الأصحاح السابع والعشرون
التأجيل فخ خطير؟ وكثيراً ما ينتهي بالخراب والدمار. وهذا ما يحذرنا منه العدد الأول.
1. لا تفتخر بالغد لأنك لا تعلم ماذا يلده يوم.
لقد أُعطى الحاضر للإنسان لكي يعمل فيه للمستقبل. وتأجيل عمل اليوم للغد غلطة مؤسفة؟ كم دمّرت آلافاً عديدة من الناس! يقول مثل أسباني: إن طريق التأجيل تنتهي إلى العدم. ويقول مثل آخر: إن الطريق إلى الجحيم مرصوف بالنوايا الحسنة. والإنجليز مولعون بمثل يتداولونه؟ هو: التأجيل لص الوقت. ومن المحتمل أن يكون لكل أمة؟ شعار من هذا القبيل؟ يذكرهم بما ينذر به العدد الذي أمامنا. ولكننا جميعاً ميالون؟ بكل أسف؟ لأن نرجئ للغد ما ينبغي أن نقطع به برأي فوراً!
وهذه الظاهرة؟ ظاهرة التأجيل الممقوتة؟ لا تتجلى بأكثر وضوح؟ مثلما تتجلى فيما يتعلق بأمر خلاص النفس. فكم من مرة شدّد الكتاب على أهمية تسوية هذه المسألة ذات الخطورة البالغة؟ فمرة يقول: «هو ذا الآن وقت مقبول هو ذا الآن يوم خلاص» (2كو6: 2). وأخرى: «اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم» (عب3: 7؟8) وأيضاً «هلم نتحاجج يقول الرب» (إش1: 18). هذا قليل من كثير من الدعوة الصارخة للبَت في هذا الأمر. ومع ذلك فمن المألوف أن تجد الناس يؤجلون التسوية النهائية حتى يحصلوا على وقت؟ مثلما توهم فيلكس (أع24: 25). ولكن هيهات أن يحصلوا عليه؟ فإن الصحة ليست مضمونة؟ ولا العقل؟ ولا الحياة نفسها؟ وكلها تهيب بنا قائلة «لا تفتخر بالغد». ومرة قال فرعون "غداً" بينما كان الأصوب أن يقول "اليوم". لكن "غداً" أقبل فوجد قلبه أقسى من الحجر؟ بلا توبة وبلا اهتمام (خر8: 10).
إن كان القارئ لم يخلص بعد. فليذكر هذه الأمور الخمسة التي من أجلها ينبغي ألا يؤجل مجيئه إلى المسيح.
أولاً: كل يوم يُقضى في الخطية؟ هو يوم ضائع. فالحياة الحقة إنما هي الحياة التينحياها لله. وكل الذين خلصوا يأسفون لأنهم لم يرجعوا للرب مبكرين أكثر مما فعلوا؟ وذلك لأنهم وجدوا غبطة وسلاماً وفرحاً في طريق البر. «أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل» (أم 4: 18).
ثانياً: كل يوم ينقضي في التأجيل يضاعف عدد المشاكل التي لا تستطيع حلها. وكم ينسى الشبان هذه الحقيقة؟ وهي أنهم مع كونهم قد خلصوا وغُفِرت خطاياهم؟ ولكن لتلك الخطايا القديمة آثار؟ بدنية وزمنية؟ لا تمحى. فمن المعروف أن لكل واحد منا تأثيراً على الآخرين؟ سواء للخير أم للشر؟ تأثيراً لا يمكن أن يبطله أي تبديل في الطرق. والخطية أيضاً تترك تأثيرها السيئ على أذهاننا وأبداننا؟ تأثيراً يبقى على الزمن. مرة طلب أب من ابنه أن يدق بعض المسامير في قطعة من الخشب وبعد أن دقها طلب منه أن ينتزعها. ثم أمره أن ينـزع الثقوب التي تخلفت عن المسامير. فأجاب الغلام "كيف يا أبي؟ إن هذا مستحيل!". فقال له: هكذا غفران الخطايا هو بمثابة انتزاع المسامير؟ لكن يجب ألاّ ننسى آثارها الباقية. وهنا الحكمة في أن يكف الإنسان عن عمل ما لا يمكن حله في المستقبل.
