نُورُ العالم
عندما شفَى يسُوعُ الرَّجُلَ عندَ البِركة، أشَرتُ إلى ذلكَ كشفاءٍ ستراتيجيّ، لأنَّهُ كانَ المُسَبِّب الذي أطلقَ شرارَةَ الحوار الذي أرادَ يسُوعُ إقامَتَهُ معَ رِجالِ الدِّين. ولقد وصلَ يسُوعُ إلى المرأَةِ السَّامِريَّة، فقط لأنَّهُ كانَ يجتازُ في السَّامِرَة ولأنَّهُ أرادَ أن يرى السَّامِرَة تسمَعُ بِشارَتَهُ من خلالِ هذه المرأة التي إلتَقاها خلالَ تلكَ الرَّحلَة. ولقد كانَ يجتازُ عبرَ أريحا عندما وصلَ بِزَكَّا، الذي قامَ بِدَورِهِ بتبشيرِ أريحا بكامِلها نيابَةً عن يسُوع.
وكما أشَرتُ سابِقاً، مثل شِفاء الرَّجُل عندَ بِركَةِ بيتِ حسدا في الإصحاحِ الخامِس، أصبَحَ شفاءُ الرَّجُلِ الأعمى هُنا مُسَبِّباً أطلَقَ حواراً عدائِيَّاً معَ رجالِ الدِّين. ولقد أتبعَ يسُوعُ شفاءَهُ لهذا الرَّجُلِ الأعمى بِعِظَةٍ أعلنَ فيها أنَّهُ هُوَ نورُ العالم. وقُرابَةَ نهايَةِ الإصحاح، يُخبِرُنا يُوحَنَّا بأنَّ يسُوعَ أتبعَ عظتَهُ هذه بتطبيقٍ يقُولُ أنَّهُ كونَهُ نُور العالم، فلقد كانَ نوعاً مُمَيَّزاً جدَّاً منَ النُّور. فلقد كانَ ذلكَ النُّور الذي يمنَحُ البَصَرَ للعُميان، وفي نفسِ الوقت، كانَ ذلكَ النَّوع منَ النُّور الذي أعلَنَ العَمَى لأُولئكَ الذي إدَّعُوا البَصَر.
وكانَ الفَرِّيسيُّونَ واقِفينَ جانِباً، وسمِعُوا هذه العِظَة. ولقد فَهِمُوا ما كانَ يسُوعُ يُصَرِّحُ بهِ، وطبّقُوهُ بطريقَةٍ صحيحة. قالَُوا: "هل تُحاوِلُ أن تَقُولَ لنا أنَّنا عُميانٌ؟" فأجابَ يسُوع، "لو كُنتُم عُميانٌ، لما كانت لكُم خَطيَّة. ولكن لأنَّكُم تقُولُونَ أنَّكُم تُبصِرُون، فخَطِيَّتُكُم باقِيَة."
حدَثَ مرَّةً إنفجارٌ سبَّبَ إنهيارَ كهفٍ كَبيرٍ في أحدِ مناجِمِ الفحمِ في أميركا. وبعدَ الإنفجار، حُوصِرَ حوالي ثلاثُونَ عامِلاً لمُدَّةِ ثلاثَةِ أيَّامٍ قبلَ أن يَصِلَ إليهُم المُنقِذُون. وهكذا قضى هَؤُلاء العُمَّال ثلاثَةَ أيَّامٍ في الظُّلمَةِ الحالِكة. وعندما وصلَ إليهِم المُنقِذُون، وبعدَ أن إحتفَلوا فَرِحينَ بنجاتِهِم، سألَ أحدُ عُمَّالِ المَنجَم الذي كانَ قد قضى ثلاثَةَ أيَّامٍ في الظُّلمَة، سألَ المُنقِذِين، "لماذا لم تأتُوا بأيَّةِ مَصابِيح معَكُم؟" ولكنَّهُم بالواقِع أدخَلُوا معَهُم عدداً كبيراً منَ مَصابِيح. ولكنَّ سُؤالَهُ ألقَى بِغيمَةٍ ثَقيلَةٍ منَ الصَّمتِ على المُحتَفلينَ بالنَّجاة، لأنَّ الجميعَ أدرَكَ أنَّ هذا العامل كانَ قد أُصيبَ بالعَمى خلالَ هذه الأيَّامِ الثَّلاثَة، نتيجَةً للإنفجارِ الذي سببَ إنهيارَ المنجَم، ولكنَّهُ لم يُدرِكْ أنَّهُ أعمى إلى أن وصلَ النُّورُ إليهِم.
بالمَعنَى الرُّوحِيّ، هذا ما كانَ يسُوعُ يَقُولُهُ لِرجالِ الدِّينِ اليَهُود. فلقد كانُوا عُميان رُوحيَّاً، ولكنَّهُم ظَنُّوا أنَّهم كانُوا يُبصِرُون. وكانُوا يفتَخِرُونَ حتَّى ببَصَرِهِم وبِبَصيرَتِهِم الرُّوحيَّة. ومن جهَةٍ أُخرى، هذا الرَّجُل الأعمى الذي شَفاهُ يسُوع، والذي كانَ أعمَى جسديَّاً ومن ثَمَّ منحَهُ يسُوعُ البَصَر، كانَ صُورَةً عنِ الأشخاص الذين يعرِفُونَ أنَّهُم عُميانٌ لا يُبصِرُون، رُغمَ أنَّهُم كانَ ينبَغي أن يُبصِرُوا. وعندما جاءَ الذي قالَ عن نفسِهِ أنَّهُ نُورُ العالم، نالَ هؤُلاء النُّور والبَصَرَ وشُفِيَوا من عماهُم الرُّوحِيّ.
