Skip to main content

الإنقاذ

هل تُلاحِظُونَ ما يحدُثُ هُنا؟ هاتانِ الشَّقيقَتانِ تُواجِهانِ أكثَرَ مُشكِلَتَينِ مُستَعصِيَتين في الحياة. وما يُريدُهُ الرَّبُّ منهُما هُوَ حقُّ التَّجاوُب معَ هاتَينِ المُشكِلَتَين. التَّجاوُبُ الصَّحيحُ معَ هذه المَشاكِل يبدَأُ في علاقَتِهِم معَ الرَّب. ولقد حصلَ يسُوعُ على هذا التَّجاوُبِ من مَريم. نتعلَّمُ أنَّهُ سُرعانَ ما أصبَحَت هذه العلاقَةُ في مكانِها الصَّحيح، حتَّى أنقَذَ الرَّبُّ هاتَينِ الأُختَين وشَقيقَهُما من مشاكِلِ المَرَضِ والمَوت.

عندَما نختَبِرُ هاتَينِ المُشكِلَتَين، لا يحدُثُ الإنقاذُ في هذه الحياة. فبِما أنَّ المَوتَ هُوَ جزءٌ منَ الحياة بمقدارِ ما ما هي الولادَةُ أيضاً، علينا أن ننتَظِرَ هذا الإنقاذ إلى وقتِ قيامَةِ كُلِّ المُؤمنين عندَ رُجُوعِ يسُوع (1تسالُونِيكي 4: 13- 18).

بالإضافَةِ إلى المَرَضِ و المَوت، هُناكَ أوقاتٌ في حياتِكَ وحياتِي، يسمَحُ لنا الرَّبُّ فيها بأن نختَبِرَ مشاكِلَ مُستَعصِيَة لا حُلُولَ لها. فهُوَ يعرِفُ أنَّنا إذا إتَّبَعنا مِثالَ مَريَم الجَميل، في تجاوُبِنا معَ هذه المشاكِل، سوفَ يُعطَى المَجدُ لله، وسوفَ يتمجَّدُ رَبُّنا ومُخَلِّصُنا يسُوع المسيح. وسوفَ تُساهِمُ العمليَّةُ بكامِلِها في زيادَةِ قُدرَتِنا على الإيمان والمَعرِفَةِ والمحبَّةِ وخدمَةِ اللهِ ورَبِّنا ومُخَلِّصِنا يسُوع المسيح.

وهُوَ يعرِفُ أيضاً أنَّ الإيمانَ الصَّادِقَ الشَّفَّافَ، الذي تُمَثِّلُهُ مرثا، سيقُودُنا إلى إختبارِ مجدِ الله. فلقد وعدَ مرثا أنَّها إن آمنَتْ، سترى مجدَ الله. وكما سنَرَى الآن، مريم ومرثا كِلاهُما ستُؤمِنانِ وستريانِ مجدَ الله.

عندَما حصلَ الرَّبُّ على هَذَينِ التَّجاوُبَين من مرثا ومريَم، نقرَأُ: "فَلَمَّا رآهَا يسُوع تَبكِي واليَهُودُ الذين جاؤُوا معَها يبكُون، إنزَعَجَ بالرُّوحِ واضطَّرَبَ. وقالَ أينَ وَضَعتُمُوهُ. قالُوا لهُ يا سَيِّد تعالَ وانظُرْ. بَكَى يسُوع. فقالَ اليَهُودُ أنظُرُوا كيفَ كانَ يُحِبُّهُ. وقالَ بعضٌ منهُم ألَم يقدِرْ هذا الذي فتحَ عَينَي الأعمى أن يجعَلَ هذا أيضاً لا يمُوت.

"فإنزَعَجَ يسُوعُ أيضاً في نَفسِهِ وجاءَ إلى القَبر. وكانَ مَغارَةً وقد وُضِعَ عليهِ حَجَرٌ. قالَ يسُوعُ إرفَعُوا الحَجَرَ. قالَتْ لهُ مَرثا أُختُ المَيتِ يا سَيِّد قد أنتَنَ لأنَّ لهُ أربَعَةَ أيَّامٍ. قالَ لها يسُوعُ ألَمْ أقُلْ لكِ إن آمنتِ ترَينَ مجدَ الله. فرَفَعُوا الحَجَرَ حَيثُ كانَ المَيتُ مَوضُوعاً.

"ورفَعَ يسُوعَ عينَيهِ إلى فَوقُ وقالَ أيُّها الآبُ أَشكُرُكَ لأنَّكَ سَمِعتَ لي. وأنا عَلِمتُ أنَّكَ في كُلِّ حِينٍ تَسمَعُ لي. ولكن لأجلِ هذا الجَمع الواقِفِ قُلتُ. ليُؤمِنُوا أنَّكَ أرسَلتَني. ولمَّا قالَ هذا صَرخَ بِصَوتٍ عَظيمٍ لِعازار هَلُمَّا خارِجاً. فخَرَجَ المَيتُ ويداهُ ورِجلاهُ مربُوطاتٌ بِأقمِطَةٍ ووَجهُهُ ملفُوفٌ بِمندِيل. فقالَ لهُم يسُوعُ حُلُّوهُ ودَعُوهُ يذهَب." (يُوحَنَّا 11: 33- 44)

