الفَصلُ الخامِس "الوِلادَةُ الجديدة: ماذا، لمِاذا، وكيف؟"
"وفي اليومِ الثالِثِ كانَ عُرسٌ في قانا الجَليل. وكانت أُمُّ يسُوعَ هُناك. ودُعِيَ أيضاً يسُوعُ وتلاميذُهُ إلى العُرس. ولمَّا فَرَغَتِ الخَمرُ قالَت أُمُّ يسُوعَ لهُ ليسَ لهُم خَمرٌ. قالَ لها يسُوع مالي ولكِ يا إمرأة. لم تأتِ ساعَتي بعد. قالَتْ أمُّهُ لِلخُدَّام مهما قالَ لكُم فافعَلُوهُ. وكانت سِتَّةُ أجرانٍ من حِجارَةٍ موضُوعَةً هُناكَ حَسبَ تَطهِيرِ اليهُود يسَعُ كُلُّ واحِدٍ مَطَرَين أو ثَلاثة. قالَ لَهُم يسُوع إملأُوا الأجرانَ ماءً. فملأُوها إلى فَوق. ثُمَّ قالَ لهُم إستَقُوا الآنَ وقدِّمُوا إلى رَئيسِ المُتَّكإ. فقدَّمُوا. فلمَّا ذاقَ رَئيسُ المُتَّكَإِ الماءَ المُتَحَوِّلَ خَمراً ولم يكُنْ يعلَمُ مِن أينَ هي. لكنَّ الخُدَّام الذين كانُوا قدِ إستَقُوا الخَمرَ علِمُوا. دعا رَئيسُ المُتَّكَإِ العَريسَ. وقالَ لهُ. كُلُّ إنسانٍ إنَّما يَضَعُ الخَمرَ الجَيِّدَةَ أوَّلاً ومتى سَكِرُوا فحِينئذٍ الدُّون. أمَّا أنتَ فقد أَبقَيتَ الخَمرَ الجَيِّدَةَ إلى الآن. هذه بِدايَةُ الآيات التي فعلَها يسُوعُ في قانا الجَليل وأظهَرَ مجدَهُ فآمنَ بهِ تلاميذُهُ."
أخبَرَنا يُوحنَّا أنَّ هدَفَهُ المُعلَن من كتابَتِهِ هذا الإنجيلِ الرَّابِع، هُوَ أن يُخبِرَنا عن عدَّةِ آياتٍ عمِلَها يسُوعُ، وبراهينُ عجائبيَّةٌ كَثيرة أعطانا إيَّاها، لأنَّهُ آمنَ أنَّهُ إذا جمعَ هكذا سِجِلٍّ بالآياتِ والمُعجِزات، وإذا تفحَّصنا نحنُ هذا السِّجِلّ، فهذا ينبَغي أن يُقنِعَنا بأنَّ يسُوعَ هُوَ المَسيَّا، المسيح، إبن الله. يُريدُنا يُوحَنَّا أن نُؤمِنَ بهذا، لأنَّهُ بحَسَبِ يُوحَنَّا، بإيمانِنا بمسياوِيَّةِ وبُنُوَّةِ يسُوع، نَنالُ الحياةَ الأبديَّة. منَ المُثِيرِ للإهتِمامِ أنَّهُ، بعدَ أن أخبَرَنَا بما سيُخبِرُنا بهِ، وبعدَ أن عبَّرَ عن قَصدِهِ من كتابَةِ إنجيلِهِ، عندما بدأَ يُوحنَّا بإخبارِنا بهذه الآيات، أوَّلُ آيَةٍ أخبَرَنا عنها يُوحَنَّا كانت عن ذَهابِ يسُوع إلى حفلِ عُرسٍ، وأنَّهُ عندَما فرغَ منهُمُ الخَمرُ، حوَّلَ يَسُوعُ الماءَ خمراً.
