الفَصلُ الخامِس الحُرِّيَّة
خِلالَ حياةِ يسُوع على الأرض، غالِباً ما أثارَ حفيظَةَ رجالِ الدِّين، لكَونِ قِيَمِهِ تتَعارَضُ كُلِّياً معَ قِيَمِهِم. فلقد علَّمَ بشكلٍ يتعارَضُ معَ طريقَةِ تعليمِهم، وأجابَ على الأسئِلةِ بطريقَةٍ تُحَيِّرُهم، وكانَ صديقاً للطَّبقاتِ المُتَدَنِّيَة في المُجتَمَع. كُلُّ ما عَمِلَهُ يبدُو أنَّهُ كانَ ضِدَّ النَّامُوس الذي كانُوا يُرفِّعُونَهُ، وغالِباً ما كانُوا يُفتِّشُونَ عن طُرُقٍ ليُبَرهِنُوا أنَّهُ على خَطأ. في مُناسَبَةٍ ما، إختارَ يسُوعُ أن يشفِيَ رجُلاً يومَ سبت، وقالَ لهذا الرجُل أن يحمِلَ سَريرَهُ ويمشِيَ على الطريقِ التي تمُرُّ أمامَ الهيكَل (يُوحنَّا 5: 2- 17). بما أنَّ رَفْعَ حِملٍ يُعتَبَرُ عملاً، فعندما طلبَ منهُ يسُوعُ أن يحمِلَ سريرَهُ، تناقَضَ هذا مع النَّامُوسِ الذي كانَ يمنَعُ النَّاسَ من العملِ يوم السبت (خُروج 20: 9- 11؛ إرميا 17: 21، 22).
كانَ هذا الشِّفاءُ بِوُضُوح طريقَةً ستراتيجيَّةً ليسُوع، كَي يبدَأَ حواراً عدائيَّاً مُطَوَّلاً أرادَ أن يُقيمَهُ معَ الفَرِّيسيِّينَ والكَتَبَة. نجدُ هذا الحوار مُسجَّلاً في أربَعةِ إصحاحاتٍ من إنجيلِ يُوحنَّا (5- 8). في هذا الحوار العَدَائِيّ، قامَ يسُوعُ بالكَثيرِ من التصريحات عمَّن هُوَ، ولماذا جاءَ إلى العالم. مُعظَمُ اليَهود الذين سمِعُوهُ إحتَقَرُوا إدِّعاءاتِهِ، وتمنُّوا لو يُلقَى القبضُ عليهِ أو يُرجَم حتَّى الموت، ولكن نتيجَةً لهذا الحوار، آمنَ البعضُ منهُم. فقالَ لأولئكَ الذين آمنُوا بهِ، "إنَّكُم إن ثَبَتُّم في كَلامِي فبِالحَقيقَةِ تكُونُونَ تلاميذِي؛ وتَعرِفُونَ الحَقَّ والحَقُّ يُحَرِّرُكُم." (يُوحَنَّا 8: 31- 32) في هذا التصريح، أكَّدَ يسُوعُ إدِّعاءً آخرَ عن قيمَةِ تعليمِهِ – أنَّ أُولئكَ الذين يثبُتُونَ في كلمتِهِ سيجِدُونَ الحُرَّيَّةَ الرُّوحِيَّة.
غالِباً يَظُنُّ الناسُ أنَّ التصديقَ هُوَ أهمُّ شَيءٍ في إيمانِنا، وأنَّنا ساعَةَ نُصدِّقُ، بإمكانِنا أن نُتابِعَ حياتَنا وكأنَّ شَيئاً لم يكُنْ. ولكن ليسَ هذا ما قالَهُ يسُوعُ لأولئكَ الذين آمنُوا في العهدِ الجديد. فعندما كانَ أحدُهُم يُؤمِن، ركَّزَ يسُوعُ أمامَهُ على أهمِّيَّةِ تعاليمِهِ. قالَ أنَّهُم إن آمنُوا، سيثبُتُونَ في كلامِهِ، وسيُصبِحونَ تلاميذَهُ بِحَقّ، وعندها سيجعلُهُم الحقُّ الذي سيكتَشِفُونَهُ من تعليمِهِ أحراراً.
فالتلميذُ أشبَهُ بالمُتَدَرِّب للخدمَةِ البَحريَّة. يقضي المُتَدَرِّبُ أسبُوعَين في غُرفَةِ الصَّفِّ ومن ثَمَّ أُسبُوعَين على متنِ الباخِرة. وهكذا عندما يتعلَّمُ أمراً، يُطبِّقُ ما يتعلَّمُهُ، ومن ثَمَّ يرجِعُ إلى غُرفَةِ الصَّفّ ليتعلَّمَ المَزيد. إنَّ تعريفَ التِّلميذ هُوَ: مُتَعلِّمٌ يعمَلُ بما يتعلَّمُهُ، ويتعلَّمُ ما يعمَلُهُ. لقد كانَ الرُّسُلُ الإثني عشَر نماذِجَ عظيمةً عمَّا يعنيه أن يكونَ الإنسانُ تلميذاً ليسُوع. كانُوا تلاميذَ (مُتَدرِّبين) على يدَي يسُوع لمُدَّةِ ثلاث سنوات، التي خلالَها علَّمَهُم، أظهَرَ لهُم، ودرَّبَهُم.
عِندَما وعدَ يسُوعُ قائِلاً، "وتعرِفُونَ الحقَّ، والحَقُّ يُحَرِّرُكُم" (يُوحنَّا 8: 32)، كانت كلمة "تعرفُونَ" تُشيرُ إلى المعرفة بواسطَةِ العلاقة. فإذا ثبَتنا في كلامِهِ وطبَّقناهُ، سنُصبِحُ على علاقَةٍ معَ ذلكَ الشخص الذي هُوَ الحقّ، وهذه العلاقة ستُحرِّرُنا.
بِحَسَبِ يسُوع، الإيمانُ بهِ وصيرورة الإنسان تلميذاً لهُ، يأتي في ثلاثَةِ أبعاد. أوَّلاً، نُؤمِنُ أنَّ يسُوعَ هُوَ إبن الله الوَحيد، وحلّ الله الوحيد لمُشكِلَةِ خطايانا، والمُخلِّصُ الوحيد المُرسَل من قِبَلِ الله. وعندها سيكُونُ بإمكانِنا أن نتبَعَهُ بالثَّباتِ في كلامِه. وبينما نتبَعُهُ، كتلاميذِهِ الحقيقيِّين، نأتي لمعرِفَتِهِ، ليسَ فقط معرِفَة كلامِهِ، بل هُوَ نفسه المسيح المُقام. عندما يحدُثُ هذا، سوفَ يُحرِّرُنا المسيح. وعندما يُحرِّرُنا، سنكُونُ بالحقيقَةِ أحراراً.
هل تعرِف المسيح الحيّ المُقام بهذه الطريقة؟ وهل إختَبَرتَ معرِفَةً حَميمَةً بِهِ من خلالِ علاقَةٍ، وهل حرَّرتكَ تِلكَ العلاقة من قيُودِ الخطيَّةِ التي كُنتَ تعرِفُها؟ إذا أردتَ أن تعتَرِفَ بهذه القِيمَة ليسُوع المسيح، آمنْ بهِ، أثبُتْ في كلامِهِ، وصِرْ تلميذاً حقيقيَّاً لهُ، وتوصَّلْ لِما هُوَ أبعد من الكَلِمةِ المُدوَّنة نحوَ علاقَةٍ معَ الكلمةِ الحيَّة، لتُصبِحَ بالحقيقةِ حُرَّاً.
- عدد الزيارات: 2991