Skip to main content

الفَصلُ الثَّانِي "ثلاثَةُ أبعادٍ للإيمانِ"

(يُوحَنَّا 8: 30- 36)

عندما إنتهى يسُوعُ من إلقاءِ عِظَتِهِ الدِّيناميكيَّة، التي نراها مُدوَّنَةً في الإصحاحِ الثَّامِن من إنجيلِ يُوحَنَّا، نَجدُ كما هُوَ مُتوقَّعٌ أنَّهُ كان هُناكَ تجاوُبٌ سَلبِيٌّ وإيجابِيّ. يُعطينا التَّجاوُبُ الإيجابِيُّ واحداً من أجمَلِ مقاطِعِ العهدِ الجديد. عندما نقرَأُ أنَّ الكثيرَ من رجالِ الدِّين اليَهُود آمنُوا بهِ، نقرأُ أنَّ يسُوعَ قالَ لهؤُلاء اليَهُودِ الذين آمنُوا بهِ:

"إنَّكُم إن ثَبَتُّم في كَلامي فبالحَقيقَةِ تَكُونُونَ تلاميذِي. وتَعرِفُونَ الحقَّ والحَقُّ يُحَرِّرُكُم. أجابُوهُ إنَّنا ذُرِّيَّةُ إبراهِيم، ولم نُستَعبَدْ لأحَدٍ قَطّ. كيفَ تَقُولُ أنتَ إنَّكُم تَصِيرُونَ أحراراً؟ أجابَهُم يسُوعُ الحقَّ الحَقَّ أقُولُ لكُم إنَّ كُلَّ من يعمَلُ الخَطيَّة هُوَ عَبدٌ لِلخَطيَّة. والعَبدُ لا يبقَى في البَيتِ إلى الأبد. أمَّا الإبنُ فيبقَى إلى الأبد. فإن حَرَّرَكُم الإبنُ، فبالحَقيقَةِ تَكُونُونَ أحراراً." (8: 33- 36)

يسُوعُ لم يَدعُ أحداً "مسيحيَّاً،" ولم يطلُبْ من أحدٍ أن يَصيرَ "مَسيحيَّاً." والرَّسُولُ بُولُس، أعظَمُ مُرسَلٍ في تاريخِ كنيسةِ المسيحِ على الإطلاق، لم يُسَمِّ أحداً "مسيحيَّاً، ولم يَطلُب من أحدٍ أن يَصيرَ مسيحيَّاً. لا نَجِدُ كلمة "مسيحي" إلا ثلاثَةَ مرَّاتٍ في الكتابِ المُقدَّس. كانت هذه الكلمَةُ الإسمَ الذي أطلَقَهُ العالم غير المُؤمن على أتباعِ المسيح. سوفَ تَجِدُونَ هذه الكلمة تُستَخدَمُ مرَّةً واحِدَةً فقط في الكتابِ المُقدَّس من قِبَلِ مُؤمِن. كتبَ بُطرُس يَقُولُ، "إن تألَّمَ أحدٌ كَمَسيحيٍّ، فهُوَ يتبَعُ مِثالَ المسيح." فمنَ الواضِحِ أنَّ كَلِمَة "مسيحيّ" ليسَت الكلمة التي إختارَها اللهُ ويسُوعُ والرُّوحُ القُدُسُ وبُولُس الرَّسُول لوصفِ أتباع يسُوع الحقيقيِّين.

