Skip to main content

الأصحاح الثالث والعشرون

إن الله تعالى كالخالق؟ يعني ويلاحظ كل شيء له صلة بمخلوقاته؟ مهما يكن هذا الشيء قليل الأهمية. لذلك تفرد الأعداد الاستهلالية قسماً خاصاً بالمسلك الجدير بإنسان يتناول الطعام مع من هو أعلى منه منـزلة؟ بصفة عامة؟ أو مع متسلط أو حاكم؟ بصفة خاصة.

1. إذا جلست تأكل مع متسلط فتأمل ما هو أمامك تأملاً. 2. وضع سكيناً لحنجرتك إن كنت شرهاً. 3. لا تشته أطايبه لأنها خبز أكاذيب.

إن ما تقرره هذه الأعداد هو ضبط النفس على مائدة الحاكم الذي دعاك. فليس من الحكمة أن تثق في دوام رضا الشخص الأعلى منك مقاماً. كما أنه ليس من الحكمة اعتبار بعض الامتيازات؟ كالأكل معه مثلاً؟ حقاً مكتسباً. بل في مثل هذه المناسبات؟ جدير بالإنسان أن يبدي رزانة وتوقيراً صامتاً. فإن الطياشة سرعان ما تبعث إلى التبرم وتدعو إلى السخط وسوء الظن. لقد أظهر دانيال والفتية العبرانيون روحاً ممدوحة يوم أكرمهم الملك بأطايبه؟ ومع أنهم لم يجالسوه شخصياً؟ إلا أن قدوتهم جديرة بالإشارة فى مثل هذه المناسبة (دا 1).

4. لا تتعب لكي تصير غنياً. كفّ عن فطنتك. 5. هل تطيّر عينيك نحوه وليس هو. لأنه إنما يصنع لنفسه أجنحة. كالنسر يطير نحو السماء.

إن إنذارات الكتاب تحذرنا من جعل تكديس الثروة غرض القلب. فالشخص الذي في ثقته بحكمته يتجاهل التعليم الإلهي بهذا الشأن؟ سيرى بعد فوات الفرصة؟ أنه كان يتطلع إلى شيء يطير ويتلاشى؟ لأن الكنـز الأرضي أسرع وأيسر في تبديده منه في جمعه وتكوينه. والغنى يبدو وكأن له أجنحة يطير بها هارباً مثل النسر؟ ليخلف بعده الخيبة ومرض القلب لمن ركز أفكاره عليه. ومع أن الله أوضح بكل أمانة؟ حماقة وجنون السعي وراء الثروة؟ ولكن ما أضعف التأثير الذي يسمح الإنسان لكلمة الله أن تطبعه على ذهنه! ففي العالم؟ يرهق الناس أنفسهم وينفذون كل مشروع تتفتق عنه أذهانهم؟ لكي يحصلوا على أموال لن يتمتعوا بها. وواضح أن جانباً كبيراً من أولاد الله يتأثرون بروح الطمع هذه. وإذ نحن متباطئون في التعليم؟ نعرِّض أنفسنا لتأديب الرب؟ الذي لابد أن يختبره كثيرون مدى الحياة. انظر تحذير بولس من الجري وراء الغنى (1تي6: 6-19).

6. لا تأكل خبز ذي عين شريرة ولا تشته أطايبه. 7. لأنه كما شعر في نفسه هكذا هو. يقول لك كل واشرب وقلبه ليس معك. 8. اللقمة التي أكلتها تتقيأها وتخسر كلماتك الحلوة.

مرة أخرى نعود إلى الأكل والشرب. والتحذير المتصل بهما في هذه المناسبة هو ضد قبول دعوة الشخص غير المخلص. فقد ينطق بأقوال لطيفة ويتظاهر بمسرته في مصاحبتك؟ لكن السلامة هي في الابتعاد عنه ورفض تقدماته. وإذا خادعتك شهيتك؟ فاعلم أن كل أطايبه لن تشبعك؟ وتذهب سدى كلماتك الحلوة؟ فهو يعلم أنه بطريقة أو بأخرى يسترد أفضاله. لأنه ليس من رأيه أن تفعل الخير وتعطي وأنت لا تنتظر شيئاً؟ إنما هو يستغل كل من يضعون أنفسهم رهن خدمته؟ ماداموا يتقبلون لطفه المزعوم. ومهما تكن ابتسامته رقيقة «فكما شعر في نفسه هكذا هو». ففي نفسه الجشع وقد تشكّلت طرقه على هذا الأساس. انظر حادث النبي العجوز مع رجل الله في بيت إيل (1مل13).

