Skip to main content

الفَصلُ السَّادِس "تَعليمُ الله"

يُتابِعُ يُوحَنَّا تقديمَ الحوارِ العَدائِي بينَ يسُوع وبينَ رِجال الدِّين في الإصحاحِ السَّابِع من هذا الإنجيل. ويتوقَّفُ هذا الحوارُ في عدَّةِ أماكِن، ولكنَّهُ سُرعانَ ما يبدَأُ من جَديد في إطارٍ جديد. وعندما يُستَأنَفُ الحِوارُ، نقرَأُ أنَّ يسُوعَ يقدَّمَ تصريحاً عقائِديَّاً آخر: "أنا مُعَلِّمٌ أتيتُ منَ الله. تعليمِي ليسَ منِّي، بل منَ الآبِ السَّماوِي." بِكَلماتٍ أُخرى، كانَ يَسُوعُ يُصَرِّحُ بالآتي: "أنا لَستُ مُجَرَّدَ شخصٍ أعلَنَ أنَّهُ مُعَلِّمٌ لِلنَّامُوس. فتعليمِي هُوَ تعليمُ الله." فإبنُ النَّجارِ النَّاصِريُّ هذا، كانَ يَدَّعي أنَّ تعليمَهُ هُوَ كلمة الله المُقدَّسة المُوحاة.

وبالطَّبع، تحدَّى رِجالُ الدِّينَ هذا الإدِّعاء. بكلماتٍ كَثيرَة، كانَ رُوحُ جوابِهِم هُوَ التَّالِي، "كيفَ نعلَمُ صِحَّةَ إدِّعائِكَ هذا؟ فليسَ لَديَنا سِوى ما تَقُولُهُ كبُرهانٍ على هذا." وهذا السُّؤالُ لا يَزالُ يُواجِهُنا اليَوم. فنحنُ نقُولُ أنَّ الكتابَ المُقدَّس هُوَ كَلِمَةُ الله. ويُوجَدُ أشخاصٌ كثيرُونَ يَقُولُون،"كيفَ نعلَمُ أنَّ هذا الإدِّعاءَ صَحيحٌ؟ وكيفَ نعرِفُ أنَّهُ ليسَ مُجرَّدَ رأيِ الأشخاصِ الذين عاشُوا منذُ ألفَي عام؟ وكيفَ نعلَمُ ما إذا كانَ الكتابُ المُقدَّسُ هُوَ بالفِعل كلمة الله المُوحَى بها؟"

لقد طَرحَ الشِّيطانُ هذا السُّؤالَ نفسَهُ في الإصحاحِ الثَّالِث من سفرِ التَّكوين: "أحَقَّاً قالَ اللهُ؟ أحَقَّاً قالَ اللهُ أيَّ شَيءٍ؟ ولكن حتَّى ولو قالَ شَيئاً، فقَولُهُ لم يَكُنْ حقيقَةً." هذهِ هي الخدعَةُ القَديمة التي إستَخدَمها إبليس في الماضِي، وهُوَ لا يزالُ يستَخدِمُها يوميَّاً في أيَّامِنا. فالشَّيطانُ يتحدَّى الحقيقَةَ التَّالِيَة: "هل الكِتابُ المُقدَّسُ هُوَ فعلاً كلمةُ اللهُ؟" عندَما وضعَ يسُوعُ هذا التَّحدِّي أمامَ النَّاس، كما تعلَّمنا منَ الإصحاحِ الخامِس، قالَ يسُوعُ ما معناهُ، "الحقيقَةُ التي ينبَغي أن تقبَلُوهَا هي أنَّ الإيمانَ ليسَ عقليَّاً بالدَّرَجَةِ الأُولى. فالإيمانُ هَوَ بالحقيقَةِ مسألَةَ خيارٍ تتَّخِذُونَهُ، أو قرارٍ أدبِيٍّ أخلاقِيّ، قبلَ أن يَكُونَ أيَّ شَيءٍ آخر.

