Skip to main content

الفَصلُ الرَّابِع "لُغز إسرائيل" - أعظَم سُخرِيَة في الكتابِ المُقدَّس

الصفحة 2 من 2: أعظَم سُخرِيَة في الكتابِ المُقدَّس

أعظَم سُخرِيَة في الكتابِ المُقدَّس

في هذه الأعداد التي تأمَّلنا بها الآن، يكتُبُ بُولُس قائِلاً أنَّ إسرائيل الآن هي إحدى أعظَم السُّخريات والتَّناقُضات في الكتابِ المُقدَّس. إنَّها لَسُخرِيَةٌ كِتابِيَّةٌ مُدهِشَة أنَّ أبناءَ إبراهيم بالطَّبيعة، حتَّى ولو حافَظُوا على سَعيهِم بالبِرِّ الذَّاتِي نحوَ الله، ولكنَّهُم لم يَجِدُوا الله. لم يَجِدُوا اللهَ الذي كانُوا يبحَثُونَ عنهُ لأنَّهُم آمنُوا، ولا يزالُونَ يُؤمنُونَ، أنَّ اللهَ يُمكِنُ إيجادُهُ من خلالِ بِرِّهم الذَّاتِيّ، الذي يتحقَّقُ من خلالِ تعصُّبِهم وجُهُودِهم الدِّينيَّة.

حتَّى هذه النُّقطَة، كانَ بُولُس يستَخدِمُ كلمَةَ اللهِ بالإضافَةِ إلى العقل، ليُقدِّمَ خمسَةَ أسبابٍ لأجلِها يُؤمِنُ بُولُس بتَوبَةِ وعَودَةِ إسرائيل رُوحيَّاً. وها هُوَ الآن يُتابِعُ بإستِخدامِ كَلِمَةِ الله، ولكنَّهُ يَصِفُ كيفَ سيتحقَّقُ هذا السِّرّ المُعجِزَة. كُلُّ ما كتبَهُ بُولُس في الإصحاحاتِ التَّاسِع، العاشِر، والأعداد الأربَعة والعِشرين الأُولى منَ الإصحاح الحادِي عشَر، ما هُوَ إلا تحضيرٌ لما سيُخبِرُنا بهِ الآن. يَقُولُ، "فإنِّي لَستُ أُريدُ أيُّها الإخوَة أن تَجهَلُوا هذا السِّرَّ. لِئلا تَكُونُوا عندَ أنفُسِكُم حُكَماء. أنَّ القَساوَةَ قد حَصَلَت جُزئِيَّاً لإسرائيل إلى أن يدخُلَ مِلءُ الأُمَم. وهكذا سيخلُصُ جميعُ إسرائيل. كما هُوَ مكتُوبٌ سيَخرُجُ من صِهْيَون المُنقِذُ ويَرُدُّ الفُجُورَ عن يعقُوب. وهذا هُوَ العَهدُ من قِبَلِي لهُم متى نزَعتُ خطاياهُم." (إشعياء 59: 20، 21)

"من جِهَةِ الإنجيل هم أعداءٌ من أجلِكُم. وأمَّا مِن جِهَةِ الإختِيارِ فهُم أحِبَّاءُ من أجلِ الآباء. لأنَّ هِباتِ اللهِ ودعوَتَهُ هي بِلا ندامَة." (رُومية 11: 25- 29)

العددُ الأوَّلُ في هذا المقطَع المُمَيَّز من كَلِمَةِ الله هو حيثُ يُشيرُ بُولُس إلى الطَّريقَة التي بها رفضَ شعبُ إسرائيل الإنجيلَ كَسِرٍّ. وكما أشَرتُ سابِقاً، كَلِمَة "سِرّ" حيثُ نَجِدُها في الكتابِ المُقدَّس، تَصِفُ المُعجِزَة بأنَّها ستَكُونُ مُمكِنَةً فقط بقُوَّةٍ خارِقَةٍ للطَّبيعة منَ اللهِ القادِرِ على كُلِّ شَيء. فالسِّرُّ الكِتابِيُّ أو المُعجِزَةُ الكِتابِيَّةُ لا يُمكِنُ تفسيرُها بالوسائِل الطَّبيعيَّة والمُلاحظة الطَّبيعيَّة من قِبَلِ الإنسان الذي لا يستَطيعُ أن يرى ما يعمَلُهُ اللهُ خلفَ السِّتار، إبَّانَ قِيامِ اللهِ بهذه المُعجزَة. هذا السِّرّ/ المُعجِزة هوَ حَدَثٌ خارِقٌ للطَّبيعَة، وينبَغي أن يُعلَنَ لنا، وإلا فلَن نفهَمَ أبداً ما يعمَلُهُ اللهُ في هذا الحَدَث.

بُولُس وأنبياءُ العهدِ القَديم يتنبَّأُونَ بلُغزٍ سِرِّي يتعلَّقُ بإسرائيل، والذي سَوفَ يُعلَنُ بطريقَةٍ ما. هذا السِّرّ هُوَ تَوبَةُ أو رُجُوع إسرائيل رُوحيَّاً كَأُمَّة، وهذا الرُّجُوع الرُّوحيّ يُصَنَّفُ بالتَّأكيدِ كسِرٍّ، بحَسَبِ الطَّريقَتَين التي يستَخدِم الكتاب المُقدَّس بهما هذه الكلمة.

