الفَصلُ السادِسُ كيفَ نسمَعُ كلمةَ الله
أحدُ أعظَم تعاليم يسُوع هُوَ مَثَلُ الزَّارِع. إذا درستَهُ بعِنايَة، تُدرِكُ أنَّ القِصَّةَ هي بالفعل مثلُ البُذُور، لأنَّ هذا المَثَل يتكلَّمُ عن كيفَ نسمَعُ كلمةَ الله. أربَعَةُ أنواعٍ من التُّربَة تستقبِلُ كلمةَ الله، مُظهِرَةً أربعَ طُرُقٍ نتجاوَبُ بها معَ كلمةِ اللهِ عندما نسمَعُها. لهذا علينا أن نُسمِّي هذا التعليم، "مثلُ أنواعِ التُّربَة." عندما نُدرِكُ عمَّا يتكلَّمُ هذا المَثَل، يتوجَّبُ علينا تسمِيتهُ "أربَعَةُ رِجالٍ جالِسونَ على مقعَدِ الكنيسةُ، أيٌّ منُهم أنت؟"
في هذا المَثَل، يُخبِرُنا يسُوعُ أنَّ مُزارِعاً خرجَ ليزرعَ بُذُوراً في حقلِه. فسقطَ بعضٌ من بُذُورِهِ على الأرضِ المُدَاسَةِ اليابِسة. فجاءَت طُيُورُ السماءِ وأَكَلتْها. لأنَّها لم تختَرِق أبداً الأرضَ التي سقطَت عليها، ولم تُنتِجْ أيَّ شَيء. وعندما فسَّرَ يسُوعُ معنَى هذا، قالَ أنَّ هذا صُورَةٌ عن أُولئكَ الذين يسمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ ولا يدعُونَها تدخُلُ إلى أذهانِهم. وقبلَ أن تكُونَ لهُم فُرصَةٌ بإستيعابِها، يأتي إبليس وينزِعُ بُذُورَ كلمةِ اللهِ.
النَّوعُ الثَّاني من التُّربَة التي تقبَلُ بُذُورَ الزَّارِع، هُوَ التُّربَةُ الصّخريَّةُ المُحجِرة. فتمنَعُ الصُّخُورُ البُذُورَ من أن تضرِبَ جُذُورَها في الأرض. وهكذا لا تتمكَّنُ البُذُورُ من مدِّ جُذُورِها لِتَصِلَ التُّربة. وسُرعانَ ما تُشرِقُ الشَّمسُ، حتَّى تتلَف هذه البُذُور ولا تأتي بِثَمَر.
عندما فَسَّرَ هذا المَثَل، فسَّرَ أنَّ هؤُلاء هُمَ الذين تُختَرَقُ أذهانُهم عندما يسمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ، ولكن ليسَ إرادتَهُم. غالِباً ما يتكلَّمُ يسُوعُ عن "القُلُوب المُتَقسِّيَة." عندما إستخدَمَ يسُوعُ هذه الصُّورة المجازِيَّة، كانَ يُعَلِّمُ أنَّ مركزَ إرادَتِنا، حيثُ تتمحوَرُ إراداتُنا، وتُتَّخَذُ قراراتُنا، قد تكُونُ مُغلَّفَةً بالإسمنت. هذا النَّوعُ الآخر من التُّربَة يُفسِّرُ ما قصدَهُ يسُوعُ عندما تكلَّمَ عنِ القُلوبِ القاسِيَة.
النَّوعُ الثالِثُ من التُّربَة أنتَجَ نبتَةً عندما نزَلَت فيهِ بُذُورُ الزَّارِع. ولكن، عندما نَمَت النَّبتَةُ كانت هُناكَ أشواكٌ كثيرةٌ، فخنَقَت هذه الأشواكُ الحياةَ من النَّبتَةِ، فلم تأتِ بِثَمَر. هذه الاشواكُ تُسمَّى في مُعظَمِ الترجمات "الزَّوان"، أو الأشواك. عندما فسَّرَ يسُوعُ هذا المثَل، شرحَ قائِلاً أنَّ الأشواكَ كانت هُموم العالَم كالمال، والمُمتَلَكات، أو عدم توفُّر هذه الأشياء، وكُلّ ما يُرافِقُ ذلكَ من هُمُومٍ وضُغُوط. والمقصُودُ هوَ أنَّ الناسَ ينشَغِلُونَ بالمالِ والمُقتَنَيات، وهكذا لا يُثمِرُونَ عندما يسمَعُونَ كلمةَ الله.
ثُمَّ قالَ أنَّ بعضَ البُذُورِ سَقَطَ على الأرضِ الجَيِّدة. لم يكُن هُناكَ شَيءٌ فوقَ التَّربَةِ أو تحتَها سيمنَعُ هذه التُّربَة من أن تأتِيَ بِثَمَر. وهكذا أنتَجَ الحصادُ ثلاثِين، وستِّين ومئةَ ضعفٍ لكَمِّيَّةِ البُذُور التي زُرِعت. قالَ يسُوعُ أنَّ هذا النَّوع الرابِع من التُّربَة هُوَ صُورَةٌ عن الشخص الذي يسمَعُ كلمةَ اللهِ، ويحفَظُها، ويحمِلُ ثماراً، بعضٌ ثلاثين، وآخر ستِّين، وآخر مئة ضعف. هُنا تكُونُ كلمةُ اللهِ قد دخَلَت إلى الأذهان، ومن ثمَّ إلى الإرادة، ولم يُسمَحْ لِشَيءٍ بأن يُبعِدَ هكذا أشخاص عن العمَلِ بما تُعلِّمُهُ كلمةُ اللهِ، وتَتَحدَّاهم وتُوحي لهُم بأن يعمَلُوه. وهكذا يُصبِحُ هؤلاء تلاميذَ مُثمِرينَ ليسُوع المسيح.
في هذا المَثَلِ الجميل، أولى يسُوعُ مُجَدَّداً قيمَةً كُبرى لكلمةِ الله. إنَّ كَلِمَةَ اللهِ هي ما يجعَلُ منَّا مُثمِرينَ عندما نتجاوَبُ معها بطريقَةٍ صَحيحَة. ففي النِّهايَة، نحنُ نُظهِرُ مِقدارَ القيمة التي نُوليها لكلمةِ اللهِ، ليسَ بقَوانين الإيمان التي نُوَقِّعُها، بل بالسماحِ لكلمةِ للهِ بأن تختَرِقَ أذهانَنا وإراداتِنا. فعندما نسمَعُ كلمةَ الله، علينا أن لا ندعَ أيَّ شَيءٍ يصرِف إهتِمامِنا عن تطبيقِ وعيشِ كلمةِ الله كالسُّلطَة النهائية للإيمانِ والحياة.
في هذا المثَل، نرى مُجدَّداً تَشديدَ يسُوع على أهمِّيَّةِ تطبيقِ كلمةِ الله عندما نسمَعُها. يبدُو أنَّ يسُوعَ يقُولُ في عدَّةِ أماكِن وعدَّةِ طُرُق، ما معناهُ "إنَّ ما نُؤمِنُ بهِ فعلاً، نعمَلُهُ. وكُلُّ ما عدا ذلكَ فَهُوَ مُجرَّدُ كلامٍ دينيّ، لا يحتاجُ أحدٌ إليه!"
- عدد الزيارات: 3085