يُعَبِّرُ يسُوعُ عن هذا كالتَّالِي: "إذا إقتَرَب إنسانٌ من تعليمِي مُتَحَلِّيَاً بإرادَةٍ بأن يصنَعَ مشيئَةَ الله، طالِباً منَ اللهِ أن يُساعِدَهُ ليعمَلَ مَشِيئةَ اللهِ كما أُعلِنَت في تعليمي، فسوفَ يعلَمُ أنَّ تعليمِي هُوَ كلمَةُ اللهِ بِحدِّ ذاتِها."

كانَ يسُوعُ يَقُولُ بكَلِماتٍ أُخرى، "الأشخاصُ الوحيدونَ المُؤَهَّلُونَ للتَّعبيرِ عن رأيِهم بِخُصُوصِ وَحيِ تعالِيمي، هُوَ الأشخاصُ الذي يقتَرِبُونَ من تعليمِي مُزَوَّدِينَ بِرَغبَةٍ وإلتِزامٍ بأن يعملُوا إرادَةَ اللهِ وهُم يَقُولُونَ، "يا اللهُ، أُريدُ أن أعمَلَ المُستَقيم."

وعلى خِلافِ طالِبِ القانُونِ ذاكَ، الذي أشَرتُ إليهِ سابِقاً، والمرأة السَّامِريَّة، الذي مثَّلَ حِيلَةً عقلانِيَّة لِلتَّهَرُّبِ من عواقِبِ الإيمان الأخلاقيَّة، قالَ يسُوعُ لرجالِ الدِّينِ أُولئِكَ أنَّهُ عليهِم أن يأتُوا إلى تعليمِهِ بهذه الرُّوح: "أُريدُ بِالفِعل أن أعمَلَ المُستَقيم، عندما أجِدُ الطريقَ الصَّحيحَ لأَحيا بِحَسَبِ تعاليمِ يسُوع." لقد إكَتَشَفتُ شَخصيَّاً أنَّنا إذا إقتَربَنا منَ الكتابِ المُقدَّس بهذه الطريقة التي ينصَحُنا يسُوعُ بأن نقتَرِبَ بها من تعليمِهِ، سوفَ نكتَشِفُ الأمرَ ذاتَهُ حيالَ الكتابِ المُقدَّس بكامِلِهِ، الذي دعانا يسُوعُ لنعملَهُ حيالَ تعليمِهِ.

قالَ يسُوع، "إذا أتَيتُم بإخلاصٍ إلى تعليمي، ولديكُم رَغبَة وإلتِزام بأن تُطَبِّقُوا وتعيشُوا الحقَّ الذي تَجِدُونَهُ في تعليمِي، عندها، بينَما تُعَلِّمُونَ وتَعيشُونَ الحيقَيقَةَ التي تَكتَشفُونَها في تعليمِي، سوفَ تختَبرُونَ التَّأكيدَ العقلانِيّ أنَّ تعليمِي هُوَ تعليمُ الله."

مثلاً، تصَوَّرْ أيُّها القارِئُ العَزيز أنَّكَ ذهبتَ أنتَ وزوجَتُكَ لتَتَحدَّثا معَ راعي كنيستِكُما، لأنَّ زواجَكُم أصبَحَ راكِداً وفارِغاً، لكَونِ كُلٍّ منكُما قد دَخَلَ إلى الزَّواج بِرغبَةِ أن يحصَلَ على أُمُورٍ كثيرَةٍ منَ الشَّريكِ الآخر. ولكنَّ أيَّاً منكُما لا يُعطي شَيئاً، وبالتَّالِي أيٌّ منكُما لا يحصَلُ على أيِّ شَيءٍ منَ الآخر.

والآن، تصَوَّرْ أنَّكُم ذَهَبتُما إلى راعي كنيسَتِكُما، فقالَ لكُم هذا الرَّاعي التَّقيّ، "كما تعلمان، قالَ يسُوع: مغبُوطٌ هُوَ العَطاءُ أكثَر منَ الأخذ. فالذي قصَدَهُ بقَولِهِ هذا هُوَ أنَّهُ هُناكَ المزيدُ منَ السَّعادَةِ في العطاءِ أكثَر منَ الأخذ." ثُمَّ يتوجَّهُ الرَّاعي نحوَكَ كَونَكَ الَّزوج ويقُول،"إن كُنتَ تعيشُ معَ زوجَتِكَ لمُجرَّدِ أن تحصَلَ عليها على أكثَرِ ما يُمكِنُ، عندَها لا تَكُونُ تحصَلُ منكَ على شَيءٍ." ثُمَّ يتوجَّهُ الرَّاعِي نحوَ زَوجَتِكَ ويَقُولُ لهَا، "إن كُنتِ تعيشِينَ معَ زوجِكِ لمُجرَّكِ ما يُمكِنُكِ أن تحصَلِي منهُ عليهِ، عندها لا يَكُونُ زوجُكِ ينالُ منكِ شَيئاً."

