تطبيقٌ شَخصِيّ
إنَّ كلمة "شاهِد" تعني حرفِيَّاً باليُونانِيَّة "شَهيد." لِهذا، عندما نعيشُ أنا وأنتَ إيمانَنا بالمسيح في العالم، وعندما نكرِزُ بالمسيحِ الحَيِّ فينا في هذا العالم الذي نعمَلُ فيهِ، علينا أن لا نتعجَّبَّ عندما يتجاوَبُ النَّاسُ معَ شهادَتِنا مُعتَدِّينَ بِأنفُسِهِم فِكرِيَّاً، مُقاوِمينَ تعليمَ وقِيَمَ المسيح. ولكن علينا أن نتذكَّرَ أيضاً وعدَ المسيح الإيجاِبي المليء بالرَّجاء، الذي أعطاهُ يسُوعُ لهؤُلاء الرِّجال عندما قالَ: "أنتُم أنفُسُكُم نماذِجَ عنِ الحَقيقَةِ المَجيدَة أنَّ البَعضَ أيضاً أطاعُوا تعليمي الذي قَبِلتُهُ من أبِي. بالطريقِةِ نفسِها، سوفَ تحصلونَ على تجاوُبٍ إيجابِيٍّ معَ خِدمَتِكُم. فأنتُم أيضاً سَتَصنَعُونَ تلاميذ سيُطيعُونَ بِدَورِهِم التَّعليمَ الذي قَبِلتُمُوه منِّي."
عندما إضطُّهِدَ William Tyndale بسببِ ترجَمَتِهِ للكتابِ المُقدَّس إلى الإنكليزيَّة ليسمحَ لعامَّةِ الشَّعبِ بِقِراءَةِ الكتابِ المُقدَّس، أجابَ على إضطِّهادِهِ بالقَول، "هذا ما توقَّعتُهُ تماماً." فعندما يَقومُ النَّاسُ الذين نكرِزُ لهُم بالمسيح بالإستِهزاءِ والسُّخرِيَةِ منَّا وباضطِّهادِنا بسببِ القِيَم التي نُحاوِلُ أن نعيشَها ونكرِزَ بها، علينا أن نتبَعَ مِثالَ وليَم تِندايل، فلا نتعجَّب بل نتوقَّع عدم التَّجاوُب وعدم التَّعاطُف معَ رِسالَتِنا.
علينا أن نَكُونَ واقِعِيِّينَ بِشَكلٍ كافٍ لنَتَذَكَّرَ تحذِيرَ يسُوع بأنَّ العالَمَ تجاوَبَ دائماً معَ الأنبياءِ والشُّهُود بهذه الطريقة. فلقد حذَّرَ يسُوعُ هؤلاء الرِّجال في بدايَةِ علاقَتِهِم معَهُم، عندما قال لهم: "وَيلٌ لكُم إذا قالَ فيكُم جَميعُ النَّاسِ حَسَناً. لأنَّهُ هكذا كانَ آباؤُهُم يفعَلُونَ بالأنبِياءِ الكَذَبَة". (لُوقا 6: 26) لهذا، علينا أن نتوَقَّعَ تجاوُباً لا مُبالٍ أو حتَّى عدَائِيّ، وأن نكُونَ أكثر من قلقينَ عندما يمدَحُنا أهلُ العالَم ويُكرِمُونَنا بأوسِمَةِ إستِحقاق. فعلينا أن نتوقّع ردّاً مضادّاً للمسيح الذي نقدّمه للعالم.
لكن ثمّة رَجاءٌ أيضاً وهو أنَّهُ من بين الخطاة المُضطَّهِدِينَ والعدائيّين حيال ما نقول لهم في ما يتعلّق بالمسيح وبالإنجيل، ثمّة أملٌ كبيرٌ في أن يُؤمِنَ بعضُ النَّاسِ ويتجاوَبُوا معَ وعظِنا وتعليمِنا. لم يَكُن هذا إختبارَ رَبِّنا يسُوع فقط، بل وكانَ أيضاً إختِبارَ الرُّسُل، كما سنرى في قراءَتِنا لِسفرِ الأعمال.