البُعدُ الأوَّلُ لهذا السِّرّ هُوَ مُقاوَمَتُهُ للإنجيل. إن كُنتُم قد حاوَلتُم مَرَّةً بأن تُقدِّمُوا شهادَةً أو تبشيراً شفَهِيَّاً لأحدِ اليَهُود، لرُبَّما تكُونُونَ قد واجَهتُم عندَهم هذا النَّوع منَ المُقاوَمة للإنجيل. بِحَسَبِ بُولُس، مُقاوَمَتُهُم للإنجيل هي سِرٌّ. فاللهُ سمحَ بطريقَةٍ خارِقَةٍ للطَّبيعَة بأن يُصيبَ العَمَى الرُّوحِيّ إسرائيل، وأن يُفٍَسِّرَ عمَلُ سِرِّ اللهِ هذه المُقاوَمَة الشامِلَة من قِبَلِ اليَهُود، عندما يُقدَّمُ لهُم الإنجيل.

قد نَظُنُّ أنَّهُم يَئِسُوا من مُحاولاتِهِم عبرَ القُرُون بأن يُخَلِّصُوا أنفُسَهُم، لدرَجَةِ أنَّهُم أصبَحُوا مُهَيَّئينَ أكثَرَ منَ اللازِم ليسَمَعُوا كيفَ يُمكِنُ لرحمَةِ اللهِ أن تحجُبَ عنهُم ما يستَحِقُّونَهُ بِِسَبَبِ خطاياهُم. قد نَظُنُّ أنَّهُم مُستَعِدُّونَ، لا بَل مُتَشَوِّقُونَ ليَسمَعُوا كيفَ سيُغدِقُ اللهُ نعمَتَهُ عليهِم ويُعطيهم القُوَّةَ ليُصبِحُوا خلائِقَ جديدَةً بالمسيح، ولِيَعمَلَ فيهم ومن خلالِهم ما لا يُمكِنُهُم أن يعمَلُوهُ بأَنفُسِهِم.

لقد وجدَ بُولُس غَلَبَتَهُ من خلالِ المسيح. ولكن ليُفَعِّلَ هذه الغَلَبَة في رحلَةِ حياتِهِ وإيمانِهِ، كانَ ينبَغي أن يُحدِثَ اللهُ تدَخُّلاً خارِقاً للطَّبيعَة من قِبَلِ المسيحِ الحَيِّ المُقام في حياةِ هذا الإنسان. فأخذَهُ الرَّبُّ إلى صحراءِ العَرَبِيَّة، لمُدَّةٍ لا تَقِلُّ عن الثَّلاثِ سنواتٍ، ليُعَلِّمَهُ اللاهُوتَ الذي كتبَ عنهُ في هذه الرِّسالَة إلى أهلِ رُومية (غلاطية 1: 11- 20)

الحاجَةُ لهذا التَّدخُّلُ ونتائِجُهُ هي واضِحَةٌ خاصَّةً عندما نقرَأُ في الإصحاحَين السَّابِع والثَّامِن من هذه الرِّسالَة، سَردَ بُولُس الصَّادِق والشَّفَّاف عنِ الصِّراع الذي خاضَهُ معَ الخطيَّة والبِرّ الذَّاتِي. اليَهُودُ الذين كانَ بُولُس مُثَقَّلاً لأجلِهِم عبرَ كُلِّ هذه الرِّسالَة، لم يتمتَّعُوا بالفوائِد المُبارَكَة التي إختَبَرَها بُولُس عندما إلتَقى بالمسيح المقام الذي أصبحَ قائِدَهُ.

رُغمَ أنَّ بُولُس يُؤمِنُ بِوُضُوحٍ أنَّ النَّهضَة الرُّوحِيَّةَ لا بُدَّ آتِيَة على اليَهُود، ولكنَّهُ يُشَدِّدُ أيضاً على العمَى الرُّوحِيّ الذي أسدَلَهُ اللهُ على عُيُونِ هَؤُلاء اليَهُود، بِحَسَبِ بُولُس. وهُوَ يُقدِّمُ ثلاثَ مُلاحَظاتٍ عن هذا العَمَى. مُلاحَظَتُهُ الأُولى هي أنَّ العَمَى الرُّوحي هُوَ جُزئِيّ إلى أن يكمُلَ مِلءُ الأُمَم، أي إلى أن يأتُِوا إلى الإيمانِ بالمسيح. وهُوَ يقصُدُ بهذا ما أَشرتُ إليهِ مِراراً – أنْ ليسَ كُلّ اليَهُود سيَختَبِرُونَ هذا العَمَى الرُّوحِيّ.

مُلاحَظَتُهُ الثَّانِيَة هي أنَّ هذا العَمى الرُّوحِيّ سيَكُونُ لمَرحَلَةٍ مُؤَقَّتَة. وإنسجاماً معَ نُبُوَّتِهِ عن تَوبَةِ ورُجُوع اليَهُود رُوحِيَّاً، يكتُبُ أنَّ هذا العَمَى الرُّوحِيّ والمُقاوَمة للإنجيل من قِبَلِ اليَهُود، لن يدُومَ إلى الأبد. رُغمَ أنَّ هذا إستَمَرَّ لعِشرينَ قرناً، ولكن عندما يتنبَّأُ بُولُس عن هذا العمَى بأنَّهُ سيَكُونُ (إلى أن يدخُلَ مِلؤُ الأُمَم) (رُومية 11: 25)، فهُوَ لا يُشيرُ إلى عددٍ مُحَدَّدٍ منَ الأُمَم سيَتُوبُونَ ويتجدَّدُون. إنَّ كَلِمَة ملء تُستَخدَمُ أيضاً في العددِ الثَّانِي عشَر منَ هذا الإصحاح. هُناك تُشيرُ الكلمة إلى مِلء اليَهُود: "فإن كانَت زَلَّتُهُم غِنَىً للعالَم ونُقصانُهُم غِنَىً للأُمَم، فكَم بالحَرِيِّ مِلؤُهُم." (11: 12)