ثُمَّ يشرَحُ القَسِّيسُ أنَّهُ عندما يلتَقِي شخصانِ من هذا النَّوع معاً، يَكُونا في نهايَةِ الأمرِ في حالِ إصطدامٍ دائمٍ، لأنَّكَ كُلاً منهُما يُريدُ أن يأخُذَ، وكُلاً منهُما لا يُفكِّرُ أبداً بالعَطاء. ثُمَّ يُشَجِّعُ الرَّاعِي الزَّوجَين ليتخيَّلاً وضعاً مُعاكِساً. تصَوَّرْ لو طبَّقَ زوجانِ نصيحَةَ الرَّاعي، وبينما يأتي الرَّجُلُ منَ العمَل، يَكُونُ يُفَكِّرُ بِزَوجَتِهِ. وبينما تأتي الزَّوجَةُ منَ العمَلِ، أو إن كانَ تعمَلُ في المَنزِل، تَكُونُ تُفَكِّرُ بِزَوجِها وبما تستطيعُ أن تعمَلَ من أجلِ زوجِها. فهُوَ يُفَكِّرُ بحقيقَةِ أنَّها كانَت تعمَلُ هي أيضاً بِجدٍّ، وأنَّهُ يحتاجُ أن يُعَبِّرَ عن تقدِيرِهِ لها، وأن يَمُدَّ لها يَدَ العَونِ والمُساعَدَةِ بأيَّةِ طريقَةِ يستَطيعُها. لَرُبَّما يُفَكِّرُ مثلاً، "سوفَ أُعِدُّ شَيئاً مُمَيَّزاً جدَّاً من أجلِ زوجَتي اليوم، مهما كُنتُ مُتعبَاً."

وتصوَّرْ أنَّ الزَّوجَةَ تُفَكِّرُ أيضاً، "يا لِزوجي المِسكين. لقد عمِلَ بِكَدٍّ طوالَ النَّهار. وهُوَ يخرُجُ كُلَّ يَومٍ منَ المَنزِل ليعمَلَ ويتعَبَ، لكَي يُوفِّرَ لي إحتِياجاتِي وإحتياجاتِ العائِلة. فهُوَ يحتاجُ أن يأتِيَ إلى المنزِل ويرتاحَ ويتناوَلَ وجبَةً لذيذَةً منَ الطَّعام." فعندما يلتَقِيانِ في نهايَةِ النَّهار، تُلِحُّ عليهِ أن يتمتَّعا بِسهرَةٍ هادِئَةٍ في المنزِل، وهُوَ يُلِحُّ عليها أن يخرُجا معاً لكَي يتمتَّعا بأمرٍ تُحِبُّهُ زوجَتُهُ في مكانٍ جميل. إنَّ هكذا نَوع منَ الجدالات لا يُمكِنُ أن يُؤدِّيَ بالزِّيجاتِ إلى الخراب. بل هذا نَوعٌ رائعٌ منَ الجدال الزَّوجِيّ حولَ من يستطيعُ أن يعمَلَ الأفضَلَ للآخر.

 كَراعي كَنيسة، طالَما رأيتُ أزواجاً يأتُونَ إليَّ ويَقُولُون، "هل تعلَمُ أيُّها القَسِّيس أنَّ تِلكَ الفكرة التي أعطَيتَنا إيَّاها قد أحدَثَت ثَورَةً في علاقَتِنا – أي أن نُرَكِّزَ إهتِمامَنا على الشَّريكِ الآخر بدل أن يُرَكِّزَ كُلٌّ منَّا على نفسِهِ. يُدهِشُنا كم صارَ عندَنا منَ الحيويَّةِ في حياتِنا اليوم بِسَبَبِ هذا التَّعليم." فقُلتُ لهُم، "حسناً، هُناكَ خمسمائة تعليمِ من تعاليمِ يسُوع، فلدَيَّ أربعمائة وتِسعَة وتسعين تعليماً آخر أُريدُ أن أُشارِكَكُم بهِ!"