عندما وَصلَ بُولُس إلى مدينَةِ كُورنثُوس الفاسِدة والخاطِئَة، حيثُ لم يُكرَز بالمسيحِ بتاتاً من قَبل، وقبلَ أن يبدَأَ خدمَتَهُ العجائِبيَّة بتأسيسِ كنيسة كُورنثوس، ظهَرَ لهُ الرَّبُّ وقال لهُ ما جَوهَرُ معناهُ: "لا تَخَفْ، يا بولس. لديّ أُناسٌ كثيرون في هذه المدينة. عليك أن تُعْلِنَ فقط الإنجيل وستكتشف مَن هم". (أعمال 18: 9، 10)
هذا أمرٌ مُثير! فعِندَما نُعلِنُ الإنجيل، لن نَعرِفَ تماماً من هُمُ الذين سيتجاوَبُونَ معَ كِرازَتِنا، ولكن لدَينا هذا الرَّجاءُ المَبنِيُّ على وعدِ يسُوع بأنَّهُ سيَكُونُ هُناكَ أشخاصٌ سيتجاوَبُونَ معَ البِشارَة. فإن كانت لدَينا الشَّجاعَةُ والإيمان لنُشارِكَ معَ الآخرين بالكِرازَةِ بالإنجيل، فسوفَ نكتَشفُ من هُم هؤُلاء الآخرين.
بما أنَّ بولس توقَّعَ أن يَزُورَ المُؤمنينَ في رُوما ليُعلِنَ الإنجيلَ هُناك، كتبَ يَقُولُ لهُم: "أَعلم أنّه عندما آتي إليكم، سآتي بكامل بَرَكَةِ إنجيل المسيح". (رُومية 15: 29) عندما نَكُونُ مَدعُوِّينَ لنُسافِرَ إلى مكانٍ ما بهدَفِ الكرازَةِ بإنجيلِ يسُوع المسيح، أو أذا طَلِبَ منَّا تقديم الإنجيل لأحدِ الأفراد، أهَمُّ شَيءٍ يُمكِنُنا أن نعِدَ بهِ أُولئكَ الذين دَعونا، هُوَ أنَّنا سنأتي بملءِ بَرَكَةِ المسيح. علينا أن نقتَرِبَ من هذا الإمتِياز عالِمينَ أنَّهُ، رُغمَ أنَّ الأكثَريَّة قد تتجاوَبُ بعداوَةٍ وسَلبِيَّة، أو حتَّى قد تضطَّهِدُنا، سيَكُونُ أُولئكَ "المَدعُوُّون" الذين سيُؤمِنُونَ وسيُطيعُونَ وعظَنا وتعليمَنا، تماماً كما أطاعُوا وعظَ وتعليمَ يسُوع والرُّسُل.
وتابع يسوع قائلاً: "لَكِنَّهُمْ إِمَّاْ يَفْعَلُوْنَ بِكُمْ هَذَاْ كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِيْ لأَنَّهُمْ لا يَعْرِفُوْنَ الذِيْ أَرْسَلَنِيْ". (يُوحَنَّا 15: 21) لاحظوا كيف أنّه يستمرّ بالقول إنّه والآب والروح القدس مرفوضون. فهو قصد ما يلي: "الذي يَقبَل الذي أُرْسِلُهُ يقبلني. والذي يَقبَلُني يقبَلُ الذي أرسَلَني." (يُوحَنَّا 13: 20؛ أنظُرُ أيضاً 14: 9- 11) فهُوَ والآبُ واحِد، ولا يُمكِنُ أن تقبَلَهُم مُنفَصِلين. وهُوَ يُكَرِّرُ هذا للتَّشديد، ويشرَحُ قائِلاً أنَّ رفضَهُ هُوَ مُجَرَّدُ إعلانٍ عنِ المُشكِلَة الأعمق أنَّ العالَمَ لا يَعرِفُهُ، أو أنَّهُم رفضَوا الذي أرسَلَهُ.
ثُمَّ في العدد الثاني والعشرين وما يتبَع من الإصحاح الخامس عشر من إنجيل يوحنّا، يمنحنا يسوع تصريحاتٍ عميقَة تشبه التصريح الوارد في نهاية الإصحاح التاسع. تذكّروا أنّ في الإصحاح التاسع، وبعد أن شفى يسوع الرجل الأعمى قصد: "أنا نوعٌ مميّزٌ من النور. أمنح البصر للعميان. لكنّي أيضاً أُزِيْلُ عَمَى الذين يعتقدون أنّهم يَرَوْنَ".
رجال الدين فَهِمُوا ما كان يَقْصُدُهُ، لذلك أجابوا: "أتقول إنّنا عميانٌ روحيّاً؟" فأجابهم: "لو كنتم عمياناً، لما كانت لديكم أيُّ خطيئةٍ. لكنّكم الآن تقولون إنّكم تَرَوْنَ. لذا، خطيئتُكم باقيةٌ". (يُوحَنَّا 9: 40، 41) إنَّ هذا لَتعريفٌ عميقٌ للخطيئة: فبِدُونِ عَمَى، لا خَطيَّة، أي بِدُونِ نُورٍ رُوحِيٍّ لا خَطِيَّة. في العدد الثاني والعشرين من هذا الإصحاح، يقول يسوع الأمر عينه الذي ورد في الإصحاح التاسع من إنجيل يوحنّا: "أنا هُوَ نُورُ العالم." هذا يعني أنَّ تعريفَ الخَطيَّةِ بِحَدِّ ذاتِهِ هُوَ رَفضُ الذي يَقُولُ عن نفسِهِ أنَّهُ هُوَ نُور العالم. لِهذا، تعريفُ الخَطيَّةِ وأكثَرُ الخطايا جدِّيَّةً هُوَ رَفضُ يسُوع المسيح.
