الفَصلُ السَّادِس "الوصِيَّة الجَديدة"
(يُوحَنَّا 13: 1- 38)
تُوجَدُ أكثَرُ من خمسمائة وَصِيَّة في الكتابِ المُقدَّس. هذه الوَصايا مُلَخَّصَةٌ في الوَصايا العَشر (خُرُوج 20: 3- 17؛ تَثنِيَة 5: 7- 21). يُوجَدُ أيضاً ما يُسمِّيهِ الكتابُ المُقدَّس نفسُهُ بالوَصِيَّة الأُولى والعُظمَى. يُخبِرُنا يسُوعُ بأنَّ أعظَمَ الوَصَايا هي محبَةُ اللهِ من كُلِّ كيانِنا، ويُلَخِّصُ الوصايا العَشر بوَصِيَّتَين، عندما يُخبِرُنا بأنَّ الوَصِيَّةَ الثَّانِيَة بعدَ الأُولى، هي محبَّة القَريب كَنُفُوسِنا (متَّى 22: 35- 40) الإصحاحُ الذي ننظُرُ إليهِ الآن يُقدِّمُنا إلى وَصِيَّةِ يسُوع الجديدة (يُوحَنَّا 13: 34، 35)
إذ نبدَأُ دِراسَتَنا للإصحاحِ الثَّالِث عشَر، نحتاجُ أن نُدرِكَ أنَّنا نقتَرِبُ منَ الطريقة التي بها سَجَّلَ يُوحَنَّا، بِوَحيِ الرُّوحِ القُدُس، أطوَلَ عِظَةٍ ليسُوع. هذه العِظَة تُعرَفُ بِعِظَةِ العُلِّيَّة. لقد ألقَى يسُوعُ بِضعَ خُطَبٍ، مثل المَوعِظَة على الجَبَل (متَّى 5- 7)، مَوعِظَة جَبَل الزَّيتُون (متَّى 24، 25)، ومَوعِظَةِ العُلِّيَّة هذه (يُوحَنَّا 13- 16) بما أنَّ الإصحاح السَّابِع عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا هُوَ صَلاةُ يسُوع لأَجلِ الرُّسُل – الوَحِيدُونَ الذين سَمِعُوا تلكَ العِظَة في العُلِّيَّة – فهذه الصَّلاة يُمكِنُ تضمينُها داخِل عِظَة العُلِّيَّة.
عندما ندرُسُ عظاتِ يسُوع هذه، نكتَشِفُ أنَّها لم تَكُنْ مُجرَّدٍ مُحاضَراتٍ أو عِظات. واحِدَةٌ منها كانت قد بَدَأَت بِحِوار (متَّى 24، 25). عندَما ألقَى يسُوعُ هذه العِظات، طرحَ عمداً أسئِلَةً كانت مَوضُوعَةً أصلاً لإقامَةِ حِوارٍ معَ أُولئكَ الذين سَمِعُوهُ. مثلاً، بينَما ندرُسُ هذا الخُطاب الأطوَل ليَسُوع، عندَما نَصِلُ إلى نهايَةِ الإصحاحِ الثالِث عشَر وبدايَةِ الإصحاح الذي يَليهِ، سوفَ نَجِدُ أنَّ الرُسُلَ طَرَحُوا على يسُوع بِضعَةَ أسئِلَةٍ. وكانَ جوابُهُ على أسئِلَتِهِم يُشَكِّلُ جوهَرَ ما نُسَمِّيهِ بالعِظَة.
بينما نبدَأُ دراسَةَ الإصحاحِ الثَّالِث عشَر، نَجِدُ سَبَباً آخر لدراسَتِنا لهذا القِسم المُهِمّ من إنجيلِ يُوحَنَّا، وهُوَ أنَّ يسُوعَ كانَ قد إختَتَمَ الآنَ ثلاثَ سنين من خدمَةِ الوعظِ، الشِّفاء، التَّعليم، وتدريبِ الرُّسُل.
لقد بدَأَ خدمَتَهُ العَلَنِيَّة معَ ما أُسمِّيهِ بالخُلوَة. إذا كُنتُم قد سَمِعتُم برامِجَنا الإذاعِيَّة، أو قَرأتُم كُتَيِّباتِنا التي تَصِفُ المَوعِظَة على الجَبَل، ستعرِفُون أنَّني أُؤمِنُ بأنَّ هذه العِظَة أُلقِيَت في إطارِ خُلوَةٍ. القَصدُ من هذه الخُلَوة كانَ تجنيدُ تلاميذ وأُولئكَ الذين كَلَّفَهُم يسُوعُ بأن يَكُونُوا رُسُلَهُ أو مُرسَليه. يَصِفُ مرقُس إطارَ هذه العِظة عندما يكتُبُ أنَّ يسُوعَ إختَارَ الإثنَي عَشَر، وعَيَّنَهُم ليَكُونُوا معَهُ، ثُمَّ أرسَلَهُم إلى العالم (مرقُس 3: 13- 15). أنا أُسَمِّي هذه العِظَة "بالخُلوَة المَسيحيَّة الأُولى."