كراعِي كنيسة، غالِباً ما سَمِعتُ هذه الكلمات: "أيُّها الرَّاعِي، لستُ مُتأكِّداً من كَوني مَسيحيَّاً." كانَ جوابِي في مُعظَمِ الأحيان، "حسناً، ولكنَّ كلمة مسيحيّ ليسَ الكلمة التي يستخدِمُها الكتابُ المُقدَّسُ لوصفِ أتباعِ يسُوع. فإذا إستَخدَمنا الكلمات التي وردَت في العهدِ الجديد، لرُبَّما كانَ الأمرُ أكثَر وُضُوحاً. فيسُوعُ قالَ للنَّاس أن يُؤمِنُوا بهِ، وإذا فَعلُوا، كانَ يدعُوهُم "مُؤمنين." ولقد إستَخدَمَ الرَّبُّ يسُوعُ هذه الكلمة لأُولئكَ الذين فعلُوا أكثَرَ من مُجَرَّدِ الإيمانِ بهِ بِعقُولِهم. عندما دعا يسُوعُ أشخاصاً بالمُؤمنين، قصدَ أُولئكَ الذين آمنُوا بهِ من كُلِّ قُلُوبِهِم وإرادَاتهِم. فبالنِّسبَةِ ليسُوع، أُولئكَ الذين آمنُوا بهِ، سَلَّمُوهُ حياتَهُم. دَعني أطرَحُ عليكَ هذا السُّؤال. إذا سَمِعتَنا نتكلَّمُ عنكَ ونُشيرُ إليكَ بأنَّكَ غير مُؤمن، هل هذا سيُشعِرُكَ بالإهانَةِ أو بالصَّدمة؟"

يعرِفُ النَّاسُ عادَةً ما إذا كانُوا مُؤمنينَ أم لا، ومُعظَمُهُم يُجيبُونَ بأنَّهُم سيشعُرُونَ بالإهانَةِ إذا تمَّ وصفُهُم بأنَّهُم غيرُ مُؤمنين. ولكنَّني بعدَ ذلكَ أتكَّلمُ معَ النَّاسِ عنِ الولادَةِ الجديدة- عمَّا هي الولادَةُ الجديدة، وما هي دلائِلُ حُصُولِ الولادَةِ الجديدة. عندَما أسألَهُم ما إذا كانُوا مَولُودِينَ من جديد، غالِباً ما يُجيبُونَ، "كلا، بل نحتاجُ أن نُولَدَ من جديد."

وسوفَ أُرَكِّزُ الآنَ على بُعدٍ ثالِثٍ من أبعادِ الإيمان، بطرحِ السُّؤالِ التَّالِي، "هل أنتَ تِلميذٌ ليسُوع المسيح؟" الجوابُ الذي غالِباً ما أخَذتُهُ على هذا السُّؤال كانَ، "ما هُوَ التِّلميذُ؟" عندَها كُنتُ أُجيبُ: "هذه هي المُشكِلَة!" في هذا التَّعليمِ العظيم الذي قدَّمَهُ يسُوعُ لأُولئكَ الذين إعتَرَفُوا بأنَّهُم يُؤمِنُونَ، نجِدُ الإيمانَ مقدَّماً في ثلاثَةِ أبعاد. البُعدُ الأوّلُ هُوَ أن نُؤمن أو نَثِقَ بالمسيح. أن نُؤمِنَ بِكُلِّ الطُرُقِ التي أبرز يُوحَنَّا بها ماذا يعني أن نُؤمِنَ. ولكنَّ قرارَ الإيمانِ هُوَ فقط البُعدُ الأوَّلُ من أبعادِ الإيمان بالمسيح.

البُعدُ الثَّانِي للإيمانِ بالمسيح هُوَ أن نستَمِرَّ بالثَّباتِ في كلامِ يسُوع فنُصبِح حقيقَةً تلاميذَهُ. كلمة "تلميذ" هي كلمَةٌ جَميلة. إنَّها تُشبِهُ كلمة "مُتَعَلِّم جديد." وهي تعني شخصاً مُتَعلِّماً أو مُتَدَرِّباً يعمَلُ بما يتعلَّمُه، ويتعلَّمُ ما يعمَلُهُ.

حَيُثُ أسكُنُ حالِيَّاً، يُوجدُ مصنَعٌ للسُّفُن، ومدرسَة لتَعليمِ هذه المهنة. وهُم يَضعُونَ شُبَّاناً وشابَّاتٍ كتلامِذَة في الصَّفِّ لمُدَّةِ أُسبُوعَين. ثُمَّ يأخُذُونَهُم إلى مَصنَعِ السُّفُن، حيثُ يُطَبِّقُونَ لمُدَّةِ أُسبُوعَين ما سبقَ وتعلَمُوهُ في الصَّفّ. وبعدَ أُسبُوعَينِ إضافِيَّينِ في الصَّفِّ، يذَهبُونَ إلى فترَةِ أُسبُوعَينِ آخرينِ في المَشغَل، وهكذا دوالَيك. وخلالَ خمسَةِ سنواتٍ يُصبِحُونَ صانِعي سُفُن مُحتَرِفِينَ ومُتَخَصِّصِينَ في شتَّى أنواعِ الأعمالِ التَّفصيليَّةِ في صناعَةِ السُّفُن. هذا هُوَ ما قَصَدَهُ يسُوعُ عندما دعا أشخاصاً ليَتبَعُوهُ ودعاهُم تلاميذَهُ عندما فعلُوا.

