Skip to main content

الفَصلُ الأوَّل "فماذا إذا"

(رومية 12: 1- 21)

هذا هُوَ الكُتَيِّبُ الرَّابِع والأخير من هذه السلسِلَة التي قدَّمنا فيها مُلاحَظاتٍ تفسيريَّة لأُولئكَ الذي أصغُوا لِبرامِجَنا الإذاعِيَة التي تتكلَمُ عن رِسالَةِ بُولُس الرَّسُول إلى أهلِ رُومية، عدداً بعدَ الآخر. فإذا كُنتَ تَرغَبُ أيُّها القارِئُ الكَريم بأن تدرُسَ أو تُعَلِّمَ هذه المُلاحظات التي قدَّمناها حولَ رسالَة بُولس الرَّسُول الرَّائِعة إلى أهلِ رُومية، تحتاجُ، بهدَفِ الإستِمراريَّة، للحُصُولِ على الكُتَيِّباتِ الثَّلاثَةِ الأُولى من هذه السِّلسِلَة. وسوفَ نُرسِلُ لكَ هذه الكُتَيِّبات إذا إتَّصَلتَ بنا وأعطيتَنا عُنوانَكَ البَرِيدِيّ.

أبدَأُ تفسيري للإصحاحِ الثَّانِي عشَر من هذه الرِّسالَة بالتَّشديدِ على أنَّ هذه الدَّعوة للإيمانِ والإلتِزام، التي بها يبدَأُ هذا الإصحاح، لا ينبَغي أن تُفصَلَ أبداً عنِ البَرَكَة الرَّائِعة التي بها يختُمُ بُولُس الإصحاح الحادِي عشَر. عندما تُفهَمُ هذه البَرَكَة، نُدرِكُ أنَّ هذه الأعدادِ السِّتَّة ينبَغي أن تُدرَسَ قَطعيَّاً معاً: "يا لَعُمقِ غِنَى الله ِوحِكمَتِهِ وعِلمِهِ. ما أبعدَ أفكارَهُ عنِ الفَحصِ وطُرُقَهُ عنِ الإستِقصاء. لأنَّ من عَرَفَ فِكرَ الرَّبِّ أو من صارَ لهُ مُشيراً. أو من سَبَقَ فأعطاهُ فيُكافَأُ. لأنَّ مِنهُ وبِهِ ولهُ كُلَّ الأشياء. لهُ المَجدُ إلى الأبد. آمين.

"فأطلبُ إليكم أيّها الإخوةُ برأفةِ اللهِ أنْ تقدِّموا أجسادَكم ذبيحةً حيّةً مقدّسةً مَرضيّةً عندَ اللهِ عبادتَكمُ العقليّةَ. ولا تُشاكِلوا هذا الدهرَ. بلْ تغيّروا عن شكلِكم بتجديدِ أذهانِكم لتختبروا ما هي إرادةُ اللهِ الصالحةُ المَرضيّةُ الكاملةُ". (رُومية 11: 33- 12: 2)

عندَما كتبَ بُولُس حرف "فَ" في بدايَةِ العدَدِ الأوَّل من هذا الإصحاحِ الثَّانِي عشَر، علينا أن نُدرِكَ أنَّهُ بمعنىً ما كانَ يُحاوِلُ أن يُطَبِّقَ كُلَّ ما علَّمَهُ لأهلِ كنيسةِ رُومية – ولكَ ولي – مُنذُ أن بدَأَ بتقديمِ هذا العَرضِ اللاهُوتيّ المُوحَى، في العدد السَّابِع عشَر من الإصحاحِ الأوَّل من هذه الرِّسالَة. وبالتَّحديد إنَّهُ يحُضُّنا على أن نَنظُرَ إلى الوَراء ونتأمَّلَ بالتعليمِ العَميق الذي بدَأَ في العددِ الرَّابِع عَشَر من الإصحاحِ الثَّامِن، والذي إختُتِمَ بتِلكَ البَرَكَة الرُّوحيَّة الفَصيحَة في نهايَةِ الإصحاح 11.

في ختامِ الإصحاحِ الحادِي عَشَر، بينما كانَ بُولُس يختَتِمُ كتابَةَ تلكَ البَركة الجميلة، يبدُو وكأنَّهُ يتصوَّرُ قُرَّاءَهُ يطرَحُونَ عليهِ أسئِلَةً من جَديد. وسُؤالُهُم هذه المرَّة هُو: "فماذا يعني كُلُّ هذا لنا يا بُولُس؟" عندَها كتبَ حرفَ العَطفِ "فَ" وبدَأَ الإصحاحاتِ الأخيرة من هذه الرِّسالة، التي تزخَرُ بالتَّطبيقاتِ التَّعبُّدِيَّة والعمَلِيَّة لكُلِّ الحقائِقِ الرَّائِعة التي علَّمَها في الإصحاحاتِ الأحد عشَر السَّابِقَة.

بينما نتأمَّلُ معَ بُولُس عبرَ كُلِّ الإصحاحاتِ الأحد عشر الأُولى من هذه الرَّسالَة، تُوجَدُ ثلاثَةُ أسئِلَةٍ عَلَينا أن نطرَحَها وأن نُجيبَ عليها. هذه الأسئِلَة هي: "ماذا قالَ؟ ماذا قصدَ؟" وعلينا أن نسأَلَ نُفُوسَنا، "وماذا يعني كُلُّ هذا لي؟"

جميعُ رسائِلِ بُولُس يمكِنُ تقسيمُها إلى قِسمَين: هذه الإصحاحاتِ حَيثُ يُقَدِّمُ بُولُس تعليمَهُ، والإصحاحاتُ التي يُطَبِّقُ فيها ما سبقَ وعلَّمَهُ. فرِسالَتُهُ إلى أهلِ أفسُس مقسُومَةٌ إلى قِسمَينِ مُتَساوِيَين، يقعانِ في ثلاثَةِ إصحاحاتٍ تعليميَّة، وثلاثَة تطبيقيَّة. في هذه الرِّسالَة، الإصحاحاتُ الأحد عشَر الأُولى هي إصحاحاتٌ تعليميَّة، والإصحاحاتُ الخمسة الأخيرة هي إصحاحاتٌ زاخِرةٌ بالتَّطبيق. الإصحاحُ السَّادِس عَشَر مَملُوءٌ بالتَّحيَّات، التي يجهلُها الكثيرُ منَ القُرَّاء، ولكنَّنا سوفَ نرى أنَّ هذا الإصحاح مليءٌ أيضاً بالتَّطبيقاتِ المُجَذَّرَة في القِسمِ التَّعليميِّ من هذه الرِّسالَة. لقد عرفَ بُولُس أنَّ الحقيقَةَ بِدُونِ تطبيقِ هي بلا مَنفَعَة، وها هُوَ يبدَأُ الآن بإخبارِنا كيفَ نعيشُ هذه الحقائِق الأبديَّة العميقة في حياتنا اليَوميَّة.

تُعتَبَرُ هذه تُحفَةَ بُولُس الرَّسُول اللاهُوتيَّة، وأعمقَ وأشمَلَ تصريحٍ لاهُوتيٍّ عمَّا آمنَت بهِ كنيسةُ العهدِ الجديد. هذه الإصحاحاتُ الأخيرة هي الأطوَلُ والأكثَرُ تعبُّدِيَّةً وعمليَّةً في كُلِّ كِتاباتِ بُولُس الرَّسُول، الذي كتبَ حوالي نصف العهدِ الجديد.

إنَّ دَعوَتَهُ للإلتِزام، التي تتبَعُ هذه البَرَكَة، تتطلَّبُ "خِدمَةً معقُولَةً نابِعَة من تسليمٍ للهِ بِدُونِ شُرُوط. "الخِدمة المعقولة" أو "العِبادَة العقليَّة" يُمكِنُ ترجَمَتُها "بالعِبادَة الذَّكِيَّة." لقد كانت كلِماتُهُ الأخيرة قبلَ أن يبدَأَ هذه الدَّعوَة للإلتِزام، أنَّ اللهَ هُوَ مَصدَرُ كُلِّ هذه الأشياء، والقُوَّة الكامِنَة وراءَ كُلِّ الأشياء، ومجد الله هُوَ القَصدُ من كُلِّ الأشياء. في هذَينِ العددَين التَّطبيقيَّين الأوَّلَين، يدعُو بُولُس إلى تسليمٍ كُليٍّ وغير مَشروطٍ لله. وهكذا تَكُونُ هذه العبادَةُ معقُولَةً أو عقليَّةً وحكيمةً، فقط عندما نُدرِكُ أنَّ معرِفَةَ اللهِ وحِكمَتَهُ الكامِلَتَين قد عُبِّرَ عنهُما في كُلِّ ما كتبَهُ بُولُس في هذه الرِّسالَة.

هذانِ العددانِ يُمكِنُ أيضاً أن يُعتبَرا وصفَةً لإكتِشافِ مشيئَةِ اللهِ والعمَلِ بها في حياتِنا. أحدُ أعظَمِ الأسئِلَة التي يطرَحُها اللهُ علينا في الكتابِ المُقدَّس هو: "من أنتَ؟" (تكوين 27: 32- 34؛ يُوحَنَّا 1: 22) هذا السُّؤال يتضمَّنُ معنَى كَونِنا مُفتَرَضاً بنا أن نكَونُ أشخاصاً كما خَطَّطَ لنا اللهُ أن نَكُون. أُولى كلِماتِ اللهِ التي تكلَّمَ بها معَ الإنسانِ السَّاقِط كانت أسئِلَةً. كانَ السُّؤالُ الأوَّلُ، "أينَ أنت؟" وكانَ الثَّانِي، "من قالَ لكَ؟"

تفتَرِضُ هذه الأسئِلَة أنَّ كُلَّ واحِدٍ منَّا ينبَغي أن يَكُونَ ذلكَ الشَّخصُ الذي خطَّطَ لهُ اللهُ أن يَكُونَهُ. نحنُ دائماً مُرتَبطينَ نِسبيَّاً بتِلكَ الهُوِيَّة الشَّخصيَّة، وإن كُنَّا نُصغِي لله، سوفَ يخُبِرُنا أينَ ينبَغي أن نَكُون. يُظهِرُ لنا بُولُس كيفَ وأينَ يُمكِنُنا أن نَكُونَ ذلكَ الشَّخص الذي يُريدُنا اللهُ أن نَكُونَهُ، عندما يُعَلِّمُ بِضعَ خُطُواتٍ تُظهِرُ لنا كيفَ نَجِدُ ونختَبِرُ مَشيئَةَ الله الصَّالِحَة، المَرضِيَّة، والكامِلَة.

السُّؤالُ الذي يُطرَحُ على كُلِّ راعي كنيسة أكثَرَ من أيِّ سُؤالٍ آخر هُو، "كيفَ أستَطيعُ أن أعرِفَ مشيئَةَ اللهِ لِحَياتِي؟" أكبَرُ عقبَةٍ لمعرِفَةِ مَشيئَةِ اللهِ لحياتنا ليسَت صُعُوبَةَ معرِفَةِ إرادَةِ اللهِ هذه. ولكنَّ أكبَرَ عقَبَةٍ لمَعرِفَةِ مَشيئَةِ الله، هي ليسَت إرادَة الله بل إرادَتنا. لهذا أوَّلُ خُطوَةٍ في إطارِ خُطَّةٍ لإكتِشافِ مشيئَةِ اللهِ والعَمَلِ بها، هي إلتِزامٌ لإرادَتِنا كامِلٌ وواعٍ لكي نَكُونَ ذبيحَةً حَيَّةً لله، خلالَ إتِّباعِنا ليسُوع المسيح رَبِّنا.