هُنا كانَ قد دَرَّبَ هؤُلاء الرُّسُل لِثلاث سنواتٍ، وكانَتِ فترةُ التَّعليم اللاهُوتي قدِ إنتَهَت. قبلَ أن يذهَبَ إلى الصَّليب، آخِرُ أمرٍ عمِلَهُ كانَ أن يعقُدَ خُلوَةً أُخرى معَ هؤُلاء الرِّجال الإثنَي عَشَر. لهذا أُسمِّي هذه العِظَة "الخُلوة المسيحيَّة الأخيرة." هذه الإصحاحات عميقَةٌ جدَّاً، لأنَّها تُسَجِّلُ وَصِيَّةَ يسُوع الأخيرة، بَينَما كانَ يُفَوِّضُ هؤُلاء الرِّجال الذين دَرَّبَهُم لثلاثِ سنوات بالرِّسالَةِ والخِدمَةِ التي إستَودَعَهُ الآبُ إيَّاها.
رُتبَة المَنشَفة (13: 1- 17؛ 34، 35)
هذه هي الطَّريقة التي بَدَأَ بها يُوحَنَّا بتسجيلِ أطوَلِ عظَةٍ ليَسُوع: "أمَّا يسُوعُ قَبلَ عِيدِ الفِصح، وهُوَ عالِمٌ أنَّ ساعَتَهُ قد جاءَت لِيَنتَقِلَ من هذا العالم إلى الآب، إذ كانَ قد أحَبَّ خاصَّتَهُ الذين في العالم، أحبَّهُم إلى المُنتَهى.
"فحينَ كانَ العَشاءُ وقد ألقَى الشَّيطانُ في قَلبِ يَهُوَّذا سِمعان الإسخَريُوطِيُّ أن يُسَلِّمَهُ. يسُوعُ وهُوَ عالِمٌ أنَّ الآبَ قد دَفَعَ كُلَّ شَيءٍ إلى يَدَيهِ وأنَّهُ من عِندِ اللهِ خَرجَ وإلى اللهِ يَمضِي. قامَ عنِ العَشاءِ وخلَعَ ثِيابَهُ وأخذَ مِنشَفَةً وإتَّزَرَ بها. ثُمَّ صَبَّ ماءً في مِغسَلٍ وإبتدَأَ يَغسِلُ أَرجُلَ التَّلاميذ ويَمسَحُها بالمِنشَفَةِ التي كانَ مُتَّزِراً بها." (يُوحَنَّا 13: 1- 5).
يا لَهذهِ الطريقة الجميلة لبَدءِ خُلوَة. تُخبِرُنا الأناجيلُ الأُخرى أنَّ الرُّسُلَ غالِباً ما كانُوا يتجادَلُونَ عمَّن منهُم سيَكُونُ الأعظَم في الملكُوتِ الذي كانَ يسُوع سيُؤَسِّسُهُ. حتَّى عِندَما كانُوا على طَريقِهِم نحوَ العُلِّيَّة، كانُوا يتجادَلُونَ عمَّن سيَكُونُ الأعظَمَ في المَلَكُوت (متَّى 20: 20- 28؛ لُوقا 9: 46- 48؛ 22: 24- 27). البَعضُ منهُم آمنُوا بأنَّ المَسِيَّا سيُطيحُ بالسُّلطَةِ الرُّومانِيَّة، وسيُؤَسِّسُ ملكُوتاً على الأرض (أعمال 1: 6).
المَقطَعُ الذي إقتَبَستُهُ أعلاهُ هُوَ السَّردُ الجَميل الذي أورَدَهُ يُوحَنَّا عن كيفَ تجاوَبَ يسُوعُ معَ مُجادَلَةِ الرُّسُل حولَ من سيَكُونُ الأعظَمَ بينَهُم. فلقد بدَأَ هذه الخُلوَة الأخيرة معَهُم بالقِيامِ بأمرٍ كانَ ينبَغي أن يصدُمَ هؤُلاء الإثنَي عَشَر. خَلَعَ عباءَتَهُ، وأخذَ دَورَ العَبد. في تلكَ الحضارة، كانَتِ العادَةُ أن يَغسِلَ المُضيفُ أرجُلَ الضُّيوفِ الذينَ يأتُونَ لتناوُلِ الطَّعامِ إلى مائِدَتِهِ. ولكن، كانَ العَبيدُ هُمُ الذينَ يَقُومُونَ بغَسلِ أرجُلِ الضُّيُوف. وهكذا كانَ يسُوعُ يأخُذُ دَورَ العبدِ عندما أخذَ وعاءً وبدَأَ بغسلِ أرجُلِ التَّلاميذ.