يُثيرُ هذا سُؤالاً: هل يُوجَدُ أيُّ كائِنٍ بَشَريٍّ على الأرض، الذي ليسَ لدَيهِ أيُّ نُورٍ رُوحِيٍّ على الإطلاق؟ يكتُبُ بُولُس الرَّسُول قائِلاً أنَّ كُلَّ إنسانٍ لديهِ شَيءٌ منَ النُّور (رُومية 1: 20). هذا ما يُسمِّيهِ اللاهُوتِيُّون "الإعلان الطَّبيعي." جَوهَرُ تعليم يسُوع هذا، وتعليمِ بُولُس المُماثِل لهُ، هُوَ أنَّنا إذا عِشنا على مُستَوى النُّور الذي لدَينا، سنُعطَى المَزيدَ منَ النُّور: "منَ المُهِمِّ أن نمضِيَ قدماً على ضَوءِ هذه الحقيقَة، كما تعلَّمنا سابِقاً." (فيلبِّي 3: 15- 18) فأن لا نمضِيَ قدماً على ضَوءِ ما قَبِلناهُ هُوَ نَوعاً ما تعريفٌ للخطيَّة.
منذُ عدَّةِ سنواتٍ، بينما كُنتُ أُقدِّمُ تعليماً تبشيريَّاً في إجتِماعِ دَرسِ الكتابِ المُقدَّس في أحدِ المنازِل، كانت تُوجَدُ وسطَ هذا الجمعِ الكَبير منَ النَّاسِ المُجتَمِعينَ هُناك إمرأَةٌ يابانِيَّة، كانت تتجاوَبُ بحَماسٍ معَ تعليمي للإصحاحِ الأوَّل منَ الكتابِ المُقدَّس. وكانَ وجهُها يَشِعُّ نُوراً. فإنتَظَرت إلى أن غادَرَ الآخرون، وطلَبت أن تتحدَّثَ إليَّ.
لن أنسَ أبداً تلكَ المُحادَثَة. قالَت، "في الأيَّامِ الأخيرَةِ منَ الحَربِ العالَمِيَّةِ الثَّانِيَة، عندما كانت طائِرات B – 29 تَقصِفُ طُوكيو، صَلَّيتُ في الملجَأِ لإلهٍ آخر. عرفتُ أنَّهُ يُوجَدُ إلهٌ آخر، الذي كانَ الإله الحقيقيّ، فصَلَّيتُ لهُ. ولعُقُودٍ منَ السنين منذُ ذلكَ الحين تكوَّنَ لدَيَّ شُعورٌ قَوِيٌّ بأنَّني يوماً ما سوفَ أعرِفُ كُلَّ شيءٍ عن هذا الإله. وبينما كُنتَ أنتَ أيُّها القَسِّيس تُعَلِّمُ الكتابَ المُقدَّس الليلة، عرفتُ في قَلبِي أنَّ هذا هُوَ الإله الحقيقيّ الذي صَلَّيتُ لهُ في ملجَأِ القنابِل في طُوكيو."
إنَّ جوهَرَ الخَطِيَّة هُو رَفض النُّور. هذا يعني أنَّنا مَسؤُولونَ وسوفَ نُحاسَبُ على أساسِ النُّور الذي أخذناهُ. إنَّهُ لأَمرٌ في غايَةِ الجَدِّيَّةِ أن نتعرَّضَ لنُورٍ رُوحِيّ، لأن المنافِعَ الرُّوحِيَّة تَزيدُ من مَسؤوليَّتِنا الرُّوحيَّة. عندما نَكُونُ قد سَمِعنا كلمةَ اللهِ ورأينا عجائِبَ الله، عندها سيترتَّبُ علينا أن نُقَدِّمَ عن أنفُسِنا حِساباً على ما سَمعناهُ ورأيناهُ. فالذي نعمَلُهُ حيالَ ما نعلَمُهُ هُوَ قياسُ المُحاسَبة الذي نَجِدُهُ في الكتابِ المُقدَّس – خاصَّةً هُنا في تعليمِ يسُوع هذا، وفي ختامِ الإصحاحِ التَّاسِع من هذا الإنجيل.
- عدد الزيارات: 6987