الفَصلُ الرَّابِعُ "وصفَةٌ لأجلِ السَّلام" - سِتَّةَ عشرَ شَرطاً للسَّلام
سِتَّةَ عشرَ شَرطاً للسَّلام
إن كُنتَ تُريدُ أن تتمتَّعَ بالسَّلامِ الذي يَصِفُهُ بُولُس، أوَّلُ شَرطٍ عليكَ تلبِيَتُهُ هُوَ أن لا تهتَمَّ بِشَيءٍ (6). فبُولُس لم ينصَحَ بهذا الشَّرطِ الأوَّلِ للسَّلامِ، بسببِ كونِهِ لم يَكُنْ لديهِ ما يَقلَقُ حيالَهُ. بل قالَ لنا أن لا نهتَمَّ بِشيءٍ، لأنَّ القَلَقَ ليسَ غَيرَ مُنتِجٍ فحسب، بَل وهُوَ يُنتِجُ أُمُوراً مُضادَّة. فالقَلَقُ بِبَساطَةٍ لا يُحَقِّقُ شَيئاً، بل يَستَهلِكُ الطَّاقَةَ العاطفيَّةَ والرُّوحيَّة، التي تحتاجُها لكي تتَعامَلَ معَ مشاكِلِكَ. لهذا، يُوافِقُ بُولُسُ معَ يسُوع، مُخبِراً إيَّانا بأن لا نهتَمَّ بِشَيءٍ.
ثُمَّ يُتابِعُ بُولُس لِينصَحَ بِشَرطِهِ الثَّانِي للسَّلام والذي هُوَ: "صَلُّوا لأجلِ كُلِّ شَيء." رُغمَ أنَّ القَلَقَ هُوَ مُناقِضٌ للإنتِاج، فلقد عرفَ الرَّسُول بُولُس أنَّ الصَّلاةَ هي مُنتِجَةٌ جِدَّاً. وعرفَ أنَّهُ بإمكانِ الصَّلاةِ أن تُنقِذَنا من الأزَمَةِ التي نقلَقُ تِجاهَها.
مثلاً، طَلَبَ بُولُس منَ الفِيلبِّيِّينَ أن يُصَلُّوا لأجلِهِ لكي يتحرَّرَ منَ السِّجن. فَصَلُّوا، وهكذا تحَرَّرَ من سِجنِهِ الذي كانَ مَحبُوساً فيهِ عندما كتبَ لهم هذهِ الرِّسالَة المُوحى بها منَ الله. ولكنَّ بُولُس عرفَ أيضاً من إختبارِهِ الشَّخصِي أنَّ اللهَ لا يُزيلُ مشاكِلَنا دائماً.
كانَ بُولُس يُعانِي من مُشكِلَةٍ صِحِّيَّةٍ وصفَها بِكَونِها "شَوكَةً في الجَسَد." ثلاثَ مَرَّاتٍ طَلَبَ منَ اللهِ أن يمنَحَهُ الشِّفاء. لقد رأى هذا الرَّجُلُ كَثِيرينَ يُشفَون من خلالِ كَونِهِ هُوَ الأداةَ البَشَريَّة التي إستَخدمها الرُّوحُ القُدُس لِشفاءِ الآخرين. رُغمَ ذلكَ، عندَما طَلَبَ منَ اللهِ أن يَحُلَّ لهُ مُشكِلَتَهُ الصِّحِّيَّة، أجابَهُ اللهُ ثلاثَ مَرَّاتٍ قائِلاً، "كَلا." قالَ اللهُ لِبُولُس ما معناهُ، "سأمنَحُكَ النِّعمة لتَستَطيعَ أن تتحمَّلَ المُشكِلَة." (2 كُورنثُوس 12).
عندما أعطى اللهُ بُولُسَ النِّعمَةَ لتَحَمُّلِ مُشكِلَتِهِ الصِّحِّيَّة، تعلَّمَ بُولُس من إختِبارِهِ الشَّخصِيّ أنَّ الصَّلاةَ قد تُنقِذُكَ من مُشكِلَتِكَ، أو قد تَمنَحُكَ النِّعمة لتَتَحمَّلَ مُشكِلَتَكَ، ولكن في الحالَتين، علينا أن نُصَلِّي. علينا أن نُصَلِّيَ لأجلِ كُلِّ شَيء. فالشَّرطان ِالأساسِيَّانِ للسَّلامِ عندَ بُولُس هُما: "لا تَهتَمُّوا بِشَيءٍ، بَل في كُلِّ شَيءٍ بالصَّلاةِ."
ثُمَّ يَقُومُ بُولُس بِوَصفِ شَرطهِ الثَّالِث للسَّلامِ، عندما يُخبِرُنا أنَّهُ علينا أن نُفَكِّرَ بِطَريقِنا للسَّلامِ (8). يُخبِرُنا بُولس بما معناهُ أنَّ أفكارَنا هي بمثابَةِ خرافٍ، ونحنُ بِمثابَةِ رُعاةِ هذه الأفكار "الخِراف." فبإمكانِنا أن نُقَرِّرَ كيفَ سوفَ نُفَكِّرُ وكيفَ لن نُفَكِّرَ.
قالَ أحدُهُم، "خمسة بالمائة منَ النَّاسِ يُفَكِّرُون، عشرة بالمائة يَظُنُّونَ أنَّهُم يُفَكِّرُون، خمسةٌ وثمانُونَ بالمائة يُفَضِّلُونَ الموتَ على أن يُفَكِّرُوا، وعشرة بالمائة يَظُنُّونَ أنَّهُم يُفَكِّرُونَ ولكنَّهُم بالحقيقة لا يَفعُلونَ إلى إعادَةِ ترتيبِ أحكامِهم المُسبَقَة بِدُونِ تفكيرٍ البَتَّة!" في وصفتِهِ للسَّلام، يضعُ بُولُس أمامَنا التَّحَدِّي أن ننضمَّ إلى الخمسة بالمائة التي تُفَكِّرُ بالفِعل. وهُوَ ينصَحُنا أن نُقَرِّرَ كيفَ ينبَغي أن نُفَكِّرَ. وهُوَ يُرشِدُنا بالتَّحديد لنُفَكِّرَ بِكُلِّ ما هُوَ حَقٌّ، كلِّ ما هُوَ جَليلٌ، كُلَّ ما هُوَ نَقِيٌّ، كُلِّ ما هُوَ مُسِرٌّ، كُلِّ ما صيتُهُ حَسن.