في كلمةِ الله، الخمرُ هُوَ رمزُ الفَرَح والسعادة. أنا مُقتَنِعٌ أنَّهُ بالإضافَةِ إلى كَونِ هذه الحادِثَةَ مُعجِزَةً بالمعنى الحَرفِيّ للكَلِمَة، ولكنَّها أيضاً مجازٌ جَميل. وكما أشَرتُ سابِقاً، عندما أقُولُ أنَّ هذه القِصَّة هي مجازٌ، أنا لا أقصُدُ أنَّها لَيسَت قِصَّةً حقيقيَّة. فالمَجازُ هُوَ قِصَّةٌ يتَّخِذُ فيها الأشخاصُ، والأماكِنُ والأشياءُ معنىً أعمَق، لهُ دلالَةٌ أخلاقِيَّةٌ أو رُوحيَّة.
هذه القِصَّة هي مجازٌ ينطَبِقُ على هدَفِ هذا الإنجيل. أخبَرَنا يُوحنَّا أنَّهُ كانَ سيُخبِرُنا أنَّهُ عندما يتجاوَبُ النَّاسُ بِطَريقَةٍ صحيحَةٍ معَ يسُوع، كانُوا سيُولَدُونَ من فَوق، أو سَيُولَدُونَ منَ الرُّوح. هذه المُعجِزَةُ الجَميلة هي صُورَةٌ مجازِيَّةٌ عنِ الولادَةِ منَ الله. هذه القِصَّة عن مُعجِزَةٍ عَظيمَةٍ تُقَدِّمُ لنا مجازاً عنِ التَّجديد.
الخُطوَةُ الأُولى في الولادَةِ الجديدة، مُصَوَّرَةٌ في كَلِماتِ مَريم عندما أتَت إلى يَسُوعَ قائِلَةً، "لَيسَ عندَهُم خَمرٌ." مجازِيَّاً، وكأنَّ المقصُودَ هُوَ القَول: ليسَ عندَهُم سعادةٌ، أو لَيسَ عندهُم فَرَح. إنَّ آلامَ شعبِ اللهِ في تلكَ المرحلَة تُفَسِّرُ لماذا لم يَكُنْ لدَيهِم فَرَح. فلقد كانت أرضُهُم مُحتَلَّةً من رُوما، وكانوا تحتَ قبضَةِ الإحتلالِ الرُّومانِيّ الحديديَّة.
لَرُبَّما تَقُولُ لنا هذه المُعجِزَة اليوم أنَّ الخُطوَةَ الأُولى في الوِلادَة ِالجديدة، هي الإعتِراف أنَّنا غير مَولُودين من فَوق. إقرأُوا الوصفَ الكِتابِيَّ لِشخصٍ مَولُودٍ من جَديد: "إن كانَ أحدٌ في المسيح، فهُوَ خَليقَةٌ جديدة. الأشياءُ العَتيقَةٌ قد مَضَت، هُوَّذا الكُلُّ قد صارَ جديداً. ولكنَّ الكُلَّ منَ الله (أو: هذا شَيءٌ يعمَلُهُ الله)." (2كُورنثُوس 5: 17)
عِندَما تتأمَّلُ بِثمارِ الرُّوح، أو بالحياةِ الفَيَّاضَة التي ينبَغي أن يختَبِرَها شَخصٌ وُلِدَ من جَديد، هل تقَولُ، "هذا لا يتكلَّمُ عنِّي؟" (غلاطية 5: 22، 23؛ يُوحَنَّا 10: 10). مجازِيَّاً، وكأنَّكَ تَقُولُ، "ليسَ لدَيَّ خَمرٌ." بِحَسَبِ هذا المجاز، هذه هي الخُطَوَةُ الأُولى التي ينبَغي عليكَ إتِّخاذُها إذا أردتَ أن تُولَدَ من جَديد. إعتَرِفْ بأنَّهُ ليسَ لديكَ خَمرٌ، ولا فَرَحٌ حقيقيٌّ، أو بِكَلماتٍ أُخرى أنَّكَ لم تُولَدْ من جديد.
ثُمَّ نَجِدُ أنَّ الخُطَوَةَ الثانِيَة قد تكُونُ في هذه الصُّورَةِ المجازِيَّةِ عنِ الولادَةِ الجديدة، حيثُ قالَ يسُوعُ للخُدَّام أن يملأُوا بالماءِ تلكَ الأجران التي كانَ يتَّسِعُ كُلٌّ منها لِثمانِينَ لِيتراً منَ الماء. ففي كلِمَةِ الله، يرمُزُ الماءُ إلى كلمةِ اللهِ بحدِّ ذاتِها (أفسُس 5: 26).