بالنِّسبَةِ ليسُوع، البُعدُ الأوَّلُ من أبعادِ الإيمان هُوَ أن نَثِقَ ونُؤمِنَ بهِ. البُعدُ الثَّانِي هو أن نُصبِحَ تلاميذَهُ وأن نتبَعَهُ. ثُمَّ يتنبَّأُ يسُوعُ عنِ البُعدِ الثَّالِثِ من أبعادِ الإيمان. لم يَقُلْ لِكَم منَ الوقتِ ينبغِي أن نتبَعَهُ كمُتَدَرِّبِينَ أو كمُتَعَلِّمين قبلَ أن ندخُلَ في هذا البُعدِ الثَّالِث. بل أظهَرَ بِبَساطَةٍ هذا البُعدَ الثَّالِثَ للإيمان، عندَما قالَ، "وتَعرِفُونَ الحقَّ، والحقُّ يُحَرِّرُكُم."

عندَما أجابَهُ البعضُ منهُم قائِلين، "ماذا تقصُدُ بِقُولِكَ أنَّنا نُصبِحُ أحراراً؟ فنحنُ لسنا عبيداً." عندها قالَ لهُم يسُوع، "كُلُّ من يستَمِرُّ بفعلِ الخَطيَّة، هُوَ عَبدٌ لِلخَطيَّة." قالَ يسُوعُ ما جوهَرُ معناه أنَّ العَبدَ ليست لهُ سُلطَةٌ أن يُطلِقَ الآخرينَ أحراراً. ولكنَّ الإبنَ لهُ السُّلطةُ ليُطلِقَ العبدَ حُرَّاً. عندما أعطانا يسُوعُ هذه الإستِعارَة المجازِيَّة، قالَ، "وإن حَرَّرَكُم الإبنُ، فبالحَقيقَةِ تكُونُونَ أحراراً."

أنا مُقتَنِعٌ أنَّ ما كانَ يَقُولُهُ كانَ شَيئاً كالتَّالِي: تُوجَدٌ ترنيمَةٌ نَجِدُ فيها الكلماتِ التَّالِيَة: "وراءَ الصَّفحَةِ المُقدَّسَة أبحَثُ عنكَ يا رَبّ. رُوحِي تَتُوقُ إليكَ أيُّها الكَلِمَةُ الحَيّ." لقد كانَ يسُوعُ يَقُولُ، "تعالَوا إلى كَلامِي. لأنَّكُم تُؤمِنُونَ بي، أثبُتُوا في كلامِي لتُصبِحُوا بالحقيقَةِ تلاميذِي. وكتلاميذ، عندما تَثبُتُونَ في كلامي، يوماً ما سوفَ تنطَلِقُونَ إلى ما وراءِ الصَّفحَةِ المُقدَّسة، وسوفَ تتوصَّلُونَ إلى معرِفَتي بعلاقَةٍ شَخصيَّة – أي أنَّني أنا الإبن الذي هُوَ الحقّ. وعندما تتعرَّفُونَ عليَّ شَخصيَّاً بهذه الطريقة، عندها سأُحرِّرُكُم."

عندما قالَ يسُوع، "أثبُتُوا في كلامي لتعرِفُوا الحَقَّ،" لم يقصُدْ بِبَساطَةٍ الحقَّ اللاهُوتيَّ الفِكريّ. بل قصدَ أن نأتِيَ لنعرِفَ بواسِطَةِ العلاقَةِ الشخصَ الذي هُوَ الحقّ. إنَّ كلمة "يعرِف" تُستَخدَمُ في العَهدِ القَديم بمعنَى العلاقَة الحَميمة. نقرأُ مثلاً أنَّ آدَم عرفَ إمرأَتَهُ حَوَّاء، فوَلَدَت لهُ إبناً. تعني كلمة "عرفَ" بالعِبريَّة: "عرفَ بالعَلاقَة."