هذا السُّقُوطُ والفَشَلُ يُشيرانِ إلى تدميرِ أُورشَليم من قِبَلِ الجُيُوش الرُّومانِيَّة بعدَ صُعُودِ المسيح بأربَعين عاماً. ولقد تغَيَّرَت العِبادَةُ اليَهُودِيَّةُ بِعُمقٍ بِفعلِ هذا الحَدَث الرَّهيب. فلم يَعُدْ لدَيهم علاقَة عِبادَة معَ الله،كتلكَ التي تمتَّعُوا بها عبرَ التَّاريخ بعدَ أن شتَّتَهُم حدَثُ تدميرِ أُورشَليم إلى كُلِّ أُمَمِ الأرض. عندما يُشيرُ بُولُس إلى مِلءِ الأُمم، يقصُدُ بذلكَ مِلؤُهم الرُّوحِيّ. وهُوَ يستَخدِمُ الكلمَةَ نفسَها بِنَفسِ الطَّريقَة هُنا، عندما يُشيرُ إلى مِلءِ الأُمَم، الأمرُ الذي يضَعُ علامَةً لنهايَةِ هذه الحقبَة منَ العَمَى الرُّوحِيّ عندَ اليَهُود.

أنا أجِدُ هذا الأمرَ تحدِّياً ومَدعاةً للدَّهشَة. جوهَرُ هذه النُّبُوَّة هُوَ أنَّهُ عندَما تختَبِرُ كنيسةَ المسيح الأُمَمِيَّة المِلءَ الرُّوحِيّ، فإنَّ هذا سيُثيرُ غَيرَةَ اليَهُود، لدَرَجَةِ أنَّهُم سيَقُولُونَ مُتعجِّبينَ: "هذا ما ينبَغي أن نختَبِرَهُ نحنُ!" معَ الأسَف، لم يُوجَدْ إلا القَليل منَ التَّاريخِ الكَنَسِيّ الذي يُسَجِّلُ العمَى الرُّوحِيّ عندَ اليَهُود، والذي يغلُبُهُ المِلءُ الرُّوحِيُّ لكَنيسَةِ المسيح المُقام. تاريخُ الكنيسة مَلِيءٌ بالأمثِلَةِ عن النَّقيضِ المُباشَر لهذه المُعجِزَة. خلالَ الحُرُوب الصَّليبيَّة البغيضة، قامَ الذين سَمُّوا أنفُسَهُم صليبيّين بِذَبحِ اليَهُودِ بإسمِ المسيح.

النُّبُوَّةُ غيرُ الإعتِيادِيَّة من بُولُس ومن أنبِياءِ العهدِ القَديم هي نُبُوَّةٌ ذات بُعدَين. فتَوبَةُ ورُجُوعُ إسرائيل رُوحِيَّاً هي الجزءُ الواضِحُ والبارِزُ من هذه النُّبُوَّة. ولكنَّ البُعدَ الآخر من هذه النُّبُوَّة، الأكثَر إثارَةً للإهتِمام هو أنَّ ملءَ الكنيسة رُوحيَّاً هُوَ علامَةٌ مُعجِزِيَّةٌ مُتَوَقَّعَة، ستُمَيِّزُ نهايَةَ هذا العَمَى الرُّوحي الذي أسدَلَهُ اللهُ على أعيُنِ اليَهُود. فمِلءُ اليَهُودِ سيَتبَعُ تجاوُباً معَ كنيسَةٍ مُقتَدِرَةٍ ومُتَجَدِّدَة، بحِسَبِ هذه النُّبُوَّة.

وها قد بدأنا نرى بعضَ علاماتِ هذه النُّبُوَّة ذات الوجهَين، التي بدأت تتحقَّقُ اليوم. أجمَلُ إختِبارٍ لدَيَّ في قيادَةِ شَخصٍ يَهُودِيٍّ للإيمانِ بالمسيح، تطلَّبَني سنتين منَ الصَّداقَة، ومجمُوعَة من عشرينَ شخصاً أو أكثَر بالإضافَةِ إلى زوجاتِهم، منَ الذين كانُوا يلتَقُونَ معي ومع زوجَتي، فأحَبُّوا هذا الصَّديق اليَهُودِي وزوجَتَهُ بمحبَّةِ المسيح. وبالنتيجة، بعدَ أن آمنَ هذا الرَّجُلُ اليَهُوديُّ بالمسيح، أسَّسَ مجمَعاً مَسياوِيَّاً، حيثُ إستَطاعَ أن يأتِيَ بالكثيرِ منَ اليَهُودِ إلى الإيمانِ بالمسيح بأنَّهُ هُوَ المَسيَّا، المُخَلِّص، والرَّبّ.

