Skip to main content

الفصلُ السادِس الغُفران

لقد عرَّفَ يسُوعُ إحدَى القِيم، عندما قامَ فَرِّيسيٌّ إسمُهُ سِمعان بدعوةِ يسُوع ليتناولَ الطعامَ في منزِلِه (لُوقا 7: 36- 50). كانَت العادَةُ في تِلكَ الأيَّام أن يُعطَى الضَّيفُ إناءَ ماءٍ لكي يغسِلَ قدَميهِ، وزيتاً ليمسحَ وجهَهُ، وقُبلَةً للترحيب وحُسنِ الضِّيافَة. ولكن عندما دَعا سمعانُ يسُوعَ إلى بَيتِهِ، لم ينَلْ يسُوعُ شيئاً من كُلِّ هذهِ. وكانت هُناكَ إمرأةٌ في تِلكَ المدينة، كانت معرُوفَةً كإمرأَةٍ خاطِئة، ويبدو أنَّها سَمِعَت أنَّ يسُوعَ كانَ يتناوَلُ الطعامَ على مائِدَةِ سِمعان. بإمكانِنا أن نفتَرِضَ أنَّ هذه المرأة كانت قدِ إلتَقَت بِيَسُوع سابِقاً، وعرفت الخلاص الذي أكَّدَ لها أنَّ خطاياها غُفِرَت. عندما أدرَكَت أنَّ سِمعان لم يكُن قد قامَ بواجِباتِ حُسنِ الضِّيافَةِ ليسُوع، بدأت بِغسلِ قدَمَي يسُوع بدُمُوعِها، وبمسحِهما بِشعرِ رأسِها. ثُمَّ نضحَت قدَمَيهِ بطيبِ نارِدين خالِصٍ كَثيرِ الثَّمَن.

بينَما كانَ سِمعانُ يُراقِبُ هذا، أدانَ قِيَمَ يسُوع، مُفكِّراً في قَلبِهِ، "لو كانَ هذا نَبِيَّاًَ لَعَلِمَ مَنْ هذه الإمرأة التي تَلمُسُهُ وما هِيَ. إنَّها خاطِئة." (لُوقا 7: 39). أما يسُوع، وهُوَ عالِمٌ بأفكارِ سِمعان، أخبَرَهُ بهذا المثل: "كانَ لِمُدَايِنٍ مَديُونان. على الواحد خَمسُمئة دِينار وعلى الآخر خَمسُون. وإذ لم يكُنْ لهُما ما يُوفِيان سامَحَهُما جَميعاً. فقُلْ. أيُّهُما يكُونُ أكثَرَ حُبَّاً لهُ؟ فأجابَ سِمعانُ وقالَ أظُنُّ الذي سامَحَهُ بالأكثَر. فقالَ لهُ بِالصَّوابِ حَكَمتَ." (لُوقا 7: 41- 43).

إنَّ مَثَلَ يسُوع هذا ينطَبِقُ مُباشَرَةً على ما كانَ يحدُثُ بينَ يسُوع وهذه المرأة وسمعان. لقد عرَّفَ يسُوعُ القيمةَ التي نضعُها على غُفرانِ خطايانا، عندما قدَّمَ تطبيقَ هذا المثل قائلاً لِسمعان: "أتنظُر هذه المرأة؟ إنِّي دخَلتُ بيتَكَ وماءً لأجلِ رِجلَيَّ لَمْ تُعطِ. وأمَّا هِيَ فقد غَسَلَت رِجليَّ بالدُّمُوع ومَسَحَتهُما بِشعرِ رأسِها. قُبلَةً لم تُقَبِّلني. وأمَّا هي فمُنذُ دَخَلتُ لم تكُفَّ عن تقبِيلِ رِجَليَّ. بِزَيتٍ لم تدهُنْ رأسي. وأمَّا هِيَ فقد دَهَنت بالطِّيبِ رِجليَّ. من أجلِ ذلكَ أقُولُ لكَ قد غُفِرَت خطاياها الكثيرة لأنَّها أحبَّت كثيراً. والذي يُغفَرُ لهُ قَليلٌ يُحِبُّ قَليلاً." (لُوقا 7: 44- 47)

لم يَرَ سِمعانُ خَطيَّتَهُ كدَينٍ كَبيرٍ تمَّ غُفرانُهُ. لقد كانَ مثل الرجُل الذي سامَحَهُ سيِّدُهُ بِخَمسينَ ديناراً. ولكنَّ المرأةَ التي جلسَت عند قدَمَيّ يسُوع رأتْ خطاياها المغفُورة كدينٍ هائِلٍ تمَّ إلغاؤُهُ، فسقطَت عندَ قدَمي يسُوع بمحبَّةٍ وعبادَة. لقد عرَّفَ يسُوعُ قيمةً ما عندما ختمَ تعليمَهُ بالقول: "قد غُفِرت خطاياها الكثيرة لأنَّها أحبَّت كَثيراً."

هذا لا يعني أنَّ خطايانا تُغفَرُ لأنَّنا نُحِبُّهُ كثيراً. فلقد قالَ يسُوعُ للمرأة أنَّ إيمانها خلَّصَها: "إيمانُكِ قدْ خلَّصَكِ. إذهَبي بِسلام." (50) لقد كانت محبَّةُ المرأةِ للمسيح بمثابَة تصديقٍ على إيمانِها بغُفرانِها وخلاصِها، أمَّا موقِفُ سِمعان تجاهَ هذه المرأة الخاطِئة فكانَ بُرهاناً على عدَمِ إيمانِه. صادَقَ يسُوعُ على إيمانِ هذه المرأة عندما قَبِلَ عبادَتَها المُحِبَّة، وغفرَ خطاياها لأنَّها أعطَت قيمةً وتقديراً كبيراً لغُفرانِهِ خطاياها.

هل تعتَرِفُ بالقيمةِ التي وضَعها يسُوعُ على الغُفران؟ إن كُنتَ تجدُ نفسَكَ في هذه المرأة، لأنَّكَ تعرِفُ أنَّكَ خاطِئٌ، وشُعُورُكَ بالذنبِ يجعَلُكَ  تشعُرُ وكأنَّ خطيَّتَكَ هي دَينٌ كبيرٌ تتمنَّى أن تراهُ مَلغِيَّاً، عليكَ أن تُدرِكَ أنَّ يسُوعَ جاءَ ليَمُوتَ على الصليبِ لكَي يمحُوَ دَينَ خطاياك. وإن كانَ خَطَايَاكَ قد غُفِرت بالإيمان، فعليكَ أن تَقْدُرَ قيمةَ غُفرانِكَ حقَّ قدرِهِ، لكي تمتَلئَ حياتُكَ بالعطفِ  على الأشخاصِ الذين يُشبِهُونَ هذه المرأة التي أحبَّت كثيراً، لأنَّ خطاياها غُفِرت. ولا تنسَ أنَّ يسُوعَ علَّمَنا أن نُصلِّيَ يوميَّاً ما معناه، "سامِحنا بِدُيُونِنا كما نُسامِحُ نحنُ المَديُونِينَ إلينا. وإغفِرْ لنا خطايانا كما نغفِرُ نحنُ للمُذنِبينَ إلينا."

  • عدد الزيارات: 3019