أوصى العهدُ القَديمُ بتقديمِ ذبائِحَ حَيوانِيَّة للتَّكفيرِ عن خطايا شَعبِ الله. كُلُّ هذه الذَّبائِح تمثَّلَت وتكمَّلَت بِحَمَلِ الله، الذي عرَّفَ عنهُ يُوحَنَّا المعمدان، عندما بدأَ يسُوعُ خِدمَتَهُ العَلَنِيَّة في هذا العالم (يُوحَنَّا 1: 29). وكانت الذَّبائِحُ الحَيوانِيَّة التي تُقدَّم يَتِمُّ ذبحُها وحرقُها، أي أنَّها كانت ذبائحَ مَيِّتَة. إستَخدَمَ بُولُس الصُّورَةَ المجازِيَّةَ المُثيرَةَ للإهتِمام، "ذَبائِحَ حَيَّة" عندما كانَ يُعَبِّرُ عن معنى التَّسليم غير المَشرُوط في هذه الدَّعوَة للإلتِزام. وتَعني هذه الإستِعارَةُ أوِ الصُّورَةُ المجازِيَّةُ أنَّ بُولُس لا يتحدَّى المُؤمنين أن يمُوتُوا من أجلِ المسيح. بل هُوَ يتحدَّانا لكي نحيا لأجلِ المسيح – طوالَ أيَّامِنا – كذبائِحَ حَيَّة للمسيح. هذه هي وصفَتَهُ الأُولى لإكتِشافِ مشيئَة اللهِ والتأكُّدِ منها لحياتِنا.

فها نحنُ الآن أمامَ تحدِّي التَّأمُّل برَحمَةِ الله، ومن ثَمَّ بأن نُقَدِّمَ أنفُسَنا كذبائِحَ حَيَّة. هذه الكلمة تعني في اللُّغَةِ الأصليَّة أن نستَسلِمَ، أو أن نرفَعَ أيدِيَنا إلى العلاء ونستسلِمَ لله. فرحمَةُ اللهِ تحجُبُ عنَّا ما نَستَحِقُّهُ. وبما أنَّ بُولُس أخبَرَنا في الإصحاحِ الأوَّل أنَّ الإنجيلَ يكشِفُ غضبَ اللهِ على كُلِّ فُجُورِ النَّاسِ وإثمِهِم (1: 18)، علينا أن نشكُرَ اللهَ لأنَّهُ يحجُبُ عنَّا ما نستَحِقُّهُ. إنَّ جَعْلَ رحمَةِ اللهِ الدَّافِعَ لتَسليمِنا غير المَشرُوط لله، هُوَ إشارَةٌ خاطِفَة للفِكرَةِ المُتَضَمَّنَةِ في بركتَهِ الخِتامِيَّة أنَّ اللهَ ليسَ مديُوناً لأيٍّ أَحدٍ بأيِّ شَيء.

فهُوَ يَصِفُ طريقَةَ حياتِهِ بأنَّها "مُقدَّسَة"، أي "مُخَصَّصَة ومفرُوزة لله." فعندَما نملِكُ شَيئاً ما، بإمكانِنا أن نستَخدِمَهُ كما نشاء وساعَةَ نشاء. عندما نَكُونُ مُقدَّسِين، نَكُونُ حَرفِيَّاً مُلكِيَّةً لله، بإمكانِهِ أن يستَخدِمَها ساعَةَ يشاء، وحيثُما يشاء وكيفَما يشاء. عندما نَكُونُ مُقَدَّسِين، مُستَسلِمينَ بِلا شُروطٍ، كذبائِحَ حَيَّةٍ للمسيح، نَعيشُ عندَها الحياةَ الوَحيدَةَ التي تَكُونُ مقبُولَةً عندَ الله.

وكما تعلَّمْنا في الفَصلِ الخامِس، إن كان تبريرُنا قد كَلَّفَ اللهَ أن يُضَحِّيَ بِحَياةِ إبنهِ، علينا أن نَجِدَ بِبَساطَةٍ ذلكَ المَنفَذ بالإيمان للوُصُولِ إلى النِّعمَة التي تُمَكِّنُنا من عَيشِ حَيَاةٍ مُستَقيمَة. وبِرُوحِ هذا المَنطِق المُوحَى نفسِهِ، يدعُونا بُولُس لِلعِبادَةِ العَقلِيَّةِ ولتَسليمِ نُفُوسِنا بطريقَةٍ غيرِ مَشرُوطَةٍ لله كذبائِحَ حَيَّة، طوالَ اليومِ وكُلَّ يَوم.

بالنِّسبَةِ لِليَهُودِيّ، مفاهِيمُ العِبادَةِ والذَّبيحَة كانت لا تنفَصِلُ عن بَعضِها البَعض. عندما كانَ إبراهيم على وَشَكِ الصُّعُودِ إلى جَبَلِ المُرَيَّا، ليُقدِّمَ إبنَهُ إسحَق ذبيحَةً لله، قالَ للخادِمَينِ اللَّذَينِ كانا يُرافِقانِهِ، "إجلِسا أنتُما هَهُنا معَ الحِمار. وأمَّا أنا والغُلام فنَذهَبُ إلى هُناكَ ونَسجُدُ ثُمَّ نَرجِعُ إليكُما." (تكوين 22: 5) يُقدِّمُ لنا هذا أمرَينِ جَدِيرَينِ بالإعتِبار عن إيمانِ إبراهيم. لقد عرفَ أنَّهُ سيَرجِعُ هُوَ وإبنُهُ سالِمَينِ منَ ذلكَ الجَبَل. ولكنَّ أكثَرَ كَلِمَةٍ مُعَبِّرَةٍ قالَها إبراهيمُ لتلاميذِهِ، كانت الطَّريقَة التي بها إستَخدَمَ بها عبارَة "نَسجُدُ." قالَ أنَّهُ هُوَ وإبنُهُ كانَا سيسجُدانِ، وكانَ ينوي أن يُقَدِّمَ إبنَهُ ذَبيحَةً على ذلكَ الجَبَل. لقد سمَّى إبراهِيمُ تقديمَ إبنِهِ ذبيحَةً "سجُوداً أو عِبادَةً."

عندما سَجَدَت إمرَأَةٌ أمامَ يسُوع، بسكبِها طِيباً كثيرَ الثَّمَنِ على قَدَمَيهِ، الذي كانَ يٍُساوِي قيمَةَ أجرِ عامٍ كامِلٍ منَ العَمَلِ الشَّاق، تذمَّرَ يَهُوَّذا الإسخَريُوطِيُّ أنَّ هذا المال كانَ يُمكِنُ أن يُعطَى للفُقَراء. ولكنَّ يسُوعَ دافَعَ عمَّا فعلَتْهُ المرأَةُ بعبادَتِها المُكلِفَة جدَّاً، لأنَّهُ بالنِّسبَةِ للرَّبِّ، السُّجُودُ أوِ العِبادَةُ والذَّبيحَةُ هُما مفهُومٌ واحِدٌ (يُوحَنَّا 12: 3- 8).

يُمكِنُ تفسيرُ كلمة "سُجُود" أو "عِبادَة" بِ "إستِحقاق أو قِيمَة." بدَأَ يسُوعُ بَرَكَتَهُ بالقَول: "يا لَعُمقِ غَنَى اللهِ..." قد يُطرَحُ سُؤالُ حولَ بَرَكَةِ بُولُس: "ما هي قِيمَةُ الله أو إستِحقاقُهُ؟" نُجيبُ على هذا السُّؤال في كُلِّ مرَّةٍ نعبُدُ اللهَ ونسجُدُ لهُ فيها. ونُجيبُ خاصَّةً على هذا السُّؤال عندما نُعَبِّرُ عن خدمَةٍ عاقِلَةٍ، أو عبادَةٍ عقليَّةً، بتطبيقِ هذه الوصفة التي يُعطيها بُولُس بإكتِشافِ وعيشِ إرادَةِ اللهِ لحياتِنا.

بالإختِصار، تأمَّلُوا بترجَمَةٍ تفسيريَّةٍ لهذَينِ العَدَدَين، التي تجعَلُ معناهُما واضِحاً جدَّاً: "بِعَينَينِ مفتُوحَتَينِ تماماً على مراحِمِ الله، أتوسَّلُ إليكُم يا إخوَتي، أن تَقُومُوا بعمَلِ عبادَةٍ عقليَّةٍ واعِيَة، بإعطاءِ اللهِ أجسادَكُم، كَذَبيحَةٍ حيَّةٍ مُكَرَّسَةٍ ومَرضِيَّةٍ أمامَهُ. ولا تدَعُوا العالَمَ من حَولِكُم أن يُقحِمَكُم في قالَبِهِ، بل دَعُوا اللهَ يُعيدُ تشكيلَ أذهانِكُم منَ الدَّاخِل، لكي تتحقَّقُوا عمليَّاً من أنَّ خطَّةَ اللهِ لكُم هي صالِحَة، وتُلَبِّي جميعَ مُتَطَلِّباتِ اللهِ، وتتحرَّكُ تجاهَ هدَفِ النُّضجِ الحقيقيِّ." (رُومية 12: 1 و2).

الجزءُ الثَّاني من وصفَةِ بُولُس لمَعرِفَةِ إرادَةِ الله، تُرَكِّزُ على الطَّريقَة التي بها نتعاطَى معَ العالم الذي نعيشُ فيهِ للمَسيح. يُحَذِّرُنا بُولُس من أن لا نُشاكِلَ هذا العالم. التَّرجَمَةُ التي ذَكرنَاهَا أعلاهُ تُحَذِّرُ من حقيقَةِ أنَّ العالَمَ يُحاوِلُ أن يُقحِمَنَا في قالَبِهِ الخاصّ. وأمامَنا التَّحدِّي بأن نُقاوِمَ هذا الضَّغط من حضارَةِ العالم الذي نعيشُ فيه.

التَّفسيرُ والتَّطبيقُ السَّطحِيّ للقِسمِ الثَّانِي من هذه الوَصفَة، هُوَ بمَنعِ المُؤمِنينَ من عَمَلِ الأشياء العالَمِيَّة التي كانُوا يعمَلُونَها قَبلَ أن يُصبِحُوا مُؤمِنين. هَذه ناحِيَةٌ هامَّةٌ منَ الحياةِ المُستَقيمة، ولكنَّ بُولُس يقصُدُ شَيئاً أعمَقَ من هذه العاداتِ الدُّنيَوِيَّة التي كانت جُزءاً من حياتِنا قبلَ أن نلتَقِيَ بالمسيح.

إنَّ أُسلُوبَ الحياة الذي يتبنَّى القِيَم والأولويَّات المادِّيَّة لحضارَةِ العالَمِ الذي نعيشُ فيهِ، هُوَ ما كانَ على قَلبِ بُولُس عندما كتبَ هذا التَّحذير. في رسالَتِهِ إلى أهلِ فيلبِّي، وصفَ ثَورَةَ القِيَم وتغييرَ الأولويَّاتِ في حياتِهِ بعدَ أن إلتَقَى بالمسيح. لقد كتبَ ما جوهَرُ معناهُ: "كَم تغَيَّرَت طُمُوحاتِي!" أو، "كم تغيَّرَت قِيَمِي!" (فِيلبِّي 3: 7- 11).

