الفَصلُ التاسِع الطاعَة
الطاعَةُ هي أمرٌ لا بُدَّ منهُ في هذه الحَياة، ولا يُمكِنُنا تجنُّبُها. إنَّها جزءٌ مِن حَياتِنا اليَومِيَّة لأنَّنا نَعيشُ في عالَمٍ ساقِط. ولكن رُغمَ أنَّنا لا نستطيعُ التحكُّمَ بما إذا كُنَّا سنُواجِهُ عَقَباتٍ أم لا، ولكنَّنا نستطيعُ التحكُّمَ بكيفيَّةِ تجاوُبِنا معَ هذه العَقَبات. وطَرِيقَةُ تجاوُبِنا تُحدَّدُ بنظامِ إيمانِنا، تماماً كما علَّمَ يسُوعُ في خاتِمَةِ موعِظَتِهِ على الجَبل: "فَكُلُّ من يسمَعُ أقوالِي هذه ويعمَل بها، أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عاقِلٍ بَنَى بيتَهُ على الصَّخر.: فنزَلَ المَطَرُ وجاءَتِ الأنهارُ وهَبَّتِ الرِّياحُ ووَقَعَتْ على ذَلِكَ البَيت فلم يسقُطْ. لأنَّهُ كانَ مُؤسَّساً على الصَّخر. وكُلُّ من يسمَعُ أقوالي هذه ولا يعمَلُ بها يُشَبَّهُ بِرَجُلٍ جاهِلٍ بَنَى بيتَهُ على الرَّمل. فنَزَلَ المَطَرُ وجاءَتِ الأنهارُ وهَبَّتِ الرِّياحُ وصَدَمَتْ ذلكَ البَيت فسَقَط. وكانَ سُقُوطُهُ عظيماً." (متى 7: 24- 27)
يتكلَّمُ يسُوعُ هُنا عن إنسانَين – واحِدٌ بنَى بيتَهُ على الصَّخرِ، وآخر بنى بيتَهُ على الرَّمل. كِلاهُما واجَها العاصِفَةَ نفسَها، التي ضَرَبت بأمطارِها وأنهارِها ورِياحِها هذين البَيتين، ولكن وحدَهُ البَيت المَبنِيّ على الصَّخر هُوَ الذي ثَبَت. نتعلَّمُ من هذه القِصَّة أنَّ كُلَّ الناسِ لا بُدَّ أن يُواجِهُوا عواقِبَ – والجميعُ يمُرُّونَ في العواصِف – بِغَضِّ النَّظَر عن المنازِل التي يبنُونَها. ولكنَّ السُّؤال هُو، هل سيَثبُتُ هذا المنزِل الذي بنَوهُ لِيُساعِدُهم على الصُّمُودِ بوجهِ العاصِفة؟ الفرقُ الأساسِيُّ بينَ هذين الرَّجُلَين هو كيفَ وأين بنيا منزِلَيهما.
ولقد فسَّرَ يسُوعُ هذه القصَّة المَجازِيَّة لنا. قالَ يسُوعُ أنَّ الرَّجُلَ الحَكيم هُوَ الذي سَمِعَ تعاليمَ يسُوع وعَمِلَ بها (24)، ولكنَّ الرجُلَ الغَبِيّ هو الذي سمِعَ تعاليمَ يسُوع وقرَّرَ ألا يُطبِّقَ شيئاً من تعاليمِ يسُوع في حيَاتِهِ (26). إنَّ مُجرَّدَ سَماعِ كَلِماتِ يسُوع لم يجعَل من هذا المنزِل ثابِتاً، لأنَّ الرجُلَينِ كِلَيهما سمِعاهُ. ولكنَّ الذي صنعَ الفرق هُوَ تطبيقُ كلمات يسُوع في حياةِ أحدِ الرَّجُلَين. فالصَّخرَةُ التي بنى عليها الرَّجُلُ الحَكيمُ بيتَهُ (حياتَهُ) لم تكُنْ السماع، الفهم، الحِفظ، الإقتِباس، ولا حتَّى تعليم كلمات يسُوع للآخَرين. فالحِكمَةُ هي المعرِفَةُ المُطَبَّقَة. الرجُلُ الحَكيمُ يفهَمُ هذا، ولهذا يُطبِّقُ تعاليمَ يسُوع على حياتِه. عندما تأتي العواصِف التي تُواجِهُ كُلَّ واحِدٍ منَّا، يكُونُ نظامُ إيمانِ الرجُل هُوَ تطبيقُ ما سَمِعَهُ من تعاليمِ يسُوع. هذا ما سيُمكِّنُهُ تحمُّلَ عواصِفِه.