ثالثاً: من المحتمل أن تفقد النفس؟ في أية لحظة الاقتناع بالخطية؟ إذ لا يعود الله يكلم الخاطئ بروحه القدوس. وكم من أشخاص قاوموا الروح القدس طويلاً حتى وصلوا؟ مثل فرعون إلى حيث يرفض القلب أن يصغي إلى التوسلات والتحذيرات.
رابعاً: إن الموت قد يطلبك قبل حلول الغد. ومرة قال داود «إنه كخطوة بيني وبين الموت» (1صم20: 3). وهكذا الحال مع كل واحد منا. وربما قبل أن يأتي الغد؟ تغلق شفتاك ويتوقف قلبك؟ وتمضي إلى العذاب الأبدي.
خامساً: أخيراً؟ يجب أن نذكر أن الرب يسوع سيأتي ثانية. وقد يدعو مفدييه ليأخذهم إليه (1تس13: 4-18) قبل أن تنتهي من قراءة هذه السطور. إننا لا ننتظر ظهور أي حادثة ولا إتمام أي نبوة؟ قبل مجىء تلك اللحظة الأخيرة. ففي ساعة لا تظنها سينتهي يوم النعمة؟ وتبدأ ساعة الانتقام لأولئك الذين رفضوا أو أهملوا خلاصاً هذا مقداره.
وإذ لا تعلم ما يأتي به اليوم؟ فمن الحكمة أن تتحول في الحال إلى الله؟ معترفاً بخطاياك ومتكلاً على نعمته.
2. ليمدحك الغريب لا فمك. الأجنبي لا شفتاك.
إن حب الإطراء يدل على عدم التهذيب وعدم تقدير الأمور. فإن رأيت الآخرين يتعاظمون؟ فسِر أنت في طريقك؟ ناظراً باتضاع إلى الله؟ لكي يحفظك في روح الوداعة والتواضع. فأنت أعلم من سواك بعثراتك وسقطاتك وفشلك. إن الافتخار بالمؤهلات أو الكفاءات ضار جداً؟ ويفتح الباب للانتقاد المرير العنيف. انظر رجال أفرايم ومنسى (يش17: 14؟15).
3. الحجر ثقيل والرمل ثقيل وغضب الجاهل أثقل منهما كليهما.
إن غضب الجاهل ثقيل لأنه غير مقبول. فهو لا يقبل تعليلاً؟ وينظر بعين الخبث والريبة إلى كل محاولة لتهدئته. والأفضل أن تدع شخصاً مثل هذا وشأنه؟ من أن تكافح وتجاهد معه؟ لأنه عاجز عن كل حكم سليم وتقدير للأمور. عامله بالصمت وعدم الرد؟ كما أمر حزقيا أشرافه أن يتصرفوا مع ربشاقي (إش21: 36).
4. الغضب قساوة والسخط جُراف ومن يقف قدام الحسد؟
فضلاً عن ذلك؟ فإن الغضب الذي حدثنا عنه العدد السابق؟ هو عاصفة فكرية قصيرة المدى. والسخط عاصفة عابرة. والخوف؟ كل الخوف؟ أن يطول مداهما. لكن الحسد أقوى منهما بكثير؟ لأنه يبقى حتى بعد أن تختفي كل مظاهره الخارجية. انظر إخوة يوسف (تك37).
5. التوبيخ الظاهر خير من الحب المستتر. 6. أمينة هي جروح المحب وغاشة هي قبلات العدو.
إن المحبة الصادقة تحملني على أن أكون أميناً مع أخي إذا انحرفت خطواته عن طريق الاستقامة. ومع كل الحرص على تجنب روح الانتقاد والسعي إلى تصيد الأخطاء؟ أسعى لرد نفسه إذا ضلّ. قد أجرحه وأنا أفعل ذلك؟ لكن الألم الناتج من هذا الجرح أمين ومخلص؟ والتقويم بالنعمة أفضل من المحبة المستترة التي تمنعني من لفت نظره إلى أخطائه. إن العدو قد يكثر القبلات ومظاهر المودة في مثل هذا الموقف؟ متجاهلاً الشر؟ ومؤيداً فاعل الشر في قضيته الظالمة؟ لكنها مظاهر خدّاعة مثل قبلة يهوذا. وكم كان بولس أميناً لبطرس وبرنابا والأحباء في غلاطية؟ وكل منهما عزيز لقلبه (غل1و2).
7. النفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مر حلو.
إن الجوع الشديد هو الذي يفتح الشهية للطعام؟ ويجعلنا نستمتع بما لا يمكن الاستمتاع به في حالة الشبع. وعند الكثيرين تشبه كلمة الله هذا الشيء المر؟ ولكن إذا كانت النفس جائعة تصبح الكلمة حلوة كالعسل. اقرأ (حز3: 1-4؟ رؤ10: 9؟10).
8. مثل العصفور التائه من عشه هكذا الرجل التائه من مكانه.
لقد أعطى الرب لكل واحد عمله. ونقدر أن نقول: لكل واحد مكانه ومركزه؟ ويقول الرسول «وأما الآن فقد وضع الله الأعضاء كل واحد منها في الجسد كما أراد» (1كو12: 18). فالقديس؟ الذي باعتماده على الرب؟ يشغل مكانه المعين له ويحتفظ بمركزه؟ لابد أن يجد بركة غنية. ولكن؟ كما أن العصفور التائه من عشه يعرض نفسه للخطر والألم؟ هكذا تكون الحال مع القديس الذي ينحرف عن مكانه.
وهذه الحقيقة تنطبق على الجماعة كمبدأ. فهنالك مكان يريد الله لأولاده أن يجتمعوا فيه؟ أي حول ربنا يسوع المسيح وباسمه؟ الاسم الكريم العزيز. فالقديس الذي يكون قد عرف غبطة هذا الامتياز الثمين؟ ويترك مركزه؟ أو يضل عن مكانه لأسباب تافهة سطحية؟ يشبه عصفوراً يهجر عشه. انظر ديماس (2تي4: 10).
9. الدهن والبخور يفرحان القلب وحلاوة الصديق من مشورة النفس.
إن المشورة الحبّية الصادرة من صديق مخلص؟ تنعش النفس وتزيدها همة ونشاطاً؟ مثلما يفعل الدهن والعطر للجسم. إن التدهن بالزيت في الجو الحار الجاف؟ كما في فلسطين؟ كان ولا يزال عاملاً في الترطيب والإنعاش. بينما العطور الحلوة والمنشطة تستخدم في تنبيه الحاسيات الراكدة؟ وهي منعشة إلى حد كبير. وطوبى للإنسان الذي له صديق من هذا الطراز. وقد وجد داود في يوناثان هذا الصديق الحلو (2صم1: 26).
10. لا تترك صديقك وصديق أبيك ولا تدخل بيت أخيك في يوم بليتك. الجار القريب خير من الأخ البعيد.
حينما يفاجئنا الحزن وتباغتنا البلايا؟ فإنه خير لنا أن نجد صديقاً مختبراً نستعين به؟ من أن نعتمد على الأقارب الذين - ولو كانوا على مقربة منا - قد تنقصهم المودة التي تميز الصديق. إن الزمن والبعد عاملان قويان يضعفان الروابط العائلية كما يعرف كل واحد منا. وإنه يحسن بجميعنا أن نعرف ذلك الصديق الألزق من الأخ! (راجع ملاحظاتنا على ص 17: 17 و18: 24).
11. يا ابني كن حكيماً وفِّرح قلبي فأجيب من يعيرني كلمة.
إن طاعة الابن الحكيم وتصرفه الدقيق؟ تضفي كرامة وفخراً على أبيه. أما إذا اتصف الولد بالعناد والعصيان؟ فإن الناس يعيّرون أباه؟ وينسبون إليه أنه لم يربِّ أولاده تربية حسنة. والوصية عينها خطيرة بالنسبة لنا نحن «أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع». فإذ نسلك كما يرضي من دعانا؟ فإننا أمام الناس نمجد مخلصنا الله وأبانا. وكم ذا يعيّره الأشرار بسبب حماقات أولاده أحياناً! فخطية داود؟ كانت فرصة لأعداء الرب أن يجدفوا؟ ومن هنا حكم بموت ابن بثشبع (2صم12: 14).
