Skip to main content

الفَصلُ الأوَّل "نَظرَةٌ إلى إنجيل يُوحَنَّا"

الصفحة 1 من 4

لقد قَدَّمتُ في كُتَيِّبٍ آخر مُلاحَظاتٍ للذين إستَمَعُوا إلى حلقاتِ بَرنامج "في ظِلالِ الكلمة،" التي تُقدِّمُ مُلَخَّصاً لإنجيلِ يُوحنَّا، خلالَ دراسَتِنا الشَّامِلَة للعَهدِ الجَديد. والكُتَيِّبُ الذي أنتُم الآن بِصَدَدِ قراءَتِهِ هُوَ الأوَّلُ من بَينِ سِتَّةِ كُتَيِّباتٍ أُلَخِّصُ فيها مائَةً وثلاثِينَ حلقَةً إذاعِيَّةً، فَسِّرتُ فيها إنجيلَ يُوحَنَّا عدداً بعدَ الآخر.

الرسُول يُوحنَّا هُوَ كاتِبُ هذا الإنجيل. خلالَ قِراءَتي لهذا الإنجيل، بإمكانِي أن أعرِفَ القَصد الذي لأجلِهِ كتبَ يُوحَنَّا، وكذلكَ قَصدِي أنا منَ القِراءة، لأنَّ يُوحَنَّا يُخبِرُنا بِوُضُوحٍ لماذا كتبَ هذا الإنجيلَ الرَّابِع: "وآياتٍ أُخَرَ كَثيرة صنعَ يسُوعُ قُدَّامَ تلاميذِهِ لم تُكتَبْ في هذا الكِتاب. وأمَّا هذه فقد كُتِبَت لتُؤمِنُوا أنَّ يٍسُوعَ هُوَ المسيح إبنُ الله ولِكَي تكُونَ لكُم إذا آمنتُم حياةٌ بإسمِهِ." يُوحَنَّا 20: 30، 31.

"الآيَةُ" هي مُعجِزَةٌ تُبَرهِنُ شَيئاً، أو ما يُمكِنُ أن نُسَمِّيَّهُ "بُرهانٌ مُعجِزِيٌّ." يُخبِرُنا يُوحنَّا في هذا الإنجيل أنَّهُ عندما كانَ يسُوع المسيح في عالَمِنا، حقَّقَ الكثير من البراهين المُعجِزيَّة، أو الآيات. وفي العددِ الأخير من هذا السفر، يُخبِرنا يُوحنَّا أنَّهُ لم يُسجِّلْ كُلَّ الآيات، أو البراهين المُعجِزيَّة التي حقَّقها يسُوع. ويُخبِرُنا أنَّهُ لو سجَّلَ أحدُهُم كُلَّ الآيات التي عمِلَها يسُوع، لما إتِّسَعَ العالَمُ بأسرِهِ للكُتُبِ التي كانت ستُكتَبُ عنهُ.

يُخبِرُنا يُوحنَّا أنَّ هذا الإنجيل الرَّابِع هُوَ سِجِلُّ مُدَوَّنٌ لبَعضِ المُعجِزاتِ التي أنجزَها يسُوع. فيُوحَنَّا شارَكَ معنا سِجِلاً بهذهِ الآيات التي إختارَها، لأنَّهُ أرادَنا أن نُؤمِنَ أنَّ يسُوعَ هُوَ المسيح المَسيَّا، إبن الله. وهُوَ مُقتَنِعٌ تماماً أنَّنا عندما نُؤمِنُ، ستَكُونُ لنا نَوعِيَّةُ الحياة التي يُريدُها اللهُ لِكُلِّ كائنٍ بَشَرِيٍّ. وهُوَ يُسَمِّي هذه النَّوعِيَّة منَ الحياة "الحياة الأبديَّة."

أمرٌ آخَرُ أُحِبُّهُ عن هذا الكاتب، هُوَ أنَّهُ يكتُبُ لنا في ما أُسمِّيهِ "لُغة الرَّمُوز" الجَميلة. فهذا الإنجيل الرَّابِع هُوَ مِثالٌ عمَّا قَصَدَهُ بُولُس عندما كتبَ يَقُولُ أنَّ "اليَهُودَ يطلُبُونَ آيَةً." (1كُورنثُوس 1: 22) هذا الإنجيل هُوَ مِثالٌ عن لُغَةِ الرُّمُوز الكِتابِيَّة الرُّوحِيَّة التي إستخدَمها اليَهُود.

