Skip to main content

الأصحاح الخامس والعشرون

القسم الثالث: 25 - 29: أمثال سليمان التي نقلها رجال حزقيا

1. هذه أيضاً أمثال سليمان التي نقلها رجال حزقيا ملك يهوذا.

ها نحن ندخل؟ كما أشرنا من قبل؟ في الجزء من سفر الأمثال الذي لم يكن قد ضُم إليه حتى أيام حزقيا؟ أي بعد موت سليمان بثلاثة قرون. فإن بعض الكتبة؟ الذين تطلق عليهم الترجمة السبعينية صفة «رجال حزقيا»؟ أخرجوا من بين طيّات النسيان هذه الأمثال التي تؤلف الخمسة الأصحاحات التالية. ونتعلم من 1ملوك4: 32 أن الملك الحكيم «تكلم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفاً وخمساً». أما عن هذه النشائد فلا نعرف شيئاً؟ وكل ما لدينا - غير سفرنا هذا - هو سفر النشيد ومرثاة الجامعة؟ ومزمور 127. ومن المحتمل أن هناك قليلاً من المزامير من تأليفه؟ لكن بقية نشائده لم ير الله أن يحتفظ بها. وعن سفر الأمثال فقد مرّ بنا ما يربو على أربعمائة مثل نظ‏مها وتسلمت إلينا.

وفي الجزء الذي نحن مقبلون على دراسته؟ كثير من الأمثال الإضافية. وسواء كانت مسلّمة شفاهاً أو كتابةً من أيام سليمان إلى زمان حزقيا؟ فذلك أمر لا نستطيع أن نقطع فيه برأي. فإن العبارة «نقلها رجال حزقيا» توحي بنسخها أو بنقلها مكتوبة؟ مما يعزز الرأي الأول. ولكن حيث أنه يمكن ترجمة اللفظة ذاتها ترجمة أخرى تعني "جمعها"؟ أي أن رجال حزقيا جمعوها؟ لذلك ليس من اليسير أن نقرر شيئاً إيجابياً في هذا الصدد. وكل ما يعوز المسيحي للتأكد من مصدرها الإلهي؟ هو تلك الحقيقة المعروفة؟ وهي أن هذه المجموعة من الأمثال تؤلف جزءاً من كتب العهد القديم يوم كان سيدنا يصادق على صحة الأقسام الثلاثة التي تنقسم إليها كتب العهد القديم؟ وهي الناموس والأنبياء والمزامير (لو24: 44).

2. مجد الله إخفاء الأمر. ومجد الملوك فحص الأمر. 3. السماء للعلو والأرض للعمق وقلوب الملوك لا تفحص.

يذكّرنا الكتاب المقدس أكثر من مرة بأن مشورات الله وخططه لا تستقصى. انظر تثنية29: 29 ورومية33: 11؟34. فكما علت السموات عن الأرض هكذا علت أفكاره عن أفكارنا. ولذلك يليق به تعالى أن يخفي مقاصده العجيبة عن حب الاستطلاع البشري التافه. ومع ذلك يريد من الذين هم في منصب أن يفحصوا كلمته باهتمام لكي يعرفوا فكره ومشيئته لأن هذا تدريب صالح ونافع. وكما أنهم ينقبون ويفتشون في مكتوماته؟ كذلك هو تعالى يفحص أسرار مخادع قلوبهم التي يجهلها رعاياهم. وكما أنهم يكتمون أسرارهم؟ كذلك يخفي تعالى أسراره؟ ويحتفظ بها ولا يعلنها إلا لقلة مختارة أمينة «سر الرب لخائفيه». القديسون جميعاً هم ملوك لله. ولهذا فهو يحب أن يبلغ فكره لكل من يهتم بأن يجعل نفسه مزكى لله. فليتنا نكون ملوكاً بهذا المعنى السعيد. انظر كلام ملاك الرب لمنوح وامرأته (قض13: 17؟18).

4. أزل الزغل من الفضة فيخرج إناء للصائغ. 5. أزل الشرير من قدام الملك فيثبت كرسيه بالعدل.

