الفَصلُ الرَّابِع "النَّعمَةُ والحَقُّ"
نَقرَأُ في مُقدِّمَةِ هذا الإنجيل: "ومِن مِلئِهِ نحنُ جَميعاً أخَذنا، ونِعمَةً فوقَ نعمة. لأنَّ النَّامُوس بِمُوسى أُعطِيَ. أمَّا النِّعمَةُ والحَقُّ فَبِيَسُوع المسيح صارا." (يُوحنَّا 1: 17)
ماذا يعني هذا؟ كلمةُ نِعمة باليُونانِيَّة هي، "خارِيس." فعندما تَعمَلُ النِّعمَةُ في حياتِنا، تُسَمَّى "خاريسما أو خاريسماتا." فنِعمَةُ اللهِ تُعَرَّفُ كعَطفِ وبَرَكَةِ اللهِ التي لا نستَحِقُّها. فنحنُ لا نَستَحِقُّ شيئاً منَ الله. فكُلُّ ما يُعطينا إيَّاهُ اللهُ هُوَ نِعمَة.
ولكن، بالإضافَةِ إلى كَونِها عطف الله الذي لا نَستَحِقُّهُ، فإنَّ النِّعمَةَ هي أيضاً قُوَّة أو سُلطة الله. النِّعمَةُ هي قُوَّة الله الدِّيناميكيَّة. "النِّعمَةُ هي عملُ اللهِ فينا، ولكن بِدُونِنا." النِّعمَةُ هي تلكَ الولادَةُ الجديدةُ التي يُنجِزُها اللهُ فينا، بِدُونِ أيَّةِ مُساعَدَةٍ منَّا، بإستثناءِ إيمانِنا. "فمَشيئَةُ اللهِ لن تأخُذَنا أبداً إلى حيثُ لا تَستطيعُ نعمَةُ اللهِ أن تَحفَظَنا. هذه مُحاوَلَةٌ أُخرَى لإبرازِ معنَى هذا المَفهُوم لنعمَةِ الله.
وكَأَنَّنا نَقُولُ للهِ، "أنا لا أستَطيعُ." ويَقُولُ اللهُ، "أنا أعرِفُ ذلكَ، ولكنَّني أنا أستطيعُ. فإذا جعلتَ حياتَكَ تنسَجِمُ معِي بالطريقَةِ الصَّحيحَة، بإمكانِكَ أن تقبَلَ منِّي القُوَّةَ الدِّيناميكيَّةَ لتَكُونَ ولِتَعمَلَ ما أُريدُهُ. فكما ترى، ليسَتِ القَضِيَّةُ من أو ماذا أنتَ، أو ماذا تستطيعُ أو لا تستطيعُ أن تعمَلَ. بل القَضِيَّةُ هي من أنا، وما أستطيعُ أنا أن أعمَلَهُ. لِهذا، إجعَلَ نفسَكَ على إنسجامٍ معِي، ثُمَّ تعالَ وتحقَّق من أنَّني قادِرٌ أن أُؤَيِّدَكَ وأُزوِّدَكَ بالقُوَّةِ لتَكُونَ كُلَّ ما أُريدُكَ أن تَكُونَهُ، وأن تعمَلَ كُلَّ ما أُريدُكَ أن تعمَلَهُ. إتبَعْنِي وسأُظهِرُ لكَ صِحَّةَ هذا الأمر.
عندما يُفَكِّرُ كَثيرُونَ بأن يُصبِحُوا أتباعَ للمَسيح، ويرَونَ ما يعنيهِ هذا من تغييرٍ جَذرِيٍّ مُطلَق في أسلُوبِ حياتِهم، يَقُولُون، "أنا لا أستطيعُ أبداً أن أعمَلَ هذا. لا أستَطيعُ أن أعيشَ هكذا أبداً." بالطَّبعِ هُم على حَقّ. فلَيسَ بإمكانِكَ أن تعِيشَ هكذا؛ ليسَ بإستِطاعَتِكَ أن تعمَلَهُ؛ ولا يستطيعُ أيُّ كائِنٍ بَشَرِيٍّ آخر أن يعمَلَهُ، إلا إذا أُعطِيَت لهُ نعمَة ُالله. فإذا مُنحَ نِعمَةَ اللهِ، بإمكانِهِ أن يعمَلَ ذلكَ. هذا هُوَ المَقصُودُ في الأعداد 15 إلى 17 حيثُ نقرَأُ، "ومن مِلئِهِ نحنُ جميعاً أخَذنا، ونعمَةً فَوقَ نعمَة." تقُولُ إحدَى التَّرجَمات، "بركة فوقَ بَرَكة."
