الفَصلُ الأَوَّل "الرَّجُل والمَرأَة، اللهُ والمَسيح"
(1كُورنثُوس 11: 1- 16)
في الإصحاحاتِ 8، 9، و10 من كُورنثُوس الأُولى، شارَكَ معنا بُولُس فلسفَتَهُ للخدمة، والتي شكَّلَت أيضاً فلسَفَتَهُ للحَياة: "لا يُمكِنُكُم أن تخدُمُوا الآخَرين ونُفُوسَكُم في نفسِ الوقت." ولكن بعدَ العددِ الإفتِتاحِيّ في الإصحاحِ الحادِي عشر، يُعالِجُ بُولُس موضُوعاً آخرَ وُجِدَ في كنيسةِ كُورنثُوس، وهُوَ دَورُ المَرأَةِ في جسدِ المَسيح. في العدد 6 من الإصحاح الحادِي عشر كتبَ بُولُس يقُولُ: "إذِ المَرأَةُ إِنْ كانَت لا تَتَغَطَّى فَليُقَصَّ شَعرُها. وإن كانَ قَبيحاً بالمَرأَةِ أن تُقَصَّ أو تُحلَقَ فَلتَتَغَطَّ." تَتَّخِذُ الأداةُ الشَّرطِيَّةُ "إن" في هذا العدد معنىً هامَّاً.
في كُورنثُوس، كانَ البَغاءُ جُزءاً من واقِعِ الحياة في الحضارَة هُناك، حتَّى في هيكَلِ العبادة. فإذا أرادَت إمرَأَةٌ ما أن يعرِفَ الجَميعُ أنَّها مُومِسٌ، كانت تعمَلُ أمراً يختَلِفُ عمَّا كانت تفعلَهُ باقي النِّساء، وذلكَ بأن تنزِعَ الغِطاءَ عن رأسِها، وكانت أيضاً تقُصُّ شعرَها قَصيراً جداً. لقد كانَ الشعرُ القَصِيرُ علامَةً على البَغاء في حضارَةِ كُورنثُوس.
وفي كنائِسِ المنزِل في كُورنثُوس، إعتَقَدَت بعضُ النِّساءِ أنَّهُ، بسببِ الثَّورَةِ الرُّوحِيَّةِ الداخِليَّةِ والحُرِّيَّةِ التي إختبرناها في المسيح، إعتَقَدنَ أنَّهُ بإمكانِهِنَّ أن يَكُنَّ أحراراً بنزعِ غطاءِ الرَّأسِ بينما هُنَّ يُصَلِّينَ أو يتنبَّأَنَ.
يبدَأُ بُولُس بمُعالَجَةِ المَوضُوع بطريقَةٍ دَقيقَةٍ في العدد 2: "فأمدَحُكُم أيُّها الإخوَة على أنَّكُم تَذكُرُونَني في كُلِّ شَيءٍ وتحفَظُونَ التَّعالِيم كما سَلَّمتُها إليكُم." إنَّ كلمة "التعاليم" هي في غايَةِ الأهمِّيَّة. يبدُو أنَّ القَراراتِ كانت تُتَّخَذُ في الكنائِسِ الأُولى حيالَ هذه القضايا الحضاريَّة، وكان بُولُس يُشارِكُ بِما ظَنَّهُ حَكيماً بالنسبَةِ لهُم في حضارَتِهم. فإن لم يكُنْ لدَيهِ أساسٌ كِتابِيٌّ مُحَدَّدٌ لهُم، كانَ يُسَمِّي هذا بالتَّعالِيم.
يُتابِعُ في العدد 3 بمُعالَجَةِ مُشكِلَةِ النِّساء اللَّواتِي ينزِعنَ غِطاءَ رُؤُوسِهِنَّ في العِبادَةِ العامَّة: "ولكن أُريدُ أن تعلَمُوا أنَّ رَأسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ المَسيحُ. وأمَّا رَأسُ المَرأَةِ فهُوَ الرَّجُل. ورأسُ المَسيح هُوَ اللهُ. كُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أو يتنبَّأُ ولَهُ على رأسِهِ شَيءٌ فهُوَ يُشينُ رأسَهُ. وأمَّا كُلُّ إمرَأَةٍ تُصَلِّي أو تَتَنَبَّأُ ورأسُها غَيرُ مُغَطَّىً فتَشِينُ رأسَها لأنَّها والمَحلُوقَة شَيءٌ واحِدٌ بِعَينِهِ. إذِ المَرأَةُ إن كانت لا تتغطَّى فَليُقَصَّ شعرُها. وإن كانَ قَبيحاً بالمَرأَةِ أن تُقَصَّ أو تُحلَقَ فَلتَتَغَطَّ. فإنَّ الرَّجُلَ لا ينبَغي أن يُغَطِّيَ رأسَهُ لِكَونِهِ صُورَةَ اللهِ ومجدِهِ. وأمَّا المرأَةُ فهِيَ مجدُ الرَّجُل. لأنَّ الرَّجُلَ ليسَ من المرأَةِ بَلِ المرأَةُ من الرَّجُل. ولأنَّ الرَّجُلَ لم يُخلَقْ من أجلِ المرأَةِ بلِ المَرأَةُ من أجلِ الرَّجُل. لهذا ينبَغي للمَرأَةِ أن يكُونَ لها سُلطانٌ على رَأسِها من أجلِ الملائكة." (1كُورنثُوس 11: 3- 10)
ما هُوَ الذي يقصُدُهُ بُولُس في هذا المقطَع؟ أوَّلاً، من الواضِحِ أنَّهُ يَقُولُ أنَّهُ من الخطأَ أن تنزِعَ هؤُلاء النِّساء غطاءَ رُؤوسِهِنَّ في العبادَةِ الجَمَاعِيَّة، بسبب ما كانَ يعنيهِ ذلكَ في حضارَةِ كُورنثُوس. وفي ذِهنِيَّةِ كونِهِ "كُلّ شَيء لكُلِّ النَّاس" (أنظُر 1كُورنثُوس 9: 22)، أي تكييف النفس بشكلٍ لا يسمَحُ بِخسارَةِ أيَّةِ فرصَةٍ للشَّهادَةِ، يقولُ بُولُس بوُضُوحٍ أنَّهُ على هؤلاء النِّساء أن يُغَطِّينَ رُؤُوسَهُنَّ. فهُوَ يكتُبُ قائِلاً أنَّهُ إن كانَ من العارِ في حضارَتِكَ على المرأَةِ أن يكُونَ شعرُها قَصيراً، أو أن لا تضعَ غطاءً على رأسِها، عندها عليها أن تتغطَّى، وأن تُرخِي شعرَها من أجلِ الشَّهادة.