عندَما نقرَأُ أنَّهُ بدأَ بِغَسلِ أرجُلِهِم، يبدُو أنَّ هذا حَضَّرَنا لحقيقَةِ أنَّ شَيئاً كانَ سيحدُثُ عندما سيَغسِلُ رِجلَي بُطرُس. نقرأُ: "فَجاءَ إلى سِمعان بُطرُس فقالَ لهُ ذاكَ يا سَيِّدُ أنتَ تَغسِلُ رِجلَيَّ؟ أجابَ يسُوعُ وقالَ لهُ لَستَ تعلَمُ أنتَ الآنَ ما أنا أصنَعُ ولكنَّكَ ستَفهَمُ فيما بعد. قالَ لهُ بطرُس لَن تغسِلَ رِجلَيَّ أبداً. أجابَهُ يسُوعُ إن كُنتُ لا أغسِلُكَ فَلَيسَ لكَ مَعي نَصيب. قالَ لهُ سِمعانُ بُطرُس، يا سَيِّد ليسَ رِجلَيَّ فقط بل أيضاً يَدَيَّ ورأسي. قالَ لهُ يسُوع. الذي قدِ إغتَسَلَ ليسَ لهُ حاجَةٌ إلا إلى غَسلِ رِجلَيهِ، بل هُوَ طاهِرٌ كُلُّهُ. وأنتُم طاهِرُونَ ولكن ليسَ كُلُّكُم. لأنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ. لذلكَ قالَ لَستُم كُلُّكُم طاهِرين." (يُوحَنَّا 13: 6- 11).
في دِراسَتِنا للإصحاحِ السَّابِق من هذا الإنجيل، عندما غَسَلَت مَريَم رِجلَي يسُوع، تعلَّمنا أنَّ النَّاسَ كانُوا يضطَّجِعُونَ أرضاً على أريكة عندما كانُوا يتناوَلُونَ الطَّعام في تلكَ الأيَّام. تخَيَّلُوا الرُّسُلَ يضطَّجِعُونَ على الأرضِ حولَ مائِدَةٍ معَ يسُوع. تصَوَّرُوا أنَّ بُطرُس هُوَ الرِّسُول الخامِس أو السَّادِس الذي إقتَرَبَ منهُ يسُوع، حامِلاً الوعاءَ والمِنشَفَة. في هذه المرحلة، كانَ بُطرُس قد أصبَحَ تحتَ صَدمَةٍ، لِكَونِ الرَّبِّ يَغسِلُ أرجُلَهُم. لم يَستَطِعْ بُطرُس أن يتحمَّلَ ذلكَ، عندما إقتَرَبَ منهُ يسُوع. فقالَ بُطرُس، "يا سَيِّد، أنتَ تَغسِلُ رِجلَيَّ؟!" فأجابَ الرَّبُّ بُطرُس بطريقَةٍ جَميلَةٍ قائِلاً: "لَستَ تعلَمُ الآنَ ما أنا أصنَعُ، ولكنَّكَ ستفهَمُ فيما بعد."
هل سَبَقَ وغَسَلَ أحدُ المُؤمِنِينَ رِجلَيك؟ لن أنسَى تلكَ الليلة التي فيها غَسَلَ زَعيمُ قَبيلَةٍ بِدائِيَّة قَدمَيَّ، وكانَ قد إختَبرَ التَّجديد والإيمان بِيَسُوع. فعِندَما غَسَلَ رِجلَيَّ، شَعرتُ تماماً كما شَعَرَ بُطرُس. لقد شعرتُ بالهَلَع. ووجدتُ نفسي أقُولُ الكلماتِ ذاتِها التي قالَها بُطرُس: "أنتَ تَغسِلُ رِجليَّ؟ فإبتَسَمَ وقالَ بالإنكليزيَّةِ التي عرَفَها: "تماماً مثل بُطرُس!"
لقد كانَ بُطرُس صادِقاً عندما عبَّرَ عن مشاعِرِهِ. سبقتُ وسألتُكَ إن كانَ أحدُ المُؤمنينَ قد غَسَلَ رجلَيك. ينبَغي طَرحُ السُّؤالَ بطريقَةٍ أُخرى: كَيفَ ستَشعُرُ لو تمَّ غَسلُ رجلَيكَ من قِبَلِ يسُوع المسيح، رَبّ الأرباب، خالِق الكَون وخالِق قَدَمَيكَ؟ هل بإمكانِكَ أن تضعَ نفسَكَ مكانَ بُطرُس، وأن تتَصَوَّرَ كيفَ شَعَرَ عندما غسلَ يسُوعُ قدَمَيه؟
العددُ الذي يُعَبِّرُ عن تجاوُبِ يسُوع معَ بُطرُس هُوَ عددٌ جميلٌ جِدَّاً: "لَستَ تعلَمُ الآنَ ما أنا أصنَعُ، ولكنَّكَ ستفهَمُ فيما بعد." (يُوحَنَّا 13: 7) وجدتُ هذه الكلمات مُناسِبَةً جدَّاً، عندما أقِفُ أمامَ قَبرٍ معَ مُؤمنينَ فقدُوا أعِزَّاءَ على قُلُوبِهم. مرَّتْ أوقاتٌ كانَت فيها هذه الكلماتُ هي الوحيدة التي يُمكِنُ أن تَكُونَ مُناسِبَةً للمُؤمنينَ الذين إختَبَرُوا إحدى مآسي الحياة التي لا نفهَمُها.
