Skip to main content

الفَصلُ الثَّالِث "شُرَكاءُ معَ الله"

الصفحة 1 من 3

(رُومية 10: 14- 21)

كما أشَرتُ سابِقاً، يختُمُ بُولُس الأفكارَ التي يُقَدِّمُها في الأعدادِ الثَّلاثَة عَشَر الأُولى من هذا الإصحاحِ العاشِر، بإقتِباسَينِ من النَّبِيّ إشَعياء والنَّبِيّ يُوئيل، اللذين وعظا قائِلَينِ أنَّ اللهَ سيَكُونُ مَسرُوراً جدَّاً بأن يُخَلِّصَ جميعَ أُولئكَ الذين يدعُونَ بإسمِهِ للخلاص. وها هُوَ الآنَ يكتُبُ قائِلاً أنَّهُ بإمكانِنا أن نَكُونَ شُركاءَ معَ اللهِ الذي هُوَ مَصدَرُ القُوَّة الكامِنة خلفَ الخلاص، والذي مجدُهُ هُوَ القصدُ المَرجُوُّ من هذه المُعجِزَة العظيمة، بالإتيانِ بالآخرينَ للخَلاص، إذ يكتُبُ قائِلاً: "فكيفَ يَدْعُون بمَن لم يُؤمنوا بهِ؟ وكيفَ يؤمنونَ بمَن لم يَسمعوا به. وكيفَ يَسمعون بلا كارزٍ. وكيف يَكْرِزون إنْ لم يُرْسَلُوا. كما هو مكتوبٌ ما أجملَ أقدامَ المبشّرينَ بالسلامِ المُبَشّرينَ بالخيراتِ!" (رومية 10: 14- 15)

بَعدَ أن جعلَ بُولُس الأمرَ يبدُو في الإصحاحَين 8 و9 وكأنَّ الخلاصَ هُوَ عمَل الله بالكامِل، يكتُبُ الآنَ قائِلاً أنَّ الخلاصَ يعتَمِدُ على تجاوُبِ الإيمانِ الدَّاخِليّ والإعتِراف الخارِجيّ. وهُوَ في قَلبِ هذه الإصحاحات الثَّلاثَة يُقدِّمُ العنايَةَ الإلهيَّة السَّائِدة لإلهٍ سبقَ فعرَفَ وعَيَّنَ ودعا وبَرَّرَ ومجَّدَ أُولئكَ الذين إختارَهُم للخَلاص. ولكن رُغمَ ذلكَ، في هذا الإطار يكتُبُ أنَّهُ إن يَكِرزْ أحدٌ وإن لم يُرسَلْ أحَدٌ، لن يَكُونَ هُناكَ خلاص.

في الإصحاحِ الثَّامِن، تقديمُهُ الرَّائِع لسيادَةِ اللهِ في الخلاص، وتعليمُهُ عنِ الإختيار في الإصحاحاتِ الثَّامن، التَّاسِع والحادِي عشَر، جعلَت البَعضَ يُسيئُونَ فهَمَ هذا المَوضُوع. قَرَّرَ بعضُهُم أنَّهُ بإمكانِنا أن نترُكَ خلاصَنا وكُلَّ قضايا حياتِنا الرُّوحِيَّة كُلِّيَّاً في يديِ الله. وبما أنَّ اللهَ هُوَ المصدَرُ والقُوَّةُ الكامِنَةُ خلفَ خلاصِنا، فسَوفَ يَصِلُ بنا وبِكُلِّ أُولئكَ الهالِكينَ، سيَصِلُ بنا إلى الخلاص بِدُونِ أيِّ تدخُّلٍ منَّا.

سَمِعتُ مَرَّةً قِصَّةً عن مُزارِعٍ تَقِيّ، عَمِلَ بِجهدٍ على تحويلِ قطعَةِ أرضٍ كانت مَليئَةً بالأشواك إلى مزرَعَةٍ جميلَةٍ مُنتِجة. بَعضُ رِفاقِهِ المُؤمنين أخبَرُوا راعِي كنيستِهِم أنَّهُم يعتَقِدُونَ أنَّ هذا المُزارِع كانَ مُذنِباً بِخَطِيِّةِ الكبرياء. فدعا الرَّاعي المُزارِعَ وقالَ لهُ في الوقتِ المُناسِب، "لقد قُمتَ أنتَ والرَّبُّ بعَمَلٍ رائِعٍ على هذه المزرَعة، أليسَ كذلك؟" فأجابَ المُزارِعُ، "أنا مُتَأكِّدٌ من صِحَّةِ هذا الأمر أيُّها الرَّاعي. فبِدُونِ مُساعَدَةِ الرَّبّ لما قَدِرتُ بتاتاً على تغييرِ حالِ هذه المزرَعَة. ولكن، أيُّها الرَّاعي، كانَ عليكَ أن ترى كيفَ كانت حالُ هذه المَزرَعة عندما كانَ الرَّبُّ يُديرُها بِِدُونِي!"