القِسمُ الثَّالِثُ من وصفَةِ بُولُس للتَّأَكُّدِ عَمَلِيَّاً من أنَّ خُطَّةَ اللهِ لحياتِنا هي صالِحَة وتُلَبِّي كُلَّ مُتَطَلِّباتِ الله، هُوَ تشجيعُهُ لنا لنختَبِرَ ذلكَ التَّغيير أو التَّحوُّل الذي يُجَدِّدُ أذهانَنا كُلِّيَّاً. بالإختِصار، وَصْفَتُهُ لإكتِشافِ وعَيشِ إرادة الله الكامِلة لحياتنا، هي أن نلتَزِمَ بإرادَتِنا، أن نتغيَّرَ لنَنسَجِمَ معَ قِيَمِهِ ومعَ صُورِةِ إبنهِ، وأن نتجدَّدَ في أذهانِنا. عندَها سنَجدُ الجوابَ على ذلكَ السُّؤال الذي طَرَحَهُ بُولُس على يسُوع عندَما إلتَقاهُ على طَريقِ دِمَشق: "يا رَبُّ، ماذا تُريدُ منِّي أن أفعَلَ؟" (أعمال 9: 6)

لَم يُغَيِّر الرَّسُول المَوضُوعَ عندما إنتَقَلَ مُباشَرَةً إلى الحَديثِ عنِ المواهِبِ الرُّوحِيَّة. مَنطِقُهُ المُوحَى بهِ منَ الله هُوَ أنَّنا إذا كُنَّا سنَكتَشِفُ مواهِبَنا الرُّوحِيَّة، ونُسَلِّمُها لله، فإنَّ هذا الإنضِباط الرُّوحِيّ سيَقُودُنا إلى قَلبِ إرادَةِ اللهِ الصَّالِحَة، المَرضِيَّة، والكامِلَة لحياتِنا. كتبَ يقُول: "فإنِّي أقُولُ بالنِّعمَةِ المُعطاةِ لي، لِكُلِّ من هُوَ بَينَكُم: أن لا يَرتَئِيَ فَوقَ ما ينبَغي أن يرتَئِيَ، بَل يَرتَئِيَ إلى التَّعَقُّلِ، كما قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ واحِدٍ مقداراً منَ الإيمان. فإنَّهُ كما في جَسَدٍ واحِدٍ لنا أعضاءٌ كَثيرَةٌ، ولكن ليسَ جميعُ الأعضاءِ لها عمَلٌ واحِد، هكذا نحنُ الكَثيرينَ : جسدٌ واحِدٌ في المسيح، وأعضاءٌ بعضَاً لِبَعض، كُلُّ واحِدٍ للآخر. ولكن لنا مواهِبُ مُختَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعمَةِ المُعطاةِ لنا." (رومية 12: 3- 6).

في جُملَتِهِ الإفتِتاحِيَّة، يُوضِحُ بُولُس أنَّهُ يُعَلِّمُنا تطبيقَ كُلِّ تعليمِ هذه الرِّسالَة، أوَّلاً على نُفُوسِنا. عندما كتبَ يَقُولُ، " لِكُلِّ من هُوَ بَينَكُم: أن لا يَرتَئِيَ فَوقَ ما ينبَغي أن يرتَئِيَ،" يَطرَحُ السُّؤال: "كمُؤمِنين، ماذا ينبَغي أن نَظُنَّ عن نُفُوسِنا؟" ماذا يُعُلِّمُنا الكتابُ المُقدَّسُ عن الطريقَةِ الصَّحيحَةِ للنَّظَرِ إلى نُفُوسِنا؟

أُرسِلَت بَعثَةٌ إلى البَرِّيَّة لتَطرَحَ على يُوحَنَّا المَعمدان السُّؤالَ التَّالِي، "ماذا تَقُولُ عن نفسِكَ؟" (يُوحَنَّا 1: 22) بالنِّسبَةِ ليَسُوع، كانَ هذا الرَّجُلُ أعظَمَ مَنْ وَلَدَتْهُ إمرَأَة (لُوقا 7: 28؛ متَّى 11: 11). نرى مِفتاحاً لِعَظَمَتِهِ في الطَّريقَةِ التي بها أجابَ على ذاكَ السُّؤال. لقد أجابَ بما جَوهَرُ معناهُ أنَّهُ كانَ من وكما وحَيثُ وضعتَهُ إرادَةُ اللهِ ليَكُون. بِكَلِماتٍ أُخرى، كانَ يعمَلُ بِحَسَبِ إرادَةِ اللهِ الصَّالِحة، المَرضِيَّة والكامِلَة لِحَياتِهِ. أتَساءَلُ، كيفَ كُنتَ ستُجيبُ أنتَ على هذا السُّؤال؟ وماذا تَقُولُ عن نفسِكَ؟ منَ الأهَمِّيَّةِ بمكانٍ أن يَكُونَ لدَينا الجواب الصَّحيح على هذا السُّؤال.

عَلَينا أن لا نخلُطَ بينَ المَفهُومِ الكِتابِي عنِ "النَّفس" أو "الذَّات" وبينَ ما يُشيرُ إليهِ الكتابُ المُقدَّسُ بعبارَة "الجَسَد." بِحَسَبِ أحدِ مُفَسِّري الكِتابِ المُقدَّس، الجَسَدُ هُو "الطبيعة الإنسانيَّة بِدُونِ مُساعَدَةِ الله." كتبَ مُفَسِّرٌ آخر للكتابِ المُقدَّس: "يُمكِنُ للجَسَدِ أن يُسَيطِرَ عليكَ وأن يستَعبِدَكَ، ولكن ما يُسيطِرُ عليهِ الجَسَدُ فيكَ هُوَ ليسَ مُجَرَّدَ الجَسَد." عندما إستَخدَمَ بُولُس كلمة "نفس"، لم يقصُدْ بها الشَّيءَ نفسَهُ الذي قصدَهُ عندما إستَخدَمَ كلِماتٍ مثل "الجسَد، الإنسان العتيق، أو الطَّبيعة القَديمة."

إذا قُمتَ بِدراسَةٍ في العهدِ الجديدِ بكامِلِهِ للكَلِماتِ اليُونانِيَّة المُتَرجَمَة "نَفس،" بكُلِّ أشكالِها، مثل نفسُهُ، نفسُها، نفسُهُم... سوفَ تكتَشِفُ أنَّ يسُوعَ وبُولُس يستخدِمانِ بكثرَةٍ ولكن ليسَ بِخِفَّة. لقد قُمتُ أنا شِخصِيَّاً بهذه الدِّراسَة، ولكن قبلَ أن أُلَخِّصَ نتائِجَ دراسَتي، منَ الأهمِّيَّةِ بمكانٍ أن يَكُونَ لدَيَّ تعريفٌ دقيقٌ لما يقصُدُهُ بُولُس وأخرُونَ في العهدِ الجديد، عندما يستخدِمُونَ كلمة "نفس."

المَفهُومُ المُتَرجَمُ بكلمة "نفس" في العهدِ الجديد يعني: "الفَرادَة المَخلُوقَة والمُعطاة منَ الله، والشَّخصِيَّة المُمَيَّزة لإنسانٍ ما التي تجعَلُ منهُ مُمَيَّزاً عن كُلِّ كائِنٍ بَشَريٍّ آخر." هذه الكلمة بِكُلِّ أشكالِها، تُشَدِّدُ على قُدسِيَّةِ الفردانِيَّة. يُعَلِّمُ الكتابُ المُقدَّسُ أنَّ اللهَ يُلقِي بالقالَبِ بعيداً بعدَ أن يخلُقَ كُلَّ كائنٍ بَشَرِيّ. بينما تحتَفِظُ بهذا التَّعريف للنَّفس في ذاكِرَتِكَ، تأمَّلْ ببَعضِ الأمثِلَة عنِ الطُّرُقِ التي إستُخدِمَ بها هذا المَفهُوم في تعاليمِ يسُوع وبُولُس الرَّسُول.

في مَثَلِ يَسُوع عنِ الإبنِ الضَّالّ، عندما أدَّتْ عواقِبُ طُرُقِ الإبنِ الضَّالِّ إلى حَظيرَةِ الخنازير، أدرَكَ الإبنُ الضَّالُّ أنَّهُ ليسَ خنزيراً. لرُبَّما يَكُونُ في حَظيرةِ الخنازِير، ولرُبَّما كانَ يشتَهي أن يأكُلَّ الخُرنُوبَ الذي كانَ يُطعِمُهُ للخَنازِير، ولكنَّهُ لم يَكُنْ خنزيراً. إنَّهُ إبنٌ وهُوَ لا ينتَمي إلى حَظيرَةِ الخنازِير‍. لقد كانَ ينتَمي إلى بَيتِ أبيهِ، وهكذا إتَّخذَ القرار بأن يترُكَ حظيرَةَ الخنازير وأن يرجِعَ إلى أبيهِ وإلى بيتِ أبيهِ. لقد وصفَ يسُوعُ قرار الإبن الضَّالِّ هذا بالطريقَةِ التَّالِيَة: "رجعَ إلى نَفسِهِ." (لُوقا 15: 17) لقد قَرَّرَ أن يرجِعَ إلى بَيتِ أبيهِ ومحبَّةِ أبيهِ، حيثُ سيُمكِنُهُ أن يَكُونَ ذلكَ الشَّخص الذي خُلِقَ ليَكُونَهُ.

كتبَ بُولُس الرَّسُولُ رسالَةً إلى تيمُوثاوُس، أخبَرَ فيها إبنَهُ في الإيمان كيفَ يُرشِدُ شخصاً صَعبَ المِرَاس. أشارَ بُولُس إلى تيمُوثاوُس بوصفِهِ "عبد الرَّب." لقد وصفَ بُولُس حالَةَ الشَّخص الصَّعب المرَاس بأنَّهُ "يُقاوِمُ نفسَهُ." بحسَبِ بُولُس، الهَدَفُ من هذا الإرشاد هُوَ أن يُصبِحَ تيمُوثاوُس أداةً من خلالِها يتمكَّنُ هذا الشَّخصُ منَ "الرُّجُوعِ إلى نَفسِهِ" ليَنجُوَ من فَخِّ إبلِيس. الحقيقَةُ الصَّعبَةُ في مُشكِلَةِ هذا الشَّخصِ الصَّعبِ المِراس هي أنَّهُ إستُعبِدَ من قِبَلِ الشَّيطان (2تِيمُوثاوُس 2: 23- 26).

يُعَلِّمُ بُولُس تِيمُوثاوُس أن يكتَسِبَ إصغاءَ وإنتِباهَ هذا الشَّخص الصَّعب المِراس الذي يُقاوِمُ نفسَهُ، وذلكَ بواسِطَةِ إختِبارِ ثلاثَةِ ثمارِ الرُّوح: الوَداعَة، اللُّطف، والصَّبر. سيَكُونُ لدَى تيمُوثاوُس عندَها الفُرَصَة ليُعَلِّمَ هذا الشَّخص الذي يُقاوِمُ نفسَهُ. فإذا أعطاهُ اللهُ رُوحَ التَّوبَةِ، وإذا إعتَرَفَ بالحقِّ الذي وضعَهُ تيمُوثاوُس أمامَهُ، سوفَ يربَحُ نفسَهُ من فخِّ إبليس الذي كانَ قدِ إقتَنَصَهُ لإرادَتِهِ. أهَمِّيَّةُ هذا التَّعليمِ المُدهِش عنِ الإرشاد هِي طريقَةُ وَصف بُولُس لِلشَّخصَ الصَّعب المِراس وهُوَ يُقاوِمُ نفسَهُ ثُمَّ يرجِعُ إلى نفسِهِ.

لقد واجَهَ بُولُس الكُورنثِيِّينَ لأنَّهُ ظَنُّوا بأنفُسِهِم خَطَأً. لقد كانُوا "يَقيسُونَ أنفُسَهُم بأنَفُسِهِم ويُقابِلُونَ أنفُسَهُم بأَنفُسِهِم." بِحَسَبِ بُولُس، عندما يُفَكِّرُونَ بأنفُسِهِم بهاتَينِ الطَّريقَتَين، يكُونُونَ غير حُكماء (2كُورنثُوس 10: 12). فعَلَينا أن لا نَقيسَ أنفُسَنا بأنفُسِنا، وعلينا أن لا نُقابِلَ أو نُقارِنَ أنفُسَنا بالآخرين. لأنَّنا لن نكتَشِفَ فرادَةَ الشَّخصِيَّة التي أرادَها لنا اللهُ بمُقابَلَةِ أنفُسِنا معَ ما أرادَهُ اللهُ للآخرين.