في هذا المَقطَع، يُقدِّمُ يسُوعُ الإيمانَ في ثلاثَةِ أبعادٍ. يبدَأُ الإيمانُ بالقَرارِ والإلتِزامِ بالإيمان أو الثِّقَة. هكذا نبدَأُ رحلَةَ الإيمان. ولكنَّ هذه ليسَت سِوى البِدايَة. يَقُولُ الصِّينيُّونَ أنَّ رَحلَةَ الألف ميل تبدأ بِخُطوَةٍ واحدَة. ولكن ماذا يتبَعُ هذه الخُطوى الأُولى؟ التَّلمذَة! إنَّ مَوضُوعَ الحِوار العَدَائِي في هذه المرحَلَة هو العُبُوديَّة أو القُيُود. فالمسيحُ قالَ لِرِجالِ الدِّين ما معناهُ: أنتُم مُقَيَّدونَ. أنتُم عَبيدُ جَهلِكُم. أنتُم مُستَعبَدُونَ لإبليس. أنتُم مُستَعبَدُونَ لِجهَنَّم. أنتُم عبيدٌ لِلخَطيَّة." ولكن عندما تنتَقِلُونَ إلى ما وراء الصَّفحة المُقدَّسَة، وتتعرَّفُونَ على المسيح، سوفَ تعَرِفُونَ الحَقَّ، والحقُّ يُحَرِّرُكُم من الجهلِ والخَطيَّةِ وجهنَم وإبليس.

قامَ كاتِبٌ مجهُولٌ بكتابَةِ قصيدَةٍ صغيرة بِعُنوان "دُبٌّ جائِع"، مُؤدَّاها كالتَّالِي:

"دُبٌّ جائِعٌ، كانت قدَمُهُ عالِقَةً بفَخٍّ قاتِلٍ أطبَقَ عليها. كانَ مغمُوراً بالخَوفِ والألَمِ، مُقَيَّداً بأغلالٍ إلى جذعِ الشَّجرَة، وهُوَ يَعوي عِواءً بَشِعاً. وإذا بِبُومٍ يُلاحِظُ حالَهُ البائِسة، فحطَّ فوقَهُ على غُصنٍ من أغصانِ الشَّجرَةِ، وهُوَ يتمتَّعُ بِحُرِيَّتِهِ مُترَنِّحاً منَ البَدانَة، وإذا بهِ يُوجِّهُ نصيحةً فلسَفِيَّةً من على الشَّجَرَةِ لهذا الدُّبِّ الأسير قائِلاً لهُ: "لماذ كُلُّ هذا العَويلِ والضَّجيج؟ كُلُّ ما تحتاجُهُ أيُّها الدُّبُّ العزيز، هُوَ القَليلُ منَ التَّوازُنِ وضبطِ النَّفس."

كائناً من يَكُونُ الذي كتبَ هذا الشِّعرَ القصير، ولكنَّهُ كانَ يُعَبَّرُ بِفصاحَةٍ عن الحياة. وكانَ يَقُولُ بِتَعبيرِهِ هذا أنَّهُ يُوجَدُ نَوعانِ منَ النَّاسِ في هذا العالم. أشخاصٌ أحرارٌ وآخرُونَ غيرُ أحرار. اليَوم نُسمِّي النَّاس غير الأحرار "المُدمِنين." قد يَكُونُونَ مُدمِنينَ على الكُوكايين، أو على الهيرُويين أو المُخدِّراتِ القاتِلَة. ولكنَّ هذا ليسَ النَّوعَ الوحيدَ منَ الإدمانِ اليوم. فهُناكَ أشخاصٌ مُدمنُونَ على الشَّهوَةِ، وقد يكُونُ هؤُلاء مُدمِنُونَ على الخَطيَّةِ بكافَّةِ أشكالِها وأنواعِها وأحجامِها. وقد يَكُونُونَ مُدمنينَ على الشهِيَّةِ للطَّعام، أو على العمل الذي يَقُومُونَ بهِ، أو على أيِّ شَيءٍ يقُومُونَ بهِ مُرغَمِين. القَضِيَّةُ هي أنَّهُم غيرُ أحرار. وهُم مُصوَّرُونَ رَمزِيَّاً بهذا الدُّبِّ المُقَيَّدِ إلى جذعِ الشَّجرَة والذي يُرثَى لِحالِهِ.

