Skip to main content

تقدم الشكر والأدعية لله من أجل المتجددين

"أشكر إلهي" في هذه العبارة زبده الرسالة فإن خلاصتها الشكر وإظهار الفرح "كلما ذكرتكم" أي أن تذكري إياكم من الأول إلى الآخر يحملني على الشكر "رافعاً الدعاء من أجل جميعكم" كررت هذه الكلمة ((جميعكم)) وما يماثلها تكراراً غير عادي في هذه الرسالة. ويظهر من اهتمام الرسول بالحث على الوحدة أن أهل فيلبي أبناءه المحبوبون لديه الذين جلبوا له فرحاً عظيماً كانوا ميالين إلى الشقاق وكان هذا ذنبهم الوحيد الذي آسف الرسول كثيراً. وكأن الرسول يقول لهم هنا ((لا أعمل فرقاً بين فريق منكم وآخر فقلبي مفتوح لجميعكم. وأدعيتي وتشكراتي وآمالي مبسوطة للجميع)) "بفرح" الكلمة ((فرح)) ومشتقاتها يصح أن تعتبر المبدأ الجوهري في هذه الرسالة "لسبب شركتكم في الإنجيل من أول يوم إلى الآن" اللفظة ((شركة)) في الأصل اليوناني لا تعني فقط أن المسيحيين في فيلبي كانوا شركاء معه في قبول الإنجيل وفي الإيمان به وفي تعلقهم به، بل أنهم اشتركوا فعلاً بالعمل في الإنجيل. فكأن العمل في الإنجيل مشروع تجاري أشترك أهل فيلبي مع مار بولس في القيام به. وكان من جملة مظاهر تعاونهم مع الرسول في العمل عطاياهم المالية. ولم ينس الرسول "من أول يوم" يوم غادر مدينتهم بعد زيارته الأولى "إلى الآن" أنهم كانوا يتبعونه عطاياهم حيث يكون في كل مدينة يسافر إليها للتبشير بكلمة الإنجيل (راجع ص 15:4 و16)

 

ص 1: 11- 12

 

11مَمْلُوئِينَ مِنْ ثَمَرِ الْبِرِّ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِمَجْدِ اللهِ وَحَمْدِهِ. 12ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّ أُمُورِي قَدْ آلَتْ أَكْثَرَ إِلَى تَقَدُّمِ الإِنْجِيلِ، 13حَتَّى إِنَّ وُثُقِي صَارَتْ ظَاهِرَةً فِي الْمَسِيحِ فِي كُلِّ دَارِ الْوِلاَيَةِ وَفِي بَاقِي الأَمَاكِنِ أَجْمَعَ. 14وَأَكْثَرُ الإِخْوَةِ، وَهُمْ وَاثِقُونَ فِي الرَّبِّ بِوُثُقِي، يَجْتَرِئُونَ أَكْثَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِالْكَلِمَةِ بِلاَ خَوْفٍ. 15أَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ حَسَدٍ وَخِصَامٍ يَكْرِزُونَ بِالْمَسِيحِ، وَأَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ مَسَرَّةٍ. 16فَهَؤُلاَءِ عَنْ تَحَزُّبٍ يُنَادُونَ بِالْمَسِيحِ لاَ عَنْ إِخْلاَصٍ، ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى وُثُقِي ضِيقاً. 17وَأُولَئِكَ عَنْ مَحَبَّةٍ، عَالِمِينَ أَنِّي مَوْضُوعٌ لِحِمَايَةِ الإِنْجِيلِ. 18فَمَاذَا؟ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ سَوَاءٌ كَانَ بِعِلَّةٍ أَمْ بِحَقٍّ يُنَادَى بِالْمَسِيحِ، وَبِهَذَا أَنَا أَفْرَحُ. بَلْ سَأَفْرَحُ أَيْضاً. 19لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يَؤُولُ لِي إِلَى خَلاَصٍ بِطِلْبَتِكُمْ وَمُؤَازَرَةِ رُوحِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، 20حَسَبَ انْتِظَارِي وَرَجَائِي أَنِّي لاَ أُخْزَى فِي شَيْءٍ، بَلْ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ كَمَا فِي كُلِّ حِينٍ، كَذَلِكَ الآنَ، يَتَعَظَّمُ الْمَسِيحُ فِي جَسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ.

مملوئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده ثم أريد أن تعلموا أيها الإخوة أن أموري قد آلت بالحري إلى تقدم الإنجيل. حتى إن وثقي صارت ظاهرة في المسيح في دار الحرس الإمبراطوري وفي سائر الأماكن اجمع، وأن معظم الإخوة, وهم مثبتون في الرب بسبب وثقي, يزدادون جرأة على التكلم بالكلمة بلا خوف. فقوم يكرزون بالمسيح حتى عن حسد وبغض وآخرون عن نية صالحة، هؤلاء عن محبة عالمين أني مقام للدفاع عن الإنجيل. وأولئك عن تحزب لا عن إخلاص ينادون بالمسيح. مفكرين في إثارة ضيق على وثقي فماذا إذاً؟ مع كل هذا_ سواء كان عن علة أو عن حق فعلى كل حال ينادى بالمسيح، وبهذا أنا أفرح وسأفرح أيضاً لأني أعلم أن هذا سيؤول إلى خلاصي بدعائكم وبإمداد روح يسوع المسيح، حسب توقعي ورجائي أني لن أخزى في شيء، بل بكل صراحة يتعظم المسيح في جسدي الآن كما في كل آن سواء كان بحياة أم بموت.