أخبَرَنا يسُوعُ كَيفَ يُمكِنُنا أن نتأكَّدَ من كَونِ تعاليمِهِ تأتي منَ اللهِ، وأنَّها كلِمَةُ الله (يُوحَنَّا 7: 17). نحنُ نتعلَّمُ من قِبَلِ يسُوع أن نأتِيَ إلى تعليمِهِ بإرادَةِ تطبيقِها. بكلماتٍ أُخرى، يَقُولُ يسُوع: لن يَكُونَ بإمكانِكُم أن تتأكَّدُوا أنَّ تَعليمِي هُوَ تعليمُ اللهِ بواسِطَةِ نظرَتِكُم العقلانيَّة لِتعليمي. فالإنسانُ العقلانِيُّ يَقُولُ دائماً، "عندما تتمكَّنُ منَ الوُصُولِ إلى عقلي، سوفَ تُؤَثِّرُ على إرادَتي. أقنِعْنِي عقلانِيَّاً، وسوفَ أُلزِمُ إرادَتي وأتَّخِذُ الخياراتِ الأدبيَّة الصحيحة." قالَ يسُوعُ ما جَوهَرُهُ، "لا، العَكسُ هُوَ الصَّحيح. إتَّخِذُوا الخياراتِ الواعِيَة بتطبيقِ الحقِّ الذي يُعَلِّمُهُ يسُوع، وسوفَ يتبَعُ البُرهانُ العقلانِيُّ إلتزامَكُم الإرادِيّ. فإن أرادَ أحدٌ أن يعمَلَ مشيئَةَ الله، كما هي مُعلَنَةٌ من خلالِ تعاليمِي، فعندَما يفعَلُ ذلكَ، سوفَ يعلَمُ ما إذا كانَ تعليمِي منَ اللهِ أم منَ الإنسان."

كتبَ الرَّسُول بُولُس يَقُولُ أنَّ كُلَّ الكِتابِ هُوَ مُوحَىً بهِ منَ الله (2تيمُوثاوُس 3: 16). ويُخبِرُنا بُطرُس عمَّا هُوَ الوَحي، عندما يَقولُ أنَّ أُناسَ اللهِ القِدِّيسُونَ كتبُوا وهُم مَسُوقِينَ منَ الرُّوحِ القُدُس (2 بُطرُس 1: 21). بِرُوحِ تعليمِ يسُوع هذا الذي يُخبِرُنا كيفَ نقتَرِبُ منَ تعليمِهِ، أرى تعريفَينِ لما يُمكِنُ أن نُسمِّيَهُ وحيَ الكتاب المُقدَّس. فَكِلا هذينِ التَّعريفين هُما صَحيحانِ ومُلائِمان، ولكن بِرأيي، واحِدٌ منهُما هُوَ أكثَرُ نُضجاً منَ الآخر. التَّصريحُ الأوَّلُ عن وَحي الكتابِ المُقدَّس هُوَ التَّالِي: "الكتابُ المُقدَّس هُوَ صحيحٌ لأنَّ الكتابَ المُقدَّس هُوَ مُوحَىً بهِ." تقُولُ هذه النَّظرة عنِ الوحي، "مهما قالَ الكتابُ المُقدَّس يكُونُ صَحيحاً، لأنَّ الكِتابَ المُقدَّسَ هُوَ مُوحَىً بهِ. فعندما أقرَأُ في الكتابِ المُقدَّس أنَّهُ مغبُوطٌ هُوَ العطاءُ أكثَر منَ الأخذ، فأنا أُؤمِنُ بأنَّ هذا التَّصريحَ صحيحٌ لأنَّ الكتابَ المُقدَّسَ يقُولُ كذلِكَ، فأنا أُؤمِنُ بهِ، وهذا يحسِمُ الأمر."