12. الذكي يبصر الشر فيتوارى. الأغبياء يعبرون فيعاقبون.
هذا العدد تكرار لما جاء في ص22: 3. فانظر أيها القارئ الذي لم تخلص بعد؟ مدى اهتمام الإله الذي تتناساه وتتغافل عنه؟ حين يعود فيذكرك بأهمية التدبر لأجل المستقبل والاحتماء في المسيح قبل أن يباغتك الشر حيث لا علاج يومئذ! فإذا سرت بعد هذا الإنذار متثاقلاً صوب قضائك الذي تستحقه «فماذا تقول حين يعاقبك؟» (إر13: 21).
13. خذ ثوبه لأنه ضمن غريباً ولأجل الأجانب ارتهن منه.
هذا أيضاً تكرار لمثل ورد في القسم الأكبر من سفرنا هذا (راجع ص 20: 16) لكن لا يجب أن نـزعم أن المصادفة المجردة هي التي جعلت رجال حزقيا يعيدون نقل بعض أقوال سليمان الحكيمة بهذه الطريقة. إنما أراد الله بهذه الوسيلة أن يستحضر إلى أذهاننا؟ بطريقة خاصة؟ خطورة التعليم الذي تنطوي عليه. ومن يهمل مثل هذه الشهادة الكاملة؟ هو في الحق؟ مخطئ وغير أهل بالعطف؟ إن هو حصد مثلما زرع.
14. من يبارك قريبه بصوت عال في الصباح باكراً يحسب له لعنا.
نلمس في هذه الأقوال نـزعة التهكم. فالشخص الذي يعني كثيراً بتأكيد حقيقة عواطفه تحت نافذة قريبه وصديقه بصوت عال ونغمة ثرثارة في الصباح الباكر؟ بينما يكون قريبه أو صديقه بحاجة ماسة إلى الراحة؟ يجعل نفسه إنساناً ممقوتاً وتنقلب بركته لعنة. فإن أقوال المديح الصاخبة والتي لا داعي لها؟ شيء يتخوف منه الناس كثيراً. فهي في الغالب تكشف عن قلب غير مخلص؟ وعن أحاسيس غير شريفة؟ ينفر منها صاحب الأخلاق الهادئة الصريحة. وعند الإيطاليين مثل يقول: من يمدحك أكثر مما تعود أن يمدحك به؟ فهو إنما يخدعك؟ أو يزمع أن يخدعك. انظر أبشالوم ورجال إسرائيل (2صم15: 1-6).
15. الوكف المتتابع في يوم ممطر والمرأة المخاصمة سيان. 16. من يخبئها يخبئ الريح ويمينه تقبض على زيت.
راجع ص 21: 9؟19 ولا يوجد تعليق على العدد الأول أفضل من وصف "دكتور طومسون" لعاصفة ممطرة في فلسطين فيقول: إن هذا النوع من الأمطار يتسلل إلى هذه البيوت الجبلية ذات الأسطح الترابية؟ فتنساب المياه بكثرة على هيئة رشوحات تملأ حجرات البيت. وهذا الوكف المتتابع (تك.. تك) كل النهار وطوال الليل أكثر شيء مزعج في العالم ولا يزيد عنه سوى ثرثرة المرأة المخاصمة. فمن يحاول أن يخفي على الآخرين أن امرأة من هذا الطراز تشاركه الحياة تحت سقف واحد؟ كمَنْ يحاول أن يخفي الريح أو أن يمنع الناس عن أن يشموا رائحة الزيت أو الدهن العطر الذي يدهن به يمينه. وقد حسب أحشويروش أن وشتي الملكة أخطأت خطأ من هذا القبيل يوم احتقرته وحقّرته أمام عظمائه إذ تحدت وعصت أمره (إس10: 1-20).
17. الحديد بالحديد يحدد والإنسان يحدد وجه صاحبه.