وافَقَ بُولُس معَ يسُوع عندما كتبَ يَقُولُ أنَّهُ علينا أن لا نُقارِنَ أنفُسَنا بالآخرين. في الإصحاحِ الأخير من إنجيلِ يُوحَنَّا، أخبَرَ يسُوعُ بُطرُس كيفَ سيَمُوتُ من أجلِ الرَّبّ. إن كانَ ما قالَهُ التَّقليدُ الكَنَسِيُّ عن مَوتِ بُطرُس دقيقاً، فهذا يعني أنَّ يسُوعَ قالَ لبُطرُس أنَّهُ كانَ سيُصلَبُ رأساً على عَقِب. ولقد تجاوَبَ بُطرُس معَ هذا الخَبَر بالإشارَةِ بِإصبَعِهِ إلى يُوحنَّا سائِلاً الرَّبّ بالقَول، "وهذا ما لهُ؟" فأجابَ يسُوعُ قائِلاً لبُطرُس بأنَّ خُطَّتَهُ ليُوحَنَّا لَيسَت من شأنِ بُطرُس بتاتاً. (يُوحَنَّا 21: 21، 22).

إن كانَ منَ الخَطَأِ علينا أن نَقيسَ أنفُسَنا بأَنفُسِنا، أو أن نُقارِنَ أنفُسَنا معَ الآخرين، كيفَ يترتَّبُ علينا أن نَقيسَ أنفُسَنا إذاً؟ أجابَ بُولُس على هذا السُّؤال عندما تحدَّى تيمُوثاوُس بأن يُلاحِظَ نفسَهُ والتَّعليم (1تيمُوثاوُس 4: 16). هذه الكلماتُ اليُونانِيَّةُ تعني أنَّهُ يتوجَّبُ على تيمُوثاوُس أن يظَلَّ حَذِراً على نفسِهِ. فالمَطلُوبُ منهُ أن يَقِيسَ نفسَهُ بإستمرار بالنِّسبَةِ إلى كلمةِ الله. يأتي هذا التَّعليمُ معَ وعدٍ عظيم. فإن كانَ تيمُوثاوُس سيجعَلُ حياتَهُ تكُونُ على مُستَوى كلمةِ الله، وأن يُطَبِّقَ تعليمَ الكلِمَةِ على حياتِهِ بإستِمرار، فهذا يعني أنَّهُ سيختَبِرُ الخلاصَ وسيَقُودُ آخرينَ إلى الخلاص.

علَّمَ يسُوعُ أنَّهُ علينا أن نُحِبَّ اللهَ من كُلِّ قُلُوبِنا وأن نُحِبَّ قَريبَنا كَنَفسِنا (متَّى 22: 35- 40). كانَ جَوهَرُ قَصدِ رَبِّنا يسُوع هُوَ أنَّهُ علينا أن نُحِبَّ اللهَ بالتَّمام، وأن نُحِبَّ قَريبَنا بِدُونِ شُرُوط، وأن نُحِبَّ أنفُسَنا بشَكلٍ سَليم. هذا لا يعني أنَّنا ينبَغي أن نُحِبَّ أنفُسَنا لدَرَجَةِ أنَّنا نعبُدُ أنفُسَنا عندما نرى أنفُسَنا في المِرآة‍ بل يعني بِبَساطَةٍ أنَّهُ علينا أن نُحِبَّ ما يُحِبُّهُ اللهُ. اللهُ يُحِبُّنا بِدُونِ شُرُوطٍ، وعلينا أن نُحِبَّ الخليقَةَ الجديدَة التي أصبَحنا عليها والتي نَصيرُ إيَّاها خلالَ سَيرِنا معَ المسيح.

كانَ بُولُس يُفَكِّرُ بهذه الطَّريقَة عندما علَّمَ الكُورنثِيِّينَ وعَلَّمَنا أن نَكُونَ "مادِحين أنفُسَنا لَدَى ضَمِيرِ كُلِّ إنسانٍ قُدَّامَ الله." (2كُورنثُوس 4: 2) عندما يرى النَّاسُ ما فعلَهُ يسُوعُ يإنتِاجِهِ شَيئاً جميلاً من حياتِنا، يُدرِكُونَ عندَها قِيمَةَ قُوَّةِ اللهِ الخلاَّقَة (أفسُس 2: 10). بينما نشهَدُ لهذه المُعجِزَة، علَينا أن نَقُولَ بالفِعل، "ما رأيُكَ بما فعلَهُ يسُوعُ في حياتِي؟ ألَيسَ هذا مُعجِزَة؟"

يُعَلِّمُ يسُوعُ أنَّهُ علينا أن نُنكِرَ ذواتِنا. ولكن في إطارِ تعليمِهِ عن نُكرانِ الذَّات، علَّمَ أيضاً أنَّنا إذا رَبِحنا العالَمَ كُلَّهُ وخَسِرنا نُفُوسَنا، نَكُونُ قدِ إقتَرَفنا خطأً فادِحاً وقُمنا بِصَفقَةٍ غَبِيَّةٍ خاسِرَة. فتعليمُهُ الواضِحُ هُوَ أنَّنا مهما عَمِلنا، علينا أن لا نخسَرَ نُفُوسَنا أبداً، ولا أن نبدُلَ أنفُسَنا بِشَيءٍ آخر (لُوقا 9:23- 25). ولقد طرحَ أيضاً السُّؤال، "ماذا يُعطي الإنسانُ فداءً عن نفسِهِ؟" جَوابُنا منَ الكتابِ المُقدَّس هُوَ "صَحن عَدَس." فعندَما باعَ عيسُو بُكُورِيَّتَهُ لأخيهِ يعقُوب لأجلِ صحنٍ منَ العدَس، نَجِدُ في ذلكَ إيضاحاً منَ العهدِ القَديم عن تعليمِ يسُوع هذا. (تكوين 25: 29- 34)

ما هذه إلا أمثِلَةٌ قَليلَةٌ عمَّا تُخبِرُنا بِهِ كلمَةُ اللهِ عن كيفَ ينبَغي أن نَظُنَّ عن نُفُوسِنا. يبدَأُ بُولُس تعليمَهُ عن كيفَ ينبَغي أن نُفَكِّرَ عن نُفُوسِنا بالقَولِ أنَّ نِعمَةَ اللهِ أهَّلَتْهُ ليُشارِكَ معَنا بعضَ الأفكار عن المواهِبِ الرُّوحيَّة، التي يُغدِقُها المسيحُ الحَيُّ المُقامُ على شَعبِهِ بِواسِطَةِ الرُّوحِ القُدُس. ولقد صَرَّحَ بُولُس بإستِمرار قائِلاً، "بنِعمَةِ اللهِ، أنا ما أنا." (1كُورنثُوس 15: 10). وكما أشَرتُ سابِقاً، يُعطِينا بُولُس هُنا هذا التَّعليم عن المَواهِبِ الرُّوحيَّة، لأنَّهُ يُؤمِنُ أنَّ مواهِبَنا الرُّوحيَّة ستَقُودُنا إلى إرادَة الله الصَّالِحَة، المَرضِيَّة، والكامِلَة لحياتِنا. فالتَّسليمُ غَيرُ المَشرُوط، وتجديدُ أذهانِنا من خلالِ التَّحوُّلِ و التَّغيُّر، وحياةُ القداسَة، وإكتِشافُ مَواهِبِنا الرُّوحيَّة سيَقُودُنا إلى حيثُ سنحظَى بالأجوِبَةِ الصحيحة على أسئِلَةِ اللهِ هذه التي تُعَرِّفُ الحياة، والتي ستُظهِرُ لنا مَنْ وأينَ يُريدُنا اللهُ أن نَكُون.

بِحَسَبِ بُولُس، المَواهِبُ الرُّوحيَّة هي تَعبيرٌ عن نِعمَةِ الله. إنسجاماً معَ تعريفِنا للذَّات أو النَّفس، ومع ما كتَبَهُ بُولُس عن كيفَ ينبَغي أن نُفَكِّرَ عن نُفُوسِنا، تختَلِفُ هذه المَواهِبُ بِحَسَبِ نعمَةِ الله. عندما يَكُونُ المُؤمنُونَ في كنيسَةٍ ما مَوهُوبين، ستَكُونُ مواهِبُهُم مُتَنَوِّعَةً، وستجعَلُهُم يختَلِفُونَ الواحِدُ عنِ الآخر. عندما نُلاحِظُ كَنيسَةً مُقتَادَةً بالرُّوحِ القُدُس، سوفَ نندَهِشُ من التَّنَوُّعِ الهائِل بينَ شَخصِيَّاتِ أعضاءِ هذه الكنيسة.

اللهُ يعرِفُ أنَّهُ إن كانَ إثنانِ منَّا مُتطابِقانِ تماماً، سيُصبِحُ واحدٌ منَ الإثنَينِ غيرَ ضَرورِيِّ الوُجُود. لهذا إلتَزمَ اللهُ بالحَرصِ على فَرادَةِ كُلِّ مُؤمِنٍ، التي تجعَلُهُ مُمَيَّزاً عن كُلِّ مُؤمنٍ آخر، وبالتَّالي يُصبِحُ كُلُّ واحِدٍ منَّا ضَرُوريَّاً. فلا يُوجَدُ أيُّ مُؤمنٍ لدَيهِ كُلُّ المواهِب الرُّوحيَّة بدُونِ إستِثناء. بالنَّتيجَة، نُصبِحُ نحنُ غيرُ كامِلينَ بدُونِ المُؤمن الذي يتمتَّعُ بالمَواهِبِ الرُّوحيَّة التي لا نملِكُها نحنُ.

يُشَدِّدُ بُولُس أيضاً على مَفهُوم الوِحدَة أو الإتِّحاد، خِلالَ وَصفِهِ للطَّريقَة التي بها تُعطَى المَواهِبُ الرُّوحِيَّةُ في الكنيسَةِ المحَلِّيَّة (1كُورنثُوس 12). بما أنَّ مبدَأَي التَّنوُّع والوِحدَة يبدُوانِ مُتناقِضَين، يستَخدِمُ بُولُس إستِعارَةً مجازِيَّةً عن أعضاءِ الجسدِ الواحِد، ليَصِفَ طبيعَةَ وعمَلَ المواهِب الرُّوحيَّة التي تعمَلُ في الكنيسةِ المحَلِّيَّة.

ولقد قامَ هذا الرَّسُولُ العَظيم الذي أسَّسَ كنيسَةَ العهدِ الجديدِ في هذا العالم بمُشارَكَةِ المزيدِ منَ هذه الحقائق في بعضِ رَسائِلِهِ الأُخرى. وهُوَ يُقدِّمُ التَّعليمَ عن الحقائِقِ الرُّوحيَّة في هذا الإطار، لأنَّهُ يُؤمِنُ أنَّها تُساعِدُنا لنَعرِفَ كيفَ نُفَكِّرُ عن أنفُسِنا، وتُساعِدُنا على مَعرِفَةِ إرادَة ِاللهِ لحياتِنا. يُعطينا بُولُس بعضَ الأمثِلَةِ عنِ المواهِبِ الرُّوحيَّة خلالَ كِتابَتِهِ: "أنُبُوَّةٌ فبالنِّسبَةِ إلى الإيمان، أم خِدمَةٌ فَفِي الخِدمة، أمِ المُعَلِّمُ فَفِي التَّعليم، أمِ الواعِظُ فَفي الوعظ، المُعطِي فبِسَخاء، المُدَبِّرُ فبإجتِهاد، الرَّاحِمُ فبِسُرُور." (رُومية 12: 6-8).

في هذينِ العَدَدَين يُقدِّمُ الرَّسُولُ بُولُس سبعَةَ أمثِلَةٍ عن المواهِبِِ الرُّوحيَّة. التَّنَبُّؤ يعني التَّكَلُّمُ بإسمِ اللهِ، أو أن نَكَونَ الشَّخصَ الذي يتكلَّمُ اللهُ من خلالِهِ. وتتضمَّنُ هذه الكلمَةُ المُوجَزَةُ معنَيان: "الوُقُوف أمام،" و "جعلَهُ يَشُعُّ أو يلمَع." رُغمَ أنَّ الأنبِياءَ غالِباً ما أخَذُوا إعلاناتٍ خاصَّةً وتنبَّأُوا بأحداثٍ مُستَقبَلِيَّة، ولكنَّهُم كانُوا أيضاً المُنذِرين بالطَّقسِ الرُّوحِيّ، مُخبِرينَ النَّاس بما كانَ على وَشَكِ أن يحدُث.

