الفَصلُ الثَّالِث وَصَفاتٌ كِتَابِيَّةٌ للَغضَبِ المُقدَّس
لَرُبَّما تكُونَ قد سأَلتَ نفسَكَ عندما كُنتَ تقرأُ الفَصلَ الأخِير، "هل يُمكِنُ أن يكُونَ هُناكَ ما يُسمَّى بالغَضَبِ المُقدَّس؟ الجوابُ على سُؤالِكَ هو بالتأكيد، "نعم!" فالغَضَبُ ليسَ دائماً غضباً آثِماً. نحنُ نَعرِفُ هذا لأنَّ مشاعِرَ الغَضَب تُنسَبُ إلى يسُوع أكثَرَ من مرَّةٍ في الأناجيل الأربَعة. كانَ يسُوعُ غاضِباً عندما رَأَى أنَّ هيكَلَ سُلَيمان، الذي كانَ ينبَغي أن يكُونَ بَيتَ الصلاة، قد تحَوَّلَ إلى سُوقِ تجارَةٍ فاسِدة. فلقد حَوَّلَ رِجالُ الدِّينِ طُقُوسَ العِبادة التي علَّمَ بها مُوسى إلى خدعَةٍ لإستِغلالِ الحُجَّاجِ اليَهُود الذين كانُوا يَزُورُونَ أُورشَليم من أنحاءِ العالم، بمُناسَبةِ الأعيادِ المُقدَّسة بِحَسَبِ نامُوسِ مُوسى.
كانُوا يُلزِمُونَهم بدَفعِ ثمَنِ الحيواناتِ لتقديمها كذبائح، خمسةً وسبعينَ ضعفاً بما يفُوقُ قِيمتَها الحقيقيَّة، وهكذا ألزَمُوهُم على شِراءِ هذه الحَيواناتِ الباهِظَةِ الثَّمَن. ولم يقبَلُوا أن يتداوَلُوا إلا بِعِملَةِ الهَيكَل التي إختَرَعُوها، وأجبَرُوا الحُجَّاج على شراءِ هذه العملة من صَيارِفَةِ الهيكَل بأثمانٍ باهِظَةٍ جداً.
عندما دمَّرَ الرُّومانُ الهَيكَل بعدَ أربَعين سنَةً من ذلكَ التاريخ، وجدُوا بِعُملَةِ اليوم ما يُعادِلُ سبعَة ملايين دُولاراً، مَوجُودينَ في خزنَةٍ خاصَّة. لا عَجَبَ أنَّ يسُوعَ كانَ غاضِباً عندما قلَّبَ موائِدَ الصَّيارَفة، وطهَّرَ باحَةً مساحَتُها حوالي خمسةً وعشرينَ ألف متراً مُرَبَّعاً، بينما كانَ يصرُخُ أنَّهُم حوَّلُوا بيتَ الصلاةِ إلى مغارَةِ لُصُوص. لقد كانَ غضَبُ يسُوع غضباً مُقدَّساً، لأنَّ غضبَهُ كانَ نابِعاً من كونِ مشيئَةِ وعملِ الآب مُعاقَين بنظامِ رجالِ الدِّين الفاسِدين.
تُوجَدُ كلمةُ غََضَب حوالي ثلاثمائة مرَّة في الكتابِ المُقدَّس. ثمانٍ وتِسعينٍ بالمائة من المرَّاتِ التي إستُخدِمت فيها، نجِدُها تُشيرُ إلى الغَضَب، أو غضَب الله. فإذا غَضِبَ اللهُ، ينبَغي أن يكُونَ غضَبُهُ هذا غضباً مُقدَّساً. تأمَّلُوا بهذين التَّعرِيفَين الجَيِّدَين لِغَضَبِ الله: "إنَّ غَضبَ اللهِ هُوَ ردَّةُ الفِعل المُبِيدة من قِبَلِ القداسَةِ الكامِلة ضدَّ ما هُوَ ليسَ مُقَدَّساَ بتاتاً،" و "غضَبُ اللهِ هُوَ ردَّةُ الفعلِ المُبِيدة من قِبَلِ إلهٍ مُحِبٍّ ضدَّ كُلّ ما يُدَمِّرُ موضُوعَ مَحَبَّتِه."
عندما أُحضِرَ مُجرِمٌ كانَ قد إعتَدَى على طِفلَةٍ في السَّابِعةِ من عُمرِها وقتلَها، عندما أُحضِرَ إلى مَحطَّةِ الشُّرطَة، تطلَّبَت تهدِئَةُ والِدِ هذه الطفلة المَغدُورة ثمانيةً أعضاءٍ من مركَزِ الشُّرطة. لقد كانَ والِدُها زوجاً وأباً لَطيفاً ومُحِبَّاً، ولكنَّهُ كانَ قدِ إمتَلأَ بالغَضَبِ ضِدَّ ذلكَ الذي دمَّرَ موضُوعَ محبَّتِه. فهل من المُمكِن أن تكُونَ مُحِبَّاً وفي نفسِ الوقت قادِراً على الغَضب؟ بالطبع هذا مُمكِنٌ.