كَلِمَةُ اللهِ هي الواسِطَة التي سيَستَخدِمُها اللهُ عندما يعمَلُ هذه المُعجِزَة في حياتِنا. مَثَلاً، كتبَ الرَّسُولُ بُولُس يَقُولُ: "الإيمانُ بالخَبَرِ، والخَبَرُ بِكَلِمَةِ الله." (رُومية 10: 17) كتبَ بُطرُس يَقُولُ أنَّ الولادَةَ الجديدة هي مثل الولادَة الجسديَّة. يقُولُ بطرُس أنَّكَ عندما تُولَدُ من فوق، أو تُولَدُ رُوحيَّاً، تماماً كما أنَّهُ في الولادَةِ الجَسَدِيَّة هُناكَ بُويضَةٌ وبِذرَةٌ، وهكذا يحدُثُ التلقيحُ والحملُ بحياةٍ جَنينيَّة، ومن ثَمَّ يأتي مخاضُ الولادة، ثُمَّ النمُوّ والتطوُّر. يقُولُ بطرُس في رسالتِهِ الأُولى الإصحاح الأوَّل، أنَّهُ في الولادَةِ الرُّوحيَّة، أو الولادَةِ الجديدة، أي الولادة من الله أو من الرُّوح، البِذرَةُ هي كلمةُ الله (1بُطرُس 1: 23). أنا مُقتَنِعٌ أنَّ الرَّمزَ المجازِيّ لملءِ الأجرانِ بالماء، يُصَوِّرُ لنا الخُطوَةَ الثَّانِيَة في عمَلِيَّةِ الولادَةِ من جديد: فسُرعانَ ما تعتَرِفُ بكَونِكَ غير مَولُود ثانِيَةً، إذا أردتَ أن تُولَدَ من فَوق، إملأْ إناءَكَ، وعقلَكَ وحياتَكَ بكلمَةِ الله.
لِهذا وضعَ اللهُ على قَلبِي هدَفَ كتابَةِ موادّ "مدرَسَةِ الكتابِ المُقدَّس المُصَغَّرَة." لقدِ إكتَشَفتُ أنَّهُ عندما يَصِلُ النَّاسُ إلى كَلِمَةِ الله، وعندما تَصِلُ كَلِمَةُ اللهِ إليهِم، وعندَما يملأُونَ آنِيَتَهُم بكَلِمَةِ الله، غالِباً ما يُولَدُونَ من جَديد، لأنَّ الإيمانَ يأتي بِسَماعِ كَلِمَةِ الله، وكَلِمَةُ اللهِ المُوحَى بها هي البِذرَةُ التي تُحدِثُ الوِلادَةَ الجديدة. لهذا، إن أردتَ أن تُولَدَ من جديد، إملأْ إناءَكَ، إملأْ عقلكَ، إملأْ قَلبَكَ، وإملأْ حياتَكَ بِكَلِمَةِ الله. هذه هي الخُطوَةُ الثَّانِيَة في عمليَّةِ الولادَةِ الجديد، التي تُعَلِّمُنا إيَّاها هذه القِصَّة مجازِيَّاً.
الخُطوَةُ الثالِثة في هذه القِصَّة المجازِيَّة المُتَعَلِّقَة بالوِلادَةِ الجديدة، نَجِدُها مُصَوَّرَةً عندما قالَت مريم للخُدَّام، "مهما قالَ لكُم إفعَلُوهُ." تطبيقيَّاً، الخُطوَةُ التَّالِيَة في عَمَلِيَّةِ الولادَةِ الجديدة هي: عندما تملأُ إناءَكَ بماءِ الكَلِمَة، "مهما يَقُولُهُ لكَ إفعَلْهُ!"