عندما كتبَ يُوحنَّا سفرَ الرُّؤيا، وصفَ في العددِ الأوَّل من هذا السِّفر الظُّروفَ التي فيها أُعطِيَ لهُ هذا الإعلانُ، بالكلماتِ التالِيَة: "إعلانُ يسُوع المسيح الذي أعطاهُ إيَّاهُ اللهُ لِيُرِيَ عبيدَهُ ما لا بُدَّ أن يكُونَ عن قَريبٍ وبيَّنَهُ مُرسِلاً بيَدِ ملاكِهِ لِعَبدِهِ يُوحنَّا."

إنَّ كَلمَة "بَيَّنَهُ" مُثِيرَةٌ للإهتِمام. وما يقُولُهُ يُوحنَّا هوَ أنَّ الشَّكلَ الأدَبِيَّ للإعلان الذي أُعطِيَ لهُ من قِبَلِ اللهِ على جَزيرَةِ بَطمُس كانَ "لُغَةً رَمزِيَّةً رُوحيَّة." ويُضِيفُ الرَّسُولُ بُولُس نظرَةً إضافِيَّةً على مَفهُومِ هذه الكلمة، عندما يكتُبُ عنِ التَّاريخِ العِبريّ قائِلاً: "فهذه الأُمُور جيمعُها أصابَتْهُم مِثالاً وكُتِبَت لإنذارِنا نحنُ الذين إنتَهَت إلينا أواخِرُ الدُّهُور." (1كُورنثُوس 10: 11).

عندما قالَ بُولُس أنَّ كُلَّ هذه الأُمُور التي حدَثَت لليَهُود في التاريخِ الكتابِيّ، حدَثت لتَكُونَ مِثالاً، إستَخدَمَ الكلمة اليُونانِيَّة Tupos، التي تعني نمُوذجاً، مثل نمُوذَجَ الطِّباعَة. يُخبِرُنا بُولُس أنًَّ أدَبَ الكِتابِ المُقدَّس التَّاريخيّ مَملُوءٌ بأمثِلَةٍ وتحذِيراتٍ تُقدَّمُ بِشكلٍ مجازِيّ. فإذا فتَّشتَ عن معنى كلمة مجاز في القامُوس، تَجِدُ أنَّ "المجازَ هُوَ قِصَّةٌ يتَّخِذُ فيها الأشخاصُ، الأماكِنُ، والأشياء، معنىً عميقاً مُختَلِفاً، غالِباً ما تكُونُ لهُ دلالتُهُ التعليميَّة، الرُّوحِيَّة أو الأخلاقيَّة."

يتكلَّمُ بُولُس الرسُول أيضاً عن أنَّهُ كانَ لإبراهِيم إبنان. يُعتَبَرُ هذا تاريخَاً وليسَ خُرافَةً. ولكن بعدَ أن أخبَرنا بُولُس أنَّهُ كانَ لإبراهِيم إبنان، أخبَرنا بُولُس أنَّ هذا مجازٌ. (غلاطية 4: 22- 24). لهذا، وضعَ بُولُس هذا كسابِقة نتعلَّمُ منها: أنَّهُ في الكتابِ المقدَّس، بإمكانِنا أن نكتَشِفَ حقيقَةً تاريخيَّة تمَّ تعليمُها مجازِيَّاً. هذا يعني أنَّ الأشخاص والأماكِن والأشياء المَذكُورَة في مَقطَعٍ كِتابِيٍّ مُعَيَّن - كإبنَي إبراهيم مثَلاً - إتَّخَذَت معنىً أعمَق، لنتعلَّمَ من خِلالِها أُمُوراً رُوحيَّة.

هذا ما أقصُدُهُ عندما أقُولُ أنَّ الرَّسُولَ بُولُس كتبَ الإنجيلَ الرَّابِع، كما كتبَ سِفرَ الرُّؤيا، مُستَخدِماً لغُةَ الرُّمُوز اليَهُوديَّة المجازِيَّة. فسِفرُ الرُّؤيا، الذي كتبَهُ يُوحنَّا، هُوَ رِسالَةٌ لشعبِ اللهِ، ولكن بطريقَةٍ مُشفَّرَة سِرِّيَّة. فإذا أردنا فهمَ هذه الرسالة، ينبَغي أن يكُونَ لدينا المفاتيح التي تَفُكُّ ألغازَ هذه الرسالة المُشفَّرَة. وبمعنى ما، هذا ما يَصحُّ على إنجيلِ يُوحنَّا.