إحدَى أعظَمِ البَرَكاتِ منَ الرَّبّ، تأتي إلى حياتِنا عندما يُقَرِّرُ الرَّبُّ أنَّهُ لن يعمَل عَمَلَهُ بِنَفسِهِ. في أحدِ الحُقُول، أعطى يسُوعُ تلاميذَهُ درساً عظيماً. لقد كان يُعطيهم سِتَّةَ أسبابٍ يتوجَّبُ عليهم لأجلِها أن يَكُونُوا مُثمِرين. مِفتاحُ كَونِ الرِّب يسُوع مُثمِراً هُوَ أنَّهُ كانَ هُوَ والآبُ واحِد. كانَت لدَيهِ وحدَةٌ وثيقَةٌ لا تنفَصِم معَ الآب طِوالَ الوقت، وتلكَ العلاقَة كانت المِفتاح لإثمارِهِ. لِهذا كانَ يَحُضُّهُم على أن يَكُونُوا واحِداً معَهُ بعدَ قيامَتِهِ.

أظهَرَ يسُوعُ للتَّلاميذ كرمَةً ذاتَ أغصانٍ كثيرَة. ثُمَّ أخبَرَ هؤُلاء الرِّجال أنَّ المِفتاحَ للإثمارِ هُوَ أن يَكُونُوا واحِداً معَهُ، تماماً كما كانت هذه الأغصانُ ثابِتَةً في الكَرمَةِ التي منها كانت الأغصانُ تستَمِدُّ مبدَأَ إعطاءِ الحياة الذي جعلَها مُثمِرَةً. ولقد أعطَى يسُوعُ تصريحَهُ العظيم، "أنا الكَرمَة وأنتُم الأغصان." وحذَّرَهُم أنَّهُم بِدُونِهِ لا يستطيعُونَ أن يفعَلُوا شَيئاً.

بِدُونِهِ لا نستطيعُ أن نفعَلَ شَيئاً. ولكنَّني أتَعَجَّبُ عندما أُدرِكُ أنَّ هذه الإستِعارَة تنطَوي أيضاً على تصريحٍ ضِمنِيّ أنَّهُ بِدُونِنا، لن يفعَلَ الرَّبُّ شَيئاً. في هذه الإستِعارَة المجازِيَّة البَسيطَة، نَجِدُ أنَّ الثِّمارَ لا تنبُتُ على الكَرمَة. في هذا الإطار، يسُوعُ هُوَ كَرمَةٌ تبحَثُ عن أغصانٍ تُريدُ أن تتَّحِدَ معَهُ كَونه الكرمة، بطريقَةٍ تجعَلُ من هذه الأغصان مُثمِرَةً. التَّحَدِّي لكَ ولِي هُوَ: "هل سنَكُونُ واحِداً معَهُ وواحِداً منَ الأغصانِ المُثمِرَة؟"

لو كُنتُ أنا مكانَ الرَّبّ، لما جَعَلتُ منَ الكائِناتِ البَشريَّةِ الجسديَّةِ الضَّعيفَة جزءاً من عَمَلِي. ولكنَّهُ شَمَلَنا في عَمَلِهِ العجائِبيّ بجلبِ الهالِكينَ في هذا العالم إلى الخلاص. ألا ينبَغي أن يملأَنا هذا بالشُّكرِ والتَّسبيح. فاللهُ يملأُ حياتنا بالمعاني والقِيَم عندما يجعَلُنا شُرَكاءَهُ في العَمل، فيُنجِزُ عملَهُ من خلالِنا. ويُدخِلُ خالِقُنا أيضاً فرحاً كبيراً إلى حياتِنا عندما يَشمَلُنا في مُعجِزَةِ تحقيقِ الخلاصِ للهالِكينَ الذين نلتَقي بهم في هذا العالم. فالفَرَحُ لا يتساقَطُ منَ السَّماءِ ليَستَقِرَّ على رُؤوسِ بعضِ النَّاسِ دُونَ غيرِهِم. ولكنَّ الفَرحَ، مثلَ السَّلام، لهُ شُرُوطُهُ وأسبابُهُ. لقد أخبَرَ يسُوعُ الرُّسُلَ بأنَّهُ عليهِم أن يَكُونُوا مُثمِرينَ، لكي يثبُتَ فرَحُهُ فيهِم وليَدُومَ فَرَحُهُم (يُوحَنَّا 15: 11). لقد وجدَ رَبُّنا سُرُوراً كبيراً في إتمامِ مشيئَةِ وعَمَلِ أبيهِ السَّماوِيّ (عبرانِيِّين 10: 7). كتبَ بُولُس للغَلاطِيِّين، أنَّنا عندما نعمَلُ العمل الذي يُريدُنا اللهُ أن نعمَلَهُ، نجدُ في عمَلِنا المُثمِر سبباً للفَرَحِ الكبير (غلاطية 6: 4، 5). فكَونُنا شُرَكاءُ معَ اللهَ يُعطينا العَمَلَ ذا المَغزى الذي يمنَحُ حياتَنا معنىً عظيماً.