عندما تقرأُ كلِمَةَ الله، سوفَ تكتَشِفُ أنَّ المبدَأَ الذي يجعَلُ من كَلِمَةِ اللهِ أن تُصبِحَ حيَّةً، ليسَ التآلُفَ معَ الكلمة. بَلِ العامِلُ الحيويُّ الذي يجعَلُ من كَلِمَةِ اللهِ قُوَّةً مُعطِيَةً للحياةِ عندما نقرَأُها، هو ما تعمَلُهُ حيالَ ما تعلَمُهُ. مُعظَمُنا لا يحتاجُون أن يسمَعُوا المزِيد؛ بل نحتاجُ أن نسمَعَ بشكلٍ أفضَل. بِحَسَبِ مَثلِ الزَّارِع، عندما نُطِيعُ كلِمَةَ الله التي زُرِعَت في حياتِنا، سوفَ نحمِلُ الكَثيرَ منَ الثِّمار (لُوقا 8: 15).
لذلكَ، بينما تملأُ ذِهنِكَ وقَلبَكَ بكلمةِ الله، إذا سَمِعتَ صَوتَ اللهِ يَقُولُ لكَ أن تعمَلَ شَيئاً، إعمَلْهُ بإستِمرار. ولَرُبَّما بينما تملأُ إناءَكَ بِكَلِمَةِ الله، فإنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سيُبَكِّتُكَ على أمرٍ مُعَيَّنٍ تعمَلُهُ، وسوفَ يَقُولُ، "كُفَّ عن عمَلِ هذا الأمر." فعندما يحدُثُ مثلُ هذا الأمر، أطِعْهُ بإستِمرار.
الخُطوَةُ الرَّابِعَة في هذه الصُّورَةُ المَجَازِيَّةُ للولادَةِ الجديدة هي: عندما تكُونُ قدِ إنتَهَيتَ منَ الخُطوَةِ الأُولى، الثَّانِيَة والثَّالِثَة، خُذِ الماءَ الذي سبقَ وتمَّ تحوِيلُهُ خمراً، وقَدِّمْهُ. وتماماً كما حدَثَ في مُعجِزَةِ إطعامِ الخَمسة آلاف، عليكَ أن تَطرَحَ السُّؤال، "متَى حدَثَت هذه المُعجِزَة؟" "وبالتَّحديد، مَتَى أصبَحَ المَاءُ خمراً؟" أنا مُقتَنعٌ أنَّ هذه المُعجِزَة حدَثَت عندما كانَ لدى الخَدَم الإيمانُ الكافِي لِيُقَدِّمُوا الماءَ الذي أخبرَهُم يسُوعُ بأنَّهُ أصبَحَ خمراً.
رِسالَةُ هذا الجزء من هذه الصُّورَةِ المجازِيَّة هي: عندما يُحَوِّلُ المسيحُ ماءَكَ خمراً، شارِكْ هذه المُعجِزة العظيمة معَ الآخرين. فإختِبارُكَ لِلولادَةِ الجديد ينبَغي أن يعمَلَ فَرقاً في علاقاتِكَ معَ الآخرين. فإن كُنتَ بالفِعل قد وُلِدتَ من جديد، هل ستعلَمُ زوجَتُكَ بذلكَ؟ أو هل سيعلَمُ زَوجُكِ بِذلكَ؟ وهل سيعَلَمُ أهلُكَ بِذلكَ؟ وهل سيَكُونُ هذا واضِحاً لأَولادِك؟ وهَل سيعلَمُ بذلكَ النَّاسُ الذين تعمَلُ معَهُم.
بالطَّبعِ سيعلَمُون، لأنًَّ إختِبارَكَ لِلولادَةِ الجديدة لن يُغَيِّرَكَ أنتَ فَحَسب، بل وسَيُغَيِّرُ علاقَاتِكَ أيضاً بِعُمق. بينما أصبَحَ الماءُ خمراً عندما كانَ يتمُّ توزيعُهُ، هكذا أيضاً عندَما نُشارِكُ هذه الحياة الجديدة في علاقاتِنا يَتَكَمَّلُ إختِبارُنا لهذه المُعجِزَة. إنَّ مُعجِزَةَ صيرُورَةِ الماءِ خَمراً هي مجازٌ لما أخبَرَنا عنهُ يُوحَنَّا المعمدان بأنَّهُ سيَحدُثُ، والذي كانَ أنَّ النَّاسَ كانُوا يُولَدُونَ رُوحيَّاً عندَما يتجاوَبُونَ معَ يسُوع ومَعَ كَلِمَتِهِ.
