الفَصلُ الثَّاني وصفاتٌ كِتابِيَّة لِلغَضَبِ الخاطِئ - وَصَفَاتٌ كِتابِيَّةٌ لِلغَضَبِ الآثِم
وَصَفَاتٌ كِتابِيَّةٌ لِلغَضَبِ الآثِم
إنَّ التعريفَ الكِتَابِيّ للغَضَب مُبَرهَنٌ في عددٍ مألُوفٍ من أعدادِ الكتابِ المُقدَّس: "كُلُّنا كَغَنَمٍ ضَلَلنا، مِلنا كُلُّ واحدٍ إلى طريقِهِ." (إشعياء 53: 6). إن كُنتَ مُصَمِّماً على أن تَميلَ حسبَ طريقِكَ، ولكنَّ حاجَزاً ما إعتَرَضَ طَريقَكَ، سَيكُونُ لَدَيكَ بضعَةُ خَيارات. فقد تستطيعُ أن تتسلَّقَ فوقَ هذا الحاجِز، أو تلتَفَّ حولَهُ، أو أن تحفرَ تحتَهُ. الأمرُ الأكثَرُ طُفُولِيَّةً الذي يُمكِنُ أن تفعَلَهُ حيالَ هذا الحاجِز، هُوَ أن تستَلقِي على الطريق، وأن تستسلِمَ لِعنادِكَ وغضَبِكَ. إن كُنتَ تُريدُ أن ترى هذا النَّوع من الغضَب، لاحِظْ طفلاً صَغيراً يُعانِي من هذه الحالة. هذا هُوَ وصفٌ دقيقٌ لِما نُسمِّيهِ بالغَضَب الطُّفُولِيّ.
هُناكَ وصفٌ آخَر للغَضَب في العهدِ القَديم، حيثُ نجدُ وصفَةً للغَضَبِ الآثِم. فعندما ضَرَبَ قايِينُ هابِيلَ أخاهُ حتَّى المَوت، إستَجوَبَ اللهُ قايِين. وكانَ جوهَرُ أسئِلَةِ اللهِ، "لماذا إغتَظتَ؟ ولماذا أنتَ مُكتَئِبٌ؟ ثُمَّ سألَهُ، "أينَ أخُوكَ؟" ثُمَّ طُرِحَ سُؤالٌ آخَر بعدَ هذه الأسئِلة، وهُوَ، "ماذا فعلتَ؟" ثُمَّ، "إن أحسَنتَ أفلا رَفعٌ؟ وإن لم تُحسِن [فإنَّ هذه الخَطيَّة سوفَ تُحَطِّمُكَ]، فعِندَ البابِ خَطِيَّةٌ رابِضَةً وإلَيكَ إشتياقُها، وأنتَ تَسُودُ علَيها." (تَكوِين 4: 1- 7) عندما تدرُسُ القَرينة، يبدُو أنَّ السُّؤالَ هُو: "ما أو من هُوَ مصدَرُ وموضُوعُ غضبكَ الحقيقي؟" أو "مِمَّن أنتَ غاضِبٌ؟" و "ماذا كُنتَ بالحقيقَةِ تفعَلُ عندما ضَربتَ أخاكَ هابيل حتَّى المَوت؟"
لم يكُنْ يُوجَدُ أيُّ خَطبٍ في هابِيلِ. فلِماذا كانَ قايِين غاضِباً معَ نفسِهِ؟ كانَ هدَفُ غضَبِ قايِين الحَقيقيّ هُوَ نفسُهُ. فعندما لم تُقبَلْ تقدِمَتُهُ أمام َالله، كان سببُ ذلكَ هُوَ أنَّهُ هُوَ نفسُهُ لم يكُنْ مقبُولاً. القَضِيَّةُ الحَقيقيَّةُ في هذه القِصَّة لَيسَت قَضِيَّةَ التَّقدِمتَان، بل الرَّجُلان. أهَمُّ سُؤالٍ طرَحَهُ اللهُ على قَايِين كانَ سُؤال الذي أظهَرَ لِقايِين كيفَ يُصبِحُ مقبُولاً أمامَ الله وأمامَ نفسِه. ولقد أظهَرَ هذا السُّؤالُ لِقايين أنَّهُ كانَ أمامَهُ خياران. كانَ بإمكانِهِ أن يُحسِنَ التَّصرُّفَ، ويُصبِحَ مقبُولاً، وكانَ بإمكانِهِ أن يُهاجِمَ هابِيل. فإختارَ أن يُهاجِمَ هابِيل.