إن كُنتَ تُحِبُّ اللهَ، سوفَ تُدعى بِحَسَبِ خُطَّتِهِ لتعمَلَ عملَهُ (رُومية 8: 28). إن كانَ هذا العددُ المألُوفُ من كلمةِ اللهِ يُظهِرُ الطريقة التي تُعَبِّرُ بها عن محبَّتِكَ لله ورغبَتِكَ بالحَياة، فأيُّ غَضَبٍ سوفَ يشتَعِلُ في قَلبِكَ عندما ترى أنَّ إرادَةَ، وخُطَّةَ، ومحبَّةَ اللهِ لكَ قد أُعيقَت وجُدِّفَ عليها من قِبَلِ أشخاصٍ أشرارٍ في هذا العالم؟
إذا قرأتَ التَّاريخ، سوفَ تَجِدُ أنَّ بعضَ النَّاس الذي إستَخدَمَهُم اللهُ ليُتَمِّمُوا مشيئةَ اللهِ وعمَلَهُ على الأرض، كانُوا أتقِياءَ ورُوحيِّينَ ومُقدَّسِين جداً. عندما رأى أبراهام لِنكُولن العَبيدَ يُباعُونَ كالحَيوانات في السُّوق، إشتعلَ غضَبُهُ! لقد آمنَ أنَّ العُبُوديَّةَ لم تَكُنْ مشيئَةَ الله، ولهذا كانَ غاضِباً جداً. هذا هُوَ الغَضَبُ المُقدَّسُ.
كانَ هُناكَ مُؤمِنُونَ آخرُونَ عُظَماء، أمثال Wilburforce الذي قاوَمَ العُبُوديَّةَ بكُلِّ جوارِحِِه، والذي كانَ ينتَمِي إلى مجمُوعَةٍ تُسمَّى "مجمُوعة كلابهام" في إنكلترا. هذه المجمُوعة، التي تتألَّفُ من أتباع أتقِياء ليسُوع المَسيح، في ذلكَ المُجتَمع الرُّوحي الذي أزالَ العُبُودِيَّةَ من الوُجُود، لأنَّهُم آمنُوا أنَّ العُبُوديَّةَ أحزَنَت وأغضَبت قلبَ إلهِهم المُحِبّ. لقد كانُوا مُقتَنِعين أنَّ قلبَ اللهِ أُحزِنَ وغَضِبَ لأنَّ العُبُودِيَّةَ كانَت تُدَمِّرُ موضُوعَ محبَّتِهِ.
يوجَدُ مؤمِنُونَ اليوم يشتَعِلُ فيهم الغَضَبُ المُقدَّسُ اليوم بسببِ الإجهاض المُنتَشِر حولَ العالم. إنَّهُم يَتَمَسَّكُونَ بشدَّةٍ بالإقتِناعِ أنَّ ملايين الأطفال الذين يُقتَلُونَ ويُسحَبُونَ من أرحامِ أُمَّهاتِهم، أو يُقتَلُونَ بأيَّةِ طريقَةٍ أُخرى سنويَّاً، أنَّ هذا هُوَ أمرٌ أشَدُّ ظُلماً من تجارَةِ العَبيدِ في القُرونِ السابِقة.
هل تغضَبُ عندما ترى الذين يُحِبُّهم اللهُ وهُم تُساءُ مُعامَلَتُهم. هل سبقَ لكَ ورأيتَ أطفالاً أُسيئَت مُعامَلَتُهُم، أو نساءً تعرَّضنَ للضَّربِ؟ إن كُنتَ قد رأيتَ أمثالَ هؤلاء، هل إشتَعَلَ غضَبُكَ عندما رأيتَ هؤلاء الأبرياء غير القادرينَ على الدِّفاعِ عن أنفُسِهم يُصبِحُونَ ضَحِيَّةَ العُنف؟ إن كُنتَ قد شعرتَ بذلكَ، فهذا هُوَ الغَضَبُ المُقَدَّسُ.
