال وبلا أفود وترافيم. بعد ذلك يعود بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم، ويفزعون إلى الرب وإلى جوده في آخر الأيام» (ع4،5). في هذين العددين إيضاح كامل لحالتهم كلها خلال هذا التدبير؛ وإيضاح كذلك لبركة المستقبل التي ستكون لهم في يوم المملكة حين يستعلن في القوة والمجد.

هذه «الأيام الكثيرة» تجري خلال الفترة الحاضرة كلها، حتى تكمل أزمنة الأمم. ومنذ خراب أورشليم على يد الرومان، فإن حالتهم تطابق الوصف الذي نراه في هوشع3. فقد كانوا، ولا يزالون، أمة تائهين، بلا قاعدة قومية «بلا ملك وبلا رئيس»، ارتحل القضيب من يهوذا والمشترع من بين رجليه. شهادة خطيرة لحقيقة خطيرة، وهي أن شيلوه قد جاء، وإنما أتى لكي يرفضوه. وهكذا تُركوا بلا ذبيحة، لأن هيكلهم نُقض، ومذبحهم تدنس. ومن أمة إلى أخرى، ومن مدينة إلى سواها جالوا خلال العصور؛ بغير وطن، شعباً مبغَضاً، يرذله الناس، ولا وسيلة لديه للاقتراب إلى الله على أساس الناموس الذي نقضوه.

والثقافة الطقسية والتلمودية حلت محل الفرائض المرتَبة من الله، ومحل سلطان الشريعة فيما بينهم. ومن سنة إلى سنة يقرعون صدورهم معترفين بمرارة “يا ويلتاه، فلا وسيط لنا”. دخان الذبيحة لا يتصاعد للسماء، ودم الكفارة لا يُرش داخل الحجاب في مقدس أرضي؛ والعمى قد لفَّهم جزئياً في لفافة من الظلام القضائي، فلا يعلمون أنه بذبيحة الرب يسوع الواحدة التي قدّمها على الصليب قد رُفعت المذنوبية وطُهرت الخطية، إذ وُجد فداء أبدي في ذلك الدم الكريم.

وهكذا، فهم ليسوا فقط بلا ذبيحة، بل كذلك بلا كاهن، بلا “أفود” إذ قد ضاعت كل السجلات، ومع أنه بقي كثيرون أحياء ممن يتفرعون عن السلسلة الكهنوتية - كما سيتضح في يوم رجوعهم - لكنهم لا يستطيعون أن يتعرفوا على سلسلة أنسابهم، وحتى إذا استطاعوا فليس هناك هيكل يخدمون فيه. وفي هذه الأثناء يقوم الكاهن السماوي بالخدمة في المقدس في الأعالي، لكن عيونهم ممسكة فلا يعرفونه.

من الطبيعي أن يفترض الإنسان أن هؤلاء القوم وقد تنكروا لجميع امتيازات ديانة آبائهم، فلابد أنهم يعودون ويسقطون في الممارسات الوثنية للأمم؛ ولكن لا؛ إذ نجد أنهم استطاعوا أن يقعدوا «بلا تمثال» وبلا «ترافيم». فإن السبي البابلي قد شفاهم من الوثنية. ومن ذلك الوقت لم تعد العبادة الوثنية إحدى خطاياهم القومية. صحيح أنه لم تعد لهم وسائل الاقتراب إلى الله الحقيقي بينما هم يرفضون مسيحه، لكنهم من الجهة الأخرى لا يسيرون وراء الأصنام، بل ينتظرون - كما فعلت زوجة النبي المفدية - إلى ذلك اليوم الذي فيه يعترف الرب بهم علناً مرة أخرى.

وحينما ينتهي التدبير الحاضر، وتخطف الكنيسة إلى السماء، سيشملهم الله بنعمته مرة أخرى، ويتمم مواعيده للآباء. وبعد أن يجتازوا في الأيام الأخيرة ضيقة لا مثيل لها، كما تنبأ إرميا (ص30) ودانيآل (ص11،12) وزكريا (ص12،14) وسيدنا العزيز نفسه في متى 24، وفصول كثيرة مشابهة «يعود بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده». هذا سيكون تتميماً لما كان يفتش ويبحث عنه الأنبياء، بعد أن ينتهي تيه إسرائيل وتُمحى خطاياهم، ويتجددون هم، وتتثبت لهم المملكة. في ذلك اليوم سوف يكون الرب يسوع ملكاً على كل الأرض، ويجلس على كرسي داود أبيه ويملك بالقوة المجيدة والجلال. وكذلك يبدو، من مقارنة هذا الفصل بالجزء الأخير من نبوة حزقيال، أن واحداً من سلسلة داود - ويدعى “الرئيس” - سيمارس على الأرض السلطان على الأمة الراجعة، تحت سيادة ذاك الذي سيكون قصبة ملكه أورشليم السماوية الجديدة، تلك المدينة «التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله».

وهكذا تنتهي أيام مناحة أورشليم، ويأتي يوم مجد المسيّا. فهذان أمران مرتبطان معاً. فلن تكون هناك بركة تامة لإسرائيل وللأرض إلا بعد إعلان الندم على مأساة الجلجثة، ويتحد اليهود والأمم متضامنين في الإقرار بخطية صلب رب المجد وقتل رئيس الحياة.

وحتى يتم ذلك، فسوف تبقى الحالة التاعسة التي يتحدث عنها الأصحاح التالي، فيما خلا رفع لعنة الوثنية كما رأينا.

  • عدد الزيارات: 3707