نادِراً ما نُقَدِّرُ حقيقَةَ أنَّ الأنبِياء كانُوا بشكلٍ أساسيٍّ أعظَمَ وُعَّاظِ العَهدِ القَديم في تلكَ المرحَلَة منَ التَّاريخِ العِبريّ. لقد أعلَنَ يسُوعُ أنَّ يُوحَنَّا المعمدان كانَ أعظَمَ نبِيٍّ ولَدَتْهُ إمرأَة حتَّى ذلكَ الحين. ولكنَّهُ جاءَ ليكرِزَ بمواعِظِ إشعياء. أنا مُقتَنِعٌ أنَّ مَوهِبَةَ التَّنبُّؤ الرُّوحيَّة تتعلَّقُ بشكلٍ أساسيٍّ بإعلانِ كلمةِ الله. فالحَضُّ والتَّحريضُ هُوَ جزءٌ من نَمُوذَجِ هذه المَوهِبَة، لأنَّ أُولئكَ الذين يتنبَّأُونَ غالِباً ما يَحُضُّونَ المُؤمنينَ على طاعَةِ وتطبيقِ كَلِمَةِ الله التي تكلَّمُوا لهُم بها. بمعنَىً أوسَع، في كُلِّ مرَّةٍ يتكلَّمُ اللهُ من خلالِنا لشَخصٍ آخر، نُمارِسُ مَوهِبَةَ النُّبُوَّة.

الخِدمَةُ هي مَوهِبَةٌ شامِلَةٌ قد تربُطُ النُّبُوَّةَ بمواهِبَ أُخرى مثل التَّعليم. نقرَأُ أنَّ الرُّسُلَ "كَرَّسُوا أنفُسَهُم للصَّلاةِ وخدمَةِ الكلمة." (أعمال 6: 4). خدمَةُ الكلمة قد تَكُونُ في إطارِ الوعظ، التَّعليم، أو خدمَة الكلمة لشَخصٍ واحِد. قد يحتَوي هذا على ما نُسَمِّيهِ اليوم بالإرشاد. منَ الواضِحِ أنَّ هذه المَواهِب تتلاقَى معَ بعضِها وتعمَلُ من خلالِ نماذِج. علينا أن لا نُفَكِّرَ بما هي مَوهِبَتُنا الرُّوحيَّة، بل بما هُوَ عُنقُودُ مواهِبنا الرُّوحيَّة الجمَّة.

تبرُزُ نماذِجُ المَواهِبِ الرُّوحِيَّةِ أيضاً في رسائِلِ بُولُس إلى أهلِ كُورنثُوس وإلى الكنيسَةِ التي في أفسُس (1كُورنثُوس 12: 4- 11؛ أفسُس 4: 11- 13). يُعطي بُطرُس بعضَ الأمثِلَة عن المواهِبِ الرُّوحيَّة في رسالَتِهِ الأُولى (1بُطرُس 4: 10، 11). عندما يُشارُ إلى المواهِبِ الرُّوحيَّة بهذه الطَّريقَة في العهدِ الجديد، لا يَكُونُ المَقصُودُ باللوائِحِ أن تَستَنفِدَ ذِكرَ كُلِّ المواهِبِ بدُونِ إستِثناء، بل بأن تُعطِيَ مُجَرَّدَ أمثِلَةٍ عن كيفَ تبدُو المواهِبُ الرُّوحيَّة، وكيفَ يُمكِنُ تحديدُ هُوِيَّتِها، وكيفَ يُقصَدُ منها أن تعمَلَ داخِلَ الكنيسةِ المحلَّيَّة. إذا دَرَستَ كُلَّ الأسفار المُقدَّسة التي تُورِدُ ذِكرَ المَواهِبِ الرُّوحيَّة، حوالي 21 مَوهِبَة يَتِمُّ ذِكرُها ووصفُها بهذه الطريقة.

تُوجَدُ عِدَّةُ مواهِب رُوحيَّة في حياةِ المُؤمنينَ في كنائِسِنا، التي لم يَأتِ العهدُ الجديدُ على ذِكرِها. تأمَّلُوا بالمَواهِبِ المُتَعَدِّدَة التي تتعلَّقُ بالمُوسِيقَى، والتي يستخدِمُها اللهُ بطريقَةٍ دراماتِيكيَّة لتحريكِ النَّاسِ نحوَ الإيمان والعِبادَةِ والخدمَةِ المُثمِرَة. غالِباً ما تظهَرُ المَواهِبُ الرُّوحِيَّةُ في عناقِيدَ أو مجمُوعاتٍ مُترابِطَة. فالشَّخصُ الذي يتمتَّعُ بمَوهِبَةِ التَّعليم ستَكُونُ لهُ أيضاً مواهِبُ كالحِكمَةِ والمَعرِفَة. وأشَرتُ سابِقاً أنَّ الوَعظَ أو الحَضَّ مُرتَبِطٌ بالنُّبُوَّة.

يُدرِجُ بُولُس العَطَاءَ كَمَوهِبَةٍ رُوحيَّة. منَ الواضِحِ أنَّنا جَميعاً لدَينا الإمتيازُ والمَسؤوليَّةُ والمأمُوريَّةُ بأن نُعطِيَ. رُغمَ ذلكَ، يُوجَدُ بعضُ المُؤمنينَ في الكنيسَةِ المحلِّيَّة الذين لديهم مَوهِبَة خاصَّةٌ بنعمَةِ اللهِ، بأن يُعطُوا بطريقَةٍ مُمَيَّزَةٍ جداً. هذا لا يتعلَّقُ فقط بمالِهِم أو بمُمتَلَكاتهِم، بل وأيضاً بوقتِهِم، بمحبَّتِهِم وبعَطفِهِم تجاهَ أُولئكَ المُتَألِّمينَ والمُحتاجِين. لقد إلتَقَيتُ بأشخاصٍ كانُوا مِثالاً خارِقاً جدَّاً في مَوهِبَةِ العَطاء.

مَوهِبَةٌ أُخرى يُعَرِّفُها بُولُس بمَوهِبَةُ الرَّحمَة. نحنُ جَميعاً مَدعُوُّونَ لِنُظهِرَ رحمَةً. ولكن بعضَ المُؤمنينَ لديهم مَوهِبَةً رُوحيَّةً خاصَّةً بإظهارِ الرَّحمَة، ممَّا يُثَقِّلُ قُلُوبَهُم ويُؤَهِّلُهُم لإظهارِ الرَّحمَةِ تجاهَ أُولئكَ الذين يتألَّمُونَ في عالَمِهِم. غالِباً ما يستخدِمُ اللهُ الألَمَ الذي في حياتِهِم، فيُعطيهِم النِّعمَةَ ليتحمَّلُوا آلامهم. وعندما يختَبِرُونَ التَّعزِيَة، يدفَعُهم ألَمُهُم لإكتشافِ الله، فيُصبِحُونَ خُدَّامَ تعزِيَةٍ ويتحلُّونَ بمَوهِبَةِ الرَّحمَة (2كُو 1: 3 و4).

ويُقدِّمُ بُولُس القِيادَةَ كَمَوهِبَةٍ منَ المَواهِبِ الرُّوحيَّة. تعريفٌ بَسيطٌ للغايَة للقائِد، هُوَ أنَّ القائِدَ هُو شَخصٌ لديهِ أتباع. نِعمَةُ اللهِ والرُّوح القُدُس يمسَحانِ بعضَ المُؤمنينَ بمَوهِبَةٍ تجعَلُ منَ الآخرينَ يتبَعُونَهُم. هذا هُوَ نمُوذَجُ القِيادَة بِحَسَبِ بُولُس. أُولئكَ الذين يُعطُونَ، عليهم أن يُعطُوا بِسَخاء؛ أُولئكَ الذين يرحَمُون، عليهم أن يُظهِرُوا الرَّحمَةَ بِسُرُور، وأُولئكَ الذين يَقُودُونَ ويُدَبِّرُون، فعليهم أن يُدَبِّرُوا بإجتِهاد.

هاكُمُ بعضَ النَّماذِج عن المَواهِب الرُّوحيَّة التي يذكُرُها بُولُس في رسائِلِهِ المُوحاة، معَ وَصْفٍ مُقتَضَبٍ لكُلٍّ منها:

النُّبُوَّة - القُدرَة على إعلانِ كلمَةِ اللهِ بِجَرأَة.

المَعرِفَة – القُدرَة على إدراكِ وتنظِيمِ الحقائق العَظيمة الدَّفينَة في كلمَةِ الله.

الحِكمَة – القُدرَة على تطبيقِ المَفاهيم الكتابِيَّة على أوضاعٍ خاصَّة.

التَّعليم – القُدرَة على نَشرِ وترويجِ الحقائِق التي تكتَشِفُها مَواهِبُ المَعرِفَةِ والحكمة.

الإيمان – القُدرَة على رُؤيَةِ ما ينبَغي أن يُعمَلَ والإيمانُ بِقُدرَةِ اللهَ أن يعمَلَهُ رُغمَ العوائِق.

التَّمييز – القُدرَة على التَّمييز بينَ رُوحِ الضَّلالِ ورُوحِ الحَقّ، قبلَ أن يتبرهَنَ الفَرقُ للجميع بعدَ ظُهُورِ النَّتائِج.

المُساعَدة – القُدرَة على مَدِّ يَدِ العَون حيثُ تظهَرُ الحاجَةُ بشكلٍ يُقَوِّي الآخرينَ رُوحيَّاً.

التَّشجيع – القُدرَة على حَضِّ الآخرينَ على طاعَةِ كلِمَةِ الله.

العَطاء – القُدرَة على العَطَاء بسَخاءٍ وبِحِكمَةٍ لله ولعمَلِ خدمَتِهِ.

الإدارَة – القُدرَة على الإلهام، القِيادة، التَّنظيم، التَّفويض الإشراف على عمَلِ المسيح الحَيّ.

الرَّحمَة – القُدرَة على تَوصيلِ محبَّةِ المسيح بالتَّعاطِي بفَرَحٍ وتعاطُفٍ وتشجيعٍ معَ المُحتاجِ.

الشِّفاء – القُدرَة على كَونِنا أداةَ اللهِ لِشفاءٍ طبيعيٍّ ومُعجِزِيّ لجسدِ وذهنِ ونفسِ وعاطِفَةِ ورُوحِ الآخرين.

العجائِب – القُدرَة على كَونِنا قَنَاةً من خلالِها يعمَلُ اللهُ، ليسَ بالضَّرُورَةِ عكس قوانِين الطَّبيعة، ولكن بحَسَبِ قوانين أسمَى منها، مجهُولَةً منَّا.

بما أنَّ بُولُس يُؤمِنُ بأنَّ هذه المَواهِب ستَقُودُنا إلى إرادة اللهِ الكامِلَة لِحَياتِنا، وبما أنَّ إيجادَ إرادَةِ اللهِ الصَّالِحَة، المَرضِيَّة والكامِلَة هي تطبيقُهُ الأوَّل لِكُلِّ التَّعليمِ العميق في هذه الرِّسالَة، علينا أن نعرِفَ بِبَساطَةٍ كيفَ نُمَيَّزُ ومن ثَمَّ نختَبِرُ نَمُوذَجَ المَوهِبَةِ الرُّوحيَّة التي أغدَقَها المسيحُ المُقَامُ علينا بنعمَتِهِ. لهذا أوَدُّ أن أُشارِكَ معَكُم بعضَ الأفكار التي تعلَّمتُها عن كيفَ يُمكِنُنا أن نُحَقِّقَ هذا الإكتِشاف.