لقد أصبحَ هذانِ الزَّوجانِ اليَهُودِيَّانِ مُؤمِنَين، لأنَّهُما شعراَ بالغَيرَةِ الرُّوحِيَّة من حقيقَةِ أنَّ اللهَ والمسيحَ في محبَّةِ وحياةِ تلاميذِ يسُوع الأتقِياء، الذين أحبُّوهُما بالإيمان. لقد شاهَدتُ هكذا أشياءَ تحدُثُ على الأقلّ ستَّ مرَّاتٍ أُخرى كراعي كنيسة. ولكنَّني مُقتَنِعٌ أنَّ ما تنبَّأَ بهِ بُولُس، إلى جانِبِ أنبِياءِ العهدِ القَديم، ليسَ عن مُجَرَّدِ قِلًَّةٍ منَ اليَهُود يُؤمِنُونَ بالمسيح. إنَّها نُبُوَّةٌ عن تحوُّلٍ قَومِيٍّ نحوَ اللهِ والمسيح من جانِبِ الشَّعبِ اليَهُوديّ بكامِلِهِ.

يَقُولُ الأنبِياءُ، "ويأتي الفادِي إلى صِهيَون وإلى التَّائِبينَ عنِ المَعصِيَةِ في يَعقُوب يَقُولُ الرَّبّ. أمَّا أنا فهذا عهدِي معَهُم قالَ الرَّبُّ. [متى نزعتُ خطاياهُم]". (إشَعياء 59: 20- 21) يُعَبِّرُ إرميا عن هذا بِأكثَرِ تفصيلٍ، عندما يكتُبُ قائِلاً: "بَل هذا هُوَ العهدُ الذي أقطَعُهُ معَ بيتِ إسرائيل بعدَ تلكَ الأيَّامِ يَقُولُ الرَّبُّ. أجعَلُ شَريعَتي في داخِلِهِم، وأكتُبُها على قُلُوبِهم، وأكُونُ لهُم إلهاً وهُم يكُونُونَ لي شَعباً. ولا يُعَلِّمُونَ بعدُ كُلُّ واحِدٍ صاحِبَهُ وكُلُّ واحِدٍ أخاهُ قائِلينَ إعرِفُوا الرَّبَّ. لأنَّهُم كُلَّهُم سيعرِفُونَي من صَغيرِهِم إلى كَبيرِهِم يَقُولُ الرَّبُّ. لأنِّي أصفَحُ عن إثمِهِم ولا أذكُرُ خَطِيَّتَهُم بعدُ." (إرميا 31: 33- 34).

هُناكَ أمرانِ يُريدُنا بُولُس أن نتذَكَّرَهُما عن اليَهُود: اللهُ يُحِبُّهُم، واللهُ لم ينتَهِ بعدُ منَ العَمَلِ معَهُم، لأنَّ دَعوَةَ اللهِ وهِباتُهُ هي بلا ندَامَة. أكثر من مرَّة، طرَحَ بُولُس السُّؤال، "ألعلَّ اللهَ فَشِلَ؟" أو "ألَعَلَّ الله رَفَضَ شَعبَهُ؟" في هذه الإصحاحاتِ الثَّلاثَة، جوابُ بُولُس الواضِح هُوَ "حاشا!" فهُوَ يُريدُ أن تعرِفَ الكنيسَةُ الأُمَمِيَّةُ أنَّهُ "من جِهَةِ الإنجيل [اليَهُودُ] أعداءٌ من أجلِكُم. وأمَّا من جِهَةِ الإختيارِ فهُم أحِبَّاءُ من أجلِ الآباء." (رُومية 11: 28) بكلماتٍ أُخرى قد يَكُونُونَ أعداءَ الإنجيل اليَوم، ولكنَّ اللهَ يُحِبُّهُم ولم يُنهِ عمَلَهُ معَهُم.

يتنبَّأُ بُولُس عن ستراتيجيَّةِ إثارَةِ غيرَةِ إسرائيل، من خلالِ التَّأثيرِ على سائِرِ الأُمَمِ بإنجيلِ المسيح، عندما يكتُبُ قائِلاً: "فإنَّهُ كما كُنتُم أنتُم مرَّةً لا تُطيعُونَ اللهَ ولكنِ الآنَ رُحِمتُم بِعِصيانِ هؤُلاء، هكذا هَؤُلاء أيضاً الآنَ لم يُطيعُوا لِكَي يُرحَمُوا هُم أيضاً بِرحمَتِكُم. لأنَّ اللهَ أغلَقَ على الجميع معاً في العِصيان، لكَي يرحَمَ الجميع." (رُومية 11: 3- 32)

ثُمَّ يختُمُ هذه الإصحاحاتِ الثَّلاثَة بإقتِباسٍ من إشَعياء، الذي يُشَكِّلُ بركَتَهُ على كُلِّ ما كتَبَهُ في هذه الرِّسالَة، منَ الكلمةِ الأُولى، ولكن خاصَّةً على كُلِّ ما كتبَهُ عن إسرائيل، فيقُول: "يا لَعُمقِ غِنَى اللهِ وحكمَتِهِ وعِلمِهِ. ما أبعَدَ أحكامَهُ عنِ الفَحصِ وطُرُقَهُ عنِ الإستِقصاء. لأنْ من عرفَ فِكرَ الرَّبِّ أو من صارَ لهُ مُشيراً. أو من سَبَقَ فأعطاهُ فيُكافَأ. لأنَّ مِنهُ وبِهِ ولهُ كُلُّ الأشياء. لهُ المَجدُ إلى الأبدِ. آمِين." (رُومية 11: 33- 36)