ينبَغي أن أُشارِكَ معَكُم على الأقَل حالَةً واحِدةً من هذه المآسي التي أقصُدُها. منذُ عدَّةِ سنواتٍ، تعرَّفتُ على زَوجَين كانَا يُخَطِّطانِ للإلتِحاقِ بِكُلِّيَّةِ لاهُوت. وبينما كانَتِ الزَّوجُة بإنتِظارِ رُجُوعِ زَوجها منَ خدمَتِهِ البَحريَّة على سَفينَةٍ حَربِيَّة، حدَثَ لها ولزوجَةِ شابٍّ آخر منَ البَحريَّةِ أيضاً، حدَثَ لِهاتَينِ الزَّوجَتَينِ حادِثُ سَيَّارَةٍ مُرَوِّع. فإحتَرَقَتِ الزَّوجتانِ وإنفَجَرَتِ السيَّارَةُ من النِّيرانِ التي إلتَهَمَتْها.
العائِلاتُ التي كانت تعيشُ في ولايَةٍ أُخرى، طلَبتْ منِّي ليسَ فقط أن أقُومَ بخدمَةِ الجنازَةِ لهاتَينِ الزَّوجَتَين، بل أيضاً بأن أقضِيَ يوماً إضافِيَّاً معَهم، وأن أُخبِرَهُم لماذا سمحَ الرَّبُّ لهكذا مأساة أن تحدُث. وكما هي الحالُ دائماً، جاءَتْ ساعَةُ الحقيقَةِ أمامَ القَبر. بينما كُنتُ أطلُبُ منَ اللهِ أن يُعطِيَني كَلِمَةَ تَعزِيَةٍ لهذه العائِلاتِ المَنكُوبَة بهذه المأساة، الكلمَةُ الوحيدَةُ التي بدَت مُناسِبَةً لي آنذاك، هي ما قالَهُ يسُوعُ لِبُطرُس: "لَستَ تعلَمُ الآنَ ما أنا أصنَعُ، ولكنَّكَ ستفهَمُ فيما بعد." (يُوحَنَّا 13: 7)
في هذه الحياة، غالِباً ما يغِيبُ عن بالِنا ما يعمَلُهُ اللهُ. ولكنِّي أُؤمِنُ من كُلِّ قَلبِي أنَّهُ يوماً ما، عندما نعرِفُ كما عُرِفنا، سنَنالُ جواباً على أسئِلَتِنا الكَثيرة (1كورنثُوس 13: 12). وإلى ذلكَ اليَوم، سَتَكُونُ كلماتُ يسُوع المَذكُورَة أعلاه مصدَرَ تعزِيَةٍ للكثيرين.
بِمعنَىً ما، لم يُقَاطِع أحدٌ يسُوع، بل توفَّرَت لهُ فُرَصٌ لأنَّهُ دائماً كانَ يُحَوِّلُ مُقاطَعات الكلام إلى فُرص مُتاحَة. وبينما يبدُو أنَّ بُطرُس كانَ يقاطِعُ يسُوع، نرى بِبَساطَة يسُوعَ يتمتَّعُ بفُرصَةٍ بأن يُعَلِّمَ شَيئاً. عندما أجابَ يسُوعُ بُطرُس، بالإضافَةِ إلى طَلَبِهِ من بُطرُس أن ينتَظِرَ إلى أن ينتَهِيَ يسُوعُ من غَسلِ رِجلَيهِ، أعطى يسُوعُ لِبُطرُس تعليماً عظيماً آخر. عندما طَلَبَ بُطرُس من يسُوع أن يغسِلَهُ كُلَّهُ، أخبَرَ يسُوعُ بُطرُسَ أنَّهُ لن يحتاجَ إلى الإغتِسالِ بكامِلِهِ ثانِيَةً. بل يحتاجُ فقط إلى غَسلِ رِجلَيهِ.
في تلكَ الأيَّام، كانَ النَّاسُ يذهَبُونَ للإستِحمامِ في الحمَّامَاتِ العامَّة. وعندما كانُوا يسيرُونَ رُجُوعاً إلى منازِلِهم بعدَ إنتِهائِهِم منَ الإستِحمام، كانَ الغُبارُ يلتَصِقُ بأقدامِهم الرَّطِبَة. فعندما كانُوا يَصلُونَ إلى البَيت، أو إلى منزِلِ صَديقٍ لهُم حيثُ كانُوا مَدعُوُّونَ إلى الغداءِ مَثَلاً، لم يكُونُوا بحاجَةٍ إلى الإستِحمامِ ثانِيَةً، بل إلى مُجَرَّدِ غَسلِ أرجُلِهما مُجدَّداً.
الإستِحمامُ في هذه الصُّورَة المجازِيَّة يُشيرُ إلى الولادَةِ الثَّانِيَة – أي التَّجديد. عندما نُؤمِنُ بالمسيح لأجلِ الخلاص، ونُولَدُ ثانِيَةً، تُغسَلُ خطايانا ونتطَهَّرُ تماماً. بكلماتٍ أُخرى، وكأنَّنا إستَحمَمنا. ولكن بينما نَسيرُ في بَرِّيِّةِ هذا العالم، تتَّسِخُ أقدامُنا. وعندما تُصبِحُ أقدامُنا مُتَّسِخَةً، لن نحتاجَ أن نتجدَّدَ ثانيَةً، مراراً وتكراراً، أو أن نستَحِمَّ مُجدَّداً بالولادَةِ الثَّانِيَة، بل نحتاجُ إلى مُجَرَّدِ غسلِ أرجُلِنا بإستِمرار.
