إصحاح 2، آية 7
7-"أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول إلا تيقظن الحبيب ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء" ( * )
تتكرر هذه العبارات في هذا السفر ثلاثة مرات (2: 7، 3: 5، 8: 3) وغنى عن البيان ان المقصود نبويا "بنات أورشليم" هو البقية التقية من الأسباط العشرة التي ستتبع في نهاية البقية التقية من يهوذا في طلب الرب ملكها.
بالرغم من ان تلك البقية المختارة ستمر تحت عصى التأديب القاسية في خلال الأسبوع الأخير من أسابيع دانيال السبعين، فان إيمانها بالرب يهوه ملكها "المسيا" سيسمو إلى حد أنه وان كان سيبدو كان الرب حبيبها نائم "كما نام في أيام جسده في السفينة التي هبت عليها الريح ولطمتها الأمواج حتى صارت تمتلئ" ولكنها موقنة أنه أنما يسكت في محبته لأورشليم "في ذلك اليوم يقال لأورشليم لا تخافي يا صهيون لا ترتخ يداك. الرب إلهك في وسطك جبار يخلص. يبتهج بك فرحا يسكت (أو يستريح) في محبته. يبتهج بك بترنم"(صف3: 16و17).
ويبارك اسمه الكريم فأنه كما استيقظ من نومه في السفينة قال للبحر "أسكت. أبكم. فسكنت الريح وصار هدوء عظيما"(مر4: 36-41) لا بد ان يضع حدا لآلام تلك البقية ويظهر علانية لخلاصهم ويتمتعهم بالغبطة الدائمة في ملكه الألفي السعيد.
* * *
ما أسعد العروس بهذه العلاقة المقدسة التي صارت لها مع عريسها المجيد، فهوذا الروح القدس قد رسم أمامنا عروس الملك في ملء الغبطة التي لا تستطيع ان تهبها سوى محبته غير المتغيرة، فعلم محبته يخفق فوق هامتها، والأذرع الأبدية من تحت، وها هي تجد راحتها في حضنه، وسعادتها في شخصه إذ هو "عطية الله التي لا يعبر عنها" لذا تتغنى بظله، وثمرته، وبيت وليمته "بيت الخمر"، وعلمه، وشماله ويمينه، فالكل إذا في المسيح، المسيح الكل، ولا شيء سوى المسيح، لذا تبدي العروس رغبتها في ان لا تزعجه شيء ما، أو بالحري في ان "يسكت (أو يستريح) في محبته" ومتى وجدت النفس في هذا الجو الرائق والهادئ جو الاستمتاع الكامل بمحبة الرب يسوع فلا تكون هناك حاجة ملحة لان يتحدث العريس كثيرا. عندما يخاطب الروح القدس الآباء (1يو2) لا يحدثهم بأقوال مطولة بل بكلمات قليلة جدا، بينما الأحداث والأولاد (الأطفال روحيا) يحتاجون إلى كلمات وعظ وتحريض كثيرة، أما الآباء (أي البالغون روحيا) فكل ما يقال لهم "قد عرفتم الذي من البدء". ومتى تثبتنا من حقيقة اتحادنا بالرب يسوع، وأيضا بأننا قد أجلسنا في السماويات في المسيح يسوع ندرك بكيفية عملية بأننا انفصلنا عن جو هذا العالم الصاخب وصرنا في دائرة روحية علوية هادئة حيث هناك "يسكت الحبيب في محبته" ونحن نحرص على عدم إزعاجه بأي شيء يقطع عليه هدوءه وراحته ويكون لسان حالنا "لا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء".
* * *
على أننا إذا اعتبرنا ان المتكلم بكلمات هذا العدد هو العريس وان رغبته هي في ان تبقى العروس مستمتعة بالغبطة الروحية والشركة الهادئة بين ذراعي محبته بحيث لا يزعجها أو يقطع عليها هناءها شيء ما، فان ذلك يقودنا ولا ريب إلى السجود والتعبد القلبي له، فأنه عندما تكون النفس مشغولة به ومحصورة في محبته، فهو تبارك اسمه يحرص دائما على بقائها في هذه الحالة فلا يزعجها أي شيء يقطع عليها تمتعها به. ان ربنا يسوع هو رئيس الكهنة العظيم الظاهر أمام وجه الله لأجلنا والذي يمد النفس بالمعونة ويقودنا إلى حيث الجو الهادئ "إلى موضع خلاء" ويصد عنها كل ما يعكر عليها صفوها وسلامها.