بِحَسَبِ الكِتابِ المُقدَّس، هُناكَ غَضبٌ مُقدَّسٌ وهُناكَ غَضَبٌ آثِم. عندما تكُونُ واحداً من هؤلاء الضَّحايا المَذكُورينَ أعلاهُ، قد يكُونُ غَضَبُكَ غضباً آثِماً أو مُقدَّساً. تستطيعُ أن تجِدَ وصفاتٍ لكِلَي النَّوعَين من الغَضَب في كلِمَةِ الله. كراعي كَنيسة، تعلَّمتُ كم هي هذه الوصفاتُ للغَضَب دقيقَةٌ وهامَّةٌ في حياتِي وفي حياةِ الذين يدعُونَني كراعِيهم.
هُناكَ مَثَلٌ على ذلكَ لا أنساهُ أبداً، وهُوَ عندما جاءَتني إمرأَةٌ رُوحِيَّةٌ غاضِبَةٌ جدَّاً، لكي تُشارِكَ معي مُشكِلَةً ما. كانَ لديها هِي وزوجها ثلاثة أولاد. كانت الصُّغرى طفلَةً محبُوبَةً جداً في الثالِثَةِ من العُمر. وكان لدى هذه المرأة مَيلاً كَبيراً لقتلِ إبنَتِها الصغيرة هذه.
رُغمَ أنَّها لم تُعطِي أيَّ دَليلٍ على كونِها غاضِبَةً من أيِّ شخصٍ كان، قُلتُ لها، "أرجُو أن أراكِ ثانِيَةً، وقبلَ رُجُوعكِ، أرجُو أن تكتُبِي لي لائِحَةً بأسماءِ الأشخاص الذين قد تَكُونِي غاضِبَةً منهُم في حياتِكِ، خاصَّةً إن كُنتِ قد عبَّرتِ حقيقَةً عن غضَبِكِ تجاهَهُم." ولقد صُدِمتُ أنَّها عندَما رَجَعَت في الأُسبُوعِ التَّالي حامِلةً لائِحَةً بأكثَر من ثلاثِينَ شخصاً! كانت تُخفِي تحتَ سطحِ شخصِيَّتِها الهادِئة غضباً مُستَعِراً تجاهَ هَؤُلاء الأشخاص، وكان لها مِلءُ الحقِّ بأن تغضَبَ منهُم.
وفي السنتَين التالِيَتَين، شجَّعتُها على التعبيرِ عن غضَبِها بطريقَةٍ صحيحةٍ، وعلى التعبيرِ عن أسبابِ غضبِها، ولكن بطريقَةٍ لا تكُونُ آثِمَةً. وبما أنَّ مُعظَمَ الأشخاص الذين على لائحتِها كانُوا ينتَمُونَ إلى كَنيستِها، شجَّعتُها وساعَدتُها على أن تتصالَحَ وتُرَمِّمَ العلاقات معَ كُلِّ الأشخاصِ الذين كانُوا على لائحَةِ غََضَبِها. وبَينَما كانَت تفعَلُ ذلكَ لمُدَّةِ سنتين، ذهبَتَ نزواتُه الغاضِبَة بعيداً، كما يخرُجُ الهواءُ المَضغُوطُ من الإطارِ المنفُوخ. وهكذا تخلَّصَت من رغبَتِها الجامِحَة بِقتلِ إبنتِها.
لقد تَعَلَّمتُ مِنها دُروساً قَيِّمَةً عن الغَضَب. الدَّرسُ الأوَّلُ كانَ أنَّهُ من غَيرِ الصحيحِ أن نكبُتَ الغَضَب. لهذا ينصَحُ بُولُس الرَّسُول في المقطَعِ الذي قرأناهُ في بدايَةِ هذا الفَصل، أنَّنا عندما نغضَبُ، علينا أن لا ندَعَ الشمسَ تغرُبُ على غَضَبِنا. وعلينا أن لا نُخَزِّنَ غضَبَنا من يومٍ إلى آخَر. فإذا كبَتنا غضَبَنا، سوفَ يخرُجُ بطريقَةٍ أُخرى، لَرُبَّما بشكلٍ مُنحَرِفٍ، كما كانَ لدى تلكَ المرأة نزوَةٌ لِقتلِ طفلتِها الصَّغِيرَة مثلاً.
ولقد تعلَّمتُ أيضاً أنَّ جزءاً حَيَويَّاً من الوصفةِ الكِتابِيَّةِ للغَضَبِ المُقدَّس، في حالِ كونِ الضَّحِيَّةِ شخصاً رُوحيَّاً، هو أن نغفُرَ للَّذِينَ يُسيئُونَ إلينا. لقد كانت هذه المرأَةُ رُوحيَّةً، ولقد نالَت النَّعمة من الله لتغفِرَ لأُولئكَ الأشخاص الذين أساؤُوا مُعامَلَتها.