9. في أذني جاهل لا تتكلم لأنه يحتقر حكمة كلامك.

إن محاولة تعليم شخص يضع قلبه على الحماقة والعناد؟ إنما هو تعب باطل أو طرح الدرر أمام الخنازير. فإذ ليست لديه رغبة في الحكمة؟ بل هو يدوس عامداً كل معرفة وفهم؟ فباطلاً تضيع أقوالك. انظر يوثام وأصحاب أبيمالك (قض9: 7-21).

10. لا تنقل التخم القديم ولا تدخل حقول الأيتام. 11. لأن وليهم قوي. هو يقيم دعواهم عليك.

إن من يغزو حقول الأرامل واليتامى؟ بسبب عجزهم الواضح؟ لكي يوسّع أملاكه؟ سيعرف أن الرب نفسه ولىّ لهم؟ وهو يقيم دعواهم ويظهر قوّته لحسابهم. وما على المظلومين إلا أن يسلموه شئونهم عالمين أنه لن ينسى من يثق في محبته ويعتمد على تدخله. انظر داود كيف يحيل قضاياه على محاميه القوي (مز35).

12. وجّه قلبك إلى الأدب وأذنيك إلى كلمات المعرفة.

هذه تذكرة أخرى بما سبق ووضعه الروح القدس قدام الشاب في التسعة الأعداد الافتتاحية من الأصحاح الثاني. فعندما يرنو القلب إلى الأدب؟ وتعكف الأذن على سمع الأقوال الصادقة البناءة؟ عندئذ تنمو النفس في الأمور الإلهية. أما الدراسة العابرة فلن تجدي. وحينما يُشغل الكيان برمته بالحق؟ تستقر الحكمة في نفس طالبها. يقال عن مسيحي متقدم في الأيام أنه تأمل في الكتاب ثلاث مرات طوال حياته. وأنت ترى أن فارقاً كبيراً بين التأمل وبين مجرد مطالعة الكتاب. فالتأمل واللهج يفترض دراسة صابرة دقيقة لكل جزء من كلمة الله. وبوسيلة مثل هذه إنما يتوفر النمو الروحي الصادق. أصغِ إلى إرميا (إر15: 16).

13. لا تمنع التأديب عن الولد لأنك إن ضربته بعصا لا يموت. 14. تضربه أنت بعصا فتنقذ نفسه من الهاوية.

إن التأديب الذي في محله (لا في قسوة أو غضب) نافع للولد. فبواسطة الألم في الوقت الحاضر يُحفظ من الخراب والتعاسة التي تعقب حياة طلب اللذة والإرادة الجامحة الملتوية. ولاحظ أن الهاوية هنا ليست هي بالضبط الجحيم؟ بل هي عالم الأرواح؟ الذي تؤول إليه حياة الرذيلة. لكن التأديب يُصلح هذه النـزعات الشريرة. وكم يجدر بالوالدين أن يعنوا بتربية أولادهم على غرار ما فعل منوح (قض13: 8-12)

15. يا ابني إن كان قلبك حكيماً يفرح قلبي أنا أيضاً. 16. وتبتهج كليتاي إذا تكلمت شفتاك بالمستقيمات.

في أقوال الأب هذه؟ الموجهة لابنه نلمس إرادة الله أبينا في أن يسلك أولاده في الحق. وإنه لشيء مبارك حقاً أن يكون لنا هذا الامتياز المقدس؟ وهو أن نفرِّح قلب الله بمحبة الحكمة والتكلم بالمستقيمات (انظر3يو3؟4).

17. لا يحسدنّ قلبك الخاطئين بل كن في مخافة الرب اليوم كله. 18. لأنه لابد من ثواب ورجاؤك لا يخيب.

ليس من الحكمة أن تحسد من يظهر أنهم ناجحون في الشر؟ لأن يوم مجازاتهم قادم. ومهما تكن معاناة البِر في الزمان؟ فسوف يتبرهن جلياً أن أولئك الذين كانوا يعيشون للرب يومياً؟ قد حصلوا على نصيب أفضل. إن الوقت قادم حين تنعكس الظروف الحاضرة؟ وينتصر البر؟ وحينئذ سيُجازى من سلك بالكمال وفي خوف الله؟ ويكافأ من أجل آلامه في العالم. اقرأ التطويبين الأخيرين من تطويبات سيدنا (مت5: 10-12).