يَعتَقِدُ المُفَسِّرُونَ أنَّ هذا الجزء من وَصفَةِ بُولُس للسَّلامِ، هوَ تفسيرٌ لما كتبَهُ إشعياءُ النَّبِيّ: "ذُو الرَّأيِ المُمَكَّنِ تحفَظُهُ سالِماً سالِماً لأنَّهُ عليكَ مُتَوَكِّل." (إشعياء 26: 3). يَذكُرُ إشعياء شَرطَينِ للسَّلامِ معَ الله: إذا ثَبَّتنا أفكارَنا على الرَّبِّ، وإذا وضعنا ثِقتَنا بهِ، فسوفَ يحفَظُنا في حالَةِ السَّلامِ الشَّخصِيّ.
ففي زنزانَةٍ في سِجنِ Mamertine في رُوما، حيثُ قضى بُولُس آخِرَ أيَّامِهِ على الأرض، وقبلَ أن قُطِعَ رأسُهُ، لَرُبَّما أصبَحَ هذا الشَّرطُ لِلسَّلامِ نصيحَتَهُ الشَّخصيَّة للصِّحَّةِ والسَّلامة. ففي خِضَمِّ الضُّغُوطات ِالتي لا تُحتَمَل والتي قد يتَوجَّبُ عليكُم مُواجَهَتُها في حياتِكُم، كطَلاقٍ مُعَقَّد، أو إفلاس، أو نَوبَة قَلبِيَّة، أو جِراحَة تُهَدِّدُ الحياة، أو المراحِل النِّهائِيَّة من مَرضِ السَّرطان، أو معركَة، أو سِجن، أعتَقِدُ أنَّكُم ستَكتَشِفُونَ أنَّ هذه الوَصفَة بإمكانِها أن تحفَظَ سلامَكُم وصِحَّتَكُم.
فبُولُس وإشَعياءُ يُوافِقانِ على أنَّهُ إن كانَتِ الثِّقَةُ مُستَمِرَّةً، فسيَكُونُ السَّلامُ كامِلاً ودائماً. وإن لم يَكُنْ هُناكَ ثِقَة، فلن يَكُونَ هُناكَ سلامٌ، لأنَّ سلامَ اللهِ مَشروطٌ بِشِدَّة.
الشَّرطُ الرَّابِعُ للسَّلامِ الذي وصَفَهُ بُولس يتطلَّبُ منَّا تحَرُّكاً. تُعَبِّرُ إحدَى التَّرجماتِ عن العددِ التَّاسِع كالتَّالِي: "الأُمُورُ التي تَعَلَّمتُمُوها وقَبِلتُمُوها وسَمِعتمُوها ورأيتُمُوها فيَّ، فهذا إفعَلُوا، وإلهُ السَّلامِ يكُونُ معَكُم." قد يَقُولُ قائِلاٌ، "هل تقصُدُ يا بُولُس أن تَقُولَ لي أنَّهُ يُوجَدُ شَيءٌ بإمكانِي أن أعمَلَهُ، لِكَي أحصُلَ وأُحافِظَ على سَلامِ الله، خاصَّةً عندما أجتازُ في مرحَلَةِ أزمَةٍ شَخصِيَّة؟"
بالطَّبعِ يُوجَدٌ شَيءٌ عليكَ أن تعمَلَهُ! فَبُولُس يَصِفُ دَوراً حاسِماً وفاعِلاً بإمكانِنا أن نلعَبَهُ، إذا أرَدنا أن نختَبِرَ سلامَ الله. أحياناً يَكُونُ "سارِقُ السَّلامِ" الذي يَسلُبُنا سلامَنا، هو الحقيقةُ الصَّعبَةُ أنَّنا لا نُحسِنُ التَّصَرُّفَ، ولا نعمَلُ الصَّوابَ. فعندما نفقُدُ سلامَنا لأنَّنا نفعَلُ ما هُوَ لِمَنفَعَتِنا، ونخافُ أن نعمَلَ ما هُوَ صَوابٌ، فإنَّ الوصفَةَ التي نحتاجُها هي أن نعمَلَ الأُمُورَ الصَّحيَحة.
وشرطُهُ الخامِسُ للسَّلامِ يُرَكِزُ على "سارِقِ السَّلام" في حَياةِ المُؤمنين الذين تألَّمُوا وعانُوا من خِسارَةٍ فادِحة خلالَ خدمَتِهِم للرَّب (4: 8). هَؤُلاء قد يَصِلُونَ إلى نُقطَةِ اليأسِ، عندما يُشَكِّكُونَ بِقيمَةِ الخَير الذي عملُوهُ بينما كانُوا يخدُمُونَ الرَّبَّ كمُرسَلِين، كمُبَشِّرينَ، كرُعاةٍ، أو كَشُهُودٍ أُمَناءِ للمَسيح في المكانِ الذي وضعَهُم اللهُ فيهِ.