بعدَ أن أنهى يسُوعُ موعِظتَهُ على الجَبَل، إجتازَ عبرَ بحرِ الجليل إلى الضفَّةِ الأُخرى، بِرِفقَةِ رُسُلِهِ. وفي وسطِ عُبُورهِم هذا، واجَهُوا عاصِفَةً هوجاء. وبينما أمتَلكَ الهَلَعُ الرُّسُلَ، وجدُوا يسُوعَ نائِماً: "فتقدَّمَ تلاميذُهُ وأيقَظُوهُ قائِلينَ يا سَيِّد نَجِّنا فإنَّنا نهلِكُ. فقالَ لهُم ما بالُكُم خائِفِينَ يا قَلِيليّ الإيمان؟" وفي سَردِ مرقُس لهذه القصَّة عن هذه العاصِفة، سألَ يسُوع، "ما بَالُكُم خائِفِينَ هكذا؟ كيفَ لا إيمانَ لكُم؟ فقامَ وإنتَهَرَ الرِّيحَ وقالَ للبَحرِ أُسكُتْ إبكَمْ. فسكَنَتِ الرِّيحُ وصارَ هُدُوٌّ عظيم."(متَّى 8: 25- 27؛ مر 4: 40)
في هذه القِصَّة، نجِدُ عاصِفَةً عظيمة، ثُمَّ هُدُوءاً عظيماً، وبينَ هذين الطَّرَفَين، نسمَعُ سؤالاً عظيماً يطرَحُهُ يسُوع: "أينَ إيمانُكُم؟" أو كما يُعبِّرُ مرقُس عن هذا السُّؤال: "كيفَ لا إيمانَ لكُم؟" في هذه القصَّة عن العاصِفة، كانَ الرُّسُلُ يُمَثِّلُونَ الرجُلَ الجاهِلَ الذي بنَى بيتَهُ على الرَّمل. فعندما هَبَّتِ العاصِفة وَصَدَمَتْ ذلكَ البيت، سَقَطَ. وعندما جاءَتِ العاصِفة وصدَمَت سفينَتَهُم، سَقَطَ إيمانُهم. كانُوا جُهَّالاً لأنَّهُم سَمِعُوا كلماتِ يسُوع، ولكنَّهُم لم يُطَبِّقُوها. وهكذا فإنَّهم لم يربُطُوا بينَ ما آمنُوا بهِ – أنَّ يسُوعَ كانَ من قالَ عن نفسِهِ، ولن يسمَحَ أبداً بأن تغرَقَ السَّفِينة – بِما عمِلُوهُ بالفِعل. لقد أُصيبُوا بالهَلَع. واجَهَتهُم عقبَةٌ، ولم يكُن نظامُ إيمانِهم ثابِتاً كأساسِ الصخر الذي بنى عليهِ الرجُلُ الحكيمُ بيتَهُ، بل كانَ إيمانُهم كأساسِ الرَّملِ الذي بنى عليهِ الجاهِلُ بيتَهُ بحسَبِ مثلِ يسُوع.
إنَّ يسُوعَ لم يَعِدْ أبداً بأنَّ إتِّباعَهُ سيُخَلِّصُنا من المصاعِب. بالواقِع، قالَ أنَّ إتِّباعَهُ سيُعَرِّضُنا لمصاعِبَ أكبَر: "في العالم سيكُونُ لكُم ضِيقٌ. ولكن ثِقُوا، أنا قد غَلَبتُ العالَم." (يُوحنَّا 16: 33) ولكنَّ يسُوعَ وَعَدَ أنَّ أُولئِكَ الذينَ سَمِعُوا كَلِماتِهِ وطبَّقُوها في وسطِ عاصِفَةٍ عظيمة، سوفَ يرَونَ أنَّ عاصِفتَهُم العظيمة ستُصبِحُ هُدُوءاً عظيماً. ولقد وعدَ يسُوعُ أيضاً أنَّهُم سيَجِدُونَ منازِلَهُم ثابِتَةً بِشكلٍ كافٍ للصُّمُودِ بوجهِ العاصِفة. ولكنَّ الشرطَ الذي يُبنى عليهِ هذا الوعدُ هو أن نَدَعَ كَلِماتِهِ تدخُلُ إلى حياتِنا وتُغيِّرُ طريقَةَ حياتِنا. علينا أن ننمُوَ إلى ما هُوَ أَبعَد من مُجرَّد سماع وفَهمِ ما علَّمَهُ يسُوع، نحوَ جعلِ تعاليمِهِ جزءاً حَيَوِيَّاً من حياتِنا.
- عدد الزيارات: 3100