لِهذا أسَّسَ الرَّبُّ مائِدَةَ العشاءِ الرُّبَّانِيّ، أو الإشتِراك، كما يُسمِّيهِ البَعضُ. فهُوَ يعلَمُ أنَّنا سنحتاجُ دَورِيَّاً لأن نتذَكَّرَ بأن نغسِلَ أقدامَنا. فعندما نُخطِئُ، نحتاجُ أن نعتَرِفَ بِخطايانا، واثِقينَ بأنَّهُ سيغفِرُ خطايانا ويُطَهِّرَنا من كُلِّ إثم (1يُوحَنَّا 1: 7- 9). ولكن عندَما يحدُثُ هذا، لا نَكُونُ نختَبِرُ الولادَةَ الثَّانِيَة. بل كُلُّ ما نحتاجُهُ هُوَ غسلُ أرجُلِنا، أي التَّوبَة عن الخطايا العَرَضِيَّة التي تُعكِّرُ حياتَنا، لأنَّ جسَدَنا أصبَحَ كُلُّهُ نظيفاً بالتَّجديد.
ثُمَّ نقرَأُ أنَّهُ يَقُولُ: "وأنتُم طاهِرُونَ ولكن ليسَ كُلُّكُم. لأنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ." (يُوحَنَّا 13: 10- 11) وسيَكُونُ لديهِ المَزيدُ ليَقُولَهُ عنِ الذي سيُسَلِّمُهُ. ولكن، كم تمتَّعَ بُطرُس وباقي الرُّسل عندما سَمِعُوا كلماتِ يسُوع القائلَة ما معناهُ: "أنتُم طاهِرُون. لأنَّكُم إستَحمَمْتُم. ولا تحتاجُونَ إلا إلى غَسلِ أرجُلِكُم من وَقتٍ لآخَر."
ثُمَّ تُتابِعُ القِصَّةُ كالتَّالِي: "فَلمَّا كانَ قد غَسَلَ أرجُلَهُم وأخذَ ثيابَهُ وإتَّكَأَ، قالَ لهُم أتَفهَمُونَ ما قد صَنَعتُ بكُم. أنتُم تَدعُوني مُعَلِّماً وسَيِّداً وحَسَناً تَقُولُونَ، لأنِّي أنا كذلكَ. فإن كُنتُ وأنا السَّيِّدُ والمُعَلِّمُ قد غَسَلتُ أرجُلَكُم، فأنتُم يجِبُ عليكُم أن يَغسِلَ بعضُكُم أرجُلَ بَعض. لأنِّي أعطَيتُكُم مِثالاً حتَّى كما صَنعتُ أنا بِكُم تصنَعُونَ أنتُم أيضاً. الحقَّ الحقَّ أقُولُ لكُم إنَّهُ ليسَ عَبدٌ أعظَمَ من سَيِّدِهِ، ولا رَسُولٌ أعظَمَ من مُرسِلِهِ. إن عَلِمتُم هذا، فطُوباكُم إن عَمِلتُمُوهُ." (يُوحَنَّا 13: 12- 17)
عندما إنتَهَى من عِظَتِهِ المُوحَى بها منَ الله، والتي هي جوابٌ على مُقاطَعَتِهِ – أي التَّعليم الرَّائِع الذي شارَكَهُ معَ بُطرُس – سأَلَ قائلاً، "أتَفهَمونَ ما صَنعتُ بِكُم؟" يا لِهذا السُّؤال! فماذا كانَ قد صنعَ بهِم؟ منَ الواضِحِ أنَّهُ كانَ قد غَسَلَ أرجُلَهُم، وأعطاهُم مِثالاً عنِ التَّواضُعِ وخدمَةِ بعضِهِم البَعض، بِشَكلٍ لن ينسَوهُ أبداً. ثُمَّ عَلَّقَ قائِلاً، "لأنِّي أعطَيتُكُم مِثالاً، حتَّى كما صَنَعتُ أنا بِكُم تصنَعُونَ أنتُم أيضاً." (يُوحَنَّا 13: 15)
لقد أظهَرَ لنا الرَّسُول بُولُس كيفَ نُطَبِّقُ هذا التَّعليم عندما حضَّ كنيسة فيلبِّي أن يَكُونَ لها فِكرُ المسيح، وأن يخدِمَ المُؤمِنُونَ فيها بعضُهُم بعضاً بِمحبَّة (فيلبِّي 2: 1- 5). التَّطبيقُ الشَّخصِيّ والتعبُّدِيّ للطَّريقَةِ التي بدأَ بها يسُوعُ هذه الخُلوَة هي بأن نسألَ الرَّبَّ يَوميَّاً، "كيفَ أستطيعُ أن أخدُمَكَ يا رَبّ؟" أفضَلُ طريقَةٍ لتطبيقِ هذا العملِ الرَّمزِيّ الذي بدَأَ بهِ يسُوعُ هذه العِظة، هي بأن نسألَ جميعَ الذين نعاشِرُهُم: "كيفَ أستَطيعُ خدمَتك؟"
لَرُبَّما تُوجَدُ طريقَةٌ أفضَل لطرحِ هذينِ السُّؤالَين، هي بأن نسأَلَ الرَّبَّ وأُولئكَ الذينَ نحنُ على علاقَةٍ معَهُم، "كيفَ أستطيعُ أن أُحِبَّكَ؟" رُغمَ أنَّ الأمرَ لم يَكُنْ واضِحاً تماماً، إلى أنَّ يسُوعَ عمِلَ شَيئاً آخر من أجلِ الرُّسُل عندما غسلَ أرجُلَهُم. ما هُوَ الذي صنَعَهُ من أجلِهِم؟ سُؤالُهُ تمَّتِ الإجابَةُ عليهِ في العددِ الأوَّل. تَرجَمَتي المُفَضَّلَة هي كالتَّالِي: "بعدَ أن أحَبَّ خاصَّتَهُ الذين في العالم، أظهَرَ لهُم الآن أقصَى مدَى لمحبَّتِهِ لهُم."