كما أن تنقية الفضة من الزغل تُنتج ما يلائم الصائغ؟ كذلك إزالة المشيرين الأشرار والناس الأثمة من قدام الملك تثبِّت عرشه بالبر. هكذا فعل سليمان في تاريخه يوم كان عليه أن يدين فعلة الشر الكثيرين قبل أن يتبوأ العرش (1مل2). وهذا ما سيتم؟ على نفس المبدأ؟ فيما يتعلق بملكوت ربنا يسوع المسيح. فإن الأشرار سيُبادون والعصاة يُقطعون من الأرض حينما ينتصر له المجد ويفتتح ملكوته في يوم الرب العظيم (2تس1؟2؟ رؤ19).

6. لا تتفاخر أمام الملك ولا تقف في مكان العظماء. 7. لأنه خير أن يُقال لك ارتفع إلى هنا من أن تحط في حضرة الرئيس الذي رأته عيناك.

إن المثل الذي قاله سيدنا في لوقا14: 7-11 يحمل نفس المعنى وبنفس الأسلوب. ولا ريب في أنه؟ له المجد؟ بذلك رفع قيمة هذه المجموعة من الأقوال الحكيمة النافعة. إن الكبرياء التي تحفز الإنسان على تقديم نفسه في حضرة الشخص العظيم؟ تنال توبيخاً ساحقاً. والشخص الدي يقدّر أهمية نفسه؟ ويأخذ مكانه على ضوء تقديره هو لنفسه؟ عرضة لأن يكون تقديره أعظم من تقدير الآخرين له؟ فيضطر أن يعطي مكانه لمن هو أسمى منه. أما الشخص الذي يقنع بالمكان المتواضع؟ فقد يُدعى إلى مكان أرفع إذا كان جديراً به. انظر داود الذي وهو راعٍ اختير ملكاً (1صم16).

8. لا تبرز عاجلاً إلى الخصام لئلا تفعل شيئاً في الآخر حين يخزيك قريبك.

راجع ص24: 5؟6؟27. حينما يكون الأمر من الرب؟ فللمؤمن أن يبرز عاجلاً للجهاد أو الدفاع. لكن كثيرين من القديسين يتصرفون مثل يوشيا؟ إذ يتدخلون فيما لا يعنيهم؟ الأمر الذي يجلب عليهم العار والحزن العميق. «بعد كل هذا»؟ هي عبارة ذات دلالة خاصة جاءت في مستهل قصة فشل يوشيا؟ يوم خرج لملاقاة فرعون "نخو". أجل؟ فبعد حياة طويلة من الصحو والتكريس لله «برز الخصام» عاجلاً ليساهم في عملية لم يكن له أن يتدخل فيها. ومن هنا لقى ميتة كلها هوان (2أي35: 20-24). قارن أقوال سيدنا في لوقا 12: 57-59؟ ص14: 31-33.

9. أقم دعواك مع قريبك ولا تبح بسر غيرك. 10. لئلا يعيرك السامع فلا تنصرف فضيحتك.

ما أكثر العناء والمساوئ التي كان يمكن للناس أن يتفادوها لو أنهم كتموا اختلافاتهم ولم ينشروا على الملأ أخبار مشاحناتهم. ولو أن القاعدة الكتابية البسيطة روعيت بأمانة «اذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما»؟ فكم من سوء الفهم كان يمكن تصحيحه بدلاً من الاستمرار لزمان طويل؟ مما يتخلف عنه بكل يقين توسيع دائرة الخبر وامتداده لأشخاص لم يكن لهم أن يسمعوا شيئاً. أما أن تذهب مباشرة للشخص الذي تخشى أن تتشاحن معه؟ وتناقش معه الأمر سراً وبروح كريمة؟ حائلاً دون أن يصل الخبر إلى الآذان المرهفة للسماع والعيون المتجسسة؟ فهذا هو ما يعلمنا إياه المثل الذي أمامنا. وهي ليست وصية من سليمان؟ بل الله يذكي هذا التصرف. وطوبى لشعبه إذا فعلوا هكذا (انظر مت 5:  25؟26).

11. تفاح من ذهب في مصوغ من فضة كلمة مقولة في محلها.