يُعلِنُ المقطَعُ أعلاهُ أنَّ النَّاسَ الهالِكين، الذي سيَكُونُونَ مُختاري الله، الذين سبق فعَيَّنَهُم ودعاهُم وإختارَهُم اللهُ لِلخلاص، هؤُلاء لا يُمكِنُهُم أن يخلُصُوا، إلى أن تقُومَ الكنيسة بتحمُّلِ أربَعِ مسؤوليَّاتٍ. فالهالِكُونَ لا يستَطيعُونَ أن يدعُوا بإسمِ الرَّبّ الذي لا يُؤمِنُونَ بهِ. ولا يُمكِنُهُم أن يُؤمِنُوا إن لم يسمَعُوا إنجيلَ رَبِّنا يسُوع المسيح. ولا يُمكِنُهُم أن يسمَعُوا بِدُونِ كارِز. والذين يَكرِزُونَ لا يُمكِنُهُم أن يكرِزُوا إن لم يُرسَلُوا لأُولئِكَ الذينَ عليهِم أن يسمَعُوا ويُؤمِنُوا. فهُوَ يَحُضُّ الكنيسة على أن تُدرِكَ لماذا هي كنيسة، عندما يكتُبُ قائِلاً أنَّهُم لا يستَطِيعُونَ أن يكرِزُوا إن لم يُرسَلُوا (مِنَ الكنيسة).

في الإصحاحَين الثَّامِن والتَّاسِع، يبدُو وكأنَّ اللهَ لديهِ كُلُّ المَسؤوليَّة لجلب الهالِكينَ للخلاص. في الإصحاحِ العاشِر، نأخُذُ إنطباعاً بأنَّ الهالِكِينَ لدَيهِم كُلّ المسؤوليَّة ليُؤمِنُوا ويعتَرِفُوا بأنَّهم قد يخلُصُون. ثُمَّ لدَينا هذا المقطَع العَظيم الذي يُقَدِّمُ بإسهابٍ هدَفَ مُهِمَّةِ الكنيسة، ويُعطي الإنطِباعَ الواضِح أنَّ الكنيسة لدَيها المَسؤوليَّة لتُرسِلَ كارِزينَ ليُعلِنُوا الإنجيلَ للهالِكين، وإلا فإنَّهُم لن يسمَعُوا، ولن يُؤمِنُوا، ولن يدعُوا بإسمِ الرَّبِّ لِيخلُصُوا.

يقتَبِسُ بُولُس من إشعياء ليُبارِكَ مسؤوليَّةَ الكنيسة بالكِرازَةِ وبإرسالِ مُبَشِّرين: "ما أجمَلَ أقدامَ المُبَشِّرينَ بالسَّلام المُبَشِّرينَ بالخَيرات." (إشعياء 52: 7) هذه إستِعارَةٌ جميلة، تُصَرِّحُ بأنَّ اللهَ يُعطِي قيمَةً كُبرَى لأُولئكَ المُرسَلينَ لإعلانِ الإنجيل للذين يُريدُونَ أن يسمَعُوا. علينا أيضاً أن نُعطِي قيمَةً كُبرى للمَسِيَّا الذي أُرسِلَ لنا، لكي نسمَعَ ونُؤمِنَ بأخبارِ الخلاص السَّارَّة.