فعندَما غسَلَ أرجُلَهُم، أحبَّهُم. فمنذُ أن إلتَقَى بهؤُلاء الرِّجال، أحبَّهُم جميعاً. أحَبَّهُم بِطَريقَةٍ لم يُحَبُّوا بها قَطعاً من قبل. يُشيرُ يُوحَنَّا إلى نفسِهِ بضعَ مرَّاتٍ في هذا الإنجيل بأنَّهُ التَّلميذ الذي أحَبَّهُ يسُوع. (يُوحَنَّا 13: 23؛ 19: 26؛ 20: 2؛ 21: 20، 24). لم ينسَ يُوحَنَّا أبداً إختِبار كَونِهِ مَحبُوباً بالطريقة التي أحبَّهُ بها يسُوع. وبعدَ سِتِّينَ سنَةً، عندما دوَّنَ سفر الرُّؤيا وقدَّمَهُ ليسُوع، عَرَّفَ عن يسُوع بأنَّهُ: "الشَّاهِدُ الأمين، الذي أحَبَّنا وقد غَسَّلَنا من خَطايانا بِدَمِهِ وجعلَنا مُلُوكاً وكَهَنَةً." (رُؤيا 1: 5)
بَينما كانَ يُوحَنَّا يُقدِّمُ السِّفرَ الأخير منَ الكتابِ المُقدَّس ليَسُوع، ما هُو أوَّلُ شَيءٍ ذَكَرَهُ عن يسُوع؟ "الذي أحَبَّنا!" لقد أظهَرَ يسُوعُ محبَّتَهُ لِرُسُلِهِ بطُرُقٍ صَغيرة لثلاثِ سنواتٍ. وعندما غَسَلَ رِجلَيه، كانَ يُعَبِّرُ بِبَساطَةٍ عن محَبَّتِهِ بطريقَةٍ أُخرى. ولقد أظهَرَ لهؤُلاء الرِّجالِ أقصى مدى من محبَّتِهِ، عندما غسَلَ أرجُلَهُم. لاحِظُوا أنَّهُ أحبَّهُم بِطَرِيقَةٍ لم يَكُونُوا مُستَعِدِّينَ أن يُحِبُّوا بعضُهم البَعض بها. كانَ هذا جَوهَرُ هذا المِثال من محبَّتِهِ لهم.
سوفَ يُؤَكِّدُ يسُوعُ الرَّابِطَ بينَ محبَّتِهِ لهُم وغَسلِهِ لأرجُلِهِم، عندما أصدَرَ ما نُسمِّيهِ "الوصيَّةَ الجديدة." فلقد علَّمَ بِوُضُوحٍ أنَّهُم عليهِم أن يتبَعُوا مِثالَهُ بغَسلِ أرجُلِ بعضِهم البَعض. الوَصِيَّة الجديدة ستُظهِرُ لهُم بِبَساطَةٍ كيفَ ينبَغي عليهِم أن يُطَبِّقُوا ما قَصَدَهُ عندما قالَ لهُم أن يتبَعُوا مِثالَهُ وأن يَغسِلُوا بعضُهُم أرجُلَ بعض.
كانت وَصِيَّةُ يسُوع الجديدة هي: "أن تُحِبُّوا بعضُكُم بَعضاً. كما أحبَبتُكُم أنا تُحِبُّونَ بَعضُكُم بَعضاً. بِهذا يَعرِفُ الجَميعُ أنَّكُم تلاميذي إن كانَ لكُم حُبٌّ بعضُكُم لِبَعضٍ." (يُوحَنَّا 13: 34، 35) عندما غَسَلَ أرجُلَهُم، أحبَّهُم. وعندما قالَ لهُم أن يَتبَعُوا مِثالَهُ وأن يغسِلُوا بعضُهُم أرجُلَ بَعض، كانَ يُعَلِّمُهُم أن يُحِبُّوا بعضُهُم بعضاً، كما هُوَ أحبَّهُم لثلاثِ سنواتٍ، وكما أحبَّهُم بِغَسلِ أرجُلِهِم.
