الأصحاح الخامس
يعود بنا روح الله إلى الإنذار الخاص بالمرأة الأجنبية الذي قدمه الأصحاح الثاني؟ مع قليل من التعليمات الإضافية. وإنه لموضوع خطير حقاً إن أخذنا هذه المرأة على اعتبار أنها صورة للديانة الزائفة؟ مع ما لها من شراك وخداع. بينما لو نظرنا إليها في مفهومها البسيط فإنها تنطوي أيضاً على أهمية بالغة. وإذا ما وقع أحدهم في شراكها فليس سبب ذلك نقص في التحذير؟ بل إهمال مقصود للتعليم والتأديب.
1. يا ابني أصغ إلى حكمتي. أمل أذنك إلى فهمي 2. لحفظ التدابير ولتحفظ شفتاك معرفة.
إن سفر الأمثال يؤكد الحاجة القصوى إلى مزيد من الانتباه لأقوال الحكمة. وهو لا يقصد مجرد الإصغاء الخالي من الرغبة في الطاعة؟ وإنما يقصد أن نميل بآذاننا للفهم؟ وذلك لكي نراعي التدبر ونحفظ المعرفة. ونحن نذكر العبد الذي يعلم إرادة سيده ومع ذلك لا يفعل بحسب هذه الإرادة؟ فإنه يُضرَب كثيراً. وإذا كان الله يتنازل ويعلمنا إرادته؟ فلزام علينا أن نوقرها؟ ولكن ليس كمجرد واجب؟ بل كامتياز فنطيعها.
3. لأن شفتي المرأة الأجنبية تقطران عسلاً وحنكها أنعم من الزيت 4. لكن عاقبتها مُرّة كالأفسنتين حادة كسيف ذي حدين. 5. قدماها تنحدران إلى الموت. خطواتها تتمسك بالهاوية. 6. لئلا تتأمل طريق الحياة تمايلت خطواتها ولا تشعر.
إن أقوال هذه الأجنبية المغرية معسولة؟ لكن نهاية الشركة معها ظلام ورعب. إنها تلح في عرض بضاعتها المرعبة اليوم كما من قديم؟ وقتلاها ألوف. مثل تلك الكنيسة الزانية التي يصورها سفر الرؤيا؟ تخدع وتضلل؟ تحوّل القلب عن بساطة سبل الحق وتقود إلى الموت والهاوية. كثيرة هي طرق خداعها للتضليل بالجهلة؟ وهي تغيرها وتبدلها حتى لا يُعرفاتجاهها الأثيم. والواقع أنه لا شيء أكثر اجتذاباً لرافضي أقوال الحكمة من هذه التوسلات المشوهة الصادرة من هذا النظام المضلل. والوقاية الوحيدة هي في التمسك بأقوال الله. ومن هنا تحريض الأعداد التالية:
7. والآن أيها البنون اسمعوا لي ولا ترتدوا عن كلمات فمي. 8. أبعد طريقك عنها ولا تقرب إلى باب بيتها. 9. لئلا تعطي زهرك لآخرين وسنينك للقاسي. 10. لئلا تشبع الأجانب من قوتك وتكون أتعابك في بيت غريب. 11. فتنوح في أواخرك عند فناء لحمك وجسمك. 12. فتقول كيف أني أبغضت الأدب ورذل قلبي التوبيخ. 13. ولم أسمع لصوت مرشديّ ولم أمل أذني إلى معلميّ. 14. لولا قليل لكنت في كل شر في وسط الزمرة والجماعة.
إن التعلم عن طريق الاختبار الأليم شيء قاس وخطير؟ عندما لا تخضع النفس لكلمة الله. والله لا يشمخ عليه؟ فإن ما نـزرعه إياه نحصد. إن اليد المرتعشة والعقل المضطرب المشوش؟ والعين الغاشية؟ والشيخوخة المبكرة؟ والقوى الخائرة؟ وذكرى أيام وليالي الجهالة التي يعود الأشقياء ويذكرونها بالحسرة الباقية؟ إنما هي بعض آثار عدم الاستماع لنصائح الحكمة في الحياة الطبيعية. وعلى صعيد الروحيات هناك ما يقابل هذه الآثار: العجز عن تمييز الأمور المتخالفة؟ وعدم التجاوب الروحي؟ هزات السلوك غير المستقر؟ خسارة الزمن؟ والخسارة أمام كرسي المسيح؟ هذه بعض النتائج المحزنة لرفض سبيل الانفصال عن الديانة المرتدة في يوم رفض المسيح هذا.