19. اسمع أنت يا ابني وكن حكيماً وارشد قلبك في الطريق. 20. لا تكن بين شريبي الخمر بين المتلفين أجسادهم. 21. لأن السكير والمسرف يفتقران والنوم يكسو الخرق.

إن الإفراط في الأكل والشرب ينبئ عن قلب لم تسيطر الحكمة عليه. والمسيحي عليه أن يكون متيقظاً؟ ومتعقلاً؟ ومعتدلاً؟ في كل شيء؟ حتى يستطيع بالتعقل والسلوك المدقق أن يزكي إنجيل الله؟ قامعاً جسده مستأسراً إياه؟ فلا تسيطر عليه شهواته الجسدية. ومن لا يسمع لأقوال كهذه لابد أن يتحمل عقوبته الحقة. وتلك كانت خطية الابن المعاند والمارد المذكور في تثنية21: 20.

22. اسمع لأبيك الذي ولدك ولا تحتقر أمك إذا شاخت.

إن الشاب الواثق في ذاته؟ عرضة لأن يهمل الاحترام الجدير بوالديه حينما تُضعِف الشيخوخة ذهنهما الذي كان يوماً ما لامعاً نشيطاً. ألا فليعطهما الشاب ذلك التقدير البنوي الذي يستحقانه عندما تتلف السنون حيويتهما! ولنا في طاعة إستير لمردخاي عيّنة جميلة للطاعة التي يطلبها هذا العدد (إس2: 20).

23. اقتنِ الحق ولا تبعه والحكمة والأدب والفهم.

راجع ص 4: 7-9. هذه كلمة جديرة بعصرنا اللاودوكي؟ عصر الإباحية الممقوتة. وخليق بنا أن نتحد مع النبي صارخين «الصدق سقط في الشارع». على أن القديس؟ الذي يفضل رضى الله على مديح الناس؟ لابد أن يقدر الحق؟ وعلى استعداد أن يشتريه ويدفع ثمناً له الأصحاب والصيت والمقتنيات؟ بل والحياة ذاتها. وهو لن يتخلى عنه مهما تكن الآلام التي تنتج من وراء الاجتهاد من «أجل الإيمان المسلم مرة للقديسين» (يه3). قد يتهكم عليه العقلانيون وأصحاب الخرافات وقد يضطهدونه؟ غير أن من يقتني الحق سيجد معه الحكمة والأدب والفهم؟ الأمور التي يجهلها كل حكيم حسب الجسد. وفيمن تمثلت هذه جميعها بأبدع صورة بقدر ما تمثلت في معلم طرسوس؟ (في3: 7-11).

24. أبو الصديق يبتهج ابتهاجاً ومن ولد حكيماً يُسر به. 25. يفرح أبوك وأمك وتبتهج التي ولدتك.

إن البِر والحكمة في الأولاد يملآن قلوب الوالدين بفرح لا يعبر عنه. وكم تنتعش نفوسهم إذ يرون أولادهم الذين تعبوا أو صلّوا لإنقاذهم من الحماقة والإثم؟ يسيرون بالبر والفطنة في عالم مليئ بالأشواك. وما أقل تفكير الشاب في تأثير طرقه - للخير أو الشر - على أبيه وأمه. فكم من شبان يعترفون بأنهم يحبون والديهم محبة شديدة؟ بينما هم بسلوكهم يكسرون قلوبهم. انظر يعقوب ويوسف (تك46: 48).

26. يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي.

المتكلم هنا؟ كما في ع15؟ شخص أعظم من سليمان. وهو لا يتجه بأقواله إلى الأشرار الذين لا يهتمون بالله؟ ولا تجد عيونهم في طرقه ما يسرها. إنما يخاطب بنيه قائلاً لكل منهم «أعطني قلبك». هذا حقه؟ ولا شك أن وليد نعمته يجد بهجة في أن يعطي سيده ما يشتاق إليه. وليست المسألة هنا مجرد خدمة كما في قضية مرثا؟ بل إن ما يرنو إليه القديس هو أن يكون مشغولاً بالرب شخصياً؟ الأمر الذي تمثّل في مريم. ومن ذا الذي عرف قيمة الفداء بدم المسيح الحبيب ولا يغني بسرور:

إليك قلبي سيدي
إليك حبي سيدي

 

 

ليكن مختوماً عن الكل عداك
أسكب طيبه عند قدميك مكرماً إياك
 

أجل؟ إن سيدنا جدير بأحسن ما لدينا. وجدير بنا أن نسلمه أرق عواطفنا؟ وأعمق حبنا. وحينما يمتلك القلب نفرح بطرقه (انظر رومية12: 1؟2).