كتبَ بُولُس يَقُولُ بِحَسَبِ التَّرجَمَةِ التي إستَخدَمتُها سابِقاً، "إن كُنتُم تُؤمِنُونَ بالفَضِيلَة..." عندما تَجِدُونَ كلمة "إن" عليكُم أن تُدرِكُوا أنَّ هُناكَ شَرطاً للسَّلامِ تمَّ إدراجُهُ. فالقَضِيَّةُ هي أنَّهُ يتوجَّبُ علينا أن نُؤمِنَ بالفَضِيلَة. تَقُولُ ترجماتٌ أُخرى: "إن كانَت فَضِيلَةٌ." (8)
في كتابَاتِهِ المُوحَاة، يتكلَّمُ بُولُس بإسهابٍ عندما يُوضِحُ كَونَنا لا نخلُصُ بالأعمالِ الصَّالِحَة. في هذه الكِتاباتِ نفسِها، يُعَلِّمُ بُولُس أنَّنا نخلُصُ لأعمالٍ صالِحَةٍ (أفسُس 2: 10). وهُوَ يُعَلِّمُ هُنا أنَّ المُؤمِنَ لا ينبَغي عليهِ أبداً أن يَشُكَّ بِقيمَةِ الفَضيلة التي عمِلَها في خدمتِهِ للرَّبِّ خلالَ حياتِهِ.
كانَ بإمكانِ الرَّسُول بالتأكيد أن يَجِدَ نفسَهُ في "سارِقِ السَّلام." فَمُنذُ تجديدِهِ، ألزَمَ نفسَهُ بأن يعملَ الفَضِيلَة. ولقد كَرَّسَ نفسَهُ كُلِّيَّاً لعملِ يسُوع. وإلامَ أدَّى بهِ هذا؟ من سِجنٍ إلى سِجنٍ، ومن سَيِّءٍ إلى أسوَأ. ورُغمَ ذلكَ، عاشَ في سلام. لقد تمتَّعَ بُولُس بالسَّلامِ، لأنَّهُ تعلَّمَ كيفَ يتغلَّبُ على تجرِبَةِ عَدَمِ الإيمانِ بالفَضِيلَة.
هذا الشَّرطُ مُتَضَمَّنٌ في وصفَةِ بُولُس للسَّلام، لأنَّهُ كانَ سيُوَفِّرُ على كرامَةِ كنيسَةِ يسُوع المسيح الرُّوحِيَّةِ خِسارَةَ السَّلامِ الذي قد تُعانِي منهُ، إذا نَسِيَت أنَّها، ولو لم تُكافَأ على كُلِّ الفَضيلة التي عمِلَتْها من أجلِ المسيح في هذه الحياة، فإنَّ فَضيلَتَها سوفَ تُكأفأُ في الحالَةِ الأبديَّة.
لاحِظُوا أنَّ بُولُس نصحَ قائِلاً، "لا تَهتَمُّوا بِشَيءٍ، بَل في كُلِّ شَيء، بالصَّلاةِ والدُّعاءِ معَ الشُّكر." (فيلبِّي 4: 6). شَرطٌ سادِسٌ للسَّلامِ نَجِدُهُ في هاتَينِ الكَلِمَتَين: "وكُونُوا شاكِرين." فإن كُنتُم تَشيخُونَ، أو إذا تَعرَّضتُم لحادِثٍ، أو لنَوبَةٍ قَلبِيَّة، أو لِمَرَضٍ يتَسَبَّبُ لكُم بأن تفقُدُوا قُدراتِكُم الجَسَديَّة واحِدَةً بعدَ الأُخرى، فأمامَكُم خياران: بإمكانِكُم أن تُرَكِّزُوا على ما خَسِرتُمُوهُ، أو تخسَرُونَهُ، وأن تَكتَئِبُوا وتغضَبُوا حِيالَ ذلكَ، أو بإمكانِكُم التَّركيز على ما لا زِلتُم تتمتَّعُونَ بهِ، وأن تَكُونُوا شاكِرين.
سوفَ تَجِدُونَ أنَّ هذا الخَيار الثَّاني سيكُونُ علاجاً فعَّالاً جدَّاً للسلام. فعندما تُفَكِّرُونَ بهِ، تحصَلُونَ على عِدَّةِ بركاتٍ. وسوفَ تكتَشِفُونَ أنَّكُم عندما تبدَأُونَ بالتَّركيزِ على بركاتِكُم، وتشكُرُونَ اللهَ عليها، سوفَ تنقُلُونَ تفكيرَكُم منَ السَّلبِيِّ إلى الإيجابِيّ، وسوفَ يرجِعُ لكُم سلامُكُم.
يُرَكِّزُ بُولُس على شَرطٍ سابِعٍ للسَّلامِ، عندما يُشيرُ إلى كَونِنا علينا أن نتعلَّمَ بأن نَكُونَ صَبُورِين، لأنَّ نفاذَ الصَّبرِ هُوَ "سارقٌ آخر من سارِقي السَّلام." (10، 11). يستَخدِمُ بُولُس كلمةً أُخرى للتَّعبيرِ عنِ الكِفاية، ألا وهي الصَّبر. ففي علاقَتِنا باللهِ، الصَّبرُ هُوَ "الإيمانُ المُنتَظِر." فعِندَما نُصَلِّي لِشَيءٍ، ونَظُنُّ أنَّنا لا نحصَلُ على جَوابٍ، قد يكَونُ اللهُ يَدعُونا لنَختَبِرَ نَوعِيَّةً منَ الصَّبرِ التي تجعَلُ إيمانَنا ينتَظِرُ الرَّبَّ. ففي علاقاتِنا معَ النَّاس، الصَّبرُ هُوَ "المحبَّةُ المُنتَظِرَة."
عندما ينفُذُ صَبرُنا منِ إنتِظارِ اللهِ أو النَّاس، نفقُدُ حالَةَ السَّلامِ الشَّخصِيّ. إنَّ طبيعَةَ السلام الذي ينصَحُ بهِ بُولُس هُنا هُوَ واحِدٌ من ثِمارِ الرُّوح التِّسع (غلاطية 5: 22، 23). هذا يُؤَكِّدُ الشَّرطَ الذي شارَكتُهُ معَكُم، بأنَّ سلامَ اللهِ هذا ينبَغي أن يَكُونَ علاقَاتِيَّاً.
