Skip to main content

الرسالة إلى أهالي فيلبي

كان يزور مار بولس في سجنه كثيرون من أصدقائه. وكان يدخل عليه أحياناً أحدهم وبيده دواته فيجلس أمام مار بولس عدة ساعات يكتب رسالة يمليها عليه على مسمع من الجندي الذي يحرسه. وتكون هذه الرسالة لجماعة من أبنائه بالإيمان. وقد جاء يوماً لزيارة مار بولس ابفرودتس أحد أصدقائه بعد أن تعافى من مرض ثقيل أصابه في رومية وأخذ يبث له شوقه للعودة إلى وطنه فيلبي ليسكن روع أصدقائه هناك الذين بلغهم خبر اشتداد المرض عليه ومقاربته للموت ولرؤية مدينته العزيزة عليه فيلبي. ولم يشأ مار بولس أن تفوته هذه الفرصة دون أن يرسل معه رسالة يعبر فيها عن عواطفه القلبية نحو أهل فيلبي أبنائه بالإيمان وأحبائه الذين برهنوا على تعلقهم به بما قدموا له من المساعدات المالية. وهذه هي الرسالة إلى أهل فيلبي. وقد حملها ابفرودتس معه إلى أهل فيلبي. وقد اقتضى سفره من رومية إليها في ذلك العهد ثلاثين يوماً تقريباً.

وهاك ما قاله الأسقف ليتفوت العالم الكبير في اليونانية عن مكتوب مار بولس هذا:

((ليست الرسالة إلى أهل فيلبي أسمى صورة لصفات مار بولس الشخصية، تشع منها أنواره الروحانية وحسب، بل أثراً خالداً لقوة الإنجيل. وهي في ذلك لا تقل أهمية عن سائر كتابات الرسل. لم يمر 30 سنة على صلب يسوع هذا كمجرم في ولاية بعيدة من ولايات الإمبراطورية ولم يمر غير عشر سنين على مناداة مار بولس للمرة الأولى في فيلبي بخبر موت المسيح موتاً أليماً حتى حصل ما يدهش العقل!

تأمل رجلاً وثنياً لم يعرف حتى اليوم عن المسيح غير أسمه فقط سُوّل له أن يدرس العلائق القائمة بين مار بولس وأعوانه في العمل والذين تنصروا على يده، ثم وقف يتساءل عن العوامل التي أوجدت هذه الشركة والألفة العجيبة بينهم التي كان من أهم مظاهرها تغير مناهج الحياة وتأسس محبة متبادلة قلبية بينهم !

لم يكن الرابط الذي جمع بين هؤلاء رابط الزمان أو المكان ولا رابط الجنسية أو الوظيفة، ولا للمصلحة المشتركة أو القرابة الدموية، بل كان هنالك رابط سري أقوى جداً من جميع الروابط السالفة، وهذا هو الذي ألف بين مار بولس وابفرودتس والمتنصرين من أهل فيلبي. وكانت المحبة بين هؤلاء متينة حتى أشبهوا بها وشيجة مؤلفة من ثلاثة اسدية محكمة الفتل لا يستطيع كاتب الرسالة أن يتصور إمكان حلها، إذا فرح الواحد منهم يفرح رفيقه معه، وإذا حزن أحدهم حزن الثاني له.

وفي الرسالة من كلام الرسول جواب لمثل استفهام الوثني هذا أن القوة الغير منظورة هي ((قوة قيامة المسيح)) (فيلبي 10:3) وتلك المحبة المتبادلة قد فاضت من ((أحشاء يسوع المسيح)) (فيلبي 8:1) غذيت بدمه ونمت بحياته. فإن ناموس المحبة لم يضع لنا من حياة المسيح وموته وقيامته مثالاً فقط ليقتدي به أو واجباً أدبياً ليحترم، بل قوة وحياة روحية لا يشعر بها أبداً ولم تُعرف قبلاً.

  • عدد الزيارات: 1837