تَقولُ النَّظرَةُ الثَّانِيَةُ عنِ الوحي التَّالِي: "الكِتابُ المُقدَّسُ هُوَ مُوحَىً بهِ لأنَّهُ صحيحٌ وحقيقيٌّ." هذا النَّظرة عنِ وحي الأسفارِ المُقدَّسَة لها أساسان. الأَساسُ الأوَّل هي أنَّني أُؤمِنُ أنَّ الكِتابَ مُوحَىً بهِ من الله. لِهذا، مهما يَقُولُ الكِتابُ المُقدَّسُ هُوَ حقٌّ، لأنَّ الكتابَ المُقدَّسَ يَقُولُهُ. هذه النَّظرَةُ عنِ الكتابِ المُقدَّسِ تتَّفِقُ معَ الأُولى. ولكنَّ هذه النَّظرة الثَّانِيَة عن كَلِمَةِ اللهِ، تذهَبُ خُطوَةً أبعد من النَّظرَةِ الأُولى. الشَّخصُ الذي يَحمِلُ هذه النَّظرَة الثَّانِيَة عنِ الوَحي بإمكانِهِ القَول، "أنا أُؤمِنُ أنَّهُ مغبُوطٌ هُوَ العَطاءُ أكثَرُ منَ الأَخذ، لأنَّ الكِتابَ المُقدَّسَ يَقُولُ هذا، ولأنَّني إختَبَرتُ ثَورَةً دِينامِيكيَّةً إيجابِيَّةً في علاقَتي الزَّوجِيَّة عندما طَبَّقتُ هذه الحقيقَة على زواجِي."

هاتانِ الفَلسَفَتانِ عنِ كَلِمَةِ اللهِ يُمكِنُ أن يَتِمَّ التَّعبيرُ عنهُما كالتَّالِي: النَّظرَةُ الأُولى تَقُولُ، "هذا صَحيحٌ لأنَّ الكِتابَ المُقدَّسَ يَقُولُ كذلكَ." النَّظرَةُ الثَّانِيَة تقُولُ،"هذا صَحيحٌ، ولهذا السَّبَب، يَقولُ الكتابُ المُقدَّسُ ذلكَ." كِلا هاتينِ النَّظرَتينِ تتَّفِقانِ معَ التَّصريح، "الكتابُ المُقدَّسُ يَقُولُ كذلكَ، وأنا أُؤمِنُ بذلكَ، وهذا يحسِمُ الأمر." ولكن الشَّخصَ الذي يتبنَّى النَّظرَةَ الثَّانِيَة بإمكانِهِ أن يتكلَّمَ بإقتِناعٍ أكبَر عن وحي كلمةِ الله، وأن يتَّخِذَ نظرَةً أكثَرَ نُضجاً عنِ الوحي.

في الإصحاحِ السَّابِع عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا، وفي العددِ السَّابِع عشر، يَقُولُ يسُوعُ خلالَ صلاتِهِ، "...كلامُكَ هُوَ حَقٌّ." عندَما تَضَعُ هذا العَدَد العَميق إلى جانِبِ العَدَدِ السَّابِع عشَر من الإصحاحِ السَّابِع من إنجيلِ يُوحَنَّا: "إن شاءَ أحدٌ أن يعمَلَ مَشيئَتَهُ، يعرِفُ التَّعليم هل هُوَ منَ الله أم أتَكَلَّمُ أنا من نَفسي"، تَتوصَّلُ إلى نظرَةٍ إلى كلمةِ اللهِ هي نظرَةُ التَّشَبُّهِ بالمسيح، لأنَّ هذه هي الطَّريقَة التي علَّمَنا بها يسُوع، وأظهَرَ لنا بمِثالِهِ كيفَ تقتَرِبُ منَ كلمةِ الله. بِناءً على هذينِ العَدَدَين، علينا أن نقتَرِبَ من كلِمَةِ اللهِ باحِثِينَ عنِ الحَقِّ. ليسَتِ القَضِيَّةُ الأوليَّة الأُسلُوبَ الأدبيّ الذي قُدِّمَ فيهِ هذا الحقّ. علينا دائماً أن نبحَثَ عنِ الحقّ عندما نقرَأُ الكتابَ المُقدَّس، لأنَّ كلِمَةَ اللهِ هي حَقٌّ. ولكن قبلَ أن نكتَشفَ هذا الحَقّ، علينا أن نتَّخِذَ الإلتِزام في قُلُوبِنا، أنَّنا سوفَ نُطَبِّقُ هذا الحَقَّ الذي نسعَى وراءَهُ، سُرعانَ ما يُعلِنُهُ لنا الرُّوحُ القُدُس.