نتعلَّمُ ثلاثَةَ مبادِئ هامَّة من يُوحَنَّا المعمدان. قالَ يسُوع أنَّ هذا الرَّجُل كانَ أعظَمَ رَجُلٍ ولدَتْهُ إمرأة (متَّى 11: 11؛ لُوقا 7: 28). لَرُبَّما هذه المبادِئُ هي بِصيرَةٌ للوُصُولِ إلى مفاتِيحِ عظَمَتِهِ. المَبدَأُ الأوَّلُ هُوَ أنَّهُ علينا أن نتعلَّمَ أن نقبَلَ حُدُودَ مَحدُودِيَّاتِنا. لقد برهَنَ يُوحَنَّا هذا المبدَأ عندما قدَّمَ ذلكَ التَّصريح الشَّهير: "ينبَغي أنَّ ذلكَ يَزيد وأنِّي أنا أنقُص." (يُوحَنَّا 3: 30).

في مُقَدِّمَةِ إنجيلِ يُوحَنَّا، كثيراً ما نقرأُ عن يُوحَنَّا المعمدان وهُوَ يَقُولُ "لَستُ أنا." يسُوع كانَ هُوَ المَسيَّا المُنتَظَر، أمَّا يُوحَنَّا المعمدان فلم يَكُن هُوَ المُنتَظَر. عندما كانَ يُوحَنَّا المعمدان يَقُومُ بخدمَتِهِ غير الإعتِيادِيَّة، وسألُوهُ عمَّا إذا كانَ هُوَ المَسِيَّا المُنتَظَر، أجابَ "لَستُ أنا." ولاحِقاً عندما قالُوا لهُ أنَّ الجميعَ أصبَحَ يتبَعُ يسُوع ويُصغِي إلى وعظِهِ، أجابَ بما مَعناهُ، "لقد قُلتُ لكُم أنِّي لَستُ أنا. هُوَ العَريس وهؤُلاء النَّاس هُم العَرُوس. وأنا مُجَرَّدُ صَديق طَيِّب للعَريس في حفلِ العُرس." (يُوحَنَّا 3: 29).

مبدَأٌ ثانٍ نتعلَّمُهُ من يُوحَنَّا، هُوَ أنَّهُ علينا أن نقبَلَ مَسؤوليَّةَ مُؤَهِّلاتِنا. لقد عرفَ يُوحَنَّا من لَم يَكُنْ، ولكنَّهُ عرفَ أيضاً من كانَ، وماذا وأينَ كانَ مَدعُوَّاً أن يَكُون. عندما طرَحُوا عليهِ السُّؤال، "ماذا تَقُولُ عن نفسِكَ؟" أرادَ أن يتكلَّمَ عن يسُوع فقط. ولكن عندما أصَرُّوا على إنتِزاعِ جوابٍ منهُ، أجابَ في النِّهايَةِ بما معنَاهُ،"أنا صَوتُ صارِخٍ في البَرِّيَّة، أعِدُّوا طَريقَ الرَّبِّ! هذا هُوَ من، ماذا وحيثُ أنا مَدعُوٌّ أن أكُون، وبنعمَةِ اللهِ هذا هُوَ من، ماذا، وحيثُ أنا مَوجُود." لقد قَبِلَ يُوحَنَّا حُدُودَ محدُودِيَّاتِهِ، ولكنَّهُ قَبِلَ أيضاً مَسؤوليَّةَ المُؤَهِّلاتِ المُعطاة لهُ منَ الله.

طريقَةٌ أُخرى لإدراجِ لائِحَةٍ بالمَواهِبِ الرُّوحِيَّة، هي بإتِّباعِ هذه المَفاتِيح للمواهِبِ الرُّوحيَّة، التي تعلَّمتُها من أحدِ أساتِذَتي.

بَعضُ هذه المفاتيح هي إكتشافُ المواهِبِ الرُّوحيَّة:

إطَّلِعْ بِشَكلٍ وافٍ على الوَصفِ الكتابِيِّ للمَواهِبِ الرُّوحيَّة.

آمِنْ أنَّ اللهَ أعطاكَ مواهِب.

تمسَّكَ بما تَرغَبُ بهِ بِقُوَّة، وإعمَلْهُ بكُلِّ قُوَّتِكَ.

مَيِّزْ بينَ المواهِب الرُّوحيَّة والمَواهِب الطَّبيعيَّة.

توقَّعْ أن يُساعِدَكَ الآخرُونَ على تمييزِ أو تحديدِ نماذِج مواهِبِكَ الرُّوحيَّة.

جِدْ فُرَصاً لمُحاوَلَةِ إستِكشاف ما تَظُنُّهُ مَوهِبَة رُوحيَّة.

إمنَحْ نفسكَ الوقت لتُصبِحَ مُطَّلِعاً ومُختَبِراً لهذه المَواهِب المَشكُوك بأمرِها.

كَرِّسْ وسَلِّمْ كُلَّ هذه المواهِب الرُّوحيَّة والخَدَماتِ لله بِدُونِ شُروطٍ لخدمَتِهِ ومجدِهِ.

تأمَّلْ بهذه المقاطِع الكتابِيَّة التي أشَرتُ إليها أعلاهُ والتي تَصِفُ المواهِب الرُّوحيَّة. وبما أنَّهُ لا يُوجَدُ شَخصٌ مُؤمِنٌ مُتَجَدِّدٌ الذي لم ينَلْ أيَّة مَوهِبَة منَ الرُّوحِ القُدُس، آمِنْ أنَّكَ مَوهُوبٌ رُوحيَّاً. في إصحاحِ المَواهِب الرُّوحِيَّةِ الشَّهير للرَّسُول بُولُس (1كُورنثُوس 12)، لاحِظْ تكرار كلمة "كُلّ" عبرَ هذا التَّعليم بكامِلِهِ. يُكَرِّرُ بُولُس للتَّشديد أنَّ الرُّوحَ أعطَى هذه المَواهِب لكُلِّ عُضوٍ في جَسدِ المسيح.

ثُمَّ تأمَّل بهذين المِفتاحَينِ بينما تُمسِكُ بلائِحَةِ مواهِبِكَ الرُّوحيَّة. عادَةً يُعطينا اللهُ محبَّةً للخَدماتِ التي تُؤَهِّلُنا مَواهِبُنا للقِيامِ بها. لهذا، تَفَكَّرْ بما تُحِبُّ فعلاً أن تعمَلَهُ لأجلِ الرَّبّ. أيضاً، تأمَّلَ بما تستطيعُ أن تُحسِنَ عملَهُ على أحسَنِ شَكلٍ مُمكِن لأجلِ الرَّبّ. المِفتاحُ التَّالِي هُوَ التَّمييز بينَ المواهب الرُّوحيَّة والطَّبيعيَّة. المَواهِبُ الطَّبيعيَّة هي مَهَارات وقُدُرات نتمتَّعُ بها منذُ ما قَبلِ إختِبارِنا للتَّجديد. وعندما تُسَلَّمُ المَواهِبُ الطَّبيعيَّة للرَّب، تُصبِحُ بِطَريقَةٍ ما مَوَاهِبَ رُوحيَّة. ولكن هُناكَ مواهِب في حياةِ المُؤمنين، التي لم تَكُنْ مَوجُودَةً فِيهِم قبلَ أن يجعَلَ الرُّوحُ القُدُسُ من حياتِهِم هيكلاً لله.

في العهدِ القَديم، عندما كانَ الهَيكَلُ في مرحَلَةِ البُنيان، نقرأُ أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ أعطَى مواهِبَ عمليَّة في البِناء لأُولئكَ الذين ننظُرُ إليهِم كمُتَعَهِّدي بناء مُحتَرِفينَ اليوم. فالمَواهِبُ الرُّوحيَّةُ ليسَت دائماً محصُورَةً بمواهِب مثل الوعظ، التَّعليم، التَّبشير والشِّفاء. بل يُمكِنُ أن تَكَونَ خدماتٍ عمليَّةً لِلغايَة يُقدِّمُها المُؤمنُونَ لأجلِ عملِ الرَّبّ.

سَوفَ تكتشِفُ أيَّها القارِئُ الكَريم أنَّ هذه المَواهِب الرُّوحيَّة تَقَعُ في قِسمَينِ أساسِيَّين: بعضُها هي مَواهِب رَاعَويَّة، والبَعضُ الآخر هي ما يُمكِنُ تسمِيَتُهُ نماذِج مواهِب عمليَّة. في الإصحاحِ السَّادِس من سفرِ الأعمال، تمَّ الإعتِراف بهذا التَّمييز. فلقد دَعا الرُّسُلُ إلى إنتِخابِ أوَّلِ شمامِسَةٍ في الكنيسة. وعندما تمَّ إختِيارُ سبعَةِ رِجالٍ، كَلَّفَهُم الرُّسُلُ بالإشرافِ على القضايا العمليَّة في الكنيسة. وكانت ستراتيجيَّتُهُم أنَّ أُولئِكَ الذين كانُوا كالرُّسُل، يتمتَّعُونَ بمواهِبَ راعويَّة، بإمكانِهِم أن يُكَرِّسُوا أنفُسَهُم بإستِمرارٍ للصَّلاةِ ولخدمَةِ الكلمة. ولقد كانَ هذا القرارُ مُبارَكَاً منَ الرَّبِّ بشكلٍ كبير، فتأثَّرَتْ كُلُّ مَدينَةُ أُورشَليم ديناميكيَّاً بالبِشارَةِ بالمسيح.

نحنُ بحاجَةٍ إلى باقي أعضاء مُجتَمَعنا الرُّوحِيّ، إذا كُنَّا سنكتَشِفُ مواهِبَنا الرُّوحيَّة. أحدُ أكثر المفاتِيح أهمِّيَّةً لإكتشافِ مواهِبِنا الرُّوحيَّة، هُوَ بقياسِ تأثيرِ حياتِنا الرُّوحيَّة على باقي أعضاء كنيستِنا المحلِّيَّة.

فإن كانتِ كنيستُكَ المَحَلِّيَّة تحتَوي على أشخاصٍ مُعَيَّنِين، نتيجَةً لتبشيرِكَ إيَّاهُم بالإنجيل الذي سُرعانَ ما آمنُوا بهِ، فهذا يعني أنَّ لدَيكَ مَوهِبَة التَّبشير. وإن كانَ المُؤمنُونَ يستَوعِبُونَ مفاهِيمَ صَعبَة عندما تَقُومُ أنتَ بتعليمِهِم إيَّاها، فهذا يعني أنَّ لدَيكَ موهِبَةَ التعليم. وإن كانَت لدَيكَ مَوهِبة تنظيم وتفويض مُهِمَّات صعبَة للكثيرِ منَ النَّاس، فهذا يعني أنَّ لدَيكَ مَوهِبَة الإدارَة أو التَّدبير. إن كانَ المُؤمنُونَ يتبَعُونَكَ عندما تتحدَّاهُم وتَحُضُّهم ليَعمَلُوا عملَ الرَّبّ، فهذا يعني أنَّ لدَيكَ مَوهِبَة القِيادَة. عندما تُطَبِّقُ مواهِبَ مثلَ الرَّحمَة، المُساعَدَة، سوفَ تتمكَّنُ من إكتشافِ نَمُوذَج موهِبَتِكَ، من خلالِ الطريقَة التي يتجاوَبُ بها المُؤمِنُونَ في كَنيستِكَ معَ جُهُودِكَ في هذه المجالات.