إن هذا التشبيه حيّر كثير من المفسرين؟ فيتساءلون عن المعنى المراد من «تفاح من ذهب» فواحد منهم يفترض أنه تفاح من ذهب مطرز بصور أو رسومات من فضة. غير أن التعبير الذي يبدو معقولاً أكثر؟ هو أن لون الذهب وتطبيقه على التفاح يشير إلى لونه الأصفر؟ وليس أن التفاح مصنوع من الذهب. وقد يكون المقصود تفاحاً جميلاً كالذهب موضوعاً في طبق من الفضة.

إن نتيجة الأقوال المستقيمة المقولة في محلها أشبه بذلك المنظر الذي لا يتسنى لأي قلم أن يصوره. انظر أقوال بوعز لراعوث (را2: 8-13).

12. قرط من ذهب وحلي من إبريز الموبخ الحكيم لأذن سامعة.

إن التوبيخ الذي يقدمه برفق إنسان حكيم؟ لا بد أن يكون له من القيمة ما يفوق الهدية النفيسة. هكذا كانت أقوال عوبديا النبي لجيش يهوذا الذي نرى رجاله قد اتبعوا أقواله كرسالة من الله (2أي28: 9-15).

13. كبرد الثلج في يوم الحصاد الرسول الأمين لمرسليه لأنه يرد نفس سادته.

في فلسطين في الأزمنة الغابرة؟ كانوا يضعون الثلج لتبريد وترطيب المشروبات في حرّ الصيف. ومن هنا؟ من اليسير جداً أن ندرك مفهوم التشبيه. فكما أن الثلج البارد ينعش الحصادين وهم يقومون بعملهم في أيام الحصاد الحارة؟ هكذا يفعل الرسول الموثوق به؟ إذ ينعش؟ أو يرد نفس سادته. انظر يحزئيل (2أي20).

14. سحاب وريح بلا مطر الرجل المفتخر بهدية كذب.

انظر مفارقة ص18: 16. إنه حينما تبدو السحب في السماء في فترات الجدب؟ يتطلع الناس في انتظار تهاطل المطر؟ وييأسون إذا لم يتهاطل. هكذا الحال حينما يعد أحدهم بتقديم هدية ولكنه لا يفي؟ فإنه يملأ النفس خيبة أمل. على أن يهوذا (كاتب الرسالة) يشير إلى هذا العدد فيما يتصل بأولئك الذين يدّعون أنهم موهوبين كمعلمين لحق الله؟ ولكنهم في الواقع ليس لديهم شيء لنفوس سامعيهم. ومن المألوف أن نرى أناساً من هذا النوع واثقين في كفاياتهم ونظرتهم الروحية الثاقبة؟ مع أنهم مجردون من كل تمييز تقوي (يه11-13).

15. ببطء الغضب يقنع الرئيس واللسان الليّن يكسر العظم.

إن الشفقة؟ وطول الأناة؟ عاملان قويان في التغلب على العناد والميل للغضب الذي يبدو وكأنه عظم قاسٍ لا ينثني أو يلين. غير أن اللسان الليّن يكسره. بمعنى أن لغة وأسلوب الإقناع الهادئ ينتصر حيث لا تؤدي التعبيرات القاسية والعبارات الغاضبة إلا إلى إثارة الاستياء الدفين. انظر أقوال داود لشاول بعد أن أبقى على حياته مرة ثانية (1صم26: 17-25).

16. أوجدت عسلاً؟ فكل كفايتك لئلا تتخم فتتقيأه.

راجع ص 24: 13؟14. إن تناول العسل باعتدال؟ نافع وصحي معاً. لكن الإفراط في تناوله ضار للغاية. وهكذا الحال بالنسبة إلى ما يدل عليه العسل؟ فهو في الكتاب المقدس طولاً وعرضاً يمثل الحلاوة الطبيعية. لذلك كان ممنوعاً إدخاله في تقدمة الدقيق التي ترمز للمسيح في ناسوته الكامل المنـزه عن الخطية (لا2). فما سعى - تبارك اسمه - إلى تسلية في الأشياء الطبيعية؟ مهما تكن مبهجة أو مقبولة. هي جائزة بدرجة ما؟ لكن حذار أن نجعل منها غرضاً لقلوبنا.