بِحَسَبِ كِتاباتِ الرَّسُولَين بُولُس ويُوحَنَّا، ليسَ بإمكانِنا أن نُمَيِّزَ الحقَّ في كلمةِ اللهِ، إلا إذا علَّمنا إيَّاهُ الرُّوحُ القُدُس. تُوجَدُ عِدَّةُ مقاطِع في الكِتابِ المُقدَّس، التي تُعَلِّمُنا أنَّنا لا نستَطيعُ أن نُطَبِّقَ حقَّ كَلِمَةِ اللهِ بدُونِ مُساعَدَةِ "الذي يَعملُ فينا لَنُريدَ ونعمَلَ" كُلَّ الحَقِّ الذي يُوجَدُ في كَلِمَةِ الله. (يُوحَنَّا 17: 17؛ 7: 17؛ 1كُورنثُوس 2: 9- 16؛ 1يُوحَنَّا 2: 20، و27؛ فِيلبِّي 2: 13)

تُوجَدُ مقاطِعُ أُخرى في الإصحاحِ السَّابِع من هذا الإنجيل، التي ينبَغي أن نُعالِجَها. يبدَأُ هذا الإصحاحُ معَ إخوَةِ يسُوع الأرضِيِّين وهُم يَقُولُونَ لهُ ماذا ينبَغي أن تَكُونَ خُطَّةُ عملِهِ. للأَسَف، لم يَكُونُوا يُؤمِنُونَ بهِ بعد في تلكَ المرحَلَة. بل كانُوا يعتَقِدُونَ أنَّ أخاهُم قد فقدَ عقلَهُ (مرقُس 3: 21). واحِدٌ منهُم، وهُوَ يعقُوب، آمنَ بيسُوع بعدَ قِيامَتِهِ، وأصبَحَ واحِداً من أقوى قادَةِ الكنيسة منَ الذين نقرَأُ عنهُم في سفرِ الأعمال.

لقد إقتَرَحَ إخوَةُ يسُوع عليهِ أن يحضُرَ عيدَ المَظالّ، الذي كانَ سيَتِمُّ الإحتِفالُ بهِ في أُورشَليم، وأن يُجرِيَ مُعجِزاتٍ هُناك، لكَي ينالَ إعتِرافَ ومُوافَقَةَ الجَماهير التي ستحضُرُ العِيد. فأجابَهُم بأنَّ رِسالَتَهُ لم تَكُن بأن يطلُبَ هذا النَّوع منَ المُوافَقَة والإعتِراف منَ أهلِ هذا العالم. وأعطاهُم إنطِباعاً وكأنَّهُ لم يَكُن مُصَمِّماً أن يحضُرَ العِيد، ولكنْ بعدَ أن إنطَلَقُوا إلى أُورشَليم، ذهبَ يسُوعُ وحدَهُ وحضَرَ العِيد ووعظَ لجُموعٍ غفيرَةٍ هُناك. ولقد قالَ يسُوعُ في الإصحاحِ التَّالِي أنَّهُ دائماً يعمَلُ ما يُرضي الآب (8: 29). لم يَكُنْ يَستَطيعُ بالطَّبعِ أن يُرضِيَ الآبَ السَّماوي وأن يُرضِيَ إخوتَهُ الأرضِيِّينَ في آنٍ معاً، ولا أهلَ هذا العالم، وكذلكَ نحنُ أيضاً لا نستطيعُ ذلكَ.