27. لأن الزانية هوّة عميقة والأجنبية حفرة ضيقة. 28. هي أيضاً كلص تكمن وتزيد الغادرين بين الناس.

انظر ص7. إذا أراد الشاب أن يُحفظ من الدنس ومصيدة النفس؟ فليُعط قلبه لله. فلا سلامة لأولئك الذين يركزون عواطفهم على ما «تحت الشمس». وفي كل مكان يوجد أناس يحاولون أن يخدعوا غيرهم بالانحراف عن طرق الحق والفضيلة. ولكن في الرب وحده القوة والخلاص. إن المرأة الدنسة مثل هوّة عميقة مخفاة حتى يسقط فيها الجاهل. لكن الشخصالذي يرضي الله سينجو منها. وكم من مرارة عاناها شمشون؟ (قض16).

29. لمن الويل؟ لمن الشقاوة؟ لمن المخاصمات؟ لمن الكرب؟ لمن الجروح بلا سبب؟ لمن ازمهرار العينين؟

ستة أسئلة وجوابها في الأعداد التالية. وهذه الأسئلة المقتضبة تثِّبت في الذهن وتلفت النظر إلى الوصف المرعب الواضح الذي يوصف به السكير.

30. للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج. 31. لا تنظر إلى الخمر إذا احمرّت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقرقة. 32. في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان. 33. عيناك تنظران الأجنبيات وقلبك ينطق بأمور ملتوية. 34. وتكون كمضطجع في قلب البحر أو كمضطجع على رأس سارية. 35. يقول:  ضربوني ولم أتوجع. لقد لكأوني ولم أعرف. متى أستيقظ. أعود أطلبها بعد.

إن الانغماس في طلب ملذات بنت الحان؟ هو علّة متاعب وشقاء البشرية. وشراب الخمر هو إحدى اللعنات الكبرى في كل الدهور؟ ومع ذلك فلا يزال يغوي ويجتذب الكثيرين. وإذ ترى أحدهم يلقي عنه كل قيد وضابط؟ فسرعان ما تضلل به وهجات السائل اللعين. لكن النتائج تجلّ عن الوصف. فالشيء الذي يبدو مُبهجاً وبريئاً يصبح مثل حية سامة يحتضنها المسكين التعس؟ فتلهب الشرايين بلدغاتها. كما أن الفساد مرتبط بإدمان الخمر؟ كما ترتبط النتيجة بالسبب. فإن كل وقار يضيع ويتبدد؟ حينما يسيطر السم المميت على رأس السكير التعس. وحينئذ تتحكم الشهوة والاستباحة في الكيان كله.

إن الرجل الثمل يشبه إنساناً يحاول أن يتلذذ باضطجاعه في قلب أمواج البحر؟ أو أن يسند رأسه على رأس السارية. وإذا استعاد قدراً من الإحساس؟ فإنه يستشعر السحق والجراح؟ ورغم ذلك فليست لديه العزيمة للهرب من الشيء الذي حطم إرادته إلى حد كبير. إنما الشهوة الحانقة غير الطبيعية؟ والتي تملك عليه كل كيانه؟ تقوده للسعي مرة أخرى إلى الشراب؟ وسيلة هلاكه. انظر نابال (1صم25: 36-38).

ويليق بأولاد الله أن يهربوا من هذه؟ وأن يكونوا؟ بالتعقل وضبط النفس؟ قدوة لمن هم أضعف منهم. «حسن أن لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا شيئاً يصطدم به أخوك أو يعثر أو يضعف. ألك إيمان؟ فليكن لك بنفسك أمام الله. طوبى لمن لا يدين نفسه في ما يستحسنه» (رو14: 21؟22). أما عدم الثبات إزاء ما حطم عديداً من زملائنا ورفقائنا؟ فذلك بالتحقيق ليس سلوكاً بحسب المحبة. «فيجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء ولا نرضي أنفسنا» (رو15: 1). ذاكرين أن التساهل فيما يضر الآخرين؟ إنما هو تصرف لا يليق؟ فضلا عن كونه خالياً من التفكير السليم.

  • عدد الزيارات: 3751