الفَصلُ الأوَّل "وَصَفَةٌ للإرشاد"
خلالَ خِدمَتي كَراعي كَنيسة لحَوالي خمسة عُقُودٍ منَ السِّنين، أكثَرُ سُؤالٍ طُرِحَ عَلَيَّ كانَ التَّالِي: "أيُّها القسّ، كيف يُمكِنُني أن أعرِفَ إرادةَ اللهِ؟" أحياناً، كانَ السُّؤالُ يتعلَّقُ بِقرارٍ على مُفتَرَقٍ طُرُقٍ، وأحياناً أُخرى، وَرَدَ السُّؤالُ على الشَّكلِ التَّالِي: "كيف يمكنني أن أعرف إرادة اللهِ لحياتي؟"
خلالَ إجابَتي على هذا السُّؤال لِعِدَّةِ مَرَّاتٍ عبرَ السِّنين، رَكَّزتُ على إثنَتَي عشرةَ خُطوَة يتوجَّبُ علينا إتِّخاذُها، عندما نُريدُ أن نعرِفَ إرادَةَ الله. هذه الخُطواتُ الإثنَتَا عشرَةَ ليسَت مُعادَلَةً مُحدَّدَةً بِدِقَّة، تَقُودُنا مُباشَرَةً وبِوُضُوحٍ إلى معرِفَةِ مشيئَةِ الله، ولكنَّها تُبرِزُ القضايا التي ينبَغي النَّظَرُ إليها عندما نُحاوِلُ أن نجعَلَ إرادَاتِنا تَنسَجِمَ معَ إرادَةِ اللهِ.
المرَّةُ الأُولى التي تكلَّمَ فيها اللهُ القُدُّوس معَ الإنسانِ السَّاقِطِ في الكِتابِ المُقدَّس، كانت أنَّهُ طرحَ عليهِ سُؤالاً. وكانَ هذا السُّؤال: "أينَ أنتَ؟" المَرَّةُ الثَّانِيَة التي تكلَّمَ فيها اللهُ معَ الإنسانِ السَّاقِطِ، طرحَ عليهِ سُؤالاً آخَر، وكانَ هذا السُّؤال، "من قالَ لكَ؟" يتضمَّنُ السُّؤالُ الأوَّلُ أنَّهُ يُفتَرَضُ بنا أن نَكُونَ في مكَانٍ ما، وأنَّنا لا نَكُونُ دائماً حَيثُ يُفتَرَضُ بِنا أن نَكُون. وبِحَسَبِ السُّؤالِ الثَّانِي، يسأَلُنا اللهُ، "إلى من تَستَمِعُون؟" وهُوَ يُخبِرُنا أينَ نحنُ بالنِّسبَةِ إلى المكانِ الذي كانَ يُفتَرَضُ بنا أن نَكُونَ فيهِ. هذا يعني أنَّ الإرشادَ الإلهِيَّ هُوَ من أُولى الحقائِقِ التي أخبَرنا بها اللهُ في الكتابِ المُقدَّس.
هذانِ السُّؤالانِ اللَّذانِ نَجِدُهُما في الإصحاحِ الثَّالِث من سفرِ التَّكوين، هُمَا وصفَةٌ للإرشادِ الإلَهِيّ كما كانَ في ذلكَ الزَّمان، لأنَّ اللهَ يُريدُنا أن نفهَمَ الإرشادَ الإلَهِيَّ كما يَصِفُهُ اللهُ اليوم. فعِندَما نعرِفُ أينَ نحنُ وأينَ يُفتَرَضُ بنا أن نَكُونَ رُوحِيَّاً، علينا أن نُدرِكَ أنَّنا لا ينبَغي أن نحصَلَ على المعلُوماتِ منَ النَّاس، بل ينبَغي أن نتأكَّدَ أن تأتِيَ وُجهَتُنا الرُّوحيَّة منَ الله.