فاللهُ يُرِيدُ أن يُنَمِّيَ فَضِيلَةَ الصَّبرِ في حياتِنا بإتِّجاهَين: يُريدُ اللهُ أن يُنَمِّيَ صَبراً عمُودِيَّاً، بينما يُعَلِّمُنا أن نتَمَتَّعَ بِسَلامٍ ينتَظِرُ الرَّبَّ. وهُوَ يُريدُ أيضاً بِشكلٍ دائمٍ أن يُنَمِّيَ فينا الإتِّجاهَ الأُفُقِيَ للصَّبرِ في علاقاتِنا معَ الآخرين، بينما يُعَلِّمُنا أنَّ المحَبَّةَ تنتَظِر. فسَلامُنا الشَّخصِيُّ سيَكُونُ سَريعَ العَطَب إلى أن نتعَلَّمَ الصَّبر.
نتعَلَّمُ الشَّرطَ الثَّامِنَ للسَّلامِ، عندما يَنصَحُنا بُولُس بأن يَكُونَ حِلمُنا مَعرُوفاً عندَ جَميعِ النَّاس، أي أن تَكُونَ لنا رُوحٌ وَديعَةٌ وحليمَة، على مِثالِ يسُوع. (5) المفهُومُ الذي نراهُ في هذه الكلمة الكِتابِيَّة: الحِلم، الذي هُوَ الوداعة. إنَّ ميزَةَ الوداعَةِ هي أيضاً ثَمَرَةٌ من ثِمارِ الرُّوح، التي يُبرِزُها بُولُس في رِسالَتِهِ إلى أهلِ غلاطية (غلاطية 5: 22، 23).
فالوَداعَةُ ليسَت ضَعفاً. بَلِ الوداعَةُ هي قَريبَةٌ جِدَّاً بمَفهُومِها إلى التَّرويض. فعندما يَتِمُّ تَرويضُ جَوادٍ بَرِّيّ، يخضَعُ بِقُبُولِ الرَّسَنِ والسَّرجِ، ويخضَعُ لقيادَةِ الشخصِ الذي يُمسِكُ بالمِهماز. هذا الجوادُ لن يُصبِحَ عندها ضَعيفاً، بل وديعاً. ويُمكِنُ وصفُ وداعَتِهِ بكَونِها "قُوَّةً تحتَ السَّيطَرة." وهكذا فإنَّ الحلمَ هُوَ رَدِيفٌ للوداعة. والجوادُ المُرَوَّضُ يُشارُ إليهِ بأنَّهُ وديعٌ أو حَليمٌ. هذا ما تَعنيهِ الكَلمة الكِتابِيَّة "حليم."
كَلِمَةٌ أُخرى مُرادِفَة لمَفهُومِ الحِلم، كما يستَخدِمُها بُولُس، هي كلمة "رِضَى." قِدِّيسُونَ كَثيرُونَ خلالَ سنينَ طَويلَة من إختبارِ السَّيرِ معَ الله، يُخبِرُونَنا بوُجُودِ علاقَةٍ حقيقِيَّةٍ بينَ الرِّضَى والسَّلام. ولا ينبَغي أن نتعجَّبَ عندما نَجِدُ هذا الإرتِباط بينَ السَّلامِ والرِّضَى بِحَسَبِ وصفِ بُولُس. فالسَّلامُ يأتي والسلامُ يرجِعُ غالِباً عندما نقبَلُ محدُودِيَّاتِنا.
وفيما يتعلَّقُ بالشَّرطِ التَّاسِعِ للسلام، إرجِعُوا معِي لنتأمَّلَ بِرِضَى هذا الرَّسُول. بينما نتأمَّلُ بما تعلَّمَهُ هذا الرَّسُولُ، والذي علَّمَهُ كيفَ يرضَى بِكُلِّ ظُرُوفِهِ، علينا أن نستَنتِجَ أنَّهُ منَ الوقتِ الذي فيهِ صارَ يدعُو يسُوعَ رَبَّهُ، أصبَحَ يُؤمِنُ بأنَّ يسُوعَ صارَ صاحِبَ السَّيطَرَة على حياتِهِ. إنَّهُ راضٍ لأنَّهُ يُؤمِنُ أنَّهُ في مشيئَةِ رَبِّهِ ومُخَلِّصِهِ، وأنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقامَ يُسَيطِرُ على كُلِّ شَيءٍ تماماً.
شَرطُهُ التَّاسِعُ للسَّلامِ هُوَ الإستِسلامُ غَيرُ المَشرُوطِ لمشيئَةِ يسُوع المسيح كرَبِّنا. أيُّ شَيءٍ أقَلُّ منَ الإستِسلامِ غَيرِ المَشرُوط ليسُوع المسيح كَرَبٍّ، يُمكِنُ أن يَكُونَ "سارِقَ سَلامٍ" بالنِّسبَةِ لأُولئكَ الذي يعتَرِفُونَ أنَّهُم يتبَعُونَ المسيح. فالكَثيرُ من قَلَقِنا، أو إفتِقارِنا للسلام، يُمكِنُ إرجاعُهُ إلى الحقيَقَةِ المُؤلِمَة أنَّنا لم نتَّخِذْ يسُوعَ رَبَّاً على حياتِنا بِكُلِّ ما لِلكَلِمَةِ من مَعنىً.