ثُمَّ يكتُبُ أمراً مُدهِشاً كونَهُ مُعَلِّماً سابِقاً للنامُوسِ اليهُوديّ. كتبَ يقُولُ أنَّهُ عندما يُصَلِّي الرَّجُلُ أو يتنبَّأُ، لا يجِب أن يضعَ أيَّ شَيءٍ على رأسِهِ. فِمن عادَةِ اليهُود الأُورثُوذكس حتَّى في أيَّامِنا الحاضِرة، أن يلبِسُوا قُلُنسُوَةً للصَّلاة، يضَعُها الرَّجُلُ على رأسِهِ عندَ الصَّلاة. أمَّا بُولُس فيَقُولُ هُنا أنَّهُ على الرِّجالُ أن تكُونَ رُؤوسُهم مكشُوفَةً أو غَير مُغطَّاة في محضَرِ الله.
إنَّ بُولُس يقُولُ أنَّ العلاقَة بينَ الزَّوج والزَّوجَة هي مثل العلاقة بينَ المسيح والله. من الواضِح أنَّ اللهَ الآب هُوَ فوقَ الإبن، وأنَّ مجدَ الآبِ هُوَ شُغلُ الإبن الشاغِل، وهمُّهُ الأوَّل. ورُغمَ ذلكَ نسمَعُ الإبنَ يَقُولُ، "أنا والآبُ واحِدٌ،" والذي يقصُدُ بهِ أنَّهُم يعمَلُونَ معاً في إنسجامٍ تام (يُوحَنَّا 10: 30).
وكما يفعَلُ هُوَ وبُطرُس بإستمرار، يستَخدِمُ بُولُس العلاقَةَ بينَ المسيح والكنيسة، والوحدة التي كانت موجُودَةً بينَ يسوع والآب، كالنَّمُوذَجِ المُوحَى بهِ من الله عن الزواج (1بطرُس 2: 25؛ 3: 1، 7؛ أفسُس 5: 22- 27). فهُوَ لم يكتُبْ قائِلاً أنَّ المرأَة هي لا شَيء والرَّجُل هُوَ كُلُّ شَيء. بل يقُولُ أنَّ المرأَةَ والرَّجُل مُرتَبِطانِ بِبَعضِهِما البَعض بنفسِ الطريقة التي يرتَبِطُ بها يسُوعُ، الإبنُ، باللهِ الآب. فالرَّجُلُ هُوَ فوقَ المرأة، بمعنى أنَّهُ يحمِلُ مسؤوليَّةَ المنزِل والعائِلة، والسُّلطَة بتحمُّلِ هذه المسؤوليَّة. ولكن، كما أنَّ الآبَ كانَ فوقَ الإبن، وُرغمَ ذلكَ فالآبُ والإبنُ كانا واحداً، في إنسجامٍ كامِلٍ معَ بعضِهما البعض، وبأكثَرِ من معنىً مُتساوِيانٍ كإلهٍ واحدٍ، بنفسِ الطريقة من المُمكِنِ للرَّجُلِ والمرأَةِ أن يكُونَا في علاقَةٍ يكُونُ فيها هُوَ رأسُ المرأة، وفي نفسِ الوقتِ يكُونانِ في مُساواةٍ مُطلَقَة.
أُدرُسُوا بِتَعَمُّقٍ هذه الأعداد الستَّة عشر الأُولى من كُورنثُوس الأُولى 11، وأعتَقِدُ أنَّكُم ستَرَونَ أنَّها عميقَةٌ بالفِعل. فهِيَ تُخبِرُنا عن دورِ ومُهِمَّةِ الرَّجُلِ والمرأة التَّقِيَّانِ في زواجٍ يكُونُ المسيحُ محوَرَهُ، وأيضاً عن مُساواةِ الرَّجُلِ والمرأَةِ في القِيمَةِ والإعتِبار. وهِي أيضاً تُعالِجُ مُشكِلَةً كانت حضارِيَّةً بشكلٍ أساسيّ، وينبَغي أن يكُونَ لها تطبيقٌ حَضَارِيّ. هذه المشاكِل الحضاريَّة وتطبيقاتِها الحضارِيَّة ينبَغي أن تكُونَ مُمَيَّزَةً عن تلكَ التعاليم الكتابِيَّة عن الزواج والتي تتخطَّى الحضارة، مثل كون نماذِج الزواج المُتَشَبِّه بالمسيح هي العلاقة بينَ الإبن والآب، والعلاقَة بينَ المسيح والكنيسة.
- عدد الزيارات: 3143