الأصحاح الرابع
1. اسمعوا أيها البنون تأديب الأب وأصغوا لأجل معرفة الفهم 2. لأني أعطيكم تعليماً صالحاً فلا تتركوا شريعتي 3. فإني كنت ابناً لأبي غضا وحيداً عند أمي 4. وكان يريني ويقول لي ليضبط قلبك كلامي. احفظ وصاياي فتحيا.
هذه إشارة إلى فترة شباب سليمان. فإذ كان محبوباً من أمه وموضوع اهتمام بالغ وشغف شديد من أبيه؟ فإنه تربى في شريعة الرب واستفاد بها.
ويكفي أن ندرس التاريخ التعس لأخيه "أدونيا"؟ ذاك الأخ الذي لم يحاول أبوه أن يغضبه بالقول "لماذا فعلت هكذا؟"؟ لندرك مبلغ ما كان سليمان مديناً به لنصائح أمه؟ وتأديب أبيه. والواقع أننا لا يمكن أن نكون مبالغين في تقدير قيمة التأديب الأبوي. فإن تربية الغلام في خوف الرب وإنذاره بركة نعجز عن تقديرها. ومن عجب أن داود استطاع أن يعامل ولدين من أولاده معاملة تختلف مع الواحد عنها مع الآخر كما رأينا. على أن النبرة هنا ليست على مسئولية الوالدين؟ بل على مسئولية البنين الذين يتربون ويصبحون محل عناية الآباء. وهاهو سليمان؟ مع ما أحاط تصرفاته من خلل وعوج؟ يحدثنا عن قيمة التأديب الحكيم التقوى.
5. اقتن الحكمة. اقتن الفهم. لا تنس ولا تعرض عن كلمات فمي. 6. لا تتركها فتحفظك. أحببها فتصونك. 7. الحكمة هي الرأس. فاقتن الحكمة وبكل مقتناك اقتن الفهم.
ليس مجرد المعرفة هو ما يعوز النفس؟ بل ما يعوزها هو الحكمة والفطنة؟ لاستخدام المعرفة على الوجه الصحيح. هذا هو الشيء الرئيسي؟ وهو ما ينبر عليه للشاب. فالحكمة تحفظ من الجهالة؟ وإذا ما أحبها الشاب بحق فإنها تصون قدميه.
8. ارفعها فتعليك. تمجدك إذا اعتنقتها 9. تعطي رأسك إكليل نعمة. تاج جمال تمنحك.
قرأنا في الأصحاح السابق القول «الحمقى يحملون هواناً»؟ لكن الحكمة تقود إلى الكرامة والرفعة الحقيقية. وهذا حق حتى في العالم مهما يكن طغيان إثمه. على أنه ما أكرم رجل الحكمة في وسط أولاد الله! غير أن العلم؟ مجرد العلم؟ ينفخ ويتسبب في الازدراء لصاحبه. أما قول الحكمة فدائماً في موضعه؟ وهو وإن كان كثيراً ما يُرفض إلا أنه على الأقل يُقدّر.
10. اسمع يا ابني واقبل أقوالي فتكثر سنو حياتك. 11. أريتك طريق الحكمة. هديتك سبل الاستقامة. 12. إذا سرت فلا تضيق خطواتك وإذا سعيت فلا تعثر.
إن سفر الجامعة؟ كما قلنا في المقدمة؟ يرسم الطرق الخاطئة؟ التي ضل فيها الكاتب الملكي يوم تخلى عن الكلمة التي كانت قائد شبابه؟ وأمعن في مشاورة قلبه؟ وفي ابتكار وسيلة اللذة لنفسه؟ على أنه ليس من المحتم أن نتابعه في سبل الغباوة لكي نتعلم عاقبته. فإن السفر الذي نتناوله الآن يضع لنا معالم السبل القويمة؟ سبل الحكمة وكل الذين يسلكونها يجدون خطواتهم واسعة؟ ويقدرون أن يركضوا بغير تعثر. فما أحوجنا إلى التحريض الآتي!
13. تمسك بالأدب لا ترخه. احفظه فإنه هو حياتك. 14. لا تدخل في سبيل الأشرار ولا تسر في طريق الأثمة. 15. تنكّب عنه. لا تمر به. حد عنه واعبر. 16. لأنهم لا ينامون إن لم يفعلوا سوءاً وينـزع نومهم إن لم يسقطوا أحدا. 17. لأنهم يطعمون خبز الشر ويشربون خمر الظلم.
المبدأ المرسوم هنا على غاية من الأهمية؟ ولا يحتاج إلى تفسير كثير؟ فإن أولاد الله مدعوون للانفصال عن فعلة الشر جميعاً. وذاك الذي يعرف ما يدور في الظلام؟ قد وصف لنا طرقهم النجسة؟ ولا داعي إلى تجاهلها. فإذ قد دُعينا للقداسة؟ يجب أن نتجنب طرقهم. أما التساهل معها فإنه مؤذٍ ويعوق ويهدم تقدم النفس. إن الربان الحقيقي قد لا يعرف كل صخرة في طريق السفينة؟ لكن تتجلى حكمته في اتخاذ المجرى الآمن. هكذا ليس من الضروري أن يُلم المسيحي بكل طرق الشر اليوم؟ إنما كل ما عليه هو أن يسلك طريق الأمان التي يرسمها العددان التاليان.
18. أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل 19. أما طريق الأشرار فكالظلام. لا يعلمون ما يعثرون به.
هناك فارق عظيم كما نرى. فإن سبيل الصديقين الذي يقود إلى تلك المدينة التي ينيرها مجد الله؟ والحَمَل سراجها؟ تلمع أكثر فأكثر؟ لأن النور الأصيل الذي يصدر من تلك المدينة السعيدة؟ يزيدها عظمة؟ أجل؟ إن ثقل مجد أبدي يلاقينا عند نهاية الطريق.
ولكن ما أعظم المباينة حينما نتأمل طريق الأثمة؟ فإن سبيلهم تقع على حافة حفرة الويل الأبدي؟ تؤدي إليها بعجل؟ تلفها الظلمة الدامسة؟ ودخان بئر الهاوية يحجب ضوء الطبيعة ونور الإعلان الإلهي على السواء. وهكذا يتعثر الناس عمياناً؟ وهم لا يدرون ما الذي يعثرهم؟ والعاقبة نحن نعرفها جيداً؟ طرد أبدي من حضرة الله.
أما وعلى النفس أن تختار أي الطريقين؟ فإن في التحريض الآتي خير هاد ومرشد.
20. يا ابني أصغ إلى كلامي. أمل أذنك إلى أقوالي. 21. لا تبرح عن عينيك. احفظها في وسط قلبك. 22. لأنها هي حياة للذين يجدونها ودواء لكل الجسد.
يقول روح المسيح بلسان المرنم «خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك» (مز11:119)؟ فالقلب الذي يحكمه الكتاب؟ هو الذي يضمن السلوك في الحق. والله يسر بالحق في الباطن. ومقاليد الكيان في القديس يجب أن تكون كرسي الحكمة. وإذ يكون الأمر هكذا؟ فإن أقوال المعرفة تكون حياة وصحة لمن يحفظها. والعدد التالي يؤكد هذا المبدأ الكلي الأهمية.
23. فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة.
هاك حقيقة علمية دقيقة يتحدث عنها سليمان. فإن اكتشاف هارفي للدورة الدموية الذي قلب الأفكار الطبية رساً على عقب؟ يتحدث سليمان عنه هنا كحقيقة مسلّم بها؟ ويأخذه تمثيلاً لحقيقة روحية. فكما أن القلب هو مركز الجهاز البدني الذي منه تصدر مخارج الحياة؟ هكذا يتحدث الحكيم هنا عن القلب كمرادف للنفس؟ الأمر الذي يجب أن نحرسه بكل غيرة وحماس؟ لكي يصدر عنه كل ما يلزم لبناء أولاد الله.
24. انـزع عنك التواء الفم وابعد عنك انحراف الشفتين.
كما أنه «من فضلة القلب يتكلم الفم»؟ هكذا يربط العدد الذي أمامنا القلب والفم معاً. فإن الفم الملتوي والشفاه المنحرفة؟ تنبئ عن شخص غير خاضع لله. فإنه حيث تحتل كلمة الله مكانها في النفس؟ فإن الشفاه تعكسها وتبينها.
25. لتنظر عيناك إلى قدامك وأجفانك إلى أمامك مستقيماً. 26. مهّد سبيل رجلك فتثبت كل طرقك. 27. لا تمل يمنة ولا يسرة. باعد رجلك عن الشر.
ليس الفم وحده هو الذي يكشف حالة القلب؟ فإن القدمين تسلكان طبقاً لحالة النفس. وإذ ننسى ما وراء؟ علينا أن نسعى نحو جعالة دعوة الله العليا في المسيح. ولما تثبت العين على الهدف؟ تنظر إلى الأمام مستقيماً؟ والهدف بالنسبة لنا هو المسيح. وكما أن الحراث يستطيع أن يمهد خطاً مستقيماً حين يثبت عينيه على نقطة بعيدة؟ هكذا تكون سبيل المسيحي؟ حين تثبت عين القلب على الرب يسوع الجالس في المجد. على أن هذا ينطوي على عناية خاصة بطرقنا؟ حتى نثبتها جميعها بحسب الحق؟ فنحكم على الشر وننفصل عنه؟ ولا نميل يمنة ولا يسرة. وإذا ما عرفنا فكر الله؟ يجب أن نتصرف بأمانة بمقتضى ذلك بغضّ النظر عن أفكارنا؟ أو أفكار الآخرين الذين يجهلون فكر الله.
والسير مع الله يعني بالضرورة عدم تقدير الأشخاص غير الروحيين الذين يجهلون قوة الله وقيمة حقه. فإذا ما حصل القديس على مصادقة الله؟ فلا حاجة به إلى مشاورة اللحم والدم؟ بل كل ما عليه هو الطاعة البسيطة لما يقوله الله في كلمته.
- عدد الزيارات: 3959