إنَّ قِصَّةَ هذه المُعجِزَةِ الجميلة يُمكِنُ أيضاً أن تُشِيرَ إلى صُورَةٍ مجازِيَّةٍ عنِ النَّهضَة. فبعدَ أن تختَبِرَ الولادَةَ الثَّانِيَة، سوفَ تأتي أوقاتٌ ستَشعُرُ فيها أحياناً أنَّكَ بحاجَةٍ لتُولَدَ ولادَةً ثانِيَةً من جديد. ولكنَّ الحقيقَةَ هي أنَّكَ لا تحتاجُ إلى إختبارٍ آخر لولادَةٍ جديدة. بل كما قالَ يسُوعُ لِبُطرُس في عِظَةِ العُلِّيَّة، عندما تغتَسِلُ بالتَّجديدِ والولادَةِ الثَّانِيَة، ثُمَّ تتَّسِخُ قدماكَ من غُبارِ هذا العالم، لن تحتاجَ عندَها للإستِحمامِ ثانِيَةً. بل كُلُّ ما تحتاجُهُ هُوَ فقط أن تغسِلَ رِجلَيك." (يُوحَنَّا 13: 10).
في هذه المُعجِزَة العَظيمة التي حقَّقَها يسُوع، نَجِدُ مُعادَلَةً يُمكِنُ إستِخدامُها عندما نجدُ أنفُسَنا بِحاجَةٍ لنَهضَة: الخُطوَةُ الأُولى هي أن تعتَرِف أنَّكَ ليسَ لدَيكَ خَمرٌ (مَزمُور 51: 12). أي إعتَرِفْ بِبَساطَةٍ لله قائِلاً: "لم يَعُد لديَّ ذلكَ الفَرح الذي كانَ ينبَغي أن يَكُونَ لَدَيَّ. لقد فقدتُ بَهجَةَ خَلاصِي. ليسَ لدَيَّ خَمرٌ." الخُطوَةُ الثانِيَة هي أن تملأَ إناءَكَ بِكَلِمَةِ الله. إذهَبْ في خُلوَةٍ رُوحيَّةٍ إلى مكانٍ مُنعَزِل. إملأْ قلبَكَ وذِهنَكَ بكلِمَةِ الله.
الخُطوَةُ الثالِثة، بينما يحدُثُ هذا، أصغِ إلى صَوتِ الله، لأنَّهُ سوفَ يُرَكِّزُ على أمرٍ مُعَيَّن ويَقُولُ لكَ، "لا تَفعَلْ ذلكَ." مهما قالَ لكَ، إفعَلْهُ. وهكذا ستختَبِرُ تجديداً رُوحِيَّاً. ثُمَّ الخُطوَةُ الرَّابِعة: أُطلُبْ منَ اللهِ أن يستَخدِمَ نهضَتَكَ الشَّخصِيَّة، لِيَجعَلَ منكَ برَكَةً لِكُلِّ النَّاس الذينَ تلتَقيهِم في حياتِكَ. عندما تكُونُ قدِ إتَّخَذتَ الخُطواتِ الأربَع المُوضَّحَة مجازِيَّاً في هذه المُعجِزَة، ستَكتَشِفُ أنَّ حياتَكَ في المسيح قد تجدَّدَت.