كما أنه بواسطة الاحتكاك تشحذ قطعة الحديد قطعة أخرى وتصقلها؟ هكذا يتسنى لنا أن يكون كل منا لأخيه معواناً؟ وذلك بالاحتكاك الودي وتبادل الأفكار. أما المعتزل فإنه ضيق الفكر قليل الحيلة. والشخص الذي يريد أن يكون بركة لرفقائه ينبغي أن يختلط بهم لكي يدرس حاجاتهم وآلامهم؟ لكي يكسب لنفسه؟ بما قديتوفر لديهم من ميزات أو مدارك أسمى مما لديه. والواقع أن شركة القديسين بعضهم مع بعض؟ أمر ذو قيمة. وتزداد حلاوته كلما اسودّت الأيام. وما كان أحلاها وأعذبها شركة تلك التي كانت بين بولس وتيموثاوس (2تي3: 10؟11).
18. من يحمي تينة يأكل ثمرتها وحافظ سيده يكرم.
إن الولاء في الخدمة؟ مهما يكن نوعها؟ مضمون مكافأته في الوقت المناسب. كما أن حارس التينة من حقه أن يأكل من ثمارها في وقته. فليذكر المسيحي أن معلمه في السماء؟ وأن مَنْ يراعيه ويحترمه؟ ويحفظ كلمته في رفضه؟ هذا سوف يُكرم في يوم المسيح. إذاً فليواصل جهاده وعمله متشدداً بالإيمان؟ معطياً مجداً لله؟ فوقت الحصاد محقق؟ كما هو مع الحراث (2تي 2: 6).
19. كما في الماء الوجه للوجه كذلك قلب الإنسان للإنسان.
ربما كان الماء النقي أقدم مرآة بدائية. فكما أن الصورة الظاهرة على صفحة الماء تطابق وجه الناظر في الماء؟ هكذا يطابق قلب الإنسان قلب أخيه "ولا فرق" بلا اختلاف. ومهما يختلف الناس كثيراً بسبب المميزات الوراثية أو عامل الثقافة أو انعدامها أو البيئة أو الخبرة؟ فإن الحقيقة الراسخة تبقى راسخة؟ وهي أن للجميع نفس القلب الشرير الفاسد الذي هو «أخدع من كل شيء وهو نجيس». ومن هذه الناحية ليس لأحد أن يفتخر على الآخر فالجميع خطاة يحتاجون إلى مخلص.
ولذلك فإن كنت أريد أن أُظهِرْ لإنسان ما كينونته الخاطئة؟ فليس عليّ إلا أن أصف شر قلبي؟ وعندئذ يكون هو عرضة لأن يظن أن أحداً من الناس أبلغني بعض المعلومات السرية عن أخطائه؟ وإنني أعرِّض به! وكم ظن الناس مثل هذا الظن يوم وقف كارز أمين وأعلن طبيعة كيان الإنسان الأدبي؟ بينما هو يجهل تماماً حالة سامعيه وسلوكهم الحقيقي! وإذا كان الجميع خطاة؟ فما أعظمها بركة أن يكون للجميع مخلص كريم انظر (رو 10: 5-13).
20. الهاوية والهلاك لا يشبعان وكذا عينا الإنسان لا تشبعان.
هذا العدد إنما يختم على حقيقة العدد السابق. وفي هذا يتساوى الجميع. ذلك أن القلب الطبيعي لا يدع العينين تشبعان؟ ففي الإنسان قدرة مشبّهة بالهاوية والهلاك. ومهما يحصل على كل شيء فإنه لا يزال يرنو إلى المزيد. إن هذا هو الدرس العظيم الذي يعلنه سفر الجامعة. ففيه نجد إنساناً قلبه من السعة والعمق بحيث لا يستطيع العالم أن يملأه. على أننا نجد؟ من الناحية الأخرى؟ في سفر النشيد؟ هدفاً هو من العظمة بحيث لا يسعه القلب؟ بل تصدر من صاحبه هذه الصرخة: «أنا مريضة حباً». فالمسيح وحده هو الذي يستطيع أن يسدد كل حاجات النفس ويشبع كل حنينها. بل ويفعل أكثر من ذلك لجميع الذين يجدون في شخصه المحبوب هدف وغرض عواطفهم. راجع ص30: 15؟16.