إحدَى أصعَب العقَبات في وجهِ الشِّفاءِ الدَّاخِلِيّ لِضحايا إساءَة المُعامَلَة، هي أنَّ الضَّحايا لا يغفِرُونَ للذين أساؤوا مُعامَلَتَهُم. ويتطلَّبُ الأمرُ نعمَةً خارِقَةً للطَّبِيعة للُغفرانِ كما غُفِرَ لنا، ولكن إذا إفتَرَضنا أنَّ اللهَ سيَمنَحُنا النِّعمة، الترجمَةُ الحَرفِيَّةُ لصلاةٍ علَّمَها يسُوعُ لتلاميذِهِ تُعطينا وصفَةً للِغَضَبِ المُقدَّس: "واغفِرْ لنا ذُنُوبَنا كما نغفِرُ نحنُ للمُذنِبِينَ إلَينا" (متَّى 6: 12).
كَلِماتٌ صَعبَة
إنَّها كلِماتٌ ينبَغي أن تُقالَ فقط من قِبَلِ أشخاصٍ رُوحِيِّين، في إطارِ علاقاتِهم. وهذه الكلمات هي: "لقد كُنتُ مُخطِئاً. أنا آسِف. هل تُسامِحُني؟" قد يتغَيَّرُ عددُ هذه الكلمات من لُغَةٍ إلى أُخرى، حيثُ قد يحتَوي الفِعلُ على الضَّميرِ في الوقتِ نفسِه، مثل اللُّغة اليُونانِيَّة. الطريقَةُ الثَّانِيَة التي يُعبَّرُ بها عن هذه الكلمات هي التالِيَة: "لقد كُنتَ مُخطِئاً. ولقد آذَيتَني. ولكنَّني أُسامِحُكَ." لقد أنقَذَتْ هذه الكَلِماتُ العديدَ من الزيجات، وغيابُ هذه الكلمات سبب دمارَ العديدِ من الزِّيجاتِ والعَلاقات.
يظهَرُ الغضَبُ المُقدَّسُ ووصفاتُهُ بعدَّةِ أشكالٍ. ولكن بِغَضِّ النَّظَر عمَّا نشعُرُ بهِ من إستنكارٍ حيالَ إبتِعاد المُجتَمَع عن أُمُورِ الله، أو الألَم الشَّخصِي لكَونِنا ضَحِيَّةً، علينا دائماً أن نتفَحَّصَ مصدَرَ غَضَبِنا، وموضُوعَ غضَبِنا الحَقيقيّ، وأن نُطَبِّقَ الأعمال الكِتابِيَّة المَنصُوح بها. علينا أن ننظُرَ داخِلَ أنفُسِنا لنُحَدِّدَ دافِعَ غََضَبِنا. علينا أن نسألَ اللهَ بأن يُفتِّشَ قُلُوبَنا ويُحدِّدَ ما إذا كانَ سببُ غضَبِنا هُوَ أنَّ إرادَتَهُ وعملَهُ قد أُعيقا أو إنتُهِكا، أم إذا كُنَّا غاضِبِينَ لكَونِ عقَبَةٍ ما تُعيقُ تقدُّمَ خُطَّتنا الذَّاتِيَّة.
سُرعانَ ما يتمُّ تحديدُ أبعادِ غضَبنا، علينا أن نطلُبَ من الله أن يُجَيِّرَ إستنكارَنا وغضبنا المُقدَّس لجعلِها قُوَّةً إيجابِيَّةً يستطيعُ إستخدامَها لقَلبِ الظُّلمِ الإجتِماعِيّ مثل تجارَة الرَّقيق والإجهاض. علينا أن نعتَرِفَ بغضَبِنا الآثِم، وأن نطلُبَ الغُفران من أُولئكَ الذين آذَيناهُم بِغَضَبِنا. أحياناً، علينا أن نغفِرَ للذينَ أساؤوا مُعامَلَتَنا، وأن نبدَأَ بعَمَلِيَّةِ الشفاءِ الدَّاخِليّ، في حياتِنا وفي حياتهم، بالمُصالَحَةِ من خلالِ المسيح معَ اللهِ ومع بعضِنا.
إن كُنتَ تحتاجُ إلى مُساعَدَةٍ إضافِيَّةٍ، وإن كُنتَ تعرِفُ شخصاً يُعانِي من هذه المُشكِلة، أرجُو أن تدرُسَ الأعدادَ التالِيَة، التي ستُساعِدُكَ لتفهَمَ كيفَ تُساهِمُ وصفَةُ اللهِ للغضبِ والمُسامَحة بشفاءِ حياتِكَ الرُّوحِيَّة داخِليَّاً. مزمُور 7: 11؛ أفسُس 4: 26، 31، 32؛ 2أخبار 7: 14؛ متَّى 6: 12، 15؛ 18: 21- 35؛ كُولوسي 3: 13.
- عدد الزيارات: 6241