بَعضُنا لسنا فقَط غيرَ راغِبينَ بأن نعملَ بمَشيئَةِ المسيح المَرضِيَّة، بل أيضاً نُقاوِمُ مَشيئَتَهُ مثلَ حِصانٍ بَرِّيٍّ يُقاوِمُ وضعَ الرَّسَنِ بينَ فَكَّيهِ. ولكن إذا كُنَّا سنستَسلِمُ بِبَساطَةٍ وإخلاص وبِدُونِ شُروطٍ لإرادَتِهِ المقبُولَة، (إن لم يَكُنْ هذا قد حصلَ بعد في رحلَةِ إيمانِكُم)، فإنَّ إستِسلامَنا غير المَشرُوط ليسوع المسيح سيدفَعُنا قُدُماً نحوَ سَلامِ اللهِ.
شَرطٌ عاشِرٌ للسَّلامِ، يَتِمُّ التَّركيزُ عليهِ عندما يكتُبُ هذا الرَّسُولُ العَظيمُ في وصفَتِهِ للسلام: "أعرِفُ أن أتَّضِعَ وأعرِفُ أيضاً أن أستَفضِل. في كُلِّ شَيءٍ وفي جَميعِ الأشياء قد تَدَرَّبتُ أن أشبَعَ وأن أجُوعَ وأن أستَفضِلَ وأن أنقُصَ." (12) لقد تعلَّمَ بُولُس سِرَّ الإكتِفاءِ في أيَّةِ حالَةٍ وجدَ نفسَهُ فيها.
فماذا كانَ ذلكَ السِّرّ؟ كانَ ذلكَ السِّرُّ أن يتعلَّمَ كيفَ ينالُ نعمَةَ قُبُولِ الأشياء التي تخرُجُ عن سيطَرَتِهِ، مُؤمِناً أنَّ كُلَّ تلكَ الأشياء ينبَغي أن تَكُونَ تحتَ مُوافَقَةِ وسماحِ الرَّبِّ قبلَ أن تدخُلَ إلى حياتِه. لقد كانت حياةُ بُولُس نَمُوذجاً رائِعاً عن حياةِ تلميذٍ قَبِلَ مَشيئَةَ رَبِّهِ ومُخَلِّصِهِ، سواءٌ أكانَتِ الظُّروفُ مُؤاتِيَةً أم مُعاكِسَة تماماً.
إنَّ تطبيقَ الشَّرطِ العاشِر هُوَ واضِحٌ بالنِّسبَةِ لنا. إذ يُمكِنُنا أن نفقُدَ إختِبارَ سلامِ اللهِ، لأنَّنا لم نقبَلْ نعمَةَ المسيحِ الحَيّ لكي نقبَلَ مَشيئَتَهُ يوماً بعدَ الآخر رُغمَ الظُّرُوف.
الشَّرطُ الحادِي عشرَ للسَّلام، هُوَ أن نتعلَّمَ كيفَ نَعيشُ عندما تَصعُبُ الأُمُور. طَريقَةٌ أُخرى للتَّعبيرِ عمَّا أرادَ بُولُس قَولَهُ هي: "بِشكلٍ عامٍّ وبِشكلٍ خاصّ، تعلَّمتُ سِرَّ مُواجَهَةِ الفَقرِ والغِنَى." (4: 12) عندما تَكُونُ في أزَمَة، هل سبقَ وطَلَبتَ من يسُوع أن يُعَلِّمَكَ ما علَّمَهُ لِبُولُس؟ هذا بُعدٌ آخر من أبعادِ سلامِ اللهِ التي ينبَغي أن نتعلَّمَها. فلِكَي تُحافِظَ على سلامِ اللهِ لكَ، أُطلُبْ منَ المسيح أن يُعَلِّمَكَ كيفَ تعيشُ وسطَ الصُّعُوبات.
فإن كُنتَ تُحِبُّ اللهَ وإن كُنتَ مَدعُوَّاً بِحَسَبِ قَصدِهِ، فاللهُ قادِرٌ أن يجعَلَ كُلَّ تلكَ الأُمُورِ التي تحدُثُ لكَ، تعمَلُ معاً لِخَيرِكَ. قد لا يَكُونُ أيُّ خَيرٍ ظاهِرٍ في ما حدَثَ لكَ، ولكنَّ اللهَ قادِرٌ أن يجعَلَ كُلَّ تلكَ الأُمُورِ تعمَلُ معاً لِتُصبِحَ نَمُوذجاً لِخَيرِكَ (رُومية 8: 28). إجعَلْ هذه الحقيقة نصبَ عينَيكَ في كُلِّ أزمَةٍ تجتازُها.
الشَّرطُ الثَّانِي عشَر للسَّلامِ، هُوَ أن تطلُبَ منَ اللهِ أن يُعَلِّمَكَ كيفَ تَعيشُ عندما تَسيرُ الأُمُورُ على ما يُرام. هل سبقَ وفَكَّرتَ بِهذا؟ إنَّهُ لَتَحَدٍّ أصعَب أن تعرِفَ كيفَ تعيشُ وَسطَ الإزدِهار ممَّا أن تعرِفَ كيفَ تَعيشُ وسطَ الظُّروفِ الصَّعبَةِ ووسطَ الفَقر. مُعظَمُنا نَركُضُ نحوَ اللهِ وكَلِمَتِهِ، ونُصبِحُ رُوحِيِّينَ جِدَّاً في ظُرُوفِ الحَياةِ الصَّعبَة. ولكن عندَما يَجِدُ أتباعُ المسيحِ أنفُسَهُم يَعِيشُونَ في زَمنِ الإزدهارِ والبَحبُوحَة، وعندَما يَكُونُونَ مُحتَرَمِينَ منَ الجَميع ويتمَتَّعُونَ بالأمنِ – هذا هُوَ الوقتُ الذي يسقطُ فيهِ مُعظَمُ المُؤمنِين. فالشَّيطانُ يهزُمُ الكَثِيرَ منَ المُؤمنين عندما يَعيشُونَ في الإزدِهار، متَمَتِّعينَ بِبَركات ِالرَّبّ.