عندما إلتَحَقَ بهِ هؤُلاء الرِّجال للخُلوَةِ الأخيرَة، كانَ لدَيهِم جميعاً شَيءٌ واحِدٌ مُشتَرَك. لقد أحبُّوا يسُوعَ لأنَّ يسُوعَ أحبَّهُم. ولقد كتبَ يُوحَنَّا لاحِقاً، "نحنُ نُحِبُّهُ لأنَّهُ هُوَ أحَبَّنا أوَّلاً." (1يُوحَنَّا 4: 19) لقد أحَبَّ يسُوعُ هؤُلاء الرِّجال، وهُم تجاوَبُوا معَ محبَّتِهِ هذه بأفضلِ ما يُمكِنُهُم. ولكن، عندما إلتَقى بهم يسُوعُ في العُلِّيَّة، كُلُّ ما نستَطيعُ قولَهُ هُوَ أنَّ يسُوعَ أحَبَّهُم وهُم أحَبُّوا يسُوع.
عندما أعطى يسُوعُ وصَيَّتَهُ الجَديدة للرُّسُل، كانَ جوهَرُ ما يَقُولُهُ لكُلِّ واحِدٍ منهُم: "أَتَرى أخاكَ الجالِس مُقابِلَكَ على المائِدة؟ أُريدُكَ أن تُحِبَّ هذا الشَّخص. وبالطريقِةِ ذاتِها التي بها أحبَبتُكُم، أُوصيكَ الآن أن تُحِبَّ أخاكَ هذا." ولقد وعدَ تلاميذَهُ بنتيجتينِ ستحدُثان سُرعانَ ما يُطَبِّقُونَ هذه الوَصِيَّة: العالَمُ سيعلَمُ أنَّكُم تلاميذِي، وسوفَ تتبارَكُونَ بِكَثرَة.
إذا دَرستُم حياةَ هؤُلاء الرُّسُل، ستعلَمُونَ أنَّ البَعضَ منهُم كانُوا منَ الغَيُورين، أي أنَّهُم كانُوا يُؤمِنُونَ بمُتابَعَةِ المُقاومَة ضِدَّ الرُّومان رُغمَ كَونِهِم مُحتَلِّينَ من قِبَلِ رُوما. أحدُهُم كانَ يُدعَى سِمعان الغَيُور. ولكنَّ واحِداً آخرَ منهُم كانَ عَشَّاراً، الذي يَعني أنَّهُ لم يَكُن يُحارِبُ الرُّومان، بل كانَ يعمَلُ لِمَصلَحَتِهم. كانَ يجمَعُ الضَّرائِبَ من إخوتِهِ اليَهُود. فأيُّ قاسَمٍ مُشتَرَكٍ كانَ يُمكِنُ أن يُوجَدَ بينَ الغَيُورِ والعَشَّار؟
أُحِبُّ أن أتَخَيَّلَ سِمعان الغَيُور جالِساً إلى المائِدَة مُقابِلَ مَتَّى. فتقابَلَت عيناهُما معاً. ثُمَّ نَظَرَ كُلٌّ منهُما إلى الأرض، ومن ثَمَّ نظرَ كِلاهُما إلى يسُوع مُجدَّداً. وبَدَت أعيُنُهما كِلاهما تسأَلانِ يسُوع، "هل تقصُدُ أنَّهُ عليَّ أن أُحِبَّ هذا الشخص الذي يَجلِسُ مُقابِلي؟ هل تقصِدُ أن يَغسِلَ الغَيُورُ رِجلَي العشَّار، وأن يغسِلَ العَشَّارُ رِجلَي الغَيُور؟"
وكانَ يسُوعُ يُجيبُ بنظراتِ عينيهِ بما معناهُ: "تماماً. فعندَما سيسمَعُ العالَمُ أنَّ غَيُوراً يغسِلُ رِجلَي عَشَّار، وأنَّ عشَّاراً يغسِلُ رِجلَي غَيُور – وأنَّ غيُوراً يُحِبُّ عَشَّاراً، وأنَّ عشَّاراً يُحِبُّ غَيُوراً – سوفَ يعلَمُ النَّاسُ أنَّكُم تلاميذِي."
بعدَ البَدءِ بالخُلوَةِ بِعَمَلٍ رَمزِيٍّ عَميقٍ بغَسلِ أرجُلِ التَّلاميذ، صدَمَ يسُوعُ هؤُلاء الرِّجال بالأخبارِ المُحزِنة أنَّهُ كانَ سيَترُكُهم. فبَدَوا وكأنَّهُم فَهِمُوا أنَّهُ قَصَد موتَهُ، رُغمَ أنَّ هذا لم يَكُنْ أكيداً. لقد فَهِمُوا أنَّهُ كانَ يَقُولُ لهُم: "أنا سأذهَبُ بَعيداً ولا يُمكِنُكُم أن تأتُوا معِي." (يُوحَنَّا 13: 36).