تُعتَبَرُ هذه أخباراً سارَّةً: "لأنَّ النَّامُوس بِمُوسَى أُعطِيَ، أمَّا النِّعمَةُ والحَقُّ فبِيَسُوع المسيح صارا." لقد أعطَى اللهُ شعبَهُ حقَّاً رائعاً من خلالِ مُوسى. ولكن عندما أعطانا اللهُ إعلانَهُ الأعظَم للحَقِّ من خلالِ الكلمة الأزَلِيّ الذي صارَ جسداً، أعطانا أيضاً النِّعمَةَ الخارِقَةَ للطَّبيعة لتَطبيقِ هذا الحَقّ على حياتِنا. هذهِ إشارَةٌ بِدُونِ شَكّ إلى يومِ الخمسين، عندما حلَّ الرُّوحُ القُدُسُ على أتباعِ المسيح. ولقد تمَّ وصفُ نتائِج هذا الحَدَث العَجيب في سفرِ الأعمال بالطريقَةِ التَّالِيَة: "ونعمَةٌ عَظيمَة كانت على جَميعِهِم." (أعمال 4: 33)
لقد سبقَ وكانَت الأسفارُ المُقدَّسَةُ مُتَوفِّرَةً لدى المُؤمنينَ العبرانِيِّين الذي إختَبَرُوا العَنصَرَة. فلقد سبقُوا وأخذُوا نامُوسَ اللهِ من خلالِ مُوسى. ولقد تمتَّعُوا لقُرونٍ طَويلَة بالحقِّ الذي أظهَرَ لهُم كيفَ يَعيشُون، ولكن لم يَكُنْ لدَيهِم ديناميكيَّة تطبيق هذا الحقّ على حياتِهم. لِهذا حياةُ مُؤمِني العهدِ القَديم كانت دائماً تحذيراتٍ نتفاداها، بدل أن تَكُونَ لنا نماذِجَ نقتَدي بها (1كُورنثُوس 10: 11).
يَقُولُ كُتَّابُ العَهدِ الجَديد، أمثال الرَّسُول بُولُس، أنَّ النَّامُوس هُوَ مُجَرَّد حَدٍّ مُستَقيم يُوضَعُ إلى جانِبِ إعوِجَاجِنا، ليُظهِرَ مدى إعوجاجِ طُرُقِنا (رُومية 3: 19، 20). يَقُولُ يعقُوبُ أنَّ كَلِمَةَ اللهِ هي بِمَثابَةِ مِرآةٍ يتوجَّبُ علينا أن نَنظُرَ إليَها في كُلِّ صَباحٍ، لِكَي نرى عُيُوبَنا (يعقُوب 1: 22- 25). ولكن عندَما نرَى الإعوِجاج، وعندما نَرى العُيُوب، أينَ يُمكِنُ أن نَجِدَ السُّلطَةَ لِتقويمِ إعوِجَاجِنا، أو لنَقُومَ بالتَّصحيحاتِ التي نحتاجُ إليها في كُلِّ صَبَاحٍ عندما ننظُرُ إلى مرآةِ كَلِمَةِ الله؟ بِكَلِماتٍ أُخرى، أينَ يُمكِنُنا أن نَجِدَ النِّعمَةَ لتَقويمِ إعوِجاجِ حياتِنا؟
هذا ما يُخبِرُنا بهِ يُوحَنَّا في هذه المُقدِّمَة، عندما يَقُولُ أنَّنا قد أخَذنا نِعمَةً فوقَ نِعمَة. هذه أخبارٌ سارَّةٌ جِدَّاً: "لأنَّ النَّامُوس بِمُوسَى أُعطِيَ، أمَّا النِّعمَةُ والحَقُّ فبِيَسُوع المسيح صارا."
- عدد الزيارات: 8175