لقد شارَكَ معنا بُولُس، بالمِثالِ والنَّصِيحَةِ، الشَّرطَ الثَّانِي عشَر للسَّلام، وذلكَ بإخبارِنا أن نطلُبَ منَ الرَّبِّ أن يُعَلِّمَنا كيفَ نَعيشُ عندما نجتازُ في مراحِلِ الإزدهارِ. لقد خَسِرَ الكَثيرُ منَ المُؤمنينَ سلامَهُم لأنَّهُم لم يطلُبُوا منَ الرَّبِّ أبداً أن يُعَلِّمَها سِرَّ عَيشِ الحياةِ المُقدَّسة وسطَ الإزدِهارِ والبَحبُوحَة (فيلبِّي 4: 12).
لقد رَكَّزَ بُولُس على الشَّرطِ الثَّالِث عشَر لوَصفَةِ السَّلامِ هذه، عندما تحدَّانا بألا ننسَى أبداً أنَّ الرَّبَّ قَريب (5). إن كُنتَ مُتآلِفاً معَ حياةِ بُولُس الرَّسُول، فَكِّرْ بما كانت تعنيهِ لهُ حقيقَةُ أنَّ الرَّبَّ قريب. فعندما كان يختَبِرُ سِجنَهُ الأخير الصَّعب في رُوما، كانَ منَ الخُطُورَةِ بمكانٍ أن يَزُورَهُ أحدٌ ما. ولم يَزُرْهُ أحَدٌ.
في رِسالَتِهِ الأخيرة إلى تيمُوثاوُس، كتبَ يَقُولُ: "الجَميعُ تَركُوني." ولكنَّهُ كتَبَ أيضاً يَقُولُ، "ولكنَّ الرَّبَّ وقفَ مَعي وقَوَّانِي." (2 تيمُوثاوُس 4: 16، و17). هذا ما قَصَدَهُ عندما كتبَ يَقُولُ ما مَعناهُ، "لا تَنسُوا أبداً أنَّ الرَّبَّ قَريب." (فيلبِّي 4: 5). فعندما تَجِدُ نفسَكَ في أزَمَةٍ، أو إن كُنتَ تجتازُ في أزَمَةٍ الآن، لا تَنسَ أنَّ الرَّبَّ قَريب.
لهذا شَدَّدتُ على القاعِدَة الأساسيَّةِ التي تقُولُ أنَّ علاقَةً شخصيَّةً ينبَغي أن تَكُونَ حتماً في مَوقِعِها الصَّحيح، إن كُنتَ جادَّاً بِشَأنِ فهمِ وتَطبيقِ وصفَةِ بُولُس عن سلامِ الله.
الشَّرطُ الرَّابِعُ عشَر للسَّلامِ هُوَ أن تُؤَسِّسَ سلامَكَ وفَرَحَكَ على علاقَتِكَ معَ المسيحِ الحَيّ. فما هُوَ أساسُ سلامِكَ وفرَحِكَ؟ إن كانَ أساسُ سلامِكَ وفَرَحِكَ هُوَ زوجَتُكَ، وأولادُكَ، أو بعضَ الكائناتِ البَشَريَّة التي تتمتَّعُ معها بِعلاقاتٍ مُعَيَّنَة، سيَكُونُ أساسُ سلامِكَ وفرَحِكَ هذا سَريعَ العَطبِ، لأنَّهُ لا تُوجَدٌ علاقَةٌ أرضِيَّةٌ غير قابِلَة للكَسر.
إن كانَ أساسُ إيمانِكَ وفَرَحِكَ هُوَ صِحَّتُكَ، أو شَبابُكَ، أو بُطُولَتُكَ، فإنَّ آلافَ النَّاسِ الذينَ كانت حياتُهُم تتمحوَرُ حولَ صِحَّتِهِم الجَسَدِيَّة، قبلَ أن يُصِيبَهُم مرضٌ أو يُدَمِّرَ حادِثٌ ما أساسَهُم هذا للسلامِ والفَرح، هؤُلاء الآلاف سوفَ يَنضَمُّونَ إليَّ في تحذيرِكَ بأنَّ الصِّحَّةَ والبُطُولَةَ والشباب هي أسُسٌ سريعَةُ العَطب لسلامِكَ وفرَحِكَ.
بينما كان بُولُس يكتُبُ هذه الكَلِماتِ، كانَ يُوَجِّهُنا إلى أساسٍ للسَّلامِ والفَرَح، الذي هُوَ غير قابِلٍ للكَسر: "إفرَحُوا في الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ وأقُولُ أيضاً إفرَحُوا." (4)
الشَّرطُ الخامِسُ عشر للسَّلامِ، في هذه الوَصفَة، نَجِدُهُ عندما يكتُبُ بُولُس: "وإن كانَ مَدحٌ..." أي "إن كُنتُم تَقدُرُونَ مَدحَ أو رِضَى الله..." (8)
لقد سَجَّلَ الرَّسُول يُوحَنَّا سُؤالاً عميقاً حولَ المَدح أو المُوافَقة التي طُلِبَت من قِبَلِ يسُوع. فلقد سألَ رجالَ الدِّينِ مرَّةً، "كَيفَ تَقدِرُونَ أن تُؤمِنُوا وأنتُم تَقبَلُونَ مَجداً بَعضُكُم من بَعضٍ. والمَجدُ الذي منَ الإلَهِ الواحِد لَستُم تطلُبُونَهُ." (يُوحَنَّا 5: 44).