وقالَ لهُم أيضاً: "على ضَوءِ كَوني سأترُكُكُم، أُعطيكُم وَصِيَّةً جَديدة." بما أنَّ أُسلُوبَهُ كانَ إعطاءَ إيضاحٍ قبلَ التَّعليم، أو العِظة، سبقَ وأوضَحَ هذه الوصِيَّة الجديدة عندما غسَلَ أرجُلَهُم، ومن ثَمَّ طرحَ عليهِم السُّؤال: أتفهَمُونَ ما صَنعتُ بكُم؟" عندما غَسَلَ أرجُلَهُم، أظهَرَ لهُم أقصَى محبَّتِهِ، وعندما قالَ لهُم، "أنا غَسَلتُ أرجُلَكُم حتَّى تَغسِلُوا بعضُكُم أرجُلَ بعض،" كانَ يقصُدُ القَول، "إن كُنتُ قد أحبَبْتُكُم، أحِبُّوا بعضُكُم بعضاً."
لقد قُمنا أنا وزَوجَتي بتَربِيَةِ خَمسَةِ أولادٍ رائعين. ولقد أُخبِرنا أنَّ أفضَلَ طريقَةٍ لِتعريفِ أولادِنا على العلاقَةِ الصحيحَةِ بينَ الزَّوجِ والزَّوجَة، هي بإظهارِ عواطِفِ المحبِّةِ بينَ الزَّوجَين في حُضُورِ الأولاد. ذاتَ صباحٍ أظهَرنا أنا وَزوجتَي الكثير من عواطِفِ المحبَّةِ لِبَعضِنا في وقتِ الفُطُور، فسألَت إبنَتُنا قبلَ أن تُغادِرَ هي وإخوَتُها إلى المدرَسَة: "أهذا ما تفعَلانِهِ طوالَ النَّهارِ عندما نَكُونُ في المَدرَسة؟"
وبناءً على ما قِيلَ لنا، عندما تزوَّجَت إبنَتُنا، كانَ لدَيهَا مَوقِفٌ إيجابِيٌّ تجاهَ علاقَةِ المحبَّةِ بينَ الزَّوجَين في بَيتِها، بِسَبَبِ ما لاحَظَتْهُ من محبَّةٍ صادِقَة بينَ والِدَيها كَمِثالٍ صالِح.
لقد كانَ يسُوعُ يَقُولُ لرُسُلِهِ أنَّهُ دَرَّبَهُم ثلاثَ سنواتٍ، وأنَّهُ كانَ يُعطيهم مأمُوريَّةً ليُشارِكُوا بِرسالَةِ المحبَّة لعالَمٍ مَليءٍ بالعُنفِ والقَسوة. وكانَ يخبِرُهُم بِبَساطَةٍ أنَّ أفضَلَ طريقَةٍ لإيصالِ رسالَةِ محبَّتِهِ للنَّاس، هي بأن يُحِبُّوا بعضُهُم بعضاً.
وفي غُضُونِ سنواتٍ قَليلَة، كانت الشُّعُوبُ الوثنيَّةُ القاسيَة تُشاهِدُ أتباعَ المسيح الذين كانُوا يُلقَونَ للمَوتِ بطُرُقٍ لا يُعَبَّرُ عنها في الملاعِبِ الرُّومانِيَّة. وبينما كانَ هؤُلاء المُؤمنُونَ بالمسيحِ يمُوتُونَ بالجماعاتِ، كانَتِ جُمُوعُ المُتَفَرِّجِينَ تقُولُ مُتَعجِّبَةً، "أُنظُرُوا كيفَ يُحبُّونَ بَعضُهُم بعضاً." يُخبِرُنا التَّاريخُ أنَّهُ مرَّتْ أوقاتٌ كانَ فيها أُولئكَ الذينَ يُشاهِدُونَ المسيحيِّينَ يمُوتُونَ في حَلباتِ المُصارَعةِ الرُّومانِيَّة، إنضَمَّ فيها هؤُلاء الوثَنِيُّونَ إلى تلاميذِ يسُوع ليَمُوتُوا معَهُم بسببِ إعجابِهِم بالطريقةِ التي أحَبُّوا فيها بعضُهُم بعضاً خلالَ مُواجَهَتِهم للمَوتِ معاً.
عندما كتبَ يُوحَنَّا الرَّسُول رسالَتَهُ القَصيرَة التي نَجِدُها في نهايَةِ العهدِ الجَديد، أعطانا عشرَةَ أسبابٍ تُوجِبُ علينا أن نُحِبَّ بَعضُنا بعضاً (1يُوحَنَّا 4: 7- 21) يُخبِرُنا التَّقليدُ أنَّهُ عندما أصبَحَ يُوحَنَّا شَيخاً طاعِناً في السِّنِّ، كانَ قد أصبحَ ضَعيفاً لدَرَجةِ أنَّهُ كانَ يُحمَلُ إلى إجتماعاتِ الكنيسة. وكانَ يُبارِكُ الجماعَةَ بِصَوتٍ ضَعيفٍ، وهُوَ يَقولُ: "يا أولادِي، أحِبُّوا بعضُكُم بَعضاً." لقد فَهِمَ رَسُولُ المَحَبَّةِ وَصِيَّةَ يسُوع الجديدة.
- عدد الزيارات: 5442