كُتِبَ إنجيلُ يُوحنَّا على مُستَوَيَين. فلديهِ مُستَوىً يستطيعُ الطِّفلُ أن يفهَمَهُ؛ ويستخدِمُ كلماتٍ مُبَسَّطَةً قصيرةً جداً. ويُعتَبَرُ إنجيلُ يُوحنَّا الأبسطَ بينَ الأناجيل الأربَعة. ولكن، عندما تفهَمُونَ أنَّ يُوحنَّا يكتُبُ بِلُغةِ الرُّمُوز هذه، تُدرِكُونَ أنَّهُ في إنجيلِ يُوحنَّا، هُناكَ دائماً ذلكَ المعنى الأعمَق. فهُناكَ دائِماً ذلكَ المعنى الآخر، حيثُ تتَّخِذُ الأشخاصُ والأماكِنُ والأشياء معنىً آخر، يُعَلِّمُنا أُمُوراً رُوحيَّةً. عندما تفهَمُونَ هذا، تدُركُونَ عندها أنَّ إنجيلَ يُوحنَّا، حتَّى ولو كُتِبَ بأبسَطِ لُغَةٍ، فهُوَ أعمَقُ إنجيلٍ بينَ الأناجيل الأربَعة. ولكن لكي تَفهَمُوا هذا المعنَى الأعمق، تحتاجُونَ إلى مفاتيحَ تُفَسِّرُ الشِّيفرَة.

إذا قرأتُم إنجيلَ يُوحنَّا، مُدرِكِينَ أنَّ هذا الإنجيل كُتِبَ لِشَعبِ اللهِ بِلُغَةٍ رَمزِيَّةٍ مُوحَىً بها بطريقَةٍ خارِقَةٍ للطبيعة، أو بِلُغَةٍ رمزِيَّةٍ مُشفَّرَة, وإذا رَغِبتُم بأن تحصَلُوا على المفاتِيح التي تَفُكُّ ألغازَ هذه الرِِّسالة المُشفَّرَة، سوفَ تُحِبُّونَ إنجيلَ يُوحنَّا بِحَقّ. فقَبلَ أن ننظُرَ إلى إن إنجيلِ يُوحنَّا الرائِع هذا، عدداً بعدَ الآخر، أَوَدُّ أن أُشارِكَ معكُم بعضَ المفاتِيح التي تُفُكُّ ألغازَ الشيفرة الجميلة الموجُودة في إنجيلِ يُوحنَّا.

المِفتاحُ الأوَّلُ الذي أُريدُ أن أُشارِكَكُم بهِ هُوَ الرُّوحُ القُدُس. فبِبَساطَة، ليسَ بإمكانِنا أن نُمَيِّزَ الحقيقَةَ الرُّوحِيَّة، إلا إذا سكنَ الرُّوحُ القُدُسُ في حياتِنا (1كُورنثُوس 2: 9- 16؛ يُوحَنَّا 16: 13). يُخبِرُنا الرَّسُول بُولُس عنِ السَّبَب، عندما يكتُبُ قائِلاً أنَّ "الحقيقَةَ الرُّوحيَّة تُمَيَّزُ رُوحِيَّاً." فالإنسانُ غَيرُ الرُّوحِيّ أوِ الطَّبِيعيّ لا يستَطيعُ أن يفهَمَ الحقيقَةَ الرَّوحيَّة، ونتيجَةً لِهذا الواقِع، الإنسانُ غَيرُ الرُّوحي سوفَ يُسَمِّي الحقائِقَ الرُّوحِيَّة الكُبرَى بالجَهالَة، بِحَسَبِ قَولِ بُولُس الرَّسُول. لهذا، فالمِفتاحُ الأوَّل الذي ينبَغي أن نحصلَ عليهِ، إذا أرَدنا أن نَفُكَّ ألغازَ هذا الإنجيل الرَّابِع العَميق، هُوَ أن نتمتَّعَ بِبَساطَةٍ بالرُّوحِ القُدُس كمُعَلِّمٍ لنا.