البَرَكَةُ التي يستَعيرُها بُولُس من إشعياء تُثيرُ بضعَةَ أسئِلَةٍ جَيِّدة. ما هُو مِقدارُ معرِفَةِ الله؟ هل يعرِفُ اللهُ ما يعمَلُ حيالَ ما يعلَمُ؟ هل يعلَمُ أحَدٌ بِحَقٍّ فِكرَ الله؟ هل منَ المُمكِنِ أن نبحثَ، نفهَمَ، أو نتساءَلَ عن دَينُونَةِ الله؟ وهل هُناكَ من هُوَ مُخَوَّلٌ ليَكُونَ مُشيراً لله؟ وهل اللهُ مَدينٌ لأَيٍّ كان بأَيِّ شَيءٍ؟ وهل يُوجَدُ كائِنٌ بَشَرِيٌّ ضحَّى من أجلِ اللهِ فأدانَهُ؟

الأجوِبَةُ على هذه الأسئِلَة هي واضِحَةٌ لدَرَجَةِ أنَّها مُضحِكَةٌ تقريباً. فبَعدَ التَّعامُلِ معَ القَضايا في هذه الإصحاحاتِ الثَّلاثَةِ الأخيرة من هذا القِسمِ التَّعليميّ المأخُوذ من هذه التُّحفَة اللاهُوتيَّة، نَجِدُ أنَّ هذه الأسئِلة والأجوبَة مُناسِبَةٌ تماماً. فاللهُ يعرِفُ كُلَّ شَيء. وبما أنَّ الحِكمَةَ هي تطبيقُ ما نعرِفُ، فاللهُ يعرِفُ بالتأكيد ما ينبغي أن يعمَلَ حيالَ ما يعلَم. اللهُ هُو مصدَرُ كُلِّ حِكمَةٍ، ولهذا فحكمَتُهُ كامِلَة. وبما أنَّ دينُونات أو أحكام الله، أو أعمالَهُ هي تعبيرٌ عن معرِفَتِهِ اللامُتناهِيَة وحِكمَتِهِ الكامِلَة، فإنَّ التَّشكيلَ بأعمالِ اللهِ هُوَ أمرٌ لا يُعقَل. فاللهُ غيرُ مَدينٍ لأَيٍّ كان بأَيِّ شَيء.

يُحَضِّرُنا هذا لبَرَكَةِ بُولُس على كُلِّ ما كتبَهُ في هذه الرِّسالَة. تأمَّلُوا بهذه الرِّسالَة بكامِلها، ولا سِيَّما بوُجهَةِ النَّظَر حولَ العنايَةِ الإلهيَّةِ التي بدأَ بُولُس بالتَّحَدُّثِ عنها في الإصحاحِ الثَّامِن، وإستَمَرَّ عبرَ هذه الإصحاحاتِ الثَّلاثَة الأخيرة، خلالَ قراءَتِكُم لهذه البركة الختامِيَّة: "لأنَّ مِنهُ وبِهِ ولهُ كُلُّ الأَشياء. لهُ المَجدُ إلى الأبد. آمين." (11: 36).

يُصَرِّحُ بُولُس بِبَساطَةٍ أنَّ اللهَ هُوَ مَصدَرُ كُلِّ الأشياء. اللهُ هُوَ القُوَّة الكامِنَة خلفَ كُلِّ الأشياء، ومجدُ اللهِ هُوَ القصدُ من كُلِّ الأشياء. عندما يستَخدِمُ بُولُس هاتَينِ الكَلِمَتَين، "كُلّ الأشياء،" في هذه البَركَة، يقصُدُ أنَّ اللهَ هُوَ المصدَر، القُوَّة الدَّافِعة، ومجدُ اللهِ هُوَ الهدَفُ من كُلِّ ما شارَكَهُ معنا في هذا الرِّسالَة، خاصَّةً ذلكَ المقطَع منَ الإصحاحِ الثَّامِن الذي أوصلهُ إلى هذه الإصحاحاتِ الثلاثَة.

ينبَغي أن تُصبِحَ هذه البَرَكَة تعريفاً للدَّعوَةِ الإرساليَّة لِكُلٍّ منَّا، بينما نَقُومُ بإتِّخاذِ قراراتٍ مبنِيَّةٍ على الأولَوِيَّات، حيالَ الطريقَة التي بها سنستخدِمُ وقتَنا، طاقَتنا، مواهِبَنا وكُلّ المصادر التي أوكَلَنا اللهُ عليها. علينا أن نتَّخِذَ قراراً أو حُكماً ذَا قيمَةٍ تقُولُ أنَّنا لا نُريدُ أن نبذُلَ نُفُوسَنا بالإنخِراطِ بأيِّ شَيءٍ إلا إذا إستَطعنا القَول أنَّ اللهَ هُوَ منبَعُ هذا البَذل. لا ينبَغي علينا أن ننخَرِطَ في هدَفِ أيَّةِ مُهِمَّةٍ إلا إذا عرَفنا أنَّ اللهَ سيَكُونُ القُوَّةَ الكامِنَةَ خلفَ هذه الفُرصَة للخدمة. الحياةُ هي أقصَرُ وأثمَنُ جدَّاً من أن نُبَدِّدَها أو نُضَحِّيَ بها لأيِّ شَيءٍ، إلا عندَما نَستَطيعُ القَولَ عنهُ أنَّ مجدَ اللهِ هُوَ القَصدُ من هذا الشَّيء.