بِحَسَبِ يسُوع، الإدمانُ القاتِل الأصعَب الذي يكمُنُ في أصلِ كُلِّ إدمان، هُوَ الخَطيَّة. ولقد وصلَ إلى أصلِ مُشكِلَةِ النَّاس الذين لا يعرِفُونَ الحُرِّيَّة، عندما قالَ أنَّ كُلَّ من يفعَلُ الخَطيَّة بإستِمرار هُوَ عبدٌ لِلخَطيَّة.

عندما وُلِدَ يسُوعُ، أعلَنَ الملائِكَةُ أنَّ إسمَهُ سيُدعَى يسُوع، لأنَّهُ سيُخَلِّصُنا من خطايانا (متَّى 1: 21). لاحِظُوا أنَّ هذه النُّبُوَّة لم تَكُنْ أنَّهُ سيُضَحِّي بحياتِهِ من أجلِ غُفرانِ خَطايانا. بل كانتِ النُّبُوَّة أنَّهُ سيُخَلِّصُنا من خَطايانا. عندما خصَّصَ يُوحَنَّا الرَّسُول سِفرَ الرُّؤيا ليسُوع، وصفَهُ بأنَّهُ "الشَّاهِدُ الأمينُ الذي أحَبَّنا وأنقَذَنا من خطايانا."(رُؤيا 1: 5).

يَعني إسمُ يَسُوع "مُخَلِّص"، وتعني كَلِمَة "يُخَلِّصُ،" يُنقِذ. فإن كُنَّا نعرِفُ معنَى إسمِهِ وما تنبَّأَت عنهُ الملائِكَة،علينا أن نتوقَّعَ أن يُظهِرَ لنا يسُوعُ كيفَ يُحَرِّرُنا من خطايانا.

هل أنتَ حُرٌّ؟ وهل تعمَلُ ما تُريدُ أن تعمَلَهُ أم أنَّكَ تعمَلُ ما تحتاجُ أن تعمَلَهُ أو ما أنتَ مُرغَمٌ على عمَلِهِ؟ نحنُ الذين نُؤمِنُ بِيَسُوع ونتبَعُهُ، نضَعُ أهَمِّيَّةً كبيرَةً على الحقيقَةِ المجيدة أنَّ خطايانا غُفِرَت لأنَّ يسُوعَ جاءَ. هذه حقيقَةٌ مجيدَةٌ من حقائِقِ الإنجيل. ولكنَّ الملائِكَةَ أعلَنَت أنَّهُ سيُدعَى إسمُهُ يسُوع لأنَّهُ سيُنقِذُنا من خطايانا. فمهما كانَ إدمانُكَ، يسُوعُ يقدِرُ أن يُنقِذَكَ من إدمانِكَ هذا. إتَّخِذْهُ مُخَلِّصاً شَخصِيَّاً لكَ فتخلُصْ من إدمانِكَ!

كيفَ تشعُرُ حِيالَ الأشخاص الذين لا يَعرِفُونَ معنى الحُرِّيَّة؟ عندما تُدرِكُ أنَّ النَّاسَ الذين تلتَقِي بِهِم لا يعمَلُونَ ما يُريدُونَ أن يعملُوا، بل ما هُم مُرغَمُونَ على عملِهِ، كيفَ تشعُرُ حيالَهُم؟ هل تشعُرُ بالعَطفِ عندَما تلتَقِي بِشَخصٍ مُدمِنٍ على الخَمرِ أو على المُخَدِّراتِ، أو بِشخصٍ أُمسِكَ بِجُرمِ الإتجارِ بالمُخَدِّرات؟ عندما إلتَقى يسُوعُ بأشخاصٍ "مُقَيَّدِين"، لم يَرغَبْ بتَركِهِم على تلكَ الحال (لُوقا 13: 10- 16).