هُنا تجدرُ الإشارَةُ إلى مُلاحَظَتَين. كلِمَة "واعِظ أو كارِز" قد تَكُونُ مُربِكَةً، إذا جَعَلَتْنا نعتَقِدُ أنَّ المقصُودَ منها هُوَ الواعِظُ الذي يتكلَّمُ من على مِنبَرِ الكنيسة. الكَلِمةُ تتَضَمَّنُ هذا المَعنَى بالطَّبع، ولكنَّ المقصُودَ منها هُوَ معنى أوسَع. الكلمة اليُونانِيَّة تعني بالحقيقة، "القِيامُ بإعلان." علينا أن لا نَحُدَّ هذا الشَّخص الذي يَصِفُهُ بُولُس ليَكُونَ حَصرِيَّاً راعِي كنيسة أو مُبَشِّر أو مُرسَل من كَنيسة.

نقرأُ أنَّ الجيلَ الأوَّلَ من تلاميذِ يسُوع أعلَنُوا الإنجيل لأفرادِ عائِلاتِهِم. وفعلُوا الشَّيءَ نفسَهُ في صداقَاتِهِم، ومعَ كُلِّ الذين إلتَقَوا بِهِم في مرَاكِزِ عملِهِم أو في حياتِهِم بِشَكلٍ عام. بالإضافَةِ إلى أُولئِكَ الذين أُرسِلُوا مثل بُولُس، وبالإضافَةِ إلى الوُعَّاظ والمُبَشِّرين المَوهُوبِين، ينبَغي أن نتذَكَّرَ إنتشار الإنجيل من خلالِ من نُسَمِّيهِم "بالعِلمانِيِّين"، في حديثِنا عن هَؤلاء الكارِزين.

كتبَ بُولُس يَقُولُ للكُورنثِيِّين أنَّ جميعَ الذين إختَبَرُوا مُعجِزَةَ المُصالَحَة معَ الله من خلالِ المسيح، قد إستُودِعُوا مُباشَرَةً رسالَةَ وخدمَةَ مُصالَحة (2كُورنثُوس 5: 13- 6: 2). عندما يَظُنُّ المُؤمِنُونَ المُصالَحُونَ في كنيسَةٍ ما أنَّ اللهَ أعطى مسؤُوليَّةَ إعلانِ الإنجيل فقط لراعي الكنيسة أو الواعِظ أو المُرسَل، تتحوَّلُ الكنيسَةُ إلى "عملاقٍ نائم." إحدَى الحقائِق التي يُمكِنُ أن تُوقِظَ هذا "العملاق النَّائم" هي أنَّنا جميعاً مُفَوَّضُونَ لإعلانِ الإنجيل للهالِكين. في هذا المعنى، نحتاجُ أن نُدرِكَ أنَّنا إمَّا أن نَكُونَ مُرسَلين أو هَدَفاً للمُرسَلين.

يُعطِي اللهُ قِيمَةً كبيرَةً لأُولئكَ الذين يحمِلُونَ الإنجيل للهالِكين. فكِّرُوا بهذا بالطَّريقَةِ التَّالِيَة. اللهُ كانَ عندَهُ إبنٌ وحيدٌ، وكانَ هذا الإبنُ الوَحيدُ مُرسَلاً. فهَل تُعطُونَ قيمَةً كبيرَةً للشَّخصِ أوِ الأشخاص الذين أَعلَنُوا الإنجيلَ لكُم لكي تسمَعُوا، وتُؤمِنُوا، وتدعُوا بإسمِ الرَّبّ وتخلُصُوا؟ هذا الشَّخصُ أو هؤُلاء الأشخاص هم الأكثَر أهَمِّيَّةً بينَ الذين إلتَقيَتُمُوهُم في حياتِكُم، وعَلَيكُم تكريمُهُم. هُناكَ مثلٌ يقُولُ أنَّ تربيَةَ الطِّفلِ تتطلَّبُ قريَةً بأسرِها. بهذا المعنى، يتطلَّبُ الأمرُ كنيسَةً بأسرِها لإعلانِ الإنجيل وتقديمِهِ للهالِكين. إنَّ الشَّهادَةَ التَّعاوُنِيَّة التي تُقدِّمُها كنيسَةٌ بكامِلها، غالِباً ما أوصَلت حقيقَةَ الإنجيل إلى حياةِ الهالِكين.