التأثيرُ المُباشَر لهذه المُعجِزة كانَ أنَّهُ وللمرَّةِ الأُولى، آمنَ التَّلاميذُ بيسُوع. فعندما سألُوهُ أينَ يمكُثُ، ودعاهُما ليأتُوا وينظُرُوا أينَ يمكُثُ، كانت تلكَ بِدايَةُ رحلَةِ إيمانِهم الطَّويلة. ولكن يُوحَنَّا يُخبِرُنا بِوُضُوحٍ أنَّ التَّلاميذَ آمنُوا للمرَّةِ الأُولى عندما رأَوا يسُوعَ يُحَوِّلُ الماءَ إلى خَمرٍ. بِحَسَبِ هذا الإنجيل، إختبَرَ التَّلاميذُ إعلاناً مُستَمِرَّاً لما هُوَ الإيمانُ، بينما كانُوا يتبَعُونَ يسُوع. نَكتَشِفُ إستِعارَةً مجازِيَّةً أُخرى في إنجيلِ يُوحَنَّا الإصحاح الثَّانِي. فَفِي نهايَةِ هذا الإصحاح، نقرَأُ أنَّهُ بينما كانَ يسُوعُ في أُورشَليم، آمنَ بهِ الكَثيرُونَ عندَما رأوا الآياتِ التي كانَ يُحَقِّقُها. "لكنَّ يسُوعَ لم يأتَمِنْهُم على نَفسِهِ لأنَّهُ كانَ يعرِفُ الجَميع. ولأنَّهُ لم يَكُنْ مُحتاجاً أن يَشهَدَ أحدٌ عنِ الإنسان لأنَّهُ عَلِمَ ما كانَ في الإنسان." (يُوحَنَّا 2: 23- 25).
هذا جوابٌ آخر مُثيرٌ للإهتِمامِ على السُّؤال، "ما هُوَ الإيمانُ؟" هذه الأعدادُ تُخبِرُنا عمَّا هُوَ الإيمانُ، وذلكَ بإخبارِنا عمَّا ليسَ هُوَ الإيمانُ. كُلُّ من يعتَرِفُ بالإيمان ليسَ بالضَّرُورَةِ مُؤمِناً حقيقيَّاً. لقد آمنَ هؤُلاء لأنَّهُم رأُوا مُعجِزاتِ يسُوع. ومن لا يُؤمِنُ عندما يرى عجائِب؟ ولكن هل التِّلميذُ الحقيقيُّ لِيَسُوع هُوَ الذي يُؤمِنُ عندما يرى مُعجِزَة؟
بِحَسَبِ هذه الإستِعارَة السَّلبِيَّة، الإيمانُ هُوَ طريقٌ بإتِّجاهَين. الإيمانُ هُوَ شَخصٌ مُؤمِنٌ يلتَزِمُ بالمسيح ويلتَزِمُ المسيحُ بهِ. "هَلُمُّوا ورائي فأجَعلَكُم." (متَّى 4: 19) بهذه الطريقة يعمَلُ الإيمانُ بالمسيح. أنتَ تلتَزِمُ بإتِّباعِهِ، وهُوَ يلتَزِمُ بأن يجعَلَ من حياتِكَ شيئاً مُهِمَّاً نافِعاً. يبدُو أنَّهُ في هذه الحال، آمنَ هؤُلاء النَّاس، ولكنَّ إيمانَهُم كانَ مُجَرَّدَ إعتِرافٍ عقلانِيّ وليسَ إلتزاماً قَلبِيَّاً. ولكنَّ يسُوعَ لم يأتَمِنْهُم على نَفسِهِ، لأنَّهُم هُم لم يَلتَزِمُوا بهِ ولم يأتَمِنُوهُ على أنفُسِهِم (يُوحَنَّا 20: 29؛ رُومية 10: 9)
في هذا الإصحاح، سجَّلَ يُوحَنَّا أيضاً حَدَثَ تطهير المسيح للهَيكَل. ونَجِدُ تطهيرَ المسيحِ للهَيكَل مُسَجَّلاً أيضاً في الأناجيل المُتشابِهَةِ النَّظرَة. الأناجيلُ الأُخرى تَضَعُ تطهيرَ الهيكل في بدايَةِ خدمَةِ يسُوع. أمَّا إنجيلُ يُوحَنَّا فيَضَعُهُ في بدايَةِ خدمَةِ يسُوع العلنيَّة التي إستَمَرَّت ثلاث سنواتٍ ونِصف. الطريقَةُ الوحيدَةُ لتوفيقِ هذا التَّناقُضِ الظَّاهِر هي بالقَولِ أنَّ تطهيرَ الهَيكَل حدَثَ مرَّتَين. مُلاحَظَةٌ أُخرى هي أنَّ يُوحَنَّا لم يَكُنْ مُهتَمَّاً بالدِّقَّةِ التَّاريخيَّة كما كانَ لُوقا. بل كانَ يُحاوِلُ أن يُقنِعَنا بِحُجَّتِهِ الأساسيَّة عن يسُوع، ألا وهِيَ أنَّهُ كانَ المسيح، إبن الله.