القصيدَةُ التي إقتَبَستُها سابِقاً، تُظهِرُ بِشكلٍ مُحزِنٍ الملايين منَ النَّاسِ في عالَمِنا اليوم، الذين هُم مُدمِنُونَ على الخطيَّة، إدمانَهُم على الموادِ الكيماويَّة. ولقد تمَّ تصوِيرُهُم بِشَكلٍ حَرفِيٍّ مأساوِي بذلكَ الدُّبّ الذي يُرثَى لِحالِهِ لكَونِهِ مُقَيَّداً إلى جذعِ الشَّجَرَة. وللأسَفِ، تُظهِرُ هذه القَصيدَةُ أيضاً الكثيرَ منَ المُؤمنينَ اليوم، الذين هُم أحرارٌ، لكنَّهُم لا يَشعُرُونَ بأَيِّ عطفٍ تجاهَ أُولئكَ المحرُومينَ منَ الحُرِّيَّة. ولقد تمَّ تَصويرُهُم بذلكَ البُومِ الذي كانَ ينظُرُ من عَلٍ نحوَ الدُّبِ التعيس، بِدُونِ أن يشعُرَ بأيَّةِ شَفَقَةٍ عليهِ.

كائناً من يَكُونُ الذي كتبَ هذه القَصيدة، ولكنَّهُ كانَ يُحاوِلُ أن يَقُولَ لنا أنَّ يسُوعَ المسيح لم يَكُن بتاتاً "بُوماً سَميناً." فهُوَ لم ينظُرُ إلى قُيُودِ النَّاسِ المُستَعبَدينَ للخَطيَّة، بدُونِ مُبالاةٍ. عندما تلتَقي في حياتِكَ بأَشخاصٍ لا يَعرِفُونَ الحُرِّيَّة اليوم، وعندما يَكُونُ المسيحُ المُقامُ حَيَّاً فيكَ، كيفَ تُفَكِّرُ أنَّهُ يشعُرُ حيالَ هؤُلاءِ الأشخاصِ المُدمنين؟

أحدُ الكُتَّابِ المُفضَّلِينَ عندي، حَزِنَ كثيراً بسببِ اللاهُوتِ المُتَحَرِّر الذي شَكَّكَ تقريباً بِكُلِّ شَيءٍ حيالَ يسُوع، عندما كتبَ قائِلاً، "أنا أُؤمِنُ أنَّهُ كائِنٌ (أي يسُوع)، بينما يَشُكُّ الكَثيرُونَ بما إذا كانَ مَوجُوداً؛ وبينما هُم غيرُ متَيَقِّنِينَ بأنَّهُ كانَ مَوجُوداً، أنا أعلَمُ أنَّهُ مُوجُود وكائِنٌ اليوم." أضاف كاتِبٌ آخر على هذا الإقتِباسِ قائِلاً: "اللهُ هُوَ كما يَقُولُ عن نفسِهِ أنَّهُ هُوَ، واللهُ قادِرٌ أن يعمَلَ كُلَّ ما يَقُولُ أنَّهُ قادِرٌ أن يعمَلُهُ. وأنتَ تَكُونُ تماماً كما يَقُولُ اللهُ عنكَ أنَّكَ تَكُون. بإمكانِكَ أن تعملَ أيَّ شَيءٍ يقُولُ اللهُ أنَّكَ تستطيعُ أن تعمَلَهُ، لأنَّهُ هُوَ مَوجُودٌ، وهُوَ فيكَ."

أعتَقِدُ أنَّ أكثَرَ حقيقَةٍ ديناميكيَّة في العهدِ الجديد هي: "المسيحُ فيكُم رجاءُ المَجد." (كُولُوسِي 1: 27) ماذا يعني هذا؟ المسيحُ فيكُم. أوَّلاً، هذا يعني أنَّهُ مَوجٌودٌ. أحَدُ التَّفسيرات المعروفَة لهذا العدد هُو: "حتَّى تكتَشِفُوا ذلكَ السِّرّ العَظيم؛ المسيحُ في قُلُوبِكُم هُوَ رجاؤُكُم الوَحيد."