مُلاحَظَتي الثَّانِيَة حِيالَ هذه الأعداد عن جَمَالِ أقدامِ أُولئكَ الذين يُبَشِّرُونَ بالإنجيل، تُثيرُ السُّؤالَ التَّالي: "من هُوَ بالحقيقة الذي يُرسِلُ هؤُلاء المُبَشِّرين ليُعلِنُوا الإنجيل للهالِكينَ في هذا العالم؟" رُغمَ أنَّهُ يبدُو ظاهِريَّاً أنَّ الكنيسة هي التي تُرسِلُ هؤُلاء الكارزين، ولكنَّ القُوَّةَ الكامِنَةَ وراءَ هذا الإرسال هي المسيحُ الحَيُّ المُقَام. لقد علَّمَ يسُوعُ رُسُلَهُ أن يُصَلُّوا لِرَبِّ الحصاد أن يُرسِلَ فعلَةً إلى حصادِهِ. (مرقُس 9: 38؛ لُوقا 10: 2).

علينا أن نُدرِكَ أنَّهُ لا يَستَطيعُ أيُّ إنسانٍ أن يأتِيَ إلى المسيح، إن لم يجتَذِبْهُ الآبُ (يُوحَنَّا 6: 44). أحياناً يتساءَلُ النَّاسُ، "ماذا لو لم أكُنْ مُختاراً حتَّى وإن أردتُ أن أخلُص؟" الجوابُ على هذا السُّؤال هُوَ أنَّهُ إن لم يَكُنْ هذا الإنسانُ مُختاراً وإن لم يجتَذِبْهُ الرُّوحُ القُدُس، فهُوَ لن يشعُرَ بالرَّغبَةِ بالخَلاص.

علَينا أيضاً أن نُدرِكَ أنَّهُ عندما يُرسَلُ أشخاصٌ مثل بُولُس وبرنابا بِواسِطَةِ كنيسَةٍ محَلِّيَّة، فإنَّ هذا يحدُثُ لأنَّ الرُّوحَ القُدُسَ قادَ النَّاسَ في الكنيسة، وتحرَّكَ في قُلُوبِ الذين سيُرسَلُونَ ليتجاوَبُوا معَ الدَّعوَةِ للإنفِرازِ لتلكَ الخدمة (أعمال 13: 2). كتبَ بُولُس لكَنيسَةِ فِيلبِّي أنَّ اللهَ هُوَ العامِلُ فينا لنُريدَ ونعمَلَ من أجلِ مسَرَّتِهِ (فيلبِّي 1: 6؛ 2: 13).

فاللهُ يعرِفُ مُسبَقَاً، يُعَيِّنُ مُسبَقاً، يدعُو، يُبَرِّرُ ويُمَجِّدُ مُختاريه، ولكنْ عليهِم أن يُؤمِنُوا في قُلُوبِهِم ويعتَرِفُوا بأفواهِهِم ليَخلُصُوا. اللهُ يختارُ ويدعُو أُولئِكَ الذين سيُعلِنُونَ الإنجيلَ للهالكِين، ولكنَّهُ يختارُ أيضاً أُناساً، وإلا فلن يَكُونَ لهُم خلاص. ولكن، أُولئكَ المَدعُوُّونَ ليحمِلُوا الأخبارَ السَّارَّةَ للهالكين، عليهِم أن يتجاوَبُوا ويُطيعُوا دَعوَةَ اللهِ في حياتِهِم، وأن يُصبِحُوا شُركاءَ الله – أي أغصاناً تحمِلُ ثماراً – لأُولئكَ الذين سيخلُصُون.

مُجَدَّداً، لا يَسَعُنا إلا أن نطرَحَ السُّؤال، "هل اللهُ يَقُومُ بإتِّخاذِ خياراتٍ هُنا، أم أنَّنا نختارُ الإمتيازاتِ العَظيمة بأن نَكُونَ عامِلينَ معَ اللهِ في جَلبِ الخلاص للهالِكين في هذا العالم؟" الجوابُ لا ينسَجِمُ معَ مَنطِقِنا بِسُهُولَة، ولكنَّ الجوابَ ينبَغي أن يَكُونَ أنَّ القَضِيَّة ليسَت إمَّا هذا أو ذاك، بل الإثنانِ معاً. فإلهُنا صاحِبُ السَّيادَةِ، والمسيحُ الحَيُّ المُقام، هُما اللًَّذانِ يَقومانِ بهذه الخيارات، ولكن علينا أن نختارَ بأن نَكُونَ مُختارين. فنَحنُ نختارُ أن نثبُتَ فيهِ كما يثبُتُ الغُصنُ في الكَرمَة أي في المسيح، وهذا ما يجعَلُنا مُثمِرين (يُوحنَّا 15).

سِرُّ الإيمان وعَدم الإيمان
الصفحة
  • عدد الزيارات: 7938