عندما شعرَ رجالُ الدِّينِ اليهُود بالإهانَةِ وسألُوا، "هل تُحاوِلُ أن تَقُولَ لنا أنَّنا عُميانٌ؟" أجابَهُم يسُوعُ بطريقَةٍ أو بأُخرى، "نعم، هذا ما أَقُولُهُ لكُم بالتَّحديد."
لقد تمَّ إخراجُ الرَّجُلِ الأعمى الذي شُفِيَ منَ المَجمَع. وعندَما وجدَهُ يسُوعُ وعرَّفَهُ على نفسِهِ، آمنَ بهِ الرَّجُلُ وإعتَرَفَ بهِ رَبَّاً على حياتِهِ. وكما سبقَ وأشرنا، تُقدِّمُ قِصَّةُ الشِّفاءِ هذه أجوِبَةً جميلَةً على السُّؤال عمَّا هُوَ الإيمان؟ فعندما آمنَ هذا الرَّجُل، دعا يسُوعَ رَبَّاً على حياتِهِ، وعَبَدَ يسُوع. فعلينا أن نُضَمِّنَ خُطُواتِ الإيمان الحَرِجة هذه بينما نُجيبُ على السُّؤال: "ما هُوَ الإيمانُ؟"
وبينما نَجِدُ يسُوعَ يُؤَكِّدُ وينتَزِعُ إعتِرافَ إيمانٍ وعبادَةً منَ هذا الرَّجُل الذي شفاهُ منَ العَمى، نَكتَشِفُ أيضاً أجوِبَةً جميلَةً على السُّؤال، "من هُوَ يسُوع؟" ومِثلَ المرأَةِ عندَ البِئر، لاحِظوا الطَّريقَة التي بها أدركَ هذا الرَّجُل من هُوَ يسُوع. في البِدايَةِ لم تَكُن لديهِ أيَّةُ فكرَةٍ عمَّن هُوَ يسُوع. بل كانَ ببساطَةٍ بالنِّسبَةِ لهُ، "رَجُلٌ يُقالُ لهُ يسُوع." ولكنَّ فهمَهُ لمن هُوَ يسُوعُ تنامَى إلى أن إعتَرَفَ بِيَسُوع رَبَّاً على حياتِهِ وعبَدَهُ.
هذا الرَّجُلُ الذي نالَ البَصَرَ نتيجَةً لِلِقائِهِ معَ يسُوع، والتَّطبيقاتُ التي قامَ بها يسُوعُ على هذه القِصَّة، تُجيبُ أيضاً على السُّؤال الثَّالِثِ الذي يُرَكِّزُ عليهِ يُوحَنَّا عبرَ إنجيلِهِ، "ما هِيَ الحياة؟" فأُولئكَ الذين عاشُوا أربَعين سنَةً قبلَ أن يختَبِرُوا الخلاص، يُخبِرُونَنا أنَّ إختبارَهُم للخلاص كانَ مثلَ كونِ الإنسان قد وُلِدَ أعمَى. فبعدَ أن كانُوا عُمياناً رُوحِيَّاً لأربَعينَ سنَةً، إلتَقُوا بِنُورِ العالم. ولقد أعلَنَ لهُم عماهُم، ثُمَّ شفاهُم من عماهُم، والآن أصبَحُوا يُبصِرُونَ لأوَّلِ مرَّةٍ في حياتِهم. الحَياةُ هي إدراكُ كَونِنا قد وُلِدنا عُمياناً رُوحيَّاً، ولكن بعدَ أن إلتَقينا بِيَسُوع، بإمكاننا أن نَضُمَّ صَوتَنا معَ هذا الرَّجل ونَقُول، "هُناكَ الكَثير مِمَّا أجهَلُهُ، ولكنَّني أعرِفُ شَيئاً واحِداً. كُنتُ أعمَى، والآنَ أُبصِر."
بينما تتجوَّلُ عبرَ هذه الإصحاحاتِ من إنجيلِ يُوحَنَّا، هل ستَدعُ يسُوعَ، الحياةَ، الذي هُوَ النُّورُ الذي يُنيرُ كُلَّ إنسانٍ، يُعلِنُ لكَ عماكَ الرُّوحِيّ؟ وهل ستَسلُكُ عندَها في النُّور الذي هُوَ إيَّاهُ، بينما يُريكَ كيفَ تتمكَّنُ من أن تَكُونَ جُزءاً منَ عمَلِيَّةِ الإيمان التي تعمَلُ المُعجِزة التي يُريدُ أن يُنجِزَها في حياتِكَ؟ إسأَلْ ثُمَّ أجِبْ على هذه الأسئِلَة الثلاثة التي يطرَحُها يُوحَنَّا في هذا الإصحاحِ العَميق من إنجيلِهِ.
- عدد الزيارات: 3137