هل تُؤمِنُ بهذا؟ وهل تُؤِمنُ بأنَّ المسيحَ نفسَهُ الذي كانَ في الجَسَدِ لِمُدَّةِ ثلاثٍ وثلاثِينَ سنَةً، هُوَ نفسُهُ يعيشُ في جسدِكَ اليوم؟ ألا تُؤمِنُ بأنَّ التَّجسُّدَ ليسَ قضِيَّةً ماضِيَةً مَرَّ عليها الزَّمن، بل هُوَ حقيقَةٌ راهِنَةٌ اليوم؟ أنا أُؤمِنُ بهذا، وأُؤمِنُ أنَّ المسيحَ الذي هُوَ في قُلُوبِنا اليوم، يشعُرُ بنفسِ الطريقَةِ نحوَ الأشخاصِ المُدمِنين، تماماً كما شعرَ عندما كانَ هُنا معنا في جسدِهِ. فالمسيحُ الذي يحيا فيكَ وفيَّ اليوم، لا يُحِبُّ أن يلتَقِيَ بأشخاصٍ ليسُوا أحراراً ويترُكهم على حالِهِم.

كانت لدَيَّ إختِباراتِي بالإلتِقاءِ بأشخاصٍ لم يَكُونُوا أحراراً، عندما شعَرَتُ أنَّ المسيحَ فيَّ كانَ يصرُخُ طالِباً أن يرَى هؤُلاء الأشخاص يتحرَّرُونَ من قُيُودِهِم الرَّديئة. أفضَلُ إختِبارٍ لمجمُوعَةٍ صغيرَةٍ منَ النَّاس، كان ذلكَ الإجتِماعِ الذي عقدتُهُ في بَيتي لمُدَّةِ خمس سنواتٍ مُتتالِيَة لثمانِيَةِ رجالٍ كانُا يتعافُونَ منَ الإدمانِ على الخمر والمُخدِّراتِ. وفي إطارِ تلكَ المجمُوعة، رأيتُ المسيحَ يُحَرِّرُ هؤلاء الأشخاص بِطَريقَةٍ مُعجِزيَّة، تماماً كما فعلَ عندما كانَ هُنا. ما رأيتُهُ يحدُثُ في تلكَ المَجمُوعَة، هُوَ تطبيقُ ما تعلَّمناهُ معاً في إنجيلِ يُوحَنَّا 8: 30- 36، على حياتِي وحياتِكَ.

دَعْنِي أطرَحُ عليكَ سُؤالاً شَخصِيَّاً. إن كُنتَ قد تابَعتَ معي دراسَةَ إنجيلِ يُوحَنَّا عدداً بعدَ الآخر، ما هُوَ شُعُورُكَ تجاهَ الأجوِبَة على هذه الأسئِلة الثلاث التي كُنتُ أطرَحُها؟ وهل تَجِدُ أجوِبَةً جميلَةً على السُّؤال، "من هُوَ يسُوع؟" هُنا في الإصحاحِ الثَّامِن من إنجيلِ يُوحَنَّا، نرى أنَّهُ هُوَ الإبنُ، الذي يُحَرِّرُ النَّاسَ، لأنَّهُ لا يُريدُ أن يَكُونَ تلاميذُهُ مثلَ ذلكَ الدُّبّ الذي يُرثَى لِحالِهِ لكَونِهِ مُقَيَّداً بإذلالٍ إلى جُذعِ الشَّجرَة.

هل تَجِدُ أجوبَةً على السُّؤال "ما هُوَ الإيمانُ؟" من خلالِ تجوالِنا في الإصحاحاتِ الثَّمانِيَة من إنجيلِ يُوحَنَّا؟ في هذا الإصحاحِ، نَجِدُ الجوابَ المُفَضَّلَ عِندِي على ذلكَ السُّؤال. وهُوَ يُخبِرُنا بأنَّ الإيمانَ يأتي في ثلاثَةِ أبعادٍ: البُعدُ الأوَّلُ هُوَ أن نُؤمِِنَ. البُعدُ الثَّانِي هُوَ، لأنَّنا نُؤمِنُ، أن نثبُتَ في كَلامِهِ، لنُصبِحَ بالحقيقَةِ تلاميذَهُ. البُعدُ الثَّالِثُ منَ الإيمان هُوَ أن نثبُتَ في كلامهِ، إلى أن ننتَقِلَ إلى ما وراءِ الصَّفحَةِ المُقدَّسَة، وأن نعرِفَ بواسِطَةِ العلاقَة الشخصَ الذي هُوَ الحقّ، إلى أن يُطلِقَنا أحراراً.