المغزَى من تطهير الهَيكَل كما هُوَ مذكُورٌ في إنجيلِ يُوحَنَّا، هُوَ أنَّ هذا الحَدَث تكلَّمَ عن أهَمِّ علامَةٍ يُخبِرُنا بها يُوحنَّا، تُبَرهِنُ أنَّ يسُوعَ هُوَ المسيح. عندما قالَ يسُوعُ أنَّهُ كانَ اللهَ وكانَ المسيَّا، كانَ يَقُولُ لهُ رجالُ الدِّينِ بإستمرار، "أيَّةُ آيَةٍ تصنَعُ لتُرِيَنا هذا؟" وذاتَ مَرَّةٍ عندما طلَبُوا آيةً من يسُوع، أجابَهُم يسُوع، "جيلٌ شِرِّيرٌ وفاسقٌ، يطلُبُ آيَةً، ولا تُعطَى لهُ آيَةٌ إلا هذه: أنقُضُوا هذا الهَيكَل (قاصِداً جَسَدَهُ)، وفي ثلاثَةِ أيَّامٍ أُقيمُهُ." متَّى 12: 39- 41).
يُخبِرُنا يُوحَنَّا أنَّنا عندما قامَ يسُوعُ منَ الموت، تذكَّرَ تلاميذُهُ أعدادَ العهدِ القديم التي تنبَّأَت عن قِيامَتِهِ، مثل المزمُور السَّادِس عشَر، الذي وعظَ منهُ بُطرُس عظتَهُ يومَ الخمسين. ولقد تذَكَّرُوا أيضاً ذلكَ التصريح الذي سمِعُوا يسُوعَ يُقَدِّمُهُ (يُوحَنَّا 2: 19- 22). في إطارِ تطهيرِ الهَيكَل، أعطانا يسُوعُ علامَةً هامَّةً، التي هي برأي الرَّسُول يُوحَنَّا، ينبَغي أن تُقنِعَنا أنَّ يسُوعَ هُوَ المسيح، إبن الله.
بالإختِصار، من هُوَ يسُوعُ في الإصحاحِ الثَّانِي من إنجيل يُوحَنَّا؟ في الإصحاحِ الثَّانِي من هذا الإنجيل، يسُوعُ هُوَ ذلكَ الشخص الذي يستَطيعُ أن يُحَوِّلَ الماءَ خمراً. بإمكانِكَ أن تأتِيَ إلى يسُوع بمشاكِلِكَ، ويسُوع يستَطيعُ أن يحمِلَ مشاكِلَكَ، التي هي مثل المياه، ويُحَوِّلَها خمراً. بإمكانِكَ أن تأتِيَ إلى يسُوع بِكُلِّ ما لدَيكَ من ضَعفَاتٍ. فعندما تدعُو يسُوعَ إلى حياتِكَ، سوفَ يُحوِّلُ يسُوعُ ماءَ ضعفاتِكَ إلى خمرِ الفرحِ الحقيقيِّ.
تُوجدُ عِدَّةُ تطبيقاتٍ لهذه المُعجِزَة. فبإمكانِكُم أيضاً تطبيقُ هذه القِصَّة على وعظِ وتعليمِ كلمَةِ الله. أحدُ أساتِذَةِ الكتابِ المُقدَّس المُفضَّلينَ عندي، Dr. J. Vernon McGee، شاركَ معنا كطُلاب لاهُوت يافِعينَ في العام 1952، أنَّهُ بينما كان يَعِظُ لحوالي أربَعة آلاف شخص كُلّ يوم أحد، يَقُولُ: "أحياناً كانت لديَّ رِسالَةٌ كُنتُ أُؤمِنُ أنَّ اللهَ وضعها على فَمي. ولكن بِصَراحةٍ، أحياناً كانت هذه الرِّسالَة ضعيفَةً جداً، وكأنَّها أشبَهُ بالماء. ولكنَّ اللهَ كانَ يَقُولُ لي: أعطِ هذه الرِّسالة، وأنا سأُعطيها لِقُلُوبِ النَّاس. وفي مكانٍ ما بينَ المنبَرِ والمقعد، كانَ اللهُ يلمُسُ العِظَة، وكانَت هذه العظة الأشبَه بالماء تتحوَّلُ إلى خَمر. لستُ أدري كيفَ يعمَلُ اللهُ هذا الأمر، ولكنَّهُ يعمَلُهُ."