وعلى الزوجات والأزواج أن يكونوا حريصين على عواطفهم الواحد إزاء الآخر؟ حتى لا تزاحم؟ مع ما لهذه العواطف من حلاوة؟ أمور الله. وهكذا الحال بالنسبة لمختلف مباهج ومتع الحياة. فإن ما هو جائز وقانوني؟ قد يعطل النمو الروحي إذا سمحنا له أن يكون ذا نفوذ مسيطر على حياتنا. إن قليلاً من العسل على طرف عصا الغريب النـزيل معقول ونافع. لكن سوء استعماله شيء آخر. انظر يوناثان (1صم27: 14).

وكذلك نستطيع أن نستخرج عسلاً من صعاب الحياة ومشاكلها إذا ما واجهناها وتغلبنا عليها في خوف الله. أما السعي والبحث عنه؟ فهذا أمر يختلف كل الاختلاف عن قبوله بالشكر إن وجدناه في رمة الأسد المقتول بقوة الإيمان. انظر شمشون (قض14: 5-9؟14) راجع أيضاً ع27 من هذا الأصحاح.

17. اجعل رجلك عزيزة في بيت قريبك لئلا يملّ منك فيبغضك.

الدرس بسيط ولكنه مهم. ومع ذلك فما أبطأ الكثيرين في تعلمه! ومضمون المثل يعبّر عنه المثل الإنجليزي الدارج:  "الألفة تولد الاحتقار". وهذه إحدى صور العسل التي يحذرنا المثل السابق من الانغماس والإفراط فيه. فإنه حتى فيما يتصل بأحسن أصدقائنا يحسن أن تتوفر لدينا الكياسة والذوق الصالح في زياراتنا لهم. إذ من السهل جداً أن تفقد الترحيب الحبي الذي تعودته من الآخرين. وقد حدث كثيراً أن أولئك الذين كانوا أفضل أصدقائنا انقلبوا إلى أعداء ألدّاء بسبب إهمال مفهوم العدد البسيط الذي أمامنا.

هذا؟ وإن أطول وقت نصرفه سراً مع الله؟ وأقل وقت نقضيه بين الناس؟ ينتج فوائد عظيمة لنفوسنا؟ ومجداً لربنا يسوع المسيح. انظر الغلطة التي تتعرض لها الأرامل الحدثات؟ وخذ لك منها إنذاراً (1تي13: 5).

18. مقمعة وسيف وسهم حاد الرجل المجيب قريبه بشهادة زور.

ما أقل تفكير الواشي في الحزن الذي يسببه لضحاياه لسانه السليط؟ تلك الضحايا البريئة! فكما تفعل حراب القتال حيث تحمل في أذيالها الوجع والأنين؟ هكذا تفعل الأقوال القاسية البغيضة؟ حيث تقوّض سلام الذهن وتثير السخط. ومن الناحية الأخرى؟ كم هو جميل من القديس الذي تصيبه هذه الحراب؟ أن يأخذ الكل إلى الرب نفسه ويتركه عند قدميه؟ متقبلاً إياه كجزء من تأديب الطريق. وإذ نضع في بالنا أنه لا شيء يأتي على المؤمن إلا وتستطيع المحبة الإلهية أن تستخدمه للبركة؟ فإن ذلك ينصرنا على لسان الواشي؟ وعلى كل شر.

ليس أشقّ على الروح الجريحة والنفس الحساسة من أن تحتمل بلا تذمر الاتهامات الباطلة. فالسخط ضد المشتكي الكاذب؟ والعزيمة على تبرئة النفس مهما تكن الكلفة؟ والانتقام من فاعلي الشر؟ هذه أمور طبيعية جداً للقلب البشري؟ أما أن يستمر المؤمن ناظراً إلى الرب طالباً منه النعمة لكي يعيش بحيث يستطيع الآخرون أن يلمسوا كذب الاتهامات؟ وتسليم الدفاع عن سمعتي لله الذي سمح بالتجربة لإذلالي؟ والاعتراف بعدالة طرقه وأنا أتأمل في المناسبات الكثيرة التي جلبت فيها العار على اسمه؟ ولو كنت في الوقت الحاضر بريئاً؟ هذه تدريبات نافعة حقاً. هكذا أحفظ نفسي من معالجة الأمور بنفسي. وهكذا أستطيع أن أعتمد على الله ليعمل بدلاً مني؟ كما فعل قديماً لأيوب ولداود ولدانيال ولكثيرين من القديسين الذين تعلموا أن يستودعوا كل شيء لذاك الذي لا تتغير محبته؟ والذي لن يسمح قط بأية تجربة ما لم ير في حالة النفس ما يقتضي التذلل. راجع ع23 من هذا الأصحاح.