21. البوطة للفضة والكور للذهب كذا الإنسان لفم مادحه.
ليس من بوطة لامتحان الإنسان أشد حرارة من أن يوضع في نار المديح والإطراء. إنه من السهل نسبياً أن يسير القديس في «صيت ردىء» متمسكاً بالرب ومعتمداً عليه في إظهار براءته؟ ولو أن كثيرين يفشلون في مثل هذه الظروف. أما أن يتابع مجرى حياته الهادئ لا يزعجه ولا ينفخه المديح والإطراء؟ فتلك علامات تدل على أنه إنسان سائر مع الله فعلاً. إن مئات من القديسين نجحت نفوسهم لما كانوا في أوقات الشدة؟ بينما تجلت خيبتهم في أوقات النجاح. وها هو جدعون يقف أمامنا تحذيراً خطيراً لجميع الذين هم في خطر الانسياق وراء خطر التقدير الأكثر من اللازم (قض8: 22-27).
22. إن دققت الأحمق في هاون بين السميذ بمدق لا تبرح عنه حماقته.
إن الحماقة مرتبطة بقلب الجاهل؟ فأصبحت؟ بسبب العمر الطويل والعناد؟ جزءاً من كيانه. إن دققته؟ كما تدق حبات الحنطة في هاون؟ فلن تخلّصه من شره. ربما كان يمكن للتقويم المعقول أن يؤدي إلى نتيجة طبيعية في الطفولة (ص22: 15). أما وقد سُمِح بتطور أخلاقه على هذا الوضع فقد مضى الزمن الذي تنفع فيه العقوبة البدنية. بل ولن يقوى الإقناع الأدبي على إصلاحه لأن الأحمق يغلق أذنيه دون التوسلات؟ ولا يعنيه إلا ما يسرّه. وهي حالة ما أرعب الوجود فيها. والله وحده هو القادر أن يوقظ؟ في أمثال هذا الإنسان؟ الإحساس بالذنب والخطر؟ حتى يتحول عن حماقته. انظر إرميا 13: 23.
23. معرفة اعرف حال غنمك واجعل قلبك إلى قطعانك. 24. لأن الغنى ليس بدائم ولا التاج لدور فدور. 25. فنى الحشيش وظهر العشب واجتمع نبات الجبال. 26. الحملان للباسك وثمن حقل أعتدة. 27. وكفاية من لبن المعز لطعامك لقوت بيتك ومعيشة فتياتك.
إن الأمانة في الرعاية تهيئ الطعام الكافي للراعي وللرعية التي يعولها. فإن الثروة تهرب والغنى يمضي سريعاً (راجع ص 23: 4؟5). ومن هنا أهمية السعي المتواصل والقيام بالواجب. حتى التاج لا يدوم إلى الأبد؟ فالأسرة المالكة تتعرض للقيام والسقوط تبعاً لتغييرات العالم. أما الذي يكد ويرعى موارده ويعنى بقطعانه فله وفرة في الطعام ووفرة في الكساء. وهل يحظى أكثر الناس ثراءً بأعظم من الطعام والكساء بوفرة؟
وهذه الأعداد تصور العناية الرعوية بين قطيع المسيح. وتلك هي كلمة الراعي العظيم لبطرس «ارع خرافي (أي أطعم حملاني)... ارع غنمي» (يو21: 15-17). وحيث غرس؟ له المجد؟ قلباً رعوياً؟ فهذه هي نتيجته: رعاية (أي إطعام) الخراف وخدمة الغنم. ومثل هذا الشخص يجيد الاهتمام بحالة القطيع؟ لا لربح قبيح ولا كمن يسود على الأنصبة؟ بل من المحبة الطاهرة لخراف المسيح. والمجازاة آتية في النهاية بكل يقين «ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى» (1بط5: 1-4). ولعلنا - بهذه المناسبة - لا ننسى دفاع يعقوب أمام لابان الذي يذكرنا بما تعنيه خدمة الراعي؟ إذا هي تمّت بضمير حيّ وتعفف (تك40: 31).
- عدد الزيارات: 3983