الفَصلُ الثامِن السُّلطَةُ النِّهائِيَّة
تسألُنا قَوانِينُ الإيمان، "ما هي السُّلطَةُ النِّهائِيَّة للإيمانِ والحَياة؟" ما هي السُّلطَة التي نَبنِي عليها إيمانَنا وحياتَنا؟ فبماذا نُؤمِنُ، وعلى ضَوءِ ما نُؤمِنُ بِه، كيفَ نَعيشُ؟ وبالتحليلِ النِّهائِيّ، جوابُنا على هذا السٌّؤال هُوَ إمَّا الله أو الإنسان – فنحنُ نبنِي حياتَنا إمَّا على إعلان الله أو على فِكر الإنسان.
لقد أولى يسُوعُ قيمَةً كُبرى للأسفارِ المقدَّسَة. إنَّ أوَّلَ كَلِمَة قالَها يسُوع في أناجيلِهِ الثلاثة الأُولى هي: "مكتُوبٌ." غالِباً ما قدَّمَ يسُوعُ لأجوِبَتِهِ على أسئِلَةِ الفَرِّيسيِّين بسُؤالِهم، "ألم تقرَأُوا الكُتُب؟" كانَ الفَرِّيسيُّونَ يحفَظُونَ عن ظهرِ قَلبٍ أسفارَ النَّامُوس الخَمسة الأُولى. كانُوا مُتَبَحِّرينَ في الأسفارِ المقدَّسة، وخُبراءَ في كلمةِ الله، ولقد إعتَرَفَ لهُم يسُوعُ بهذه الميزة قائلاً، "فَتِّشُوا الكُتُب." (يُوحنا 5: 39) ولكنَّهُ تابَعَ بالقَول أنَّ تفتيشَهُم في الكُتُب كانَ ينبَغي أن يقُودَهُم إلى معرِفَةِ المَسيَّا الحَيّ الواقِف أمامَهُم:
"فتِّشُوا الكُتُب لأنَّكُم تظُنُّونَ أن لكُم فيها حياة أبَدِيَّة. وهي التي تشهدُ لي. ولا تُريدُونَ أن تَأتُوا إليَّ لِتَكُونَ لكُم حياة." (يُوحنَّا 5: 39- 40)
رُغمَ أنَّ الفَرِّيسيِّين كانُوا خُبَراءَ في الكتابِ المقدَّس، ولكنَّهُ من الواضِح أنَّهُم لم يكُونُوا يبنُونَ إيمانَهُم وحياتَهُم على سُلطَةِ كلمةِ الله. نتحقَّقُ من هذا عندما سألَهُم يسُوع، "ألَم تقرَأُوا الكُتُب؟" فلو كانَت الأسفارُ المقدَّسةُ هي السُّلطة النِّهائيَّة عندَ الفَرِّيسيِّي، لما شَكَّكُوا بهُويَّةِ يسُوع كما فعلُوا. لقد برهَنت عدَّةُ مُمارَساتٍ قامَ بها الفَرِّيسيُّونَ، أنَّهُم لم يفهمُوا الرُّوحَ الحقيقيَّةَ لنامُوسِ الله.
مثلاً، كانَ يسُوعُ يَسيرُ وسطَ حقلِ قمحٍ معَ تلاميذِهِ. وكانَ تلامِيذُهُ جِياعاً، فأخذُوا يقطُفُونَ السنابِلَ ويأكُلون القَمحَ بينما كانُوا يمشُونَ معَ يسُوع. وكانَ سَبتٌ، فسألَ الفرّيسيُّونَ يسُوعَ لماذا كانَ تلاميذُهُ يكسُرونَ النامُوس؟ كانَ هذا أحد الأوقات التي أجابَ فيها يسُوع، "ألَم تقرَأُوا ما فعلَهُ داوُد عندما جاعَ هُوَ وتلاميذُهُ، كيفَ دخلَ بيتَ الله، وأكلَ هُوَ والذين معَهُ خُبزَ التقدِمة، الذي لم يكُن يَحِلُّ أكلُهُ إلا للكَهَنة؟"
ذَكَرَ يسُوعُ دُخُولَ داوُد إلى الهَيكَل عندما كانَ جائِعاً، ليطلُبَ خُبزَ التقدِمة، الذي بِحَسَبِ النامُوس، لم يَحِلّ أكلُهُ إلا للكهنة (1صَمُوئيل 21: 1- 6). إن القصدَ من مائدَةِ خُبزِ الوُجُوه كانَ مُشابِهاً لذلكَ الجزء من الصلاة الربَّانِيَّة الذي يَقُول: "أعطِنا خُبزَنا كفَافَنا اليَوم." (متَّى 6: 11) كانَ خُبزُ التقدِمة رمزاً طَقسِيَّاً مثَّلَ الوَعدَ أنَّ اللهَ يُلَبِّي حاجاتِنا.