19. سن مهتومة ورجل مخلعة الثقة بالخائن في يوم الضيق.

أي شيء يزعج الأعصاب؟ ويعذب الأرواح؟ أكثر من السن المهتومة والرجل المنقولة من موضعها؟ القلق والمضايقة تملأ النفس؟ هكذا عندما نضع ثقتنا في إنسان غير أمين يتخلى عن صاحبه في وقت الضيق. انظر يوحنا مرقس (أع13: 13؟ 15: 37؟38).

20. كنـزع الثوب في يوم البرد كخل على نطرون من يغني أغاني لقلب كئيب.

إن نطرون القدماء هو صودا معدنية توجد في أرض فلسطين؟ إن وضعت في بعض الأحماض تتفاعل معها وتولّد رغوة. ونـزع الثوب في يوم البرد من شأنه أن يضاعف المضايقة ويستثير السخط؟ تماماً كما يفعل الخل على النطرون حيث يفور. هكذا من يغني أغاني الاستخفاف لشخص كئيب مثقل القلب؟ فإنه يضاعف ضيقة نفسه ويحرك غضبه. إن لكل شيء وقتاً. فالقلب الفرحان يحب أن يغني؟ والحزين المنكسر يتمنى وينتظر العطف والرثاء. انظر يهوذا عند أنهار بابل (مز137).

21. إن جاع عدوك فأطعمه خبزاً وإن عطش فاسقه ماء. 22. فإنك تجمع جمراً على رأسه والرب يجازيك.

هاذان هما العددان اللذان - فيما عدا الشق الأخير - اقتبسهما الرسول بولس في رومية12: 20. وهو يعتمد في اقتباسهما على الترجمة السبعينية.

والشيء الجدير بالملاحظة أنه حينما يتعرض الروح القدس للكلام عن مسلك من المسالك الأخلاقية يلائم المسيحيين الذين دخلوا في عمق الحقائق الثمينة المعلنة في الأصحاحات من 3-8 من رسالة رومية؟ فإنه يقتبس من العهد القديم. وهذا من شأنه أن يعزز الملاحظة التي أبديناها في مقدمة مذكراتنا من أنه في العهد القديم يكمن السلوك الجدير بإنسان الله؟ يزيده الحق الحاضر إشراقاً وجمالاً.

إن النقمة شيء يجب أن يكون بعيد عن أنظار القديس. بل عليه أن يظهر نعمة ولطفاً وعطفاً حتى لأعدائه. ولا يضيّع فرصة يمكنه فيها أن يخدم أعوازهم. بهذا التصرف تستطيع حرارة المحبة أن تلطف مشاعرهم الغاضبة؟ عالمين أن مجازاة الرب أكيدة لمن يتمثل بسيده الذي قال «أحبوا أعدائكم؟ باركوا لاعنيكم؟ أحسنوا إلى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم» (مت5: 44). وإنه لشيء متناقض جداً أن الشخص الذي هو نفسه غرض النعمة؟ يحاول أن يتصرف بالقضاء مع الذين يخطئون إليه. انظر استفانوس (أع7: 60).

23. ريح الشمال تطرد المطر والوجه المعبس يطرد لساناً ثالباً.

إن من يقبل السلع المسروقة؟ هو مجرم كاللص تماماً؟ هكذا الحال مع من يشجع غيره على أن يحكي له فضائح الناس؟ صادقاً أو كاذباً. ولا شيء أدعى للخصام والحزن بين شعب الله من ترديد الأمور والحكايات التي لا تفيد. والتي إنما تؤلم وتجرح الشخص الذي تنقل عنه تلك الحكايات. على أن الإصغاء لأقوال الواشي هو أقوى مشجع له. أما إن قابلناه «بوجه معبس» ثم وبّخناه في خوف الله؟ فقد نستطيع أن نقتل جرثومة الشر في مرقدها. فإذا ما جاء واحد ليقص حكايات غير مقبولة عن شخص غائب؟ فيحسن بنا أن نواجهه بالروح التي أظهرها داود نحو ركاب وبهنة فإن مثل هذا الشخص قاتل أدبي يغتال الأخلاق (2صم4: 5-12).