يأتي السُّؤالُ الثَّاني في الأصلِ العِبريّ في الكتابِ المُقَدَّس على الشَّكلِ التَّالي، "من جَعَلَكَ تعرِفُ..." وعندما نُدرِكُ أنَّ اللهَ يجعَلُنا نعرِفُ أينَ نحنُ وأينَ ينبَغي أن نَكُونَ، قد لا نَشعُرُ بالإرتِياحِ لنَقُولَ للآخرين، "اللهُ قالَ لي." وقد نشعُرُ أكثَرَ إرتِياحاً بإقتِباسِ هذه الحقيقة بأكثَرِ دِقَّةٍ عندما نَقُولُ، "اللهُ جعَلَنا نعرِفُ أنَّنا لسنا حيثُ نحتاجُ أن نَكُونَ في هذه المرحلة من حياتِنا."
نقرَأُ قِصَّةً عن أميرالٍ في البَحرِيَّةِ الأميركيَّة، الذي كانَ على مَتنِ سَفينَةٍ من سُفُنِهِ وسطَ جَوٍّ عاصِفٍ، وسُرعانَ ما إستَلَمَ رِسالَةً تقَولُ: "أيُّها الأميرال، لقد إستَلمنا رِسالَةً طارِئَةً على شاشَةِ الرَّادار، تَقُولُ أنَّنا على خَطٍّ سيَقُودُنا إلى الإصطِدامٍ بالطَّرَفِ الذي أرسَلَ الإشارَة. فماذا تنصَحُنا؟" فأجابَ الأميرالُ، "أرسِلُوا الرِّسالَةَ التَّالِيَة للطَّرفِ الآخر: أنتُم على وَشَكِ الإصطِدامِ بنا. الرَّجاءُ أن تُغَيِّرُوا إتِّجاهَكُم خمسَ عشرةَ درجةً شمالاً."
بعدَ دَقائِقَ معدُودَة، أُعلِمَ الأميرالُ أنَّهُم إستَلَمُوا على متنِ سفينتِهِ الجوابَ التَّالِي: "صحيحٌ أنَّنا على مسارٍ التَّصادُم. فالرَّجاءُ أن تُغَيِّرُوا إتِّجاهَ مسارِكُم خمسَ عشرَةَ دَرجَةً جَنُوباً." فأعطى الأميرالُ الأمرَ بإرسالِ الجوابِ التَّالِي: "هُنا الأميرال بِيتر جُونسُون، منَ البَحرِيَّةِ الأميركيَّة. أنصَحُكُم بِتَغييرِ مسارِكُم خمسَ عشرَةَ درجَةً شمالاً."
فجاءَ الجَوابُ التَّالِي على هذه الرِّسالَة الأخيرة: "هُنا حَارِسُ الشَّاطِئ الأميركيّ وِيللارد سوَاير. أنصَحُكُم بِتَغييرِ مسارِكُم خمسَ عشرَةَ درجَةً جَنُوباً." فعندما إستَلَمَ الأميرالُ هذا الجوابَ، إستَشاطَ غَيظاً، وأرسَلَ الرِّسالَةَ التَّالِيَة: "آمُرُكَ بأن تُغَيِّرَ مسارَكَ خمسَ عشرَةَ درجَةً شمالاً. فأنا أميرالُ الأُسطُول، وآمرُكَ من على سَفينتِي بإطاعَةِ الأوامِر."
"بعدَ وقفَةٍ وجيزة، جاءَ الجوابُ التَّالي: "أنصَحُكُم بِشِدَّة أن تُغَيِّرُ مسارَكُم خمسَ عشرَةَ درجَةً جَنُوباً. فأنا حارِسُ الشَّاطئ الأميركيّ، وأَقِفُ على رأسِ بُرجِ منارَةٍ ثابِتَة."
عندما يجعَلُنا إلهُنا القَادرُ على كُلِّ شَيءٍ نعرِفَ أينَ نحنُ وأينَ يُفتَرَضُ بنا أن نَكُونَ، لا ينبَغي أن يكُونَ هُناكَ أدنَى شَكٌّ في من هُوَ الذي ينبَغي أن يُغَيِّرَ إتِّجاهَهُ. بل علينا أن نستَسلِمَ لِتَوجِيهِهِ عندما يَجعَلُنا نَعرِفُ أينَ يُريدُنا أن نَكُونَ كُلَّ يَومٍ.
- عدد الزيارات: 20892