الفَصلُ العِشرُون "محبَّةُ الأخِ الأضعَف"
(1كُورنثُوس 8)
الإصحاحُ الثَّامِنُ من رسالةِ بُولُس الأُولى إلى أهلِ كُورنثُوس يبدَأُ بتقديمِ جواب بُولُس المُوحى بهِ، على سُؤالٍ آخر لا بُدَّ أنَّهُ سُئِلَ عنهُ حولَ مُشكِلَةٍ كانت موجُودَةً في كنيسةِ كُورنثُوس – وهي أكلُ ما تمَّ تقديمُهُ ذَبِيحَةً للأَوثان.
قبلَ أن يُصبِحَ الكُورنثُوسيُّونَ مُؤمنين، كانَ الكَثيرُونَ منَ الذين كتبَ لهُم بُولُس رسالتَهُ هذه، مُتورِّطِينَ في عبادَةِ الأَوثان. ولقد كانت عبادَةُ الأوثانِ نَجِسَةً وغير أخلاقِيَّة، لأنَّهُم كانُوا يعبُدُونَ آلِهَةً كانُوا يَظُنُّونَها جوهر الشهوة الجنسيَّة. ولقد كانت عبادَتُهُم لهذه الآلهة تحتوي على وُجودِ مُومِسات في الهياكل الوثنيَّة للذين يرغَبُونَ، بالإضافَةِ إلى وُجُودِ الشُّبَّانِ اليافِعين لِلشاذِّين جِنسيَّاً. فكانتِ الذَّبائِحُ تُقدَّمُ لهذه الآلهة. وكان لحمُ الذبائِحِ يُجمَعُ ويُباعُ بأسعارٍ مُخَفَّضَة في سُوقِ اللحم في كُورنثُوس. فهل كانَ من الصوابِ لأتباعِ المسيح أن يشتَرُوا هذا اللحم ويُقدِّمُوهُ على مائدةِ الطعام، بعدَ أن تمَّ تنجيسُ هذا اللحم بتقديمِهِ لآلهِةٍ وسطَ عبادَةٍ لاأخلاقِيَّة؟ لقد إنقسَمَت كنيسَةُ كُورنثُوس حولَ هذه القضيَّة.
قبلَ أن يأتِيَ الكثيرُ من الكُورنثُوسيِّين إلى المسيح، كانُوا عبدَة أوثان. بالواقع، كانت عبادَةُ الأوثان وجهاً هامَّاً من الحضارَةِ اليُونانِيَّة. قالَ أحدُ المُفسِّرينَ أنَّهُ عندما ذهبَ بُولُس إلى أثينا، في أعمال 17، كانَ من الأسهَلِ إيجاد إله في تِلكَ المدينة من إيجادِ رَجُل.
إلى جانِبِ هذا النوع من العبادة، كانت تُقدَّمُ أجزاءٌ كبيرَةٌ من اللحمِ، ذبائِحَ للأوثان. هذا اللحمُ كانَ يُجمَعُ لاحِقاً من قِِبَلِ اللحَّامِين، الذين كانُوا يبيعُونَهُ في السُّوق بأسعارٍ مُخَفَّضَة. بسببِ إضطِّهادِ المُؤمنين في تِلكَ الأيَّام، بإمكانِنا أن نفتَرِضَ أنَّهُم كانُوا يُعانُونَ إقتِصادِيَّاً من الفقرِ، بسببِ إيمانِهم. فكان ينبَغي على المُؤمنينَ أن يكُونُوا حَريصينَ جدَّاً في طَريقَةٍ مصروفِهم، وكثيرونَ منهُم لم يَرُوا خطأً في شراءِ وأكلِ اللحم المُقدَّم للوثَن.
ولكن كانَ في كُورنثُوس أولئكَ الذين كانُوا حسَّاسِينَ جدَّاً – ولقد أشارَ إليهِم بُولُس بكَونِهم "ضُعفاءَ الضَّمير." (1كُورنثُوس 8: 10) لَرُبَّما كانَ هَؤُلاء قد تورَّطُوا سابِقاً في عبادَةِ الأوثان، وكجُزءٍ من هذه العبادة، لَرُبَّما شارَكُوا بكُلِّ أنواعِ الشُّرورِ الجنسيَّةِ. بالنسبَةِ لهؤُلاء، لم يكُنْ من الصواب أكلُ اللحم الذي تنجَّسَ بهذه العبادات الشِّريرة. فمن كانَ على صَواب ومن كانَ على خطأ؟ عندما كتبَ بُولُس الإصحاح الثامِن من هذه الرِّسالة، أعطى الكُورنثُوسيِّينَ جوابَهُ على هذا السؤال. بدأَ ببضعِ كلماتٍ عن المعرفة، التي كانَ اليونَانِيُّونَ مُولَعينَ بها. كانُوا يعبُدُونَ العقلَ والثقافة. فبدأَ بُولُس بالتشديدِ على المعرفة. "فنعلَمُ أنَّ لِجَمِيعِنا عِلماً. العِلمُ ينفُخُ ولكنَّ المحبَّةَ تَبنِي. فإن كانَ أحَدٌ يَظُنُّ أنَّهُ يَعرِفُ شَيئاً فإنَّهُ لم يعرِفْ شَيئاً بعدُ كما يَجِبُ أن يعرِف. ولكن إن كانَ أحدٌ يُحِبُّ اللهَ فهذا معرُوفٌ عندَهُ." (1كُورنثُوس 8: 1- 2) فالقَضِيَّةُ لا تتعلَّق بكم أنت تعرِف، بل بِكَم تُحِبُّ. وليسَتِ القضيَّةُ بما هُوَ صوابٌ وما هُوَ خَطَأٌ، بل بِكَم تُحِبُّ الأخَ الأضعَفَ الذي يَظُنُّ أنَّكَ على خَطأ. قد تُفكِّرُ، "كيفَ يُمكِنُ أن ينطَبِقَ هذا عليَّ اليوم؟ فأنا لا أعبُدُ الأوثان، ولا أشتَري لحماً قُدِّمَ للأوثان." تماماً كما فعلنا معَ إصحاحِ الزَّواج، دعُونَا نبحَثُ عن مبادِئ في الأصحاحِ الثامِن ونُطبِّقها.
لقد مدحَ بُولُس أولئكَ الذين كانُوا يعتَقِدُونَ أنَّهُ لا تُوجَدُ مُشكِلة بأكلِ