في العِيد، صَرَّحَ يسُوعُ أنَّهُ مُعَلِّمٌ مُرسَلٌ منَ الله، وأنَّ تَعليمَهُ هُوَ تعليمُ الله. نقرأُ أيضاً: "وفي اليومِ الأخير العَظيم منَ العِيد، وقفَ يسُوعُ ونادَى قائِلاً: إن عَطِشَ أحَدٌ فَليُقبِلْ إلَيَّ ويَشرَبْ. من آمنَ بي كما قالَ الكِتاب تَجرِي من بَطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَيّ." ثُمَّ يُضيفُ يُوحَنَّا تعليقَهُ: "قالَ هذا عنِ الرُّوحِ الذي كانَ المُؤمِنينَ مُزمِعِينَ أن يَقبَلُوهُ. لأنَّ الرُّوحَ لم يَكُن قد أُعطِيَ بعدُ." (يُوحَنَّا 7: 37- 39).

لقد تَمَّ الإحتِفالُ لِمُدَّةِ أُسبُوعٍ بهذا العِيد، وإحتَوَتِ الطُّقُوسُ شُكراً للهِ على الماءِ الذي أُعطِيَ عجائِبيَّاً منَ صَخرَةٍ في البَرِّيَّة. كانَ الماءُ يُؤتَى بهِ من بِركَةِ سِلوام، وكانَ يُسكَبُ كتَقدِمَةٍ للهِ بينما يُرَدِّدُ النَّاسُ قائِلين، "وتَستَقُونَ مِياهاً بِفَرَحٍ من ينابِيعِ الخَلاص." (إشعياء 12: 3) في اليَومِ الأخير مِنَ العيد، إنتَهَتِ الطُّقُوسُ بتَوَجُّهِ كُلِّ النَّاس للدَّورانِ حولَ الهَيكَل سبعَ مرَّاتٍ، مِمَّا يُشيرُ رَمزِيَّاً إلى الإنتِصارِ على أريحا، عندما مَشَت الأُمَّةُ كُلُّها حولَ مدينَةِ أريحا سبعَ مرَّاتٍ.

إختَارَ يسُوعُ هذه اللَّحظَة الحاسِمَة ليُلقِيَ عِظَتَهُ العَظيمة عن الرُّوحِ القُدُس. لقد كانَ يعِظُ بِِشكلٍ أو بآخَر أنَّهُ إن عَطِشَ أحدٌ للمِياهِ من ينابِيعِ الخلاص، فليأتِ إليهِ، لأنَّهُ هُوَ مُخَلِّصُ العالم. تُمَثِّلُ هذه العِظَةُ إستِعارَةً مجازِيَّةً، تُشَكِّلُ مَِشهَداً من إستِعارَةٍ إستَخدَمها يسُوعُ في لِقائِهِ معَ المرأَةِ السَّامِريَّة. لقد وعدَها يسُوعُ بأنَّها إذا شَرِبَت مرَّةً واحِدَةً منَ الماءِ الحَيِّ، فإنَّ هذا الماء سيُصبِحُ فيها نبعَ مياهٍ حَيَّةٍ تفيضُ لتُروِيَ عطشَ الآخرينَ وتجعَلَهُم يختَبِرُونَ الولادَةِ الجديدة. هُنا نَجِدُ الإستِعارَةَ تتوسَّعُ من نَبعٍ إلى نَهر.

يَعتَقِدُ بعضُ المُفَسِّرينَ أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام هُوَ نهرُ المياهِ الحَيَّةِ الذي يتدفَّقُ لِيُعَبِّرَ عن حياةِ المسيح من خلالِ المُؤمن. هاتانِ الإستِعارتانِ الَّلتانِ تُشيرانِ إلى الرُّوحِ القُدُس، سوفَ يَتِمُّ فهمُهما بِشَكلٍ أفضَل لاحِقاً، عندَما يُخبِرُهُما عن مَجيءِ الرُوحِ القُدُس، الذي دعاهُ المسيحُ بالمُعَزِّي، أو المُعِين (14: 15- 17؛ 16: 7- 14). ولقد إكتَشَفَ يُوحَنَّا بِوُضُوحٍ أنَّ هذا سيَكُونُ صَحيحاً. الكَلِمَةُ التي إستَخدَمَها يسُوعُ لوصفِ الرُّوحِ القُدُس كانت "باراقليط،" التي تعني، "الشَّخصُ الذي يأتي إلى جانِبِنا ويلتَصِقُ بنا لمُساعَدَتِنا."