ومن خلال هذه المجموعة من الأمثال؟ يعالج الروح موضوع المرأة الأجنبية بوصفها مقتحمة من الخارج؟ وليس بوصفها من بنات إسرائيل اللواتي انحرفن عن طريق الفضيلة. فقد أمر الناموس أن لا تكون زانية بين نساء الشعب المختار. وإنما من وسط الممالك المجاورة دخلت تلك الأجنبية المعتدية؟ لتضلل شباب الأمة المنفصلة. ومن هنا جاء الوصف "المرأة الأجنبية" التي تعرض فنونها لتضلل أولئك الذين كان يجب أن يكونوا مقدسين للرب.
ولكن هكذا انحطت حالة إسرائيل؟ حتى أن بنات شعب الله سقطن في مهاوي الأوثان؟ كما فهمنا من ص17:2؟ مع أنها مدعوة "أجنبية" و"غريبة" لكنها تركت أليف صباها ونسيت عهد إلهها. ومن هنا كانت النظرة إليها كواحدة وافدة من الخارج؟ لا مكان لها في جماعة الرب.
وبعد ذلك يحدثنا الروح عن المحبة الزوجية المقدسة؟ بالمباينة مع الطرق المنحلة الفاجرة التي قرأنا عنها فيما سلف.
15. اشرب مياهاً من جبك ومياهاً جارية من بئرك. 16. لا تفض ينابيعك إلى الخارج سواقي مياه في الشوارع 17. لتكن لك وحدك وليس لأجانب معك 18. ليكن ينبوعك مباركاً وافرح بامرأة شبابك 19. الظبية المحبوبة والوعلة الزهية. ليروك ثدياها في كل وقت وبمحبتها اسكر دائماً 20. فلم تفتن يا ابني بأجنبية وتحتضن غريبة.
يمثل الزواج؟ بالنسبة لنا؟ الوحدة السرية بين المسيح والكنيسة. فكل بيت مسيحي ينبغي أن يكون صورة صغيرة لعلاقة رأسنا الممجد بأعضاء جسده. إذاً فما أقدس هذه الرابطة الأرضية التي تتحدث عن مثل هذه الأسرار السماوية «ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس. وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله» (عب4:13). وما أثمن تعليم العهد الجديد القائم على هذه الحقيقة؟ وبوجه خاص في الرسائل؟ فإنها تحرض الأزواج والزوجات أن يسكنوا معاً بحسب الفطنة أو المعرفة؟ لكي لا تعاق صلواتهم (انظر1بط1:3-7). وياله من امتحان! فإنه حين يعيش الزوج والزوجة هكذا كل منهما أمام الآخر؟ بحيث يجثوان معاً في فرح وثقة ويصليان؟ فإن البيت سيكون طبقاً لما يريده الله. ولكن حينما تعطل طرق وأقوال أحدهما؟ أو كليهما؟ فرص الشركة أحدهما مع الآخر وكلاهما مع الرب؟ فهناك ضرر بالغ وخسارة لا تعوّض.
21. لأن طرق الإنسان أمام عيني الرب وهو يزن كل سبله.
هذه الحقيقة هي عين ما يعوز النفس أن تذكره لكي تدرك معنى وجودنا في هذا العالم لأجل الله. فإن عينيه تعالى هما على طرقنا جميعها. ولا شيء يفلت من تلك النظرة المقدسة.
كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا. إنه يزن ويتأمل كل فكرة وكلمة وتصرف. لا شيء يمكن أن يغيب عن ملاحظته؟ ولا شيء أصغر من أن يلتفت إليه. وأمام كرسي المسيح سيعلن تقديره لكل شيء. في ذلك اليوم سيكتشف كل منا أنه كان يجب أن يعطي كل ما عنده؟ ليكون أكثر وفاء وأمانة لله في طرقه في هذا العالم!
22. الشرير تأخذه آثامه وبحبال خطيته يمسك 23. إنه يموت من عدم الأدب وبفرط حمقه يتهور.
إن المجازاة المؤكدة سوف تتبع الأثيم الشرير. خطاياه ذاتها التي كان يلتذ بها؟ هي الحلقات التي منها ستُصنع السلسلة التي تقيده إلى الأبد. وحيث أنه رفض التأديب في الحياة؟ فإنه سيموت بدونه؟ متروكاً يضلّ في الحمق الذي أحبته نفسه. ويموت في خطاياه ويمضي إلى الظلمة حيث لن يضئ عليه ذلك النور الذي رفضه في الزمان!
- عدد الزيارات: 3813