الفَصلُ الثَّالِث "إرفَعُوا حجَرَ عدَمِ الإيمان"
(يُوحَنَّا 11: 33- 57)
الأعدادُ التي تُخبِرُنا بما سيحدُثُ لاحِقاً، تُعطينا أبلغَ صُورَةٍ مَجازِيَّةٍ عنِ الإيمان في إصحاحِ القِيامَةِ هذا. كانَ لِعازارُ مدفُوناً في كَهفٍ، وكانَ يُوجَدُ حجَرٌ كَبيرٌ دُحرِجَ على مدخَلِ هذا الكَهف لإغلاقِ هذا القبرِ الذي كانَ يرقُدُ فيهِ شخصٌ أحبَّهُ يسُوع. "وبينما كانَ واقِفاً أمامَ قبرِ لِعازار، قالَ يسُوعُ لِمَرثا، "ألم أقُلْ لكِ إن آمنتِ تَرَينَ مجدَ الله؟" وجاءَتْ ساعَةُ الحقيقَةِ في هذا الإصحاح، عندما أعطَى يسُوعُ الأمرَ قائِلاً: "إرفَعُوا الحَجَرَ عن بابِ القَبر." (يُوحَنَّا 11: 39- 40)
وكما أشَرتُ في مُقدِّمَتي لِهَذا الإنجيل في الكُتَيِّب الثِّالِث والعِشرين، هُناكَ دائماً معنىً أعمَق في إنجيلِ يُوحَنَّا. المعنى الأعمَق هُنا هُوَ أنَّهُ يتوجَّبُ علينا أن نُدحرِجَ حجرَ عدَمِ الإيمان عندما نَجِدُ أنفُسَنا نَقِفُ إلى جانِبِ قبرِ شخصٍ نُحِبُّهُ. المقاطِعُ الكِتابِيَّةُ التي نقرَأُها عادَةً أمامَ قبرِ شخصٍ ما تُؤَكِّدُ قناعَتَنا بأنَّهُ يوماً ما، سيَظهَرُ مجدُ اللهِ عندما يَقُومُ أحبَّاؤُنا منَ المَوت. (2 كُورنثُوس 15: 42- 44؛ 1 تسالُونيكي 4: 13- 18).
يُعجِبُني في مَرثا صراحَتُها الكامِلَة وصدقُها المُدهِش. فعندما كانُوا على وشكِ إزاحَةِ الحجَرِ عن بابِ القَبر، قالَت، "يا مُعلِّم، قد أنتَنَ!" وبعدَ أن طرحَ يسُوعُ على مرثا السُّؤالَ الذي تحدَّاها وتحدَّى الحاضِرينَ بأن يُؤمِنُوا، صلَّى صلاةً مُثيرَةً للإهتِمام. في هذه الصَّلاة، شرحَ للآبِ أنَّ ما كانَ يَقُولُهُ لم يَكُن مُوَجَّهاً إلى أُذُنَي اللهِ الآب، بل لأجلِ منفَعَةِ الذي كانُوا يسمَعُونَ تلكَ الصَّلاة (يُوحَنَّا 11: 41، 42).
لقد تكلَّمَ يسُوعُ بإسهابٍ عن وجُوبِ الصَّلاةِ في مخدَعٍ مُغلَق، إذا أردنا أن نتأكَّدَ أنَّ صلاتَنا مُوجَّهةٌ للهِ وليسَ للنَّاس (متَّى 6: 5 و6). إنَّهُ يَقُولُ هُنا بِوُضُوحٍ أنَّ صلاتَهُ كانت على الأقل مُوجَّهَة جُزئِيَّاً للنَّاسِ الذين كانُوا يسمَعُونَهُ يُصَلِّي. ومن خلالِ هذه الصَّلاة النَّمُوذَجِيَّة، أظهَرَ لنا أنَّنا عندما نُصَلِّي صلاةً علانِيَةً أو جماعِيَّة، رُغمَ كَونِنا نُوجِّهُ صلاتَنا لله، ولكن علينا أن نتذكَّرَ النَّاس الذين يسمَعُونَ صلاتَنا، وأن نجمعَ قُلُوبَهُم معَ قُلُوبِنا خلالَ صلاتِنا.
عندما تمَّ رَفعُ الحَجَرِ عن بابِ القَبر، نجدُ وصفاً للمُعجِزَةِ الرَّائِعة في هذا الإصحاح، عندما وجَّهَ يسُوعُ الأمرَ للِعازار بِصَوتٍ مُرتَفِع قائِلاً: "لِعازار هَلُمَّ خارِجاً!" خرجَ المَيتُ، ويداهُ ورجلاهُ مَربُوطاتٌ بأقمِطَةٍ ووجهُهُ مَلفُوفٌ بمِندِيل. فقالَ لهُم يسُوعُ حُلُّوهُ ودَعُوهُ يذهَب." (يُوحَنَّا 11: 43- 44).
يَرَى بعضُ المُفسِّرينَ معنَىً أعمَق يتوازَى معَ التَّعليم الذي إكتَشَفناهُ في الإصحاحِ الثَّامِن من هذا الإنجيل (يُوحَنَّا 8: 30- 36). فعندما آمنَ بعضُ رِجالِ الدِّين اليَهُود، قالَ يسُوعُ للذينَ آمنُوا، "إثبُتُوا في كَلامي، فتَعرِفُوا الحقَّ والحَقُّ يُحَرِّرُكُم." التَّطبيقُ الشَّخصِيُّ بالنِّسبَةِ لنا هُوَ أنَّنا عندما نلتَزِمُ بأن نُصبِحَ تلاميذَ ليسُوع، إذ نثبُتُ في كلامِ يسُوع كتلاميذَ حقيقيِّينَ لهُ، علينا أن نتوقَّعَ أن نختَبِرَ شَيئاً يُِشبِهُ التَّحرُّرَ منَ السِّجن.
عندما خَرَجَ لِعازَارُ منَ القَبرِ وهُوَ لا يزالُ ملفُوفاً بالأقمِطَة، يَعتَقِدُ البَعضُ أنَّ هذا رمزٌ يُعَلِّمُنا أنَّهُ منَ المُمكِنِ أن يختَبِرَ المُؤمِنُ قُوَّةَ قِيامَةِ الولادَةِ الجديدة لفترَةٍ ما، قبلَ أن يتحرَّرَ نهائِياً. ولكنَّ يسُوع لا يُريدُ أن يرى تلاميذَ مَولُودينَ ثانِيَةً، وهُم لا يزالُونَ "أقمِطَةِ القَبرِ" التي كانُوا يرتَدُونَها عندما كانُوا أمواتاً رُوحيَّاً وعندما كانُوا أحياءَ في الخَطيَّة.
أوَدُّ أن أُشيرَ إلى المعنَى الأعمق لهذا المثالِ عن قيامَةِ لِعازار وهُوَ لا يزالُ مَربُوطاً بأقمِطَةِ القَبر. وكما أشَرتُ سابِقاً في تفسيري للإصحاحِ الثَّامِن، لقد إتَّبَعتُ المسيحَ كتِلميذٍ لهُ لأكثَرِ من عشرِ سنواتٍ، قبلَ أن أختَبِرَ الحُرِّيَّةَ التي يَصِفُها يسُوعُ هُنا وفي الإصحاحِ الثَّامِن. أنا شخصيَّاً أجِدُ أنَّ حَلَّ أقمِطَةِ القَبرِ عن الحياةِ القَديمة هُو صُورَةٌ مجازِيَّةٌ جميلَة.
- عدد الزيارات: 3336