لقد أَشَرتُ مراراً لكَونِنا ينبَغي أن نتَجاهَلَ تقسيماتِ الإصحاحات، والتي لم تَكُنْ مَوجُودَةً في الرِّسالَةِ الأصليَّة التي كتبَها بُولُس للمُؤمنينَ في رُوما. هذه التَّقسيمات تمَّ ترتيبُها في القَرنِ الثَّالِث عشَر، وكثيراً ما قاطَعت سياقَ الفِكرِ المُوحَى عندَ بُولُس الرَّسُول – خاصَّةً في رسالَتِهِ إلى أهلِ رُومية. يَصِحُّ هذا بالتَّحديد عندما يختُمُ بُولُس هذا الإصحاح الحادِي عشَر، ويبدَأُ الإصحاحَ الثَّانِي عشَر بحرفِ العَطفِ "فَ." تقسيمُ هذا الإصحاح قد يكُونُ أسوأَ مُقاطَعَةٍ لمَنطِقِ بُولُس المُوحى، من بَين كُلِّ رسائِلِهِ في العهدِ الجديد.

هذه البَركَةُ الرائِعة التي إستَعارَها بُولُس من إشَعياء، كانَ لا بُدَّ أن يتبَعها مُباشَرَةً الأعدادُ التَّالِيَة: "فأطلُبُ إليكُم أيُّها الإخوَة بِرأفَةِ اللهِ أن تُقَدِّمُوا أجسادَكُم ذَبيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرضِيَّةً عندَ الله عِبادَتَكُم العَقلِيَّة، ولا تُشاكِلُوا هذا الدَّهر، بَل تَغَيَّرُوا عن شَكلِكُم بِتَجديدِ أذهانِكُم لتَختَبِرُوا ما هي إرادَةُ اللهِ الصَّالِحةُ المَرضِيَّةُ الكامِلَة." (رُومية 12: 1، 2)

الأشخاصُ الذينَ نظَّمُوا العهدَ الجديد، وضَعُوا تقسيمَ الإصحاحِ هُنا، لأنَّ كُلَّ رَسائِلِ بُولُس الرَّسُول تنقَسِمُ إلى جزئَين. فهُناكَ دائماً الجزء التَّعليميّ، ومن ثَمَّ يأتي الجزء التَّطبِيقيّ في رسائِلِ بُولُس الرَّسُول. ولكن، في هذه الحالَة، حرف العَطف "ف" يُقَدِّمُ للتَّطبيقِ التَّفسيرَ الوحيد المَنطِقِي والحَكيم، الذي يُمكِنُنا أن نستَخلِصَهُ من بَرَكَتِهِ الجليلَة.

بما أنَّ اللهَ يعرِفُ كُلَّ شَيء، ولدَيهِ حِكمَةٌ كامِلَة، وبما أنَّ أعمالَهُ مُؤَسَّسَةٌ على معرِفَتِهِ وحكمَتِهِ الكامِلَتَين، وبما أنَّهُ لا يحتاجُ إلى مَشُورَةٍ من إنسانٍ، وبما أنَّهُ غَيرُ مَدينٍ لأحَدٍ بأيِّ شَيء؛ فإن كانَ اللهُ هُوَ المَصدَر، والقُوَّة الكامِنَة خلفَ كُلِّ الأشياء، وإن كانَ مجدُهُ هُوَ القصدُ من كُلِّ الأشياء، فمِنَ المَنطِقِيِّ أن نُسَلِّمَ للهِ حياتَنا بِكُلِّيَّتِها بِدُونِ شُرُوط.

عندما ينتَهِي بُولُس من الجزءِ العقائِدي التَّعليميّ من هذه الرِّسالَة، في نهايَةِ الإصحاحِ الحادِي عَشَر، وبينما يبدَأُ الجزءَ التَّطبيقيَّ من رِسالَتِهِ، نَجِدُهُ يُلحِقُ بِحرفِ العَطفِ "فَ" بتوسُّلٍ شَديدٍ من قِبَلِهِ كرَسُول. هذا التَّوسُّل الشَّديد مُوجَّهٌ لأُولئِكَ الذينَ فَهِمُوا كُلَّ تعليمِهِ، إذ يطلُبُ منهُم أن يرفَعُوا أيدِيَهُم وأن يُقَدِّمُوا للهِ تطبيقَ تسليمٍِ غير مَشرُوط، لإرادَتِهِ الصَّالِحَة، المَرضِيَّة، والكامِلَة.

يُسَمِّي بُولُس هذا التَّسليم غير المَشرُوط بأنَّهُ التَّطبيقُ الوحيدُ المَعقُول لكُلِّ ما كتَبَهُ حتَّى الآن، رُجُوعاً إلى الإصحاحِ الأوَّل، الذي بإمكانِهِ أن يَكُونَ مقبُولاً لدى الله. إنَّهُ أيضاً تلكَ العبادَة العقليَّة، الواعِيَة عندَ أُولئكَ الذين آمنُوا بِقُلُوبِهِم وإعتَرَفُوا بأفواهِهِم أنَّهُم يُؤمِنُونَ بيسُوعَ كَرَبّ. هذه بِبَساطَةٍ طريقَةٌ أُخرى للإعتِرافِ بأنَّ يسُوعَ هُوَ رَبٌّ.