واصل الرسول ديباجة رسالته إلى أهل فيلبي فقال:-

"إذ" علل الكاتب هنا سبب شكره لله من أجلهم وهو أن محبتهم السابقة هي عربون محبة تدوم إلى النهاية. ولهذا قال "أنا واثق بهذا عينه" وقد ترك المراد من أسم الإشارة ((هذا)) مبهماً لوهلةٍ وذلك لفتاً لأنظارهم إلى التفسير الذي يلي وهو قوله."وهو أن الذي بدأ فيكم بعمل صالح" وهو الله نفسه "يكمله حتى يوم يسوع المسيح" أي يوم مجيئه. وقد كان للرسول ثقة بأن إيمان أهل فيلبي وفضائلهم تظل إلى أن يكللها المسيح عند مجيئه "كما أنه يخلق بي أن أفتكر هذا من جهة جميعكم" بحيث أنني لو لم أشعر هذا الشعور نحوكم لكان الأمر مدهشاً "لأنكم في قلبي" بالرابط الروحي الذي أوجده الروح القدس الذي يؤكد له- أي للرسول- عطف الله ونعمته عليهم ولذلك قال "أنتم الذين هم شركاء نعمتي جميعاً". يؤكد الرسول مرة ثانية أنهم جميعهم محفوظون في قلبه. أنهم كلهم شركاؤه، وفي أي شيء شركاؤه؟ والجواب في نعمته، أي في النعمة التي جاءته من الله إلى حياته. وهي التي تساعده على أن يحتمل ويعمل. "في وثقي" لما كتب الرسول هذه الرسالة كان مقيداً بالسلاسل، وهو في مثل هذه الحالة كان يلتجئ إلى نعمة الله ليستطيع أن يحيا حياة الصبر والاحتمال. ويقول أن المسيحيين في فيلبي الذين كان لهم نصيب معه في الاحتمال هم شركاؤه "وفي المحاماة عن الإنجيل وتثبيته" والكلمة ((محاماة)) في الأصل اليوناني تعني إزالة الموانع والتعصب من عقول الآخرين ، وهذا هو الجانب السلبي في عمل التبشير. أما ((التثبيت)) فهو الجانب الإيجابي ومعناه تأسيس الحق الجديد في عقول السامعين. والرسول يقول أن أهل فيلبي هم شركاء معه في عمل الإنجيل من هاتين الوجهتين اللتين يصادفهما كل معلم للحق. وإنه لأمر مشجع أن يرتبط أهل فيلبي بمعلمهم الكبير على هذه الصورة،في ضيقته وعمله.

لهذا أعرب الرسول عن محبته لهم قائلاً "فأن الله شاهد لي كم أنا مشتاق إلى جميعكم" وأحبكم بالمحبة التي منشأها "في حشا يسوع المسيح" أي في قلبه وروحه. لأن أعضاء الكنيسة يشتاق بعضها إلى بعض بثبوتها في المسيح وفي محبته وهذه المحبة المسيحية ليست مسألة عواطف ولا مجرد اشتياق إلى صحة المحبوب بل تتمثل على أتمها في الصلاة من أجل سعادة ذلك المحبوب. لذلك قال الرسول "والذي أصلي من أجله أن تزداد محبتكم أكثر فأكثر" لان النمو والإزدياد في الدين هما ناموس الحياة ويجب أن يكونا "في المعرفة"والكلمة اليونانية تعني ((العلم الجلي)) بالحقائق الروحية "وفي كل إدراك" أي العلم الغريزي لإدراك إرادة المحبوب الناشئة عن العطف والمحبة وهذه السرعة في الإدراك تنشئ في صاحبها قوة للتميز.

"حتى تميزوا الأمور المتباينة" أختلف المفسرون في لفظة ((متباينة)) فذهب فريق إلى أن المقصود منها التمييز بين الخير والشر بحيث يكون المعنى إذ ذاك: ((حتى تعرفوا الخير فتدركوه والشر فتبتعدوا عنه)) وذهب فريق آخر إلى أن المعنى هو: ((حتى تدركوا الأشياء الممتازة فتتبعوها)). ومحصل المعنى واحد. وهذا يدلنا على أن الفضائل المسيحية ليست مجرد اجتناب الشر بل بالحري السعي وراء الخير. وقد ذكر بولس الوجهتين السلبية والإيجابية لهذا التمييز بقوله "لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح" وهي الوجهة السلبية "مملوئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده" وهي الوجهة الإيجابية. وغرض كلتا الوجهتين بل غرض كل حياة هو ((مجد الله)).

وهنا ختام ديباجة الرسالة المملوءة تحيات وتمنيات وصلوات.

  • عدد الزيارات: 1879