يُوجدُ أشخاصٌ في هذا العالم يأخُذُونَ هذا الخَيار اليَوم. فَهُم يَصُبُّونَ جامَ غَضَبِهم على الناس الذين ليسُوا بالحَقيقَةِ موضُوعَ غضبِهم. فما هُوَ مصدَرُ أو مركَزُ أو سببُ غضبِهم الحقيقيّ؟ بكلماتٍ أُخرى، ما هي القُوى الدِّينامِيكيَّة المُتَضَمَّنَة في الغَضَبِ الآثم؟ تُظهِرُ هذه القِصَّةُ الدِّينامِيكيَّةُ في الإصحاحِ الرَّابِع من الكِتابِ المُقدَّس هذه القُوى الديناميكيَّة وتُظهِرُ كذلكَ وصفَةً عميقَةً للغَضَبِ الآثم. والوصفَةُ هي أن نُحسِنَ التصرُّف، وأن نعمَلَ المُستَقيم، وأن نكُونَ ذلكَ الشخص المقبُول أمامَ الله، وأمامَ أنفُسِنا، وأمامَ الآخرين. هذا أفضَلُ جِدَّاً من عَيشِ الحياة ونحنُ نَلُومُ ونُهاجِمُ الآخرين، لأنَّنا غيرُ مَقبُولين.
لقد علَّمَ يسُوعُ هذه الحَقيقَةَ نفسَها مُستَخدِماً صُورَةً مجازِيَّةً فُكاهِيَّة. فلقد طَرَحَ السُّؤال، "لماذا تنظُرُ القَذَى التي في عينِ أخيكَ، وأمَّا الخَشَبَة التي في عينِكَ فلا تنظُرُ لها؟ يا مُرائِي! أخرِجْ أوَّلاً الخَشَبَةَ من عينِكَ، وحينئذٍ تُبصِرُ جيِّداً أن تخُرِجَ القَذَى من عَينِ أخيكَ." (متَّى 7: 1- 5)
سمِعتُ مرَّةً إمرأَةً تقُولُ، "لماذا يُغضِبُني أولادي إلى هذا الحَدّ؟" فأجبتُها سائِلاً، "هل يضعُ أولادُكِ هذا الغَضَب فيكِ، أم أنَّهُم يُخرِجُونَ هذا الغَضَب منكِ؟ إنَّ مسؤُوليَّةَ حالَتكِ الشُّعُوريَّة هي أكبَر من أن تُحَمِّلِيها لأولادٍ صِغار. فهل يجُوزُ أنَّكَ تُصابِينَ بالجُنُون، أو بالحُزن، أو بالفَرَح، وكُلُّ ذلكَ يتعلَّقُ بهؤلاء الأطفال الصِّغار؟ فهل هُم الذي يُغضِبُونَكِ بالفِعل؟ وهل هم مَوضُوعُ، أو مصدَرُ، أو مركَزُ غضَبِكِ؟" هذا ليسَ صحيحاً بالطبع. إنَّ مَوضُوعَ غَضَبِها الحَقيقِي يُمكِنُ أن يكُونَ أنَّ زوجَها قد أغلَقَ البابَ بِعُنفٍ عندَ ذهابِهِ إلى العمَل. وهكذا يكُونُ الأولادُ "هابِيلاً" تَصُبُّ المرأَةُ عليهِم جامَ غضَبِها.
بينَما كُنتُ أبحَثُ في كلمةِ اللهِ على أمرٍ يُساعِدُني على التغلُّبِ على غَضَبِي، مَرَرتُ بِسُؤالٍ طرحَهُ اللهُ على النَّبِيّ يُونان. كانَ يُونانُ غاضِباً. فجاءَهُ اللهُ عندما كانَ في قِمَّةِ غَضَبِهِ وسألَهُ، "هل تفعَلُ حسناً بأن تكُونَ غاضِباً؟" (يُوحَنَّا 4: 4)
هذا سُؤالُ عميق. أي عندما تكُونُ غاضِباً، هل تُحسِنُ التصرُّف؟ فَكِّرْ بهذا لبُرهَة. بعضُ الأشخاص يبقُونَ غاضِبِينَ طِوالَ الوَقت. إذ يبقى غضبُهُم مُستَعِراً كالجمرِ تحتَ الرَّماد، كما يراهُمُ الناسُ كُلَّ يوم. بإمكانِ الغَضب المَكبُوت أن يُسَبِّبَ نوباتٍ قَلبِيَّة وغيرها من المشاكِل الطُّبِّيَّة. القَضِيَّةُ هي أنَّكَ عندما تكُونُ غاضِباً، لن تُحسِن َالتصرُّف.
عندما تُفَكِّرُ بالحالَةِ العاطِفيَّة التي تُحيطُ بِكَ عندما تكُونُ غاضِباً، سوفَ تُدرِكُ أنَّ الأشخاصَ الآخرين لن يُحسِنُوا التصرُّف عندما تكُونُ غاضِباً. فكم من الأُمسِيات تُفسَدُ عندما يغضَبُ أحدُهُم؟ هل سبقَ وحدَثَ هذا معكَ؟ وقد يحدُثُ مثلُ هذا الأمر على مائدَةِ الغداء. وتقريباً كُلُّ وَليمَةٍ عائِليَّة على أحدِ الأعياد تُفسَدُ، لأنَّ أحدَهُم يغضَبُ لسببٍ ما.