ما أعظم التوافق بين هذا السفر الصغير وبين إنجيل ربنا يسوع المسيح، فان كنا نرى العريس هنا حريصا على بقاء عروسه في حالة الهدوء والاستقرار فلا يسمح لوقع أقدام الآخرين ان توقظها أو تنبهها أو بالحري تزعج راحة حبيبته الباطنية الهادئة، فأننا نرى ذلك عينه بصورة عملية في أيام ربنا يسوع في هذا العالم، ففي البيت العزيز لقلبه _ بيت عنيا، عندما كانت مريم جالسة عند قدميه تستمع لكلمات النعمة الخارجة من فمه فلم يسمح لمرثا أختها ان تقطع عليها الغبطة أو تعكر عليها صفوها وهي تتمتع بالنصيب الصالح الذي اختارته لنفسها(لو10: 41و42) وكذلك عندما سكبت مريم هذه، الطيب الكثير الثمن على رأس الرب وعلى قدميه ومسحتهما بشعر رأسها أو بالحري سكبت نفسها وعواطفها محبة وتعبدا له، لم يسمح ليهوذا ولا لغيره بان يقطعوا عليها تلك الغبطة التي كانت مستمتعة بها فقال "اتركوها. . لماذا تزعجون المرأة فأنها قد عملت بي عملا حسنا"(مت26: 6-13، يو12: 1-7).
* * *
ثم ان في الإشارة إلى "الظباء وأيائل الحقول" معاني روحية سامية، فالعروس تحلف بنات أورشليم بالظباء والأيائل أي بكل ما هو عزيز وغال عندهن مثل "الظبية المحبوبة والوعلة الزهية"(أم5: 19) فكأنها تقول لهن "ان عريسي وحبيبي أعز وأغلى لدي من كل ما هو عزيز وغال لديكن، والواقع أنه لو عرف البعيدون عن الله قدر المسيح وغناه الذي لا يستقصى لنظروا إلى الأشياء الباطلة التي يحبونها نظرة صحيحة، وأدركوا ان كل شيء عداه هو "نفاية" ومن ثم أتوا بقلوبهم إليه مؤمنين به وواثقين في كفاية عمله فوق الصليب فيجدون فيه راحة الضمير المتعب وسلام القلب والسعادة الحقيقية "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لاشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيا"(يو4: 10).
وإذا اعتبرنا ان المتكلم هنا هو العريس كما سلفت الإشارة، فكأنه له المجد يريد ان يلفت العروس إلى هذه الحقيقة العملية، فالظباء والأيائل هي أكثر جميع الحيوانات حساسية وأكثرها خوفا وانـزعاجا من أقل حركة تشعر بها، وهي تتميز بقدرة على السمع قوية بحيث ان همسة صوت خفيفة من بعيد تزعجها وتقطع عليها سكينتها فتبادر إلى الهرب وتركض مسرعة إلى حيث الأمن والسلامة. هكذا جدير بنا وجميل ان يكون لنا الإحساس الروحي الدقيق فنتنبه إلى أية همسة تقتحم علينا سيرنا وشركتنا مع الرب، أو تحولنا عن سبل القداسة العملية والتكريس الكامل لسيدنا وربنا يسوع المسيح "اصحوا واسهروا"(1بط5: 8).
* * *
( * ) جاءت هذه الآية في بعض الترجمات هكذا "أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول إلا تيقظن ولا تنبهن الحبيبة حتى تشاء" استنادا على ان كلمة الحبيب جاءت في لغة السفر الأصلية (أي العبرية) بصيغة المؤنث.
- عدد الزيارات: 3321