في هذا الإصحاحِ الثَّامِن من إنجيلِ يُوحَنَّا، هل سبقَ ووجدتَ أجوبَةً على السُّؤالِ الثَّالِثِ، "ما هِيَ الحياةُ؟" بِكَلِمَةٍ واحِدة، الجوابُ هُوَ الحُرِّيَّة. يُعجِبُني هذا الوصفُ للإيمانِ، لأنَّهُ شهَادَتي الشَّخصِيَّة. فمنَ المُمكِنِ لمُؤمِنٍ أن يختَبِرَ كُلَّ شَيءٍ في بدايَةِ رحلَةِ إيمانِهِ. ففي اللحظَةِ التي يُؤمِنُ فيها، يُمكِنُهُ أن يلتَقِيَ الإبنَ، في الحقيقَةِ والعلاقَة، وعندَها يُصبِحُ حُرَّاً. لم يَكُن هذا ما إختَبَرتُهُ عندما جِئتُ إلى يسُوع المسيح بالإيمان. فلقد آمنتُ، وأصبَحتُ تِلميذاً ليسُوع لمُدَّةِ ثلاثَ عشرَةَ سنَةً، وبعدَ ذلكَ إختَبَرتُ ذلكَ البُعد الثَّالِث منَ الإيمان. وعندما إختَبَرتُ معنَى الحُرِّيَّة، كانَ ذلكَ إختِباراً حقيقيَّاً يُشبِهُ الخُرُوجَ منَ السِّجن.

اليوم، يُوجَدُ الملايينُ منَ النَّاسِ الذين يَعيشُونَ في حضارَاتٍ مُؤَقَّتَة سريعَة التَّحضير – مثل المُستحضراتِ السَّريعَةِ التَّحضير في أيَّامِنا الحاضِرَة: كالقَهوَةِ والشَّايِ والحُلوياتِ – ولهذا نحنُ اليَوم نعيشُ أُمُوراً كثيرةً سريعة التَّحضير. ولهذا أصبَحنا نُريدُ أن تَكُونَ الرُّوحيَّات سريعَةَ التَّحضير. وكما أشرتُ سابِقاً، اللهُ يستَطيعُ أن يعمَلَ هذا، وأحياناً يعمَلُهُ. ولكنَّني أُؤمِنُ أيضاً أنَّهُ لا يُعطينا دائماً كُلَّ شَيءٍ في بدايَةِ رحلتِنا الإيمانِيَّة، أي في اللحظَةِ التي نُؤمِنُ فيها. فلقدِ إلتَقَيتُ بمُؤمنينَ كثيرِينَ مثلي، منَ الذين قضُوا سنواتٍ طوالٍ كأتباع ليسُوع المسيح، قبلَ أن يدخُلُوا في حقائِقِ تلكَ العلاقة معَ الرَّبّ التي تُطلِقُهُم أحراراً. هذه الأبعادُ الثَّلاثَةُ للإيمان، تُبَرهِنُ حقيقَةَ أنَّ الخلاص ليسَ فقط وُجهَةً أو إتِّجاهاً. بل الخلاصُ هُوَ أيضاً رِحلَة.

هل سبقَ وآمنتَ، بمعنَى أنَّكَ دخلتَ في علاقَةِ تعلُّمٍ معَ الرَّبّ؟ وكم منَ الوقتِ مضَى على إتِّباعِكَ للمسيح في رحلَةِ التَّعلُّمِ هذه؟ لا ينبَغي أن نتفاجَأَ إن كُنَّا بالحقيقَةِ تلاميذ في عمليَّةِ تَعَلُّمٍ تتطلَّبُ وقتاً طويلاً. فيسوع لم يَقُلْ لِكم منَ الوقتِ ينبَغي أن نَكُونَ تلاميذَهُ، قبلَ أن يُحَرِّرَنا. إبقَ أميناً. تابِع بالثَّباتِ في كلمتِهِ، وسوفَ يُطلِقُكَ حُرَّاً.

  • عدد الزيارات: 3386