كتبَ يعقُوب الرَّسُول قائِلاً: "إذاً يا إخوَتي الأَحِبَّاء لِيَكُنْ كُلُّ إنسانٍ مُسرِعاً في الإستِماع مُبطِئاً في التَّكَلُّم مُبطِئاً في الغَضَب. لأنَّ غضَبَ الإنسان لا يَصنَعُ بِرَّ الله. لذلكَ إطرَحُوا كُلَّ نجاسَةٍ وكَثرَةِ شَرٍّ فاقبَلُوا بِوَداعَةٍ الكَلِمَةَ المَغرُوسَةَ القادِرَةَ أن تُخَلِّصَ نُفُوسَكُم. (يعقُوب 1: 19- 21).
بِكَلِماتٍ أُخرى، اللهُ لا يعمَلُ من خلالِكَ عندما تنفُثُ بالغَضَبِ الآثِم. وكما تعلَّمنا في الفَصلِ الأخير، عندما نَكُونُ غاضِبِين، نُغلِقُ البابَ بِعُنفٍ في وجهِ اللهِ ونفتَحُهُ أمامَ الشيطان (2تيمُوثاوُس 2: 23- 26). علينا أن نُحَدِّدَ بِوُضُوح ما هُوَ الغَضَب. وعلينا أن نُسَمِّيَهُ بإسمِهِ. فالغَضَبُ هُوَ خَطيَّةٌ، واللهُ لا يُريدُ أن يرى الغَضَبَ في حياةِ المُؤمِن. ولن نتحمَّلَ مُشِكَلةَ الغَضَب إلى أن نعتَرِفَ بأنَّ غضَبَنا هُوَ خَطِيَّة.
المَقطَعُ الكِتابِيُّ الذي بدأنا بهِ هذا الفَصل، يُعطينا وصفةً للغَضَب عندما ينصَحُ بالقَول: "أن تتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهنِكُم." ما يقُولُهُ بُولُس الرَّسُول هُوَ أنَّهُ من المُمكِن أن يُعيدَ اللهُ خلقَنا وتغييرَنا جَذرِيَّاً. بِهذهِ الطَّريقَة نُخرِجُ الخَشَبَةَ من عينِنا ونتخلَّى عن نظرَتِنا الإنتِقادِيَّة اللاذِعة والناتِجة عن غضَبِنا الآثِم، والتي تُؤدِّي إلى مُهاجَمتِنا "هابِيل" في حياتِنا.
يُعطي الرَّسُولُ وَصَفاتٍ أُخرى نافِعة حيالَ غَضَبِنا. يكتُبُ مُخاطِباً الشُّرَكاءِ الزَّوجِيِّين عندَما يُعَلِّمُنا أن لا تغرُبَ الشَّمسُ على غَضَبِنا. المَبدَأُ هُنا هُوَ أنَّهُ علينا أن لا نكبُتَ أو نضغَطَ غضَبَنا. في الأعدادِ الخِتامِيَّة من هذا الإصحاح، يُعلِّمُ بُولُس الرَّسُول أنَّ الغَضَبَ المَكبُوت يَقُودُ إلى لائحَةٍ طَويلَةٍ من المشاعِر السَّلبِيَّة الهَدَّامَة.
على عَكسِ ما يَظُنُّ الكَثِيرُون، في هذا المَقطَع لا يُعلِّمُنا بُولُس بأن نغضَبَ. بل يعتَرِفُ بالواقِعِ الصَّعب أنَّهُ هُناكَ أوقاتٌ لا بُدَّ أن نغضَبَ فيها. فيكتُبُ بُولُس قائِلاً ما معناهُ: "إذا غَضِبتُم، تأكَّدُوا بأن لا يكُونَ غضَبُكُم آثِماً." (أفسُس 4: 26) يُعَلِّمُنا أنَّهُ لا ينبَغي أن يكُونَ هُناكَ غضَبٌ عندما يختُمُ إصحاحَهُ قائِلاً، "لِيُرفَعْ من بَينِكُم كُلُّ غَضَب!"
أُمُّ الخطايا هي الكِبرِياء، وسوفَ تجِدُونَ الكِبرياء مَوجُودَةً في قَلبِ كُلِّ شخصٍ يُعانِي من غَضبٍ آثِم. فإن لم يكُنْ غضَبُنا غضباً أو إستِنكاراً مُقدَّساً، نتيجَةً لإعاقَةِ عملِ الله، علينا أن نَعتَرِفَ بغضَبِنا الآثِم، وأن نُطَبِّقَ هذه الوصفات الكِتابِيَّة على هذه الخَطيَّة.
- عدد الزيارات: 6708