وكانَ الدُّكتُور ماغِّي يقُولُ لنا كوُعَّاظٍ يافِعينَ طَمُوحِين، "عندما يُعطِيكَ اللهُ رِسالَةً أو عِظَةً، ألقِها أمامَ النَّاس. قد تَظُنُّ أنَّها مُجَرَّدُ ماء، ولكنْ ألقِ هذه العِظة، وأوصِلْها إلى قُلوبِ الناس. وبينما تُوزِّعُ هذه الماء، ففي مكانٍ ما بينَ المنبَرِ والمقعد، سوفَ يلمُسُ اللهُ هذه الرِّسالَة وسيُحَوِّلُها خمراً." منذُ العام 1952، وجدتُ أنَّ هذا الأمرَ صحيح. في الإصحاحِ الثَّانِي من إنجيلِ يُوحَنَّا، يسُوعُ هُوَ الشَّخصُ الذي بإمكانِهِ أن يُحَوِّلَ المياهَ بمُختَلَفِ أنواعِها إلى خَمرٍ مُفرِحَة.
ما هُوَ الإيمانُ في الإصحاحِ الثَّانِي؟ الإيمانُ هُوَ إتِّباعُ هذه الخُطُواتِ للولادَةِ الجديدة أو للنهضَة: كُنْ صادِقاً معَ اللهِ وإعتَرِفْ أنَّهُ ليسَ لدَيكَ خَمرٌ. إعتَرِفْ أنَّكَ لم تُولَد ثانِيَةً، أو أنَّكَ لم تختَبِر فَرَحَ الرُّوح، وأنَّكَ تحتاجُ إلى نهضَةٍ. ثُمَّ، إملأْ إناءَكَ بكَلِمَةِ الله. إقضِ وقتاً كافِياً في قراءَةِ كلمةِ الله. ومهما قالَ لكَ اللهُ خلالَ قراءَتِكَ لكلمةِ الله، فذلكَ إفعَلْهُ. ثُمَّ شارِك نتائِجَ نهضَتِكَ الرُّوحيَّة الشَّخصِيَّة معَ أشخاصٍ آخرين. شارِكْ كَلِمَةَ اللهِ وفرحَكَ الذي إكتَشَفتَهُ من جديد في إطارِ علاقاتِكَ معَ كُلِّ النَّاس الذين تلتَقيهِم في حياتِكَ، بحسبَ تدبيرِ العنايَةِ الإلهيَّة.
وما هي الحياةُ في الإصحاحِ الثَّانِي من إنجيلِ يُوحَنَّا؟ الحياةُ هي أن تُولَدَ من جديد. يُخبِرُنا يُوحَنَّا بِعدَّةِ طُرُقٍ جميلة، في الكَثيرِ من هذه الإصحاحات، أنَّ الحياةَ هي الولادة الثَّانِيَة. في هذا الإصحاح، الحياةُ هي إختِبارُ تحويلِ مائِكَ إلى خَمر. الحياةُ هي كُلُّ ما ينتُجُ عن دُخُول علاقَةِ إيمانٍ معَ يسُوع المسيح، حيثُ تكُونُ قد قُمتَ بإتِّخاذِ إلتزامٍ بالمسيح، وحيثُ يكُونُ هُوَ أيضاً قدِ إلتَزَمَ بكَ. ومعرِفَةُ أنَّ المسيح قد أعطاكَ كُلَّ ما هُوَ وكُلَّ ما لدَيهِ، ينبَغي أن تمنَحَكَ هذه المعرِفَةُ نوعِيَّةَ حياةٍ مُمَيَّزَة. فالحياةُ هي أيضاً أن يتطهَّرَ هيكَلُكَ الشَّخصِيّ، عندما تتطلَّبُ الخطيَّةُ مثلَ هذا التَّطهير.
- عدد الزيارات: 3572