جَوهَرُ هذا التَّطبيق يُمكِنُ تفسيرُهُ وتلخيصُهُ وكأنَّ بُولُس يَقُولُ ما معناهُ: "إن كانَ يسُوع المسيح يعني أيَّ شَيءٍ بالنِّسبَةِ لكَ، عندها يَكُونُ يسُوعُ كُلّ شَيء بالنِّسبَةِ لكَ، لأنَّهُ إن لم يُصبِحْ يسُوع كُلَّ شَيءٍ بالنِّسبَةِ لكَ، فهذا يعني أنَّهُ لا يعني لكَ شَيئاً. إن كُنتَ تُؤمِنُ بكُلِّ ما كتبتُهُ هُنا، سَلِّمْ نفسَكَ للمسيحِ بِدُونِ شُرُوطٍ، وإسألْهُ ذلكَ السُّؤال الذي بدأتُ بهِ رِحلَةَ إيمانِي الرُّوحيَّة معَ المسيح، "يا رَبُّ، ماذا تُريدُ منِّي أن أفعَلَ؟" (أعمال 9: 6)

هُناكَ الملايينُ منَ الذين يعتَرِفُونَ بإيمانِهِم بيسُوع كمُخَلِّصٍ لهُم، ولكن مُجَرَّدَ الإعتِراف بأنَّ يسُوعَ هُوَ رَبٌّ هُوَ شَيءٌ قد يعيشُونَهُ أو قد لا يَعيشُونَهُ لاحِقاً في حياتِهِم. إن كُنتُم تقرَأُونَ أناجيلَ العهدِ الجديد، أو رَسائِلَ الرُّسُل، بِذهنٍ مُنفَتِح، عليكُم أن تستَنتِجُوا أنَّ يسُوعَ ينبَغي أن يُعتَرَفَ بهِ كرَبٍّ وأن يُؤمَنَ بهِ كَمُخَلِّص. كثيرُونَ يُريدُونَ مُخَلِّصاً، ولكنَّهُم لا يُريدُونَ رَبَّاً يتوجَّبُ عليهِم أن يستَسلِمُوا لهُ كُلِّيَّاً.

نحنُ أيضاً لم نتعلَّمَ أن نقبَلَ يسُوعَ كمُخَلِّصِنا. فرَسائِلُ الرُّسُل تُخبِرُنا أنَّ اللهَ أعطانا إبنَهُ، لكَي نُصبِحَ مقبُولينَ في المَحبُوبِ يسُوع (أفسُس 1: 6). أُولئكَ الذين يكتَفُونَ بِقُبُولِ يسُوع كمُخَلص، يحتاجُونَ أن يتفحَّصُوا بعنايَةٍ تحريضاتِ بُولُس المُشار إليها أعلاهُ، والتي معها يبدَأُ الجزءَ التَّطبيقيَّ في هذه الرِّسالَة.

يظهَرُ سُؤالٌ آخر عندما نُطَبِّقُ هذه الوَصفَة للخلاص. هذا السُّؤالُ هُو، "كيفَ نعتَرِفُ بأفواهِنا أنَّنا نُؤمِنُ بقُلُوبِنا بمَوتِ وقيامَةِ يسُوع لأجلِ خلاصِنا؟" الجوابُ المألُوفُ على هذا السُّؤال هُوَ أنَّنا نتجاوَبُ معَ دَعوَةٍ عامَّةٍ يُقدِّمُها مُبَشِّرٌ في إجتماعٍ تبشيريٍّ عام. الملايينُ طبَّقُوا ولا يزالُونَ يُطَبّقُونَ هذه الوَصفَة بهذه الطريقة، أي بنعمَةِ وقُوَّةِ اللهِ، وبالكرازَةِ المَمسُوحَةِ بالرُّوح من قِبَلِ الوُعَّاظِ العِظام. هذا تطبيقٌ جَيِّدٌ لما ينصَحُ بهِ بُولُس هُنا. ولكن ليسَت هذه هي الطَّريقَة الوحيدة التي يُطَبَّقُ بها هذا التَّعليمُ.

القَضِيَّةُ مَوضُوعُ البَحثِ هُنا هي أنَّهُ لدينا حَدٌّ رُوحيٌّ، ووقتٌ مُحَدَّدٌ نستَسلِمُ فيهِ بِدُونِ شُرُوطٍ لرَبِّنا يسُوع المسيح. علينا أن نؤمِنَ بيسُوع مُخَلِّصاً لنا، وأن نُتَوِّجَهُ رَبَّاً على حياتِنا، وأن نَكُونَ مُستَعِدِّينَ للمَوتِ عن ذواتِنا وأن نحيا لهُ "كذبائِحَ حَيَّة."

وهُوَ يَذكُرُ بِشكلٍ خاصٍّ أجسادَنا، ويُشيرُ إلى تسليمِنا لأجسادِنا لله ذبيحَةً حَيَّة. في نظامِ العهدِ القديم بتقديمِ الذَّبائح الحيوانِيَّة، كانت الذَّبائِحُ تُقدَّمُ دائماً مَيِّتَةً بعدَ ذبحِها لتقديمِها لله. يتحدَّى مَفهُومُ الذَّبيحَةِ الحَيَّة قُرَّاءَ بُولُس بأن لا يرغَبُوا بأن يمُوتُوا من أجلِ المسيحِ واللهِ فحَسب، بل وأن يعيشُوا للمسيحِ وللهِ دائماً. هذه الذَّبيحَة الحيَّة مَوصُوفَةٌ بأنَّها معقُولَة، أو بأنَّها عبادة عقليَّة. يُخبِرُنا بُولُس أيضاً أنَّ هذا التَّسليم الكامِل وغير المَشرُوط هُوَ مقبُولٌ ومَرضِيٌّ عندَ الله. والمقصودُ هُوَ أن لا شَيءَ أقلَّ من ذلكَ مقبُولٌ أمامَ الله.