في مُناسَبَةٍ أُخرى، كانَ الفَرِّيسيُّونَ يُناقِشُونَ الزواج معَ يسُوع، راجِينَ أن يُوقِعُوهُ بمُناقَضَةِ نامُوسِ مُوسى. فلقد كانُوا يعلَمُونَ أنَّ يسُوعَ علَّمَ بدَيمُومَةِ الزواج وعدم قابِليَّتِهِ لِلفَسخ. فواجَهُوا يسُوعَ بحُجَّةِ أنَّ مُوسى سمحَ للرَّجُلِ أن يُعطِيَ زوجَتَهُ كِتابَ طَلاق. فلو ناقَضَ يسُوعُ مُوسى، لنجحَ الفَرِّيسيُّونَ في تقويضِ مِصداقِيَّةِ يسُوع، ولكنَّ يسُوعَ أجابَ، "ألم تقرأُوا أنَّ الذي خلَقَهُم، خلقَهم من البَدءِ ذكراً وأُنثى، وقالَ، "من أجلِ هذا يترُكُ الرَّجُلُ أباهُ وأُمَّهُ ويلتَصِق بإمرَأَتِهِ، ويكُونُ الإثنانِ جسداً واحِداً"؟... فإنَّهُ بسبب قساوَةِ قُلوبِكُم سمحَ مُوسى لكُم بأن تُطَلِّقُوا زوجاتِكُم؛ ولكن من البَدء لم يكُن هكذا."
لقد أرجَعَهُم يسُوعُ كالعادَةِ إلى كلمةِ الله، ليُظهِرَ أنَّ سمَاحَ مُوسى بالطَّلاق أُعطِيَ فقط بسبب قساوَةِ قُلوب الرِّجال تجاهَ زوجاتِهم آنذاك. فشهادَةُ الطلاق كانت تُؤهِّلُ المَرأةَ بأن تستَقِرَّ وتُحصِّلَ حُقُوقَها. أصدَرَ مُوسى سماحَهُ بالطلاق، لأنَّ الرِّجالَ كانُوا يهجُرونَ زوجاتِهم بدُونِ أن يُوفِّرُوا لهُنَّ أيَّ شيء. هذا ما قصدَهُ مُوسى ويسُوع بِقساوَةِ قُلُوبِهم.
عندما أعلَنَ يسُوعُ أنَّهُ لم يأتِ ليُغيِّرَ أيَّ حرفٍ ولا نُقطَةٍ من النامُوس، بل ليُكمِّلَ نامُوسَ مُوسى، قصدَ بذلكَ أنَّ كلمةَ الله كانت الأساس لكُلِّ تعليمِه. ولقد بَرهَنَ يسُوعُ حقيقَةَ أنَّ الأسفارَ المُقدَّسَةَ كانت سُلطَتَهُ النِّهائِيَّة للإيمانِ والحَياة، وهذا السُّؤال الذي أحبَّ يسُوعُ أن يُواجِهَ بهِ الفَرِّيسيِّين واجَهَهُم بأنَّ كلمةَ الله لم تكُن السُّلطَةَ النِّهائِيَّةَ لأعمالِهم. فأعمالُهم، وقِيَمُهُم، وتعاليمُهُم أظهَرَت أنَّ تقالِيدَهُم كانت السُّلطَةَ النِّهائيَّةَ لإيمانِهم وأعمالِهم. فلو آمنُوا بكلمةِ اللهِ وفهِمُوها، لما تحدُّوا بِعِنادٍ تعاليمَ وأعمالَ يسُوع.
هل تقُولُ الشيءَ ذاتَهُ الذي قالَهُ يسُوعُ عن الأسفار المُقدَّسَة؟ وهل تُظهِرُ بقِيَمِكَ، بكَلِماتِكَ وَبِحَياتِكَ أنَّ كَلِمَةَ اللهِ هي سُلطتُكَ النِّهائيَّة للإيمانِ والمُمارَسة؟ نعيشُ اليومَ في حضاراتٍ ليسَ لها بُوصلةٌ أخلاقيَّة، ولا مُطْلَقات أدبيَّة، لنُواجِهَ بها قَضَايَانَا الأخلاقيَّة والأدبيَّة. اليوم، تُتَّخَذُ القَراراتُ التي لها عواقِبُ أدبيَّةٌ وأخلاقيَّةٌ وَخِيمَةٌ، من قِبَلِ أشخاصٍ ليسَ لديهم معايير مُطلَقة للِحقِّ والباطل، وهؤلاء يصنعُونَ القرارات. لم يكُنْ هُناكَ وقتٌ كانَ مُهِمٌّ فيهِ بمقدارِ اليوم، أن نعتَرِفَ بالقِيمةِ التي أولاها يسُوعُ لكلمةِ الله. هُناكَ حاجَةٌ كبيرة لتَحَدِّي أُولئكَ الذين يتَّخِذُونَ هكذا خَيارات بطرحِ السؤال الذي طرحَهُ يسُوع: "ألَم تقرَأُوا ما جاءَ في الكُتُب؟"
- عدد الزيارات: 2926