قالَ اللهُ لإبراهِيم، "سِرْ أمامِي وكُنْ كامِلاً." (تَكوين 17: 1). كم منَّا يفعَلُونَ هذا؟كم منَّا يسلُكُوونَ فعلاً أمامَ الله طوالَ الوقتِ وكُلَّ يَوم؟ كم مِنَّا يسلُكُونَ ويتحرَّكُونَ أربَعَةً وعِشرينَ ساعَةً، مُرَكِّزينَ على شُعُورِ اللهِ تجاهَنا حولَ من نحنُ، ماذا نحنُ، أينَ نحنُ، وكُلُّ الأمُور التي نعمَلُها نحنُ؟
كُلُّ مُؤمِنٍ يجتازُ في أزماتٍ في الحياة عندما لا يُمكِنُهُ بِبساطَةٍ أن يُوفِّقَ بينَ رِضَى اللهِ عليهِ وبينَ رِضى النَّاس، أو بينَ مُوافَقَةِ اللهِ ومُوافقَةِ النَّاس. تُوجَدٌ أوقاتٌ لا نَستطيعُ فيها أن نشرَحَ للنَّاسِ ماذا يحدُثُ في حياتِنا. عندَما تأتي هذه الأَوقاتُ، وإن كانَ بإمكانِنا الحُصُول على هذه المُوافَقَة الأُفُقِيَّة، سوفَ نكتَشِفُ أنَّ أساسَ سلامِنا سَريعُ العَطَبِ جِدَّاً. فلِكَي نُحافِظَ على سلامِ اللهِ، علينا أن نتعلَّمَ قِيمَةَ رِضى اللهِ وموافَقَته.
أختُمُ مُلَخَّصِي عن وصفَةِ بُولُس لسلامِ الله، بالشَّرطِ السَّادِس عشَر للحُصُولِ على سلامِ اللهِ ولِحِفظِهِ. تَعَلَّم ماذا يعني أن تستريحَ في المسيحِ يسُوع. "وسَلامُ اللهِ الذي يَفُوقُ كُلَّ عقلٍ يحفَظُ قُلُوبَكُ وأفكارَكُم في المسيحِ يسُوع." (7)
ماذا يَعني أن "نَستَريحَ في المسيحِ يسُوع؟" وماذا يعني أن نَكُونَ "في المسيحِ يسُوع؟" أن نَكُونَ في المسيح هي إستِعارَةٌ مُفَضَّلَةٌ إختارَها كُتَّابُ العَهدِ الجَديد، عندما أرادُوا أن يَصِفُوا تِلكَ العلاقَة البالِغة الأهمِّيَّة معَ رَبِّنا ومُخَلِّصِنا، والتي هي العامِلُ الأكثَر حَيَويَّةً وفعالِيَّةً في معرِفَةِ وحِفظِ سلامِ الله. يُخبِرُنا كُتَّابُ العَهدِ الجَديدِ هؤُلاء، خاصَّةً الرَّسُول بُولُس، أنَّنا نَكُونُ "في المسيح،" إن كُنَّا تلاميذ يسُوع المسيح الحقيقيِّين. يستَخدِمُ بُولُس تلكَ الإستِعارَة سبعاً وتِسعينَ مرَّةً في كتاباتِهِ.
تعني العبارَةُ أنَّنا في إتِّحادٍ معَ المسيح، كما أنَّ الغُصنَ هُوَ في إتِّحادٍ معَ الكرمة (يُوحَنَّا 15: 1- 16). أن نَكُونَ في المسيح، يعني أنَّنا نستطيعُ أن نستَمِدَّ منهُ، كَونَهُ الكَرمة، كُلَّ القُوَّةِ الرُّوحِيَّةِ المانِحَةِ للحياة، التي نحتاجُها لكُلِّ ما نعمَلُهُ لأجلِ المسيح، ومعَهُ وبهِ، بينما نستَريحُ فيه. أن نَكُونَ في المسيح يعني أن نستَريحَ في قُوَّتِهِ، لكَي نعمَلَ الأشياءَ التي يَدعُونا لنعمَلَها طِوالَ اليوم وكُلَّ يَوم.
لقد حاوَلتُ أن أشرَحَ ماذا تعنيهِ عبارَة "في المسيح، وذلكَ بتقديمِ المفهُوم في فكرَةٍ أسمَيتُها "الأسرارُ الرُّوحِيَّةُ الأربَعة." فأنا ما كانَ بِوُسعِي أن أعملَ كما ينبَغي كَكائِنٍ بَشَريٍّ، وبالتأكِيدِ، ما كانَ بِوُسعي أن أُذيعَ كلمةَ اللهِ حولَ العالم بعشراتِ اللُّغاتِ، كَوني مُقعداً وكَسيحاً، بِدُونِ هذه الأسرارِ الرُّوحيَّةِ الأربَعة. وأسراري الأربَعة هي التَّالِيَة:
"ليسَ المُهِمُّ من أنا أو ماذا أنا. بلِ المُهِمُّ هُوَ مَنْ وَمَا هُوَ الرَّبُّ، لأنَّني أنا فيهِ وهُوَ فيَّ. لا شَيءَ يعتَمِدُ على ما أستطيعُ أن أعمَلَهُ، بل ما يستطيعُ الرَّبُّ أن يعمَلَهُ، لأنَّني أنا فيهِ وهُوَ فِيَّ. ليسَ ما أُريدُهُ أنا هُوَ المُهِمُّ. بَلِ المُهِمُّ هُوَ ما يُريدُهُ الرَّبُّ، لأنَّني فيهِ وهُوَ فيَّ."
عندما تحدُثُ الأُمُورُ الحَسنَةُ، بِسَبَبِ كونِ الرَّبِّ قد مَرَّرَ قُوَّتَهُ المانِحَة للحَياةِ من خلالِي، كَوني واحِداً من أغصانِهِ، عليَّ أن أتَذَكَّرَ دائماً هذا السِرَّ الرُّوحِيَّ الرَّابِع، الذي هُوَ: "لَمْ يَكُنِ المُهِمُّ ما فعَلْتُهُ أنا، بل ما فَعَلَهُ الرَّبُّ، لأنَّني كُنتُ فيهِ وكانَ هُوَ فِيَّ."