هذه الدَّعوة للإلتِزامِ الكامِل عمليَّةٌ للغايَة. تطبيقاتُ بُولُس المُوحَى بها، تتحدَّانا دائماً بأن نجعَلَ ما نَقُولُهُ ينسجِمُ دائماً معَ واقِعِ حياتِنا. هذا يتحدَّانا أن نضعَ أجسادَنا حيثُ تُوجَدُ أفواهُنا أو أقوالُنا. وهُناكَ بِضعُ تعليماتٍ عمليَّةٍ لنتَّبِعَها. علينا أن نُحَدِّدَ أنَّنا لن نُشاكِلَ قِيَمَ وأخلاقِيَّات هذا العالم الذي نعيشُ فيهِ. تقُولُ إحدَى التَّرجماتُ، "علينا أن لا ندعَ العالَمَ يُقحِمَنا لنتشكَّلَ بقالَبِهِ." (J. B. Phillips)

بالإضافَةِ إلى هذه التَّعليمات السَّلبِيَّة، يَتِمُّ حضُّنا على أن "نتغَيَّر." لا يَتِمُّ تشجيعُنا هُنا لكَي نُغَيِّرَ أنفُسَنا. فَكَلِمَةُ اللهِ لا تُعَلِّمُنا أن نَقُومَ بالتَّغييراتِ التي يقتَرِحُها بُولُس هُنا. بالحقيقة، سَخِرَ النَّبِيُّ إرميا من شعبِ اللهِ الذين كانُوا يُحاوِلُونَ تغييرَ أنفُسِهم. "لماذا تَركُضِينَ لِتُبدِلِي طَريقَكِ؟ هل يُغَيِّرُ الكُوشِيُّ طريقَهُ أوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ. فأنتُم أيضاً تَقدِرُونَ أن تصنَعُوا خَيراً أيُّها المُتَعَلِّمُونَ الشَّرّ؟" (إرميا 2: 36؛ 13: 23)

الأنبياءُ والرُّسُلُ يُعَلِّمُونَ ويَحُضُّونَ شَعبَ اللهِ ليُلَبُّوا بعضَ الشُّرُوط، الأمرُ الذي يُمَكِّنُ اللهَ بأن يُغَيِّرَهُم. ولقد علَّمَ يسُوعُ مُعَلِّمَ النَّامُوس نيقُوديمُوس أنَّهُ ينبَغي أن نُولَدَ من فَوق. (يُوحَنَّا 3: 3- 5). ليسَ بإمكانِنا أن نَلِدَ أنفُسَنا. فالوِلادَةُ الرُّوحِيَّةُ، مثل الولادة الجسديَّة، هي إختِبارٌ سَلبِيٌّ بالنِّسبَةِ للَّذينَ يُولَدُون. فالوِلادَةُ هي شَيءٌ يحدُثُ لهُم. نقرَأُ أنَّنا نُولَدُ "منَ اللهِ" وأنَّ هذا الإختِبار هُوَ عملُ الله (يُوحَنَّا 1: 12، 13؛ 2كُورنثُوس 5: 17 و18؛ 3: 18). لا نستطيعُ أن نُحدِثَ تَغييراً في حياتِنا كذلكَ التَّغيير الذي يُشبِهُ التجديد.

إذ نختُمُ هذا الكُتَيِّب الثَّالِث عن رسالَةِ بُولٍُس الرَّسُول هذه إلى أهلِ رُومية، دَعني أطرَحُ عليكَ الأسئِلَةَ التَّالِيَة: "هل لدَيكَ إستِحقاقات رُوحيَّة؟ وهل إعتَرَفتَ بيسُوع رَبَّاً على حياتِكَ؟ هل آمنتَ بأن يسُوع المسيح هُوَ مُخَلِّصُكَ، وهل قدَّمتَ لهُ إستسلامَكَ غير المَشرُوط، وهل طلَبتَ منهُ، "يا رَبّ، ماذا تُريدُ منِّي أن أفعَلَ؟" بإمكانِكَ أن تفعَلَ هذا في منزِلِكَ الخاصّ، أو بالحقيقَةِ في أيِّ مكانٍ آخر.

إذا إتَّخَذتَ إلتِزامَ الإيمانِ هذا، إتَّصِلْ بنا فنُرسِلَ لكَ مطبُوعاتِنا التي ستُساعِدُكَ. إن كُنتَ قدِ إتَّخَذتَ هذاالإلتِزام، دعني أسألُكَ، "هل أنتَ ذَبيحَة حَيَّة؟" وهل أنتَ شَريكٌ معَ اللهِ في مُشارَكَةِ الإنجيل معَ آخرين، لكَي يتحرَّرُوا هُم أيضاً رُوحيَّاً من عُبُودِيَّةِ الخَطِيَّة، وليختَبِرُوا نِعمَتَهُ الرَّائِعة؟" إن لم تَكُنْ قد فعَلتَ هذا بعدَ، فلماذا لا؟"

تأكَّدْ من أن تحصلَ على الكُتَيِّب التَّالِي، الذي سيختُمُ دراسَتنا لرسالَةِ رُومية، عدداً بعدَ الآخر، من رسالَةِ بُولُس الرَّسُول هذه إلى أهلِ رُومية.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 6936