وبينما كانت تتفاقَمُ العداوَةُ بينَ رِجالِ الدِّين ويسُوع، تمَّ تكليفُ حُرَّاسِ الهَيكَل بِإلقاءِ القَبضِ على يسُوع. وعندَما رجعَ هؤُلاء بِدُونِهِ، كانَ تَفسِيرُهُم الوَحيدُ لِفَشَلِهِم في إيقافِهِ هُو، "لم يَتكلَّمْ قطّ إنسانٌ مثل هذا الإنسان!" يُعطِينا هذا فِكرَةً عن كيفَ كانَ إنطِباعُ النَّاسِ عندَما كانُوا يُصغُونَ إلى يسُوع وهُوَ يَعِظُ. لَرُبَّما سَمِعُوا يسُوعَ يَعِظُ تِلكَ العِظَةَ القَوِيَّة عنِ الرُّوحِ القُدُس، في اليَومِ الأخير منَ العِيد. لهذا أنا مُقتَنِعٌ أنَّ يسُوعَ ألقَى هذه العِظة بِقُوَّةٍ كَبيرة، وبِمسحَةٍ جبَّارَة منَ الرُّوحِ القُدُس.

في هذا الإصحاح، يسُوعُ هُوَ المُعَلِّمُ المُرسَلُ منَ اللهِ حامِلاً تعليمَ الله. إنَّهُ أيضاً الواعِظُ القَديرُ الذي لم يَعِظْ أحدٌ مثلَهُ على الإطلاق. الإيمانُ هُوَ الإقتِرابُ منَ تعليمِ يسُوع، بإرادَةٍ بالعَمَلِ بمشيئَةِ الله بينما نُطَبِّقُ الحقَّ الذي علَّمَهُ يسُوع. الإيمانُ هُوَ إستِباقُ التأكيدِ العَقلانِيّ، الذي يُبَرهِنُ أنَّ تعليمَ يسُوع هُوَ تعليمُ اللهُ، معَ الإلتِزامِ بتَطبيقِ تعليمِ يسُوع على حياتِنا. الحَياةُ هي المياهُ الحَيَّة التي تُطفِئُ عطَشَنا وتَتحوَّلُ إلى نهرِ مياهٍ حيَّة تتدفَّقُ من حياتِنا.

هل أنتَ لا تزالُ تلعَبُ ألعاباً عقلانِيَّةً، وتقُولُ ليسُوع، "أقنِعْ عقلِي، وعندَها ستَتبَعُ ذلكَ خياراتي وإلتِزاماتِي الأخلاقِيَّة؟" هل أنتَ راغِبٌ بأن تقتَرِبَ بِشَكلٍ شَخصِيٍّ من تعليمِ يسُوع، مُفَتِّشاً عن الحقِّ، لِتُطَبِّقَهُ على حياتِكَ وعلى علاقاتِِكَ؟ وهل شَرِبتَ شَخصِيَّاً من تلكَ المياهِ الحَيَّةِ، التي تُصبِحُ نَبعاً ثُمَّ نهراً يتدفَّقُ من حياتِكَ، الذي منهُ سيُروِي الآخرُونَ ظَمَأَهُم، وسيُولَدُونَ من جَديد؟ وهل تَعرِفُ يسُوعَ شَخصِيَّاً كالمُعلِّم الذي جاءَ منَ اللهِ وكَنَبعِ المياهِ الحَيَّة؟

أنا واثِقُ من أنَّ إنجيلَ يُوحَنَّا ودِرَاسَتَنا لهُ سوفَ تُعَرِّفُكَ على يسُوع المسيح. أدعُوكَ أيُّها القارِئُ العَزيز لكي تَطلُبَ نسخةً عنِ الكُتَيِّبِ التَّالِي لهذا الكُتَيِّب، حيثُ سنُتابِعُ دراسَتَنا إبتداءً منَ الإصحاحِ الثَّامِن لإنجيلِ يُوحَنَّا الرَّائِع.

  • عدد الزيارات: 3037