كيفَ تعرِفُ ما إذا كُنتَ تتمتَّعُ بهذه المواهِبِ الرُّوحِيَّةِ أم لا، إن لم تَقُمِ البَتَّةَ بأيَّةِ مُحاوَلاتٍ للخِدمَةِ في هذه المجالاتِ المُختَلِفَة؟ بإمكانِكَ أن ترى لماذا علينا أن نتمتَّعَ بالإيمانِ لنَجِدَ فُرَصاً للتَّمتُّعِ بالمَواهِب التي نَشُكُّ بكَونِنا قد نتمتَّعُ بها.كيفَ ستشعُرُ لو أنَّكَ أعطَيتَ هدايا لأفرادِ عائِلاتِكَ أو لأصدِقائِكَ، ولكنَّهُم لم يفتَحُوا يوماً الأوراقَ والعُلَبَ الملفُوفَة بها هذه الهدايا، ليَرَوا ماذا بِداخِلِها؟ وكيفَ سيشعُرُ رَبُّنا عندما يَكُونُ قد أعطانا مَواهِبَ رُوحيَّة، ونحنُ لا نُحَرِّكُ ساكِناً لإكتشافِ ماذا بداخِلِ هذه المواهِب التي أعطانا إيَّاها؟

فُرصَةٌ واحِدَةٌ لتعليمِ الكتابِ المُقدَّس، والتي لم تَكُنْ ناجِحَةً تماماً، لا تعني أنَّنا لا نتمتَّعُ بموهِبَةِ التَّعليم. لهذا علينا أن نَأخُذَ وقتَنا في الإستكشاف، التَّمرين، والتأكُّد مِمَّا إذا كُنَّا نتمتَّعُ أم لا ببعضِ المواهِبِ الرُّوحيَّة.

أخيراً، عندما نُمَيَّزُ نَمُوذَجَ مَوهِبَتِنا الرُّوحيَّة، علينا أن نُكَرِّسَها ونُسَلِّمَها في قُلُوبِنا للرَّبِّ الذي أعطانا إيَّاها أصلاً. هذه المَواهِب هي عَطِيَّتُهُ لنا، وما نعمَلُهُ بهذه المَواهِب هُوَ عَطيَّتُنا لهُ. وما نعمَلُهُ بهذه المَواهب هُوَ أيضاً عَطِيَّتُنا لإخوتِنا ولأخواتِنا في المسيح، لأنَّ كُلَّ مواهِب الرُّوح تُعطَى لتُبارِكَ ولتَبنِيَ باقي أعضاء الكنيسة المحلِّيَّة (1كُورنثُوس 12: 7).

تَذَكَّرْ أنَّ بُولُس يُقَدِّمُ هذا المَوضُوع عنِ المَواهِب الرُّوحيَّة، لأنَّهُ يُظهِرُ لنا كيفَ نُبَرهِنُ بالإختِبار أن خُطَّةَ اللهِ لنا هي صالِحَة، وأنَّها تُلَبِّي كُلَّ مُتَطَلِّباتِ اللهِ، وتَدفَعُنا نحوَ النُّضج الرُّوحِيّ. لقد كانَ الرَّسُولُ العَظيمُ يَعْلَمُ أنَّ كَونَنا قد تبرَّرنا بالإيمان، وكَونَنا تزوَّدنا بِنِعمَةِ الله التي تُؤَهِّلُنا لنعيشَ بإستِقامَةٍ، فهذا يُؤَهِّلُنا أيضاً بالمواهِبِ الرُّوحيَّة التي تُمَكِّنُنا منَ أن نخدُمَ بينما نُطَبِّقُ كُلَّ تعليمِ هذه الرِّسالَة إلى أهلِ رُومية على أنفُسِنا.

بمعنَىً ما، نحنُ نُشبِهُ مُكَعَّباتٍ ذاتِ سِتَّةِ أَوجُهٍ. لدينا وَجهٌ نُريهِ للعالَم. ونُظهِرُ وَجهاً آخرَ لأصدِقائِنا. وَجهٌ ثالِث نُريهِ لعائِلتِنا. ولَرُبَّما لَدَينا وَجهٌ نَكشِفُهُ لِزوجاتِنا أو لأزواجِنا. وجهٌ خامِسٌ نحتَفِظُ بِهِ لِنُفُوسِنا، ولَرُبَّما يُوجَدُ وجهٌ سادِسٌ لا نُريهِ إلا لله.

قد نُسَمِّي هذه الأبعاد المُختَلِفَة في حياتِنا بالقَولِ أنَّ أوَّلَ وجهٍ هُوَ الشَّخصُ الذي نحنُ إيَّاهُ – أي شَخصِيَّتُنا. الوجهُ الثَّانِي يُمكِنُ أن يَكُونَ الشَّخص الذي نَظُنُّ أنَّنا إيَّاهُ. وهذا ما نُسمِّيهِ الأنا. الوجهُ الثَّالِثُ قد نُسَمِّيهِ الشَّخص الذي يَظُنُّنا النَّاسُ أنَّنا إيَّاهُ – أي سُمعَتُنا. الوجهُ الرَّابِع يُمكِنُ أن يُمَثِّلَ الشَّخص الذي نعتَقِدُ أنَّنا النَّاسَ يَظُنُّونَنا أنَّنا إيَّاهُ – وهذا ما يُمكِنُ تسمِيَتُهُ بإحتِرامِنا لذواتِنا، أو قيمَتِنا أو صُورَتنا الشَّخصيَّة عن ذَواتِنا. الوجهُ الخامِس يُمِكُن أن يُمَثِّلَ الشَّخص الذي نُريدُ أن نَكُونَ، أو طُمُوحُنا.

عندما نُصبِحُ مَخلُوقاتٍ جديدَةً في المسيح، قد نُفَكِّرُ بهذا وكأنَّهُ وجهُنا السَّادِس، أي الوجه الخاطِئ المَرئِيّ تماماً من قِبَلِ الله، والذي نعتَرِفُ بهِ أمامَ اللهِ عندما نتوبُ ونختَبِرُ الخلاص. لقد تحوَّلَ هذا إلى الشَّخص الذي يُريدُنا اللهُ أن نَكُونَهُ في المسيح. هذا هُوَ الشَّخصُ الذي تُشيرُ إليهِ كَلِمَةُ اللهِ بعبارَة "نفس." وهذا من كانَ يسُوعُ يُشيرُ إليه عندما أخبَرَنا أنَّنا علينا أن لا نخسَرَ أبداً أنفُسَنا ولا أن نُعطِيَ فِداءً عن أنفُسِنا. (متَّى 16: 26)

هذا هُوَ الشَّخصُ الذي إستَعادَهُ الإبنُ الضَّالُّ عندما رجعَ إلى نفسِهِ في حُفرَةِ الخنازِير. (لُوقا 15: 11- 32) ولكنَّنا لن نَستَرِدَّ أبداً هذه النَّفس عندما نُقارِنُ نُفُوسَنا بالآخرين. فهذه هي النَّفسُ التي أوصَى بُولُسُ تيمُوثاوُس بأن يُقارِنَها معَ تعليمِ كلمَةِ الله، حتَّى تجعَلَهُ يختَبِرُ الخلاصَ الذي سيُمكِنُهُ أن ينقُلَهُ إلى الآخرين. (1تيمُوثاوُس 4: 16) هذه هي النَّفسُ التي علينا أن لا نُقاوِمَها أبداً، بل أن نَستَرِدَّها بإستِمرار بنعمَةِ اللهِ، لإنقاذِها من فَخِّ إبليس.

وهذا هُوَ الشَّخصُ الذي نُصبِحُ إيَّاهُ عندما نتحقَّقُ بالإختِبار من إرادة اللهِ الصَّالِحَة، المَرضِيَّة والكامِلة لحياتِنا. (رُومية 12: 2). كُلُّ تعليمِ هذه الرِّسالة العميقَة ينبَغي أن يجدَ تطبيقَهُ عندَما، برحمَةِ وبِنِعمَةِ الله، نُصبِحُ واحِداً من تلكَ الخلائق التي كانَ بُولُس يكتُبُ عنها عندما أعلنَ: "إن كانَ أحدٌ في المسيح، فهُوَ خليقَةٌ جديدَة. الأشياء العتيقَة قد مَضَت. هُوَّذا الكُلُّ قد صارَ جديداً" [وكُلُّ هذا منَ الله]. (2 كُورنثُوس 5: 18 و19).

ثُمَّ يُتابِعُ بُولُس هذا التَّطبيق المُكَثَّف من هذه التُّحفَة اللاهُوتيَّة الرَّائِعة، بِكِتابَةِ لائِحَةٍ طَويلَةٍ منَ الوَصايا، التي تجعَلُ من هذا الإصحاح التَّطبيقَ الأكثَرَ واقِعيَّةً بينَ كُلِّ كِتاباتِ بُولُس الرَّسُول. القِسمُ المُفَضَّلُ عندي في هذا الإصحاحِ الثَّانِي عَشَر هُوَ التَّالِي: "المَحَبَّة فَلتَكُنْ بِلا رِياء. كُونُوا كارِهينَ الشَّرَّ مُلتَصِقينَ بالخَير. وادِّينَ بَعضُكُم بعضاً بالمحَبَّةِ الأخويَّة. مُقَدِّمينَ بَعضُكُم بعضاً في الكَرامة. غَيرَ مُتكاسِلينَ في الإجتِهاد. حارِّينَ في الرُّوح. عابِدينَ الرَّبّ." (رُومية 12: 9- 11)

أحدُ الأسئِلَة المُفضَّلة التي يُحِبُّ الصَّحافِيُّونَ أن يطرَحُوها هو، "كيفَ تُحِبُّ أن يَذكُرَكَ النَّاس؟" جَوابي على هذا السُّؤال هُوَ أنَّني اُحبُّ أن أُذكَرَ بكَوني واقعيَّاً وحقيقيَّاً. في هذه السِّلسَلة المُكَثَّفة منَ الوَصايا، المَوضُوعُ الذي يتِمُّ تكرارُهُ بإستِمرار هُوَ مَفهُوم كون الإنسان تابِعاً حقيقيَّاً واقِعيَّاً ليسُوع المسيح، وليسَ تابِعاً مُزَيَّفاً ولا مُرائِياً ليسُوع المسيح.

يبدَأُ بُولُس هذه اللائِحة الطَّويلَة منَ الوَصَايا بتَحَدِّي المُؤمنينَ الذين قرأُوا وفَهِمُوا رِسالَتَهُ لتَكُونَ لهُم مَحبَّة حقيقيَّة كمحبَّة المسيح. وهُوَ يقصُدُ المَحَبَّة التي يَصِفُها بِكَونِها "ثمَر الرُّوح،" في رِسالَتِهِ إلى أهلِ غلاطية (5: 22، 23). ولقد أشرتُ سابقاً أنَّ بُولُس يَصِفُ هذه المحبَّة بِشكلٍ جميلٍ في إصحاحِ المَحَبَّةِ الذي كتبَهُ للكُورنثِيِّين (1كُو13: 4- 7).

ثُمَّ يتحدَّى هؤُلاء الرُّومان بأن تَكُونَ لهُم تَوبَةٌ حقيقيَّة. فعندما يتبرَّرُ الخُطاةُ بالإيمان، ويقبَلُون نعمَةَ الحياةِ المُستَقيمَة، يُصبِحُ لدَيهم إنقِطاعٌ حقيقيٌّ عنِ الشَّرّ، وتكريسٌ حقيقيٌّ للخَير. إحدى أصدَقِ العلامات للتَّجديدِ الصَّادِق، هيَ ذلكَ الإنقطاعُ الجذرِي عنِ الشَّر والتَّكريسُ للعيشِ الصحيح، ولعمَلِ الخير. هذا ما يُمَجِّدُ اللهَ الذي يُبَرِّرُ الخُطاة.

