الفصلُ السابِع خمسُ بَصَماتٍ للكَنيسةِ السَّليمة
(1كُورنثُوس 12: 4- 19)
بعدَ هذا المَقطَعِ العَظيم عن كيفَ تُصبِحُ المواهِبُ الرُّوحِيَّةُ نماذِجَ خدمة، ينتَقِلُ بُولُس إلى جزءٍ آخر من تعليمِهِ العظيم. فهُوَ يأخُذُ هذين المَبدَأَينِ المُتَناقِضَين – التنوُّع والوحدة – ويجمَعُهُما معاً بإخبارِنا أنَّ الكنيسة تعمَلُ مثل الجسد الإنساني.
ما هي الكنيسة؟ وما هُوَ جوهَرُ وعملُ الكنيسة؟ يُخبِرُنا يسُوعُ قائلاً، "أبني كَنيستِي، وأبوابُ الجحيمِ لن تقوَى عليها." ثُمَّ نقرَأُ فيما بعد أنَّ يسُوعَ يتمشَّى بينَ كنائِسِهِ (متَّى 16: 18؛ رُؤيا 1: 12، 13، 20). ما هي الدلائِلُ أنَّ كنيستَنا اليوم هي جزءٌ من كنيسةِ المَسيحِ المُقامِ الحي التي يبنِيها ويَزُورُها اليوم؟
هُناكَ أكثَرُ من ستِّينَ بَليُون إصبَع في هذا العالم، وكُلُّ واحِدٍ منها لهُ بَصمَتُهُ الفَريدة الخاصَّة بهِ. وبإمكانِ الأجهِزة الأمنِيَّة حولَ العالم أن تُحدِّدَ هُويَّتَكَ وهُوِيَّتِي بواسِطَةِ بصماتِنا. فهل لدى الكنيسة التي يبنيهِا المسيح بصماتٌ تُمَيِّزُها عن غَيرِها؟ بكلماتٍ أُخرى، إذا إتُّهِمَتْ كنيستُنا بكونِها جزءاً من الكنيسة التي يبنِيها المسيحُ اليوم، فهل سيكُونُ هُناكَ ما يكفِي من البُرهانِ لإقناعِنا بِصِحَّةِ ذلكَ؟
في العهدِ الجديد، وجدتُ ما أنا مُقتَنِعٌ بأنَّهُ "البَصَماتُ" العَشر التي تستطيعُ تمييزَ الكنيسة التي يبنِيها المسيحُ ويُبارِكُها بِحُضُورِهِ السماويّ اليوم. هذه "البَصَماتُ" لا تُعرِّفُ فقط الكنيسة التي يبنِيها المسيح، بل بإمكانِها أيضاً أن تُعطينا فهماً لتمييزِ سلامَةِ الكنيسة.
أنا أجدُ هذه البَصَمات في مكانَين. البَصماتُ الخمس الأُولى يُمكِنُ أن تُوجَدَ عندما بدأتِ الكَنيسَةُ، أو فيما نُسمِّيهِ "المأمُوريَّة العُظمى" التي تمنَحُ الولادَةَ للكنيسة. لقد أمرَ يسُوعُ الرُّسُلَ قائِلاً: "إذهَبُوا وتَلمِذُوا جميعَ الأُمَم، وعمِّدُوهُم بإسمِ الآبِ والإبنِ والرُّوحِ القُدُس، وعلِّمُوهُم أن يحفَظُوا جميعَ ما أَوصَيتُكُم بهِ، وها أنا معَكُم كُلَّ الأيَّام، إلى إنقِضاءِ الدَّهر." (متَّى 28: 19- 20).
إنَّ سفرَ الأعمال هُوَ سِجِلٌّ عن تاريخِ تطبيقِ رُسُلِ وتلاميذ يسُوع للمأمُوريَّة العُظمَى. كانَ هدَفُهُم من الوعظِ بالإنجيل أن يُتَلمِذُوا النَّاسَ ويُعَمِّدُوهُم ويُعَلِّمُوهم. تقُولُ هذه المأمُوريَّةُ حرفِيَّاً: "تَلمِذُوا؛ ذاهِبِينَ مُعمِّدين ومُعَلِّمين."
ففي يومِ الخمسين، حيثُ تجدَّدَ ثلاثَة آلاف من اليهود، عرفَ الرُّسُلُ ماذا كانَ عليهم أن يفعَلُوا معَ هؤُلاء الذين تجدَّدُوا. نقرَأُ أنَّ الذين تجدَّدُوا "كانُوا يُواظِبُونَ على تَعليمِ الرُّسُل والشَّرِكَة وكَسر الخُبزِ والصَّلَوات." (أعمال 2: 42). هذا يَصِفُ بدايَةِ كَنيسة يَسُوع المسيح، وهُنا أجِدُ أوَّلَ خمس "بَصَماتٍ" للكنيسةِ الصحيحة أو السليمة الجسم.
على "اليَدِ اليُمنَى"، أنظُرُوا إلى بَصمَةِ "الإبهام" على أنَّها التَّبشير. لقد بشَّرَ الرُّسُلُ بالإنجيل للنَّاس وضَمُّوا المُتجدِّدينَ إلى الكنيسة. وتُشيرُ بصمَةُ "السُّبابَة" إلى التعليم. فطاعَةً للمأمُوريَّةِ العُظمى، علَّمَ الرُّسُلُ الناسَ الذين تجدَّدُوا يومَ الخمسين. وبصمَةُ "الوُسطى" هُي الشَّرِكة. هؤلاء التلاميذ الذين تجدَّدُوا من خِلالِ وعظِ الرُّسُل لم يُبَشَّرُوا فحَسب، بل ثابَرُوا على تعليمِ الرُّسُل والشَّرِكة. وبَصمَةُ "الخِنصَر"، أي إصبع الخاتم، تُشيرُ إلى العبادة. لقد عبَّرُوا عن محبَّتِهم للمَسيحِ الحَيِّ المُقام من خلالِ كَسرِ الخُبزِ معَ الرُّسُل. هذا يعني أنَّهُم كانُوا يحتَفِلُونَ بالعشاءِ الرُّبَّانِيِّ معاً. أمَّا بصمة "البِنصر" أو الإصبَع الصغير فهِيَ تُشيرُ إلى الصلاة، لأنَّنا نقرَأُ أنَّ التلاميذَ الجُدُد ثابَرُوا على الصلاةِ معَ الرُّسُل.
هُناكَ خمسُ بصماتٍ أُخرى في الإصحاحِ الثَّانِي عشَر من رسالَةِ بُولُس الرَّسُول الأُولى إلى الكُورنثُوسيِّين، والتي أعتَقِدُ أنَّها أعظَمِ تصريحٍ في العهدِ الجديد، الذي يتكلَّمُ عن كيفَ خطَّطَ المسيحُ الحي للكَنيسةِ أن تعمَلَ في هذا العالم.
- عدد الزيارات: 3018