بِكَلِماتِي الخاصَّة، هذا ما تعنيهِ عبارَة "أن نَستَريح في المسيح." فالكَثيرُ من قَلَقِنا، والكَثيرُ من فُقدانِ سلامِنا، ولَرُبَّما أعظَمُ "سارِقٍ للسَّلامِ" الذي يعتَرِضُ سَبِيلَنا، هُوَ التَّفكيرُ بأنَّهُ يتوجَّبُ علينا أن نعِيشَ كما عاشَ المسيح، وأن نعمَلَ عملَ المسيحِ بِقُوَّتِنا.
أنا أُدرِكُ أنَّهُ منَ المُمكِنِ أن تَجتازَ أزَمَةً صِحيَّةً، التي يُمكِنُ أن تنتَزِعَ منكَ قُدرَتَكَ أن تتذَكَّرَ أو أو تُرَكِّزَ أفكارَكَ بِشكلٍ كافٍ لتَستَطيعَ أن تُصَلِّيَ. لِهذا أَوَدُّ أن أُشارِكَ مَعَكَ صَلاةً للسَّلامِ الشَّخصِيِّ، مَبنِيَّةً على هذه الوَصفَة. فإن كُنتَ تُريدُ أن تختَبِرَ سَلامَ اللهِ الذي وصفَهُ لنا بُولُس هُنا، أدعُوكَ لتُصَلِّيَ معي هذه الصَّلاة:
أيُّها الآبُ، أنتَ تَقُولُ لنا في كَلِمَتِكَ أنَّكَ تستَطيعُ أن تحفَظَنا في سلامٍ شَخصِيٍّ كامِلٍ، إذا لَبَّينا شُروطَكَ لهذا السَّلام. وبما أنَّني أطلُبُ سلامَكَ في حيَاتِي، أعطِني الحِكمَةَ بألا أقلَقَ حِيالَ أيِّ شَيءٍ، والإيمانَ لأُصَلِّيَ من أجلِ كُلِّ شَيء.
أعطِني الإنضِباطَ العَقليّ لأُفَكِّرَ بِكُلِّ الأشياءِ الحَسنَةِ والإستِقامَةِ الأدبيَّة لأعملَ كُلَّ الأشياء الصحيحة.
أعطِني التَّفاؤُلَ العَنيد الذي يُؤمِنُ بالصَّلاحِ، وإمنَحني نظرَةً ثاقِبَةً إلى ما أنتَ بِصَدَدِ عمَلِهِ، وإلى ما تَعمَلُهُ الآنَ في حياتي وفي عالَمي، لِكَي أشْكُرَ في كُلِّ شَيء.
أعطِنِي أن لا أُعَجِّلَكَ، وأن لا أَسبِقَكَ، بل أن أنتَظِرَكَ دائماً، مُختَبِراً ومُعَبِّراً عنِ اللُّطفِ والصَّبرِ اللَّذَينِ هُما ثَمَرُ رُوحِكَ الذي يَحيا فِيَّ.
بينَما أُرَتِّبُ أولَوِيَّاتِي، أعطِني أن أُقَدِّرَ قِيمَةَ مُوافَقَتِكَ على من أنا، ما أنا، وماذا أعمَلُ، وأن لا أسلُكَ أمامَ النَّاسِ ليَراني النَّاس، ولا لأُرضِيَ النَّاس.
لا تَدَعْنِي أنسَى كم أنتَ قَريبٌ منِّي، بينما أقتَرِبُ منكَ، عابِداً إيَّاكَ ومُتَمَتِّعاً بِكَ كُلَّ يَومٍ وإلى الأبد.
دَعني أُسَلِّمُ حياتِي لكَ إلى أن يتحقَّقَ إنسجامٌ كامِل بينَ إرادَتي وإرادَتِكَ.
إمنَحْنِي النِّعمَةَ لأقبَلَ إرادَتَكَ، مرحَلَةً بعدَ الأُخرى، سواءٌ عندَما تَكُونُ الظُّرُوفُ صَعبَةً، أم عندَما تَكُونُ مُريحَة. بِنِعمَتِكَ، دَعنِي أتَعَلَّمَ كيفَ أزدَهِرُ رُوحِيَّاً، وكيفَ أكتَفِي عندما أكُونُ غَنِيَّاً، أو عندما أُعاني منَ الفَقرِ المُدقِع.
وفي النِّهايَة، أيُّها الآب،إجعَلْنِي مُدرِكاً أنَّهُ ليسَ المُهِمُّ من هُوَ أنا، بَلِ المُهِمُّ هُوَ من هُوَ أنتَ؛ واجعَلْنِي مُعتَرِفاً أنَّهُ ليسَ المُهِمُّ ما أستَطيعُ أنا فعلَهُ، بل المُهِمُّ ما تَستَطيعُ أنتَ فِعلُهُ؛ واجعَلْني مُوافِقاً أنَّهُ ليسَ المُهِمُّ ما أُريدُهُ أنا، بل ما تُريدُهُ أنتَ؛ واجعَلْني مُتَذَكِّراً أنَّهُ بالتَّحليلِ النِّهائِيِّ، لن يَكُونَ الأمرُ هُوَ ما فَعلتُهُ أنا، بل ما فَعَلتُهُ أنتَ هُوَ الذي ستَكونُ لهُ نتائِجُ باقِيَة وأبديَّة؛ بِناءً عليهِ، أعطِني تلكَ الثِّقَة المُطلَقَة بكَ، وذلكَ الإعتِماد التَّام عليكَ، الذي سيجعَلُ قلبي وعقلي يستَريحانِ فِعلاً في المسيح.
أهِّلني لأُلَبِّيَ هذه الشُّروط للسَّلامِ الشَّخصِيّ، بإسمِ رَبِّي يسُوع المسيح، من أجلِ سلامي ومن أجلِي مَجدِكَ. آمين.
- عدد الزيارات: 9638