24. السكنى في زاوية السطح خير من امرأة مخاصمة في بيت مشترك.

هذا تكرار لما جاء في ص21: 9. على أنه ليس من قبيل الصدفة أن تتكرر هذه الأقوال وليس من المصادفة كذلك أن يُعاد على مسامعنا مراراً عديدة وصف الشقاء الذي يلازم السكن مع امرأة مخاصمة. فإن الله قد أقام في الخليقة نظاماً لا يمكن أن ينجو من يكسره (أف5: 22-24).

25. مياه باردة لنفس عطشانة الخبر الطيب من أرض بعيدة.

إن إنجيل مجد الله المبارك هو ذلك الخبر الطيب من أرض بعيدة الذي هو للنفس الظامئة العطشانة؟ كمياه صافية خارجة من نبع بارد. وإذ يجرع الخاطئ المتعب الذي يوشك أن يهلك؟ الماء الحي؟ فإنه يصير في داخل كيانه ينبوعاً ينبع إلى حياة أبدية. انظر المرأة السامرية (يو4: 6-29).

26. عين مكدّرة وينبوع فاسد الصدّيق المنحني أمام الشرير.

إن المسافر العطشان يرى في العين المكدرة (المعكرة)؟ أو النبع الذي أفسدته القاذورات مصدر حزن وضيق وألم. هكذا الحال مع الرجل التقي المستقيم؟ فإن نفسه تمتلئ باليأس والألم حينما يرى صديقاً مقاوماً ومستخفاً به من أولئك الذين لا مبدأ لهم؟ انظر جدليا واسمعيل (إر41: 1-3).

27. أكل كثير من العسل ليس بحسن وطلب الناس مجد أنفسهم ثقيل.

راجع ع16. إن الإفراط في تناول العسل شيء ضار. وبالأكثر الطمع المتطرف في أكله. والشخص الذي لا يعيش إلا ليمجد ذاته؟ لابد أن يتعب في طلب الباطل. ولنا خير شاهد على هذه الحقيقة سفر الجامعة. اقرأ رسالة باروخ التي له من الله (إر45: 6).

28. مدينة منهدمة بلا سور الرجل الذي ليس له سلطان على روحه.

راجع ص16: 32. إن ضبط النفس فضيلة في غاية الأهمية مدى الحياة. وهي نفس الفضيلة التي تذكرها رسالة بطرس تحت كلمة «تعفف». وقد كان أمام بولس دائماً أن يقمع جسده لكي تظهر فيه هذه الحقيقة؟ وهي أنه ليس مرفوضاً (1كو9: 26؟27). وإذ كان ينقص نوحاً ضبط النفس فإن ذلك أهانه؟ بعد أن كانت قد سُلمت إليه مقاليد سياسة العالم (تك9: 20؟21). بل وموسى نفسه؟ أكثر الناس حلماً؟ فشل في ضبط نفسه في مريبة (عد20). ليت لنا نعمة تحفظ أرواحنا في حالة الخضوع التقوى حتى لا نكون مدينة معرضة لهجمات وغزوات أعدائها. وحتى عندما يكون الإنسان على صواب؟ فإنه لا شيء يضرّ موقفه مثل ضياع هذه الفضيلة منه؟ بحيث يضطر أن ينطق بأقوال متقدة متسرعة. فإن كثيرين من الناس ينسون في مثل هذا الموقف ما لدى الأخ الغاضب من أدلة؟ ويحكمون فقط على ضوء ما أظهره من روح الغضب. إذاً؟ فلننتبه إلى أهمية إظهار «وداعة المسيح وحلمه» ولطفه؟ بأقوالنا وتصرفاتنا وطرقنا.

  • عدد الزيارات: 3833