عندما كُنتُ قَسِّيساً يافِعاً، كُنتُ في صَبيحَةِ يَومِ أحدٍ مُتَوَتِّراً جدَّاً، عندما أنهَيتُ عِظَتي وختمتُ إجتماعَ الكنيسة، لأنَّني كُنتُ على وشكِ البدءِ بإجراءِ مراسيم أوَّل جنازَة أقُودُها. وكانَ يُوجَدُ رَجُلٌ مُتَقَدِّمٌ في السِّنّ في كنيستي، الذي كانَ قَسِّيساً بِدَورِهِ وكانَ قد قادَ عدَّةَ خدماتِ جنازَة. وكانَ منَ اليَهُودِ المَسياوِيِّين الذين آمنُوا بالمسيح أنَّهُ المَسيَّا، وكانَ بِدَورِهِ مُؤمناً كاريزاتيَّاً منَ الذين نَجَوا من تشكسلُوفاكيا هرباً من هتلر ومذابِحِه. وكانَ هذا القَسِّيس شَخصاً مُتعلِّماً جدَّاً ومُمَيَّزاً لِلغايَة. وكُنتُ قد تمتَّعتُ بساعاتٍ طوالٍ منَ الشَّرِكَةِ المسيحيَّةِ الرَّائِعَة معَهُ، ولقد ساعَدني كراعٍ شابٍّ على تجاوُزِ تحدِّياتِ السنواتِ الأُولى في خِدمَتي التي كانت صعبَةً جدَّاً.

بعدَ إنتِهاءِ الخدمَةِ الصَّباحِيَّة، وبَينما كُنتُ أُصافِحُ النَّاسَ على بابِ الكنسية، قُلتُ لهذا القَسِّيس، "دكتُور بِيرل، هل بإمكانِكَ أن تُخبِرَني أيَّ شَيءٍ يُمكِنُ أن يُساعِدَني على إجراءِ خدمَةِ دَفنٍ؟ فلَدَيَّ جنازَةٌ لأقُومَ بها بعدَ ظُهرِ اليوم." أجابَ، "يسُوع لم يَقُمْ بإجراءِ أيَّةِ خدمَةِ دَفنٍ. بل قامَ فقط بخدماتِ قِيامَة!" رُغمَ أنَّ نصيحَتَهُ لم تُساعِدنِي كَثيراً بعدَ ظُهرِ ذلكَ اليوم، ولكن يا لِهذه الحقيقة الرَّائِعة التي شارَكني بها. فيسُوعُ لم يُجرِ بالفِعل إلا خدماتِ قِيامَة، وهذا هُوَ رجاؤُنا.

هذا الإصحاح يَصِفُ لنا يسُوع ذاهِباً إلى جنازَة. ولكن قَبلَ أن يُحَوِّلَ تِلكَ الجنازَة إلى قِيامَة، أظهَرَ لنا بعضَ الأُمُور عن كيفيَّةِ حُضُورِ الجنازات. مثلاً، يُخبِرُنا أقصَرُ عددٍ في الكتابِ المُقدَّس قائِلاً: "بكَى يسُوع." وتعني هذه العبارَة أنَّ جَسَدَهُ إرتَعشَ مُجهِشاً بالبُكاء. ولقد أظهَرَ علاماتٍ منظُُورَةً عنِ الحُزن، لِدَرَجَةِ أنَّ النَّاسَ الذي حَضَرُوا الجنازَةِ قالُوا: "أنظُرُوا كيفَ كانَ يُحِبُّ لِعازار." لقد أظهَرَ لنا يسُوعُ أنَّنا عندما نحَضُرُ جنازَةَ أو دَفنَ أحدٍ ما مِنَ الذين نُحِبُّهُم كَثيراً، فإذا بَكَينا لا نَكُونُ بذلكَ نُعَبِّرُ عن ضَعفِ إيمانِنا، بل نُعَبِّرُ بِذلكَ عن محبَّتنا الصَّادِقَة وشَوقِنا للفَقيدِ.

عندَما فقدَ داوُدَ طِفلَهُ، قالَ مُنتَحِباً في حُزنِهِ: "أنا سأذهَبُ إليهِ، أمَّا هُوَ فلن يرجِعَ إليَّ." (2صَمُوئيل 12: 23) قناعَتُنا بأنَّنا سنذهَبُ لنَلتَقِيَ بالأمواتِ هي سَبَبُ الحُزن، ولكن ليسَ كما يحزَنُ الذين لا رجاءَ لهُم، بل بسببِ الحقيقَةِ الرَّهيبَة بأنَّهُم لن يرجِعُوا إلينا في هذه الحياة، الأمرُ الذي يُبَرِّرُ تماماً حُزنَنا البالِغ (1تسالُونيكي 4: 13؛ متَّى 5: 4). عندما علَّمَ يسُوعُ قائِلاً، "طُوبَى لِلحَزَانَى،" أعتَقِدُ أنَّهُ قصدَ أن يتِمَّ تطبيقُ هذا القَول بعدَّةِ طُرُق. قصدَ أوَّلاً أن يُطَبَّقَ هذا القَولُ حرفِيَّاً. فلا ينبَغي أبداً  أن نكبُتَ حُزنَنا أو أن نُحاوِلَ أن نُخَبِّئَهُ. فالحُزنُ مُطَوَّبٌ. ولقد أظهَرَ لنا يسُوعُ أنَّنا عندما نحتاجُ أن نحزَنَ، علينا أن نتمتَّعَ بإختِبارٍ مِشرُوعٍ ومُبَارَكٍ للحُزن.

  • عدد الزيارات: 3102