المِفتاحُ الثَّانِي الذي يَفُكُّ ألغازَ هذا الإنجيلِ الرَّابِع، هُوَ أن نُدرِكَ أنَّ 90 % من مُحتَوى إنجيلِ يُوحنَّا، لا نَجِدُهُ في أناجيل متَّى، مرقُس، ولُوقا. لهذا سُمِّيَت أناجيلُ متى، مرقُس ولُوقا، "بالأناجيل المُتشابَهة النَّظرة." فمُحتَوى هذه الأناجيل مُتطابِقٌ. ولكنَّ 90 % ممَّا هُوَ موجُودٌ في إنجيلِ يُوحنَّا لا نَجِدُهُ في الأناجيل المُتشابِهة النَّظرة أو المُتطابِقة التي هي أناجيل متَّى، مرقُس، ولُوقا. هذا يعني أنَّ ما كُنَّا سنعِرفهُ عن هذه التسعين بالمائة من الأُمور التي نقرَأُها في إنجيلِ يُوحنَّا، لما كانَ مُمكِناً لو لم يكتُبْ يُوحنَّا هذا الإنجيل الرَّابِع.

مِفتاحٌ ثالِث ينبَغي أن يكُونَ لدينا عندما نقتَرِبُ من الإنجيلِ الرَّابِع هو أن نُدرِكَ أنَّهُ السِّفر الكِتابِيّ الوَحيد المُوجَّه لِغَيرِ المُؤمنين: أخبَرَنا الرسُول بُولُس بإقتِناعٍ عميق، أنَّ "كُلَّ الكتاب هُوَ مُوحَىً بهِ من الله، ونافِعٌ للتعليمِ والتوبيخ، للتقويمِ والتأديب الذي في البِرّ، لكَي يكُونَ إنسانُ اللهِ كامِلاً، مُتَأهِّباً لِكُلِّ عملٍ صالِحٍ." بمعنىً ما، يُخبِرُنا هذا المقطع الذي قرأناهُ من 2تيمُوثاوُس 3: 16، و17، عن القصد الذي من أجلِهِ دُوِّنَ الكتابُ المقدَّس بكامِلِه. فالقصدُ من الكتابِ المقدَّسِ بكامِلِهِ هُو أن يكُونَ إنسانُ اللهِ كامِلاً، مُتأهِّباً لكُلِّ عملٍ صالِحٍ أرادَهُ لهُ اللهُ الآبُ.

هذا يعني أنَّهُ تُوجَدُ رِسالَةٌ واحِدَةٌ في الكتابِ المُقدَّس لِغَيرِ المُؤمن: أن يَتُوبَ ويُؤمِنَ بالإنجيل. وعندما يتُوبُ غيرُ المُؤمِنِ ويُولَدُ ثانِيَةً، يُعطيهِ اللهُ سِتَّةً وسِتِّينَ سِفراً مُقَدَّساً، بما في ذلكَ إنجيل يُوحَنَّا، التي ستُعَلِّمُهُ، وتُؤَهِّلُهُ، وتُكَمِّلُهُ لِكُلِّ عَمَلٍ صالِحٍ يُريدُه اللهُ أن يعمَلَهُ.

وسوفَ نرى أنَّهُ يُوجَدُ الكَثيرُ منَ الحقيقَةِ التَّعَبُّدِيَّة في إنجيلِ يُوحَنَّا، الذي يحتَوي على الكَثيرِ منَ المَنفَعَةِ للمُؤمن. ولكنَّ هذا السِّفرَ مُوجَّهٌ بِوُضُوحٍ لِغَيرِ المُؤمن بِهَدَفِ أن يُصبِحَ مُؤمِناً. هذا يجعَلُ من إنجيلِ يُوحَنَّا سِفراً فَريداً في لائِحَةِ أسفارِ الكتابِ المُقدَّس القانُونيَّة. هذا القَصدُ التَّبشيريُّ من إنجيلِ يُوحَنَّا هُوَ مِفتاحٌ آخر لفَهمِنا لهذا الإنجيل العَظيم.

حُجَّةُ إنجيل يُوحَنَّا الرَّئيسيَّة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11937