ثُمَّ يَحُضُّ بُولُس قُرَّاءَهُ ليَكُونُوا صادِقينَ في محبَّتِهِم وعَطفِهِم على بَعضِهِم البَعض. فهُوَ يَقُولُ ما معناهُ، "فلتَكُنْ لدَينا أُخُوَّة حقيقيَّة. (رُومية 12: 10) عندما نُؤمِنُ بِقُلُوبِنا ونَعتَرِفُ بأفواهِنا أنَّ يسُوعَ هُوَ رَبٌّ، جميعُ أُولئكَ الذين فعلُوا ذلكَ أيضاً سيُصبِحُونَ إخوَتنا وأخواتِنا في المسيح. لقد وعدَ يسُوعُ أنَّ أُولئكَ الذين خَسِرُوا بالجَسَدِ إخوَةً وأخواتٍ وآباءً وأُمَّهاتٍ لأنَّهُم أصبَحُوا تلاميذَهُ، سينالُونَ آباءً وأُمَّهاتٍ رُوحيِّين، وإخوةً وأخَواتٍ، خلالَ إتِّباعِهِم للمَسيح (مَرقُس 10: 29، 30). فليسَ علينا أن نعتَرِفَ فقط بهذا، بل أيضاً أن نعيشَ كإخوَةٍ وكأخواتٍ.

يُرَكِّزُ بُولُس على شَيءٍ منَ التَّواضُعِ عندَما يكتُبُ أنَّهُ علينا أن ندَعَ الشَّخصَ الآخر يحصَلُ على مَدحٍ بسببِ الأشياء الجَيِّدة التي تحدُثُ في عائِلَتِنا الرُّوحيَّة. فاللهُ يكرَهُ الكِبرياء (أمثال 6: 16- 19). "فمن يرفَع نفسَهُ يتَّضِع ومن يضع نفسَهُ يرتَفِع." (لُوقا 18: 14).

ثُمَّ يَطلُبُ بُولُس أن لا يَكُونَ هُناكَ أيُّ كَسَلٍ ولا فُتُورٍ، بل أن نُحافِظَ على نارِ الرُّوحِ مُتَوقِّدَةً خلالَ قِيامِنا بعَمَلِ المسيح. ثُمَّ ينتَقِلُ للحَديثِ عن الدَّوافِع، وعنِ المَسحَة الرُّوحيَّة، وعن معاييرِ تأثيرِنا وفعالِيَّتِنا في خدمَتِنا للمَسيح.

قد يَكُونُ يَحُضُّنا على قُبُولِ التَّحدِّي الذي يُقَدِّمُهُ في الإصحاحِ العاشِر، لِنَكُونَ أُولئكَ الذين يحمِلُونَ أخبارَ الإنجيل السَّارَّةَ للضَّالِّين. فهَل لَدَينا غَيرَةٌ لأجلِ إتمامِ المأمُوريَّةِ العُظمى، وهل نحنُ مدفُوعُونَ بِمَحَبَّةِ المسيح، كما كانَ ذلكَ الرَّسُول العَظيم بُولُس؟ (2كُورنثُوس 5: 14) وُضِعَت لافِتَةٌ كبيرَةٌ على جِدارِ المَركَزِ الرَّئيسيّ في إحدَى الإرسالِيَّات المَسيحيَّة الشَّهيرة، وتَقُولُ هذه اللافِتَة، "هل أنتَ مُنهَكٌ من كَثرَةِ العمَلِ أم أنَّكَ مُفَرَّغٌ منَ الدَّوافِعِ لِلعَمَل."

وتستَمِرُّ التَّطبيقات: "أبنُوا فَرَحَكُم على رَجائِكُم في المسيح. وعندما تعتَرِضُكُم الضِّيقات، إحتَمِلُوها بِصَبر، مُحافِظينَ على عادَةِ الصَّلاة. أعطُوا مَجَّاناً وبِسخاءٍ لإخوَتِكُم المُؤمنين المُحتاجِين، ولا تبخُلُوا بِطَعامٍ ولا بمأوى على أُولئكَ الذين يحتاجُونَها. وبالنِّسبَةِ لأُولئكَ الذين يُحاوِلُونَ أن يجعَلُوا حياتَكُم تعيسَةً، بارِكُوهم. لا تَلعَنُوا بَل بارِكُوا. شارِكُوا الفَرِحِينَ فَرَحَهُم، والحزانى حُزنَهُم. وعيشُوا في إنسجامٍ معَ بَعضِكُم البَعض. إيَّاكُم أن تُصابُوا بالإفتِخارِ والتَّبجُّحِ، بل إعتَنُوا بالأشخاصِ الإعتِيادِيِّين. ولا تتعنَّتُوا بآرائِكُم." (رُومية 12: 12- 16).

في هذه الأعداد، يُوصِي بُولُس بالتَّحلِّي بِنَظرَةٍ أبديَّةٍ وبالإيمانِ بالقِيَمِ الأبديَّة. وهُوَ يَدعُو أيضاً للمُثابَرَة في وَجهِ التَّجارِب الصَّعبَة التي يُواجِهُها المُؤمنُون وسيُواجِهُونَها. في هذا الإطار، يَحُضُّ الرَّسُولُ بُولُس القدِّيسِينَ المُتألِّمينَ ليجعَلُوا منَ الصَّلاةِ عادَةً في حياتِهِم اليَوميَّة. ويَحُضُّ المؤمنينَ على إستِضافَةِ الغُرباء وعلى العطفِ على أُولئكَ الذين يحتاجُونَ أن يُشارِكُوا معَهُم المأكَلَ والمأوَى. شَرِكَتُهُم الحقيقيَّة ووحدَتُهُم ينبَغي أن تَكُونَ معَ الأشخاصِ العادِيِّينَ أيضاً. ولكي يُؤَسِّسُوا هكذا وِحدَة في المسيح، عليهم أن لا يتعنَّتُوا بآرائِهم الشَّخصِيَّة. فالمُتفاخِرُ هُوَ أشبَهُ بواعِظٍ أطرَش لا يُصغِي لما يكرِزُ بهِ. أو أنَّهُ لا يسمَعُ عندما يتكلَّمُ معَهُ الآخرون.

ثُمَّ يُتابِعُ بُولُس بالتَّطبيقاتِ التي تنطَبِقُ أوَّلاً على علاقاتِنا معَ غير المُؤمنين فيَقُولُ ما معناهُ: "لا تُجازُوا الآخرينَ بالشَّرِّ إذا أساؤُوا مُعامَلَتَكُم. ولا تَقُولُوا، لا يَهِمُّ ماذا يَظُنُّ النَّاسُ، بل إحرَصُوا أن يَكُونَ تصرُّفُكُم أمامَ الجَميعِ بِلا لوم. وطالَما يقَعُ الأمرُ على عاتِقِكُم، وبمقدارِ إستِطاعَتِكُم عيشُوا في سلامٍ معَ بَعضِكُم البَعض. إيَّاكُم أن تنتَقِمُوا لأَنفُسِكُم بأيدِيكُم، يا إخوَتي الأعِزَّاء: بل قِفُوا ودَعُوا اللهَ يُجازِي، إذا شاءَ أن يُجازِي. لأنَّهُ مكتُوبٌ: "لي النَّقمَة أنا أُجازِي يَقُولُ الرَّبُّ."

"وهذه هي كَلِمَاتُ الله: إن جاعَ عَدُوُّكَ فأطعِمْهُ، وإن عَطِشَ فإسقِهِ. لأنَّكَ بذلكَ تجمَعُ جمرَ نارٍ على رأسِهِ. لا تَسمَحُوا لأنفُسِكُم بأن تنغَلِبُوا بالشَّرّ، بل إغلُبُوا الشَّرَّ بالخَير." (رُومية 12: 17- 21، من تَرجَمَةٍ تفسيريَّة).

في الأعداد 12 إلى 16، كانت تطبيقاتُهُ مُوجَّهَةً بالدَّرَجَة الأُولى إلى العلاقاتِ في الكنيسةِ معَ باقي المُؤمنين. في الأعداد 17 إلى 21، ينصَحُ بُولُس بتطبيقاتٍ تتعلَّقُ بِشَكلٍ أساسِيٍّ بعلاقاتِ المُؤمنينَ معَ العالَمِ الخارِجِيّ. هذا يتضمَّنُ أُولئِكَ الذين كانُوا يضطَّهِدُونَهُم، كرِجالِ الدِّين والجُنُود الرُّومان الذي كانُوا يُنَفِّذُونَ أوامِرَ الأباطِرة كنَيرُون.

علينا أن لا نسمَحَ أبداً بِفِكرَةِ أنَّهُ لا يَهُمُّنا ماذا يَظُنُّ غَيرُ المُؤمنينَ بنا كَمُؤمِنين. فالوَصِيَّةُ هُنا هي أن نحرَصَ على أن تَكُونَ إستِقامَتُنا في كُلِّ مُعامَلاتِنا معَ غَيرِ المُؤمنين بِلا لَوم. يَحُضُّنا بُولُس بِشكلٍ أساسِيٍّ على أن تَكُونَ لدينا سِيرَةٌ بِلا لَوم في تعامُلِنا معَ العالم.

ويَحُضُّ بُولٍس المُؤمنينَ على أن لا يَرُدُّوا أبداً على الشَّرِّ بالشرِّ عندَما يُضطَّهَدُون. في هذا المقطَع، يُطَبِّقُ بُولُس بِشَكلٍ أساسِيٍّ تعليمَ يسُوع الذي أعطاهُ على جَبَلِ الجَليل، والذي قالَ فيهِ أنَّهُ إن ضُرِبَ تلاميذُهُ على خَدِّهِم الإيمن، عليهِم أن لا يَرُدُّوا الشَّرَّ بالشَّرِّ بل بأن يُحَوِّلُوا خدَّهُم الأيسَر (متَّى 5: 39).

في هذا الإطَار، تأمَّلُوا بكَلِماتِ هذه الوَصيَّة العَميقة: "إن كانَ مُمكِناً فحَسَبَ طاقَتِكُم سَالِمُوا جَميعَ النَّاس." (رُومية 12: 18). ليسَ بإمكانِنا أن نُسيطَرَ على ما سَيَفعَلُهُ الشخصُ الآخر الذي لدَينا علاقَة معَهُ. لهذا فنحنُ غَيرُ مَسؤُولينَ عن تصرُّفاتِهِ. ولكن بِمُساعَدَةِ الله، بإمكانِنا أن نُسَيطِرَ على ما نفعَلُهُ نحنُ تجاهَ هذه العلاقات. لهذا، علَينا أن نحرَصَ أنَّهُ طالَما الأُمُور هي تحت سيطَرَتِنا، فعلَينا أن نُحافِظَ على سيادَةِ السَّلام في تلكَ العلاقات. مسؤوليَّتُنا لها نُقطَةٌ تبدأُ عندَها، وأُخرى تنتَهي معها. ومبدَأُ معرِفَةِ أينَ تبدَأُ مسؤوليَّتُنا الشَّخصِيَّة وأينَ تنتَهي، يُحَرِّرُنا منَ الكثيرِ منَ القَلَقِ والهَمّ خلالَ حياتِنا في العالم.

ينتَهي المقطَعُ بِتَذكِيرِنا أنَّ النَّقمَة هي للرَّبِّ فقَط. تمَّ إقتِباسُ بعض الأعداد منَ العهدِ القَديم، لتذكِيرنا بأنَّنا نغتَصِبُ دورَ اللهِ عندما ننتَقِمُ لأنفُسِنا بأيدِينا. وبِرُوحِ المَوعِظَةِ على الجَبَل، لم يَمنَعْ بُولُس فقط الإنتِقام، بل وأوصى أيضاً بأن نُطعِمَ أعداءَنا عندما يَجُوعُونَ ونَسقِيَهُم عندَما يعطَشُون.

في القُرُونِ الثَّلاثَةِ الأُولى من تاريخِ الكنيسة، كانَ منَ غيرِ المَشُروحِ قانُوناً أن يَكُونَ الإنسانُ مَسيحيَّاً. إحدَى أكثَر القُوَى الدِّيناميكيَّة في شهادَةِ الكنيسة المُضطَّهَدَة، التي وصلَ صَدَاها إلى قَرنِنا الحالي، تَتَلَخَّصُ بالكلماتِ الأخيرة من هذه الإصحاح: "لا يَغلِبَنَّكَ الشَّرُّ بل إغلِبِ الشَّرَّ بالخَير."

  • عدد الزيارات: 3232