الأصحاح السادس
حتى الناس غير المؤمنين؟ لو أنهم رتبوا حياتهم طبقاً لإرشادات صاحب الأمثال في هذا الفصل؟ فإنهم يوفرون على أنفسهم فشلاً كثيراً وخسائر متعددة. فكم كانت ضمانة الأصحاب بعضهم لبعض سبباً في سقوط كثيرين؟ ولو أنهم تجنبوها لأراحوا أنفسهم ونجحوا؟ وهنا يحرض صاحب الأمثال ذلك الشخص الذي يقبل الضمان؟ أن يخلص نفسه بقدر المستطاع وبأسرع ما يمكن؟ قبل أن يدفع الثمن.
1. يا ابني إن ضمنت صاحبك إن صفقت كفك لغريب 2. إن عَلقتَ في كلام فمك إن أُخذت بكلام فيك 3. إذاً فافعل هذا يا ابني ونجّ نفسك إذا صرت في يد صاحبك اذهب ترام وألحّ على صاحبك 4. لا تعط عينيك نوماً ولا أجفانك نعاساً 5. نجّ نفسك كالظبي من اليد كالعصفور من يد الصياد.
يبدو للوهلة الأولى أن الكبرياء بوجه عام هي الدافع إلى ضمانة الأصحاب. والرغبة في أن يفكر الناس فينا حسناً؟ وأن يحسبونا في حالة يسر؟ هي التي طالما أدت إلى "تصفيق الأيدي" أو كفالة من جانب أشخاص قد يكونوا عاجزين عن تحمل مثل هذه المسئولية الخطيرة؟ وبعد ذلك يتخللون من التزاماتهم تجاه أولئك الذين اعتمدوا عليهم اعتماداً كلّياً. كما أنها بالنسبة لآخرين هي مسألة هينة؟ لكنها تقود إلى تعهدات طائشة؟ تنفيذها يخرب ميزانيتهم ويقوّض دخلهم. وعلى أية حال؟ إذا كان واحد قد دخل من أي باب لضمان غيره؟ فمن الخير أن يتنبه إلى الوصية المقدمة هنا. ومع أن ذلك أمر مذل للنفس كما يبدو؟ أن يعترف الضامن أن عملية الضمانة كانت أكثر مما توصي به البصيرة الواعية؟ ولكن هذا أفضل بكثير من أن يجد نفسه في آخر المطاف مسئولاً عن الآلام التي يعانيها بسبب تمسكه واحتفاظه بكبرياء جاهلة خاطئة.
6. اذهب إلى النملة أيها الكسلان. تأمل طرقها وكن حكيماً. 7. التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط. 8. وتعد في الصيف طعامها وتجمع في الحصاد أكلها.
إنه درس للأبدية؟ كما للزمان؟ هذا الذي تلقنه النملة؟ التي نحتفظ لها بتأمل أكثر عندما نصل إلى الأصحاح الثلاثين؟ الذي يعرضها أمامنا مرة أخرى كواحدة من أربعة حكيمة. كل منها يعلم دروساً روحية. غير أن الدرس المادي في غاية الأهمية. فإن عدم الفطنة ليس من الإيمان؟ ومن الإدعاء البالغ أن يقوم الإنسان بدور الكسلان؟ ثم ينتظر المعونة الإلهية وموارد الله في ساعة الحاجة. ففي هذا الأمر وغيره من الأمور؟ الحصاد يتبع الزرع. والرب يمتدح النشاط والاهتمام؟ ويوصي بهما؟ وكلاهما يمجده ويكرمه. بينما الكسل والتراخي هو عار على اسمه المجيد. والأعداد التالية تحرك في أمثال هؤلاء المتراخين الإحساس بالواجب. وسواء في الناحية الروحية أو الزمنية الطبيعية «نفس المجتهدين تسمن» (أم4:13).
قام بعض المتفلسفين وانتقدوا حقيقة هذه النملة التي يحدثنا عنها سليمان؟ أي النملة التي تتغذى على الحبوب. ولكن اتضح عملياً أن سليمان كان أحكم من ناقديه. فقد وجد في فلسطين نوع من النمل ليس مما يأكل اللحوم وإنما هو يعيش على الحبوب بل ويختزن طعامه في الصيف كما يقول سليمان تماماً. والكتاب هنا؟ كما في كل موضع؟ صحيح ودقيق.
وما كان أجدر بالإنسان القصير البصر؟ أن يزن أقوال الله العليم بكل شيء؟ ويعترف بقصوره ويأخذها قضية مسلَّماً بها؟ أن الكتاب صادق وصحيح؟ ولن يتبين عكس ذلك.
9. إلى متى تنام أيها الكسلان. متى تنهض من نومك. 10. قليل نوم بعد قليل نعاس وطيَّ اليدين قليلاً للرقود. 11. فيأتي فقرك كساع وعوزك كغاز.
إن النوم في وقت العمل لا مكان له في مشهد صار لزاماً فيه على الإنسان أن يأكل خبزاً بعرق وجهه. وليس لأحد من الناس الحق في الاعتماد على الله في الاهتمام به من جهة الأمور الزمنية؟ وهو نفسه لا يتميز بالنشاط والحرص. فإن الفقر والعوز يتبعان الكسل؟ تماماً كما نعلم فيما يتعلق بالأمور الروحية. إن الويلات الأبدية ستكون من نصيب أولئك الذين ينامون في يوم النعمة؟ هذا ويرفضون أن يكونوا صاحين. وفي هذا يقول أحد المؤمنين الأفاضل: قليل نوم وقليل نعاس؟ هكذا تجد نفسك في الجحيم حيث لا يزور الكرى جفنيك إلى الأبد.
12. الرجل اللئيم الرجل الأثيم يسعى باعوجاج الفم 13. يغمز بعينيه يقول برجله يشير بأصابعه. 14. في قلبه أكاذيب يخترع الشر في كل حين. يزرع خصومات. 15. لأجل ذلك بغتة تفاجئه بليَّته. في لحظة ينكسر ولا شفاء.
إن الشخص الذي لا يعنى بأموره الخاصة عرضة لأن يتدخل أكثر من اللازم في أمور الآخرين. فإذ ليس لديه ما يشغل به أوقاته؟ يصبح فضولياً؟ يكرس كل جزء من كيانه للغباوة والحماقة. ففمه أعوج؟ وعيناه تكذّبان أقوال شفتيه؟ ويستخدم رجليه ويديه لينبه إلى أشياء لا يريد الإفصاح عنها؟ وذلك لأن في قلبه اعوجاجاً ومخترعات مؤذية. وبهذا يزرع انشقاقاً؟ ويبذر أقوالاً شريرة؟ كما يبذر الإنسان شوكاً؟ لينتج حصيده من الحزن لا يمكن أن يمحى تماماً أبداً. وقد حذر الرسول القديسين في تسالونيكي من هذه العينة وأمرهم ألا يخالطوهم حتى يخجلوا.
16. هذه الستة يبغضها الرب وسبعة هي مكرهة نفسه. 17. عيون متعالية لسان كاذب أيدٍ سافكة دماً بريئاً 18. قلب ينشئ أفكاراً رديئة أرجل سريعة الجريان إلى السوء. 19. شاهد زور يفوه بالأكاذيب وزارع خصومات بين اخوة.
في عبارات لا غموض فيها؟ يتجلى حكم الرب على المتكلم بالشر. فهوذا سبعة أمور تعد في نظر الرب رجاسة؟ وستة يبغضها؟ وهذه غير النقيصة التي أشرنا إليها من قبل والتي تذكر هنا أيضاً وكأنها أكثر النقائص بشاعة وسوءاً.
النظرة المتعالية يمقتها إلهنا مقتاً تاماً. فإن العينين المتعاليتين المتكبرتين ليستا من خصائص الشخص الذي تعلم عند قدمي ذاك «الوديع المتواضع القلب». الترنيمة الثانية عشر من ترنيمات المصاعد تقدم لنا ما ينطق به لسان مؤمن تتلمذ في مدرسة الرب. اسمع ما يقوله المرنم «يا رب لم يرتفع قلبي ولم تستعل عيناي ولم أسلك في العظائم ولا في عجائب فوقي» (مز1:131). والواقع أن هذه هي الحالة التي ترضي ذاك الذي قال «وإلى هذا انظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي» (إش2:66).
واللسان الكاذب! كم هو يتعارض مع ذاك الذي هو نفسه الحق؟ والذي يُسرّ بالحق في الباطن. فالكلام الباطل يكشف عن قلب خداع.
وإلى جانب مظاهر نشاط الطبيعة الفاسدة؟ العين والفم؟ يضع صاحب الأمثال «الأيدي السافكة دماً بريئاً». فإنه من عيّنة واحدة؟ من ذات الطبيعة؟ الشخص الذي يريد أن يشوّه بلسانه سمعة الآخرين؟ والشخص الذي يقتل أخاه بيديه.
أما القلب الذي ينشئ أفكاراً شريرة؟ فهو مصدر كل النقائص الأخرى. فمن القلب تخرج كل أقوال دنسة وكل أعمال نجيسة.
ومن هنا نجد فوراً «الأرجل السريعة الجريان إلى السوء». فإن الأرجل تتبع القلب حيث يمضي.
والنقيصتان الأخيرتان تسيران معاً. «شاهد زور يفوه بالأكاذيب وزارع خصومات بين اخوة». هو ذا ما أحسن وما أجمل؟ في عيني إلهنا؟ أن يسكن الاخوة معاً في وحدة هانئة. ولكن النمام الذي يذيع الدسائس والاتهامات؟ وبذلك يفسد تلك الوحدة الجميلة؟ فإنه مكروه عند الرب.
أما إذا شئنا أن نكون بمنجاة من هذه الطرق البغيضة؟ فعلينا أن نتمسك بالله وبكلمته؟ وهكذا نتغذى بالحق.
20. يا ابني احفظ وصايا أبيك ولا تترك شريعة أمك. 21. أربطها على قلبك دائماً قلد بها عنقك.
إن الخضوع للتأديب الأبوي؟ هو خضوع لله. وإذا كان الأبوان تقيين ويقصدان أن يربيا أولادهما الذين في عهدتهما « في خوف الرب وانذاره»؟ فإنهما بذلك يقيمان أساساً راسخاً تستقر عليه؟ في أمان؟ كل بناية الحياة القادمة لأولادهما.
22. إذا ذهبت تهديك. إذا نمت تحرسك.
هكذا يصبح تأديب الحكمة عملياً وكريماً. فسواء في البيت أو في الخارج؟ في ميدان العمل أو في موضع الراحة والاستجمام فإن الكلمة ستكون حلوة وتحفظ من العثرة.
22. وإذا استيقظت فهي تحدثك. 23. لأن الوصية مصباح والشريعة نور وتوبيخات الأدب طريق الحياة. 24. لحفظك من المرأة الشريرة من ملق لسان الأجنبية.
مرة أخرى يشير صاحب الأمثال إلى ذلك الشرك الخاص الذي يُنصب للشاب. غير أن تأثير كلمة الله هو - فوق كل شيء آخر - الواقي له من ملق شفاه المرأة الأجنبية الكاذبة التي تريد إغواءه عن طريق الحق والفضيلة إلى الزيف والتلف. والكتاب يحذره بشدة من إغرائها.
25. لا تشتهين جمالها بقلبك ولا تأخذك بهدبها 26. لأنه بسبب امرأة زانية يفتقر المرء إلى رغيف خبز وامرأة رجل آخر تقتنص النفس الكريمة.
مرة أخرى يعرض أمامنا أن القلب هو الذي يجب أن يُحفظ ويُحرس؟ إذا شئنا أن نحفظ أرجلنا من السبل المحرمة. فإن الحزن والعوز - من الناحية الروحية والطبيعية - هما النتيجة القاتلة لكل من يلعب بالنجاسة. وشقي إذاً كل من لا يحيط قلبه بحق الله الذي يقدس! والعبث هنا؟ معناه الهزيمة المرة؟ كما سنرى في الأعداد التالية.
27. أيأخذ إنسان ناراً في حضنه ولا تحترق ثيابه؟ 28. أو يمشي إنسان على الجمر ولا تكتوي رجلاه؟ 29. هكذا من يدخل على امرأة صاحبه. كل من يمسها لا يكون بريئاً.
كم من الآثار القاتلة؟ التي تلطخ كل حياة تنحرف هكذا عن مسالك الفضيلة؟ يرجع سببها إلى تصرف خاطئ؟ كان يبدو للوهلة الأولى؟ بسبب الطيش؟ أنه مجرد كلفة مرفوعة؟ ولكنه خطوة فخطوة أدى إلى تقويض مروع للاستقامة والنـزاهة والفضيلة؟ وأنتج أحزاناً مدى الحياة. وما من خطية أخرى – عدا خطية انتزاع الحياة البشرية؟ التي غالباً ما تكون إحدى نتائج هذه الخطية - تترك خلفها لطخة سوداء قاتمة مريعة؟ مثل هذه الخطية؟ كما نرى في حالة داود.
30. لا يستخفون بالسارق ولو سرق ليشبع نفسه وهو جوعان 31. إن وُجد يرد سبعة أضعاف ويعطي كل قنية بيته 32. أما الزاني بامرأة فعديم العقل. المهلك نفسه هو يفعله 33. ضرباً وخزياً يجد وعاره لا يُمحى 34. لأن الغيرة هي حميَّة الرجل فلا يشفق في يوم الانتقام 35 لا ينظر إلى فدية ما ولا يرضى ولو أكثرت الرشوة.
كم هو أمين إلهنا الذي هكذا يتنازل ويكشف بلغة واضحة وجلية عن النتائج والتبعات المرعبة للخطية؟ التي جلبت الطوفان قديماً. وستجلب النار أخيراً! إن الأخطاء الأخرى قد يغفرها الناس ويتناسونها؟ أما هذه فلن تنسى. فاللص الذي يسرق ليشبع جوعه لا يستثير كراهية الآخرين؟ ومع ذلك فإن قُبض عليه يطالبونه بالتعويض؟ وقد أمرته الشريعة أن يرد ويضيف أيضاً خُمساً. كما أن القانون البشري يطالب؟ كما نرى في ع 31 بسبعة أضعاف؟ بل قد يحمل السارق إلى الخراب المطلق؟ حيث يضطره إلى إسقاط حقه في «كل قنية بيته». ومع كل ذلك فإنه يمكنه إصلاح الخطأ ولو خسر كل شيء. لكن خطية الزنى لا يمكن علاجها بإصلاحات خارجية؟ سواء لزوج المرأة؟ أو لشريك الحماقة. فإن التوبة إلى الله لا تمحو العار. لأن آثار الجراح والهوان ستبقى على جبين الزاني مدى العمر. كما أن ثورة الزوج الغيور الذي أثارته الفعلة الفاضحة؟ لن يهدئها تقديم الهبات مهما كثرت؟ أو الاعتذارات مهما كانت مخلصة.
فالشخص الذي برغم هذه الإنذارات يسلك هذا السبيل؟ ويستمر عابثاً بالخطية؟ هو بلا عذر. والطريق الآمن الوحيد هو منطقة حقوى الذهن؟ وإخضاع كل فكر خاطئ هائم؟ حتى يتحكم حق الله ويضبط القلب ومقاليد النفس. وبذلك وحده يستطيع الإنسان « أن يهرب من الشهوات الشبابية التي تحارب النفس». وإذ سلك يوسف هذا المسلك؟ استطاع أن يواجه ظرفاً أعنف في تجربته من الظرف الذي سقط فيه داود. «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟»؟ هذا هو الذي حفظه. وهو وحده الذي يحفظ كل من يُجرَّب على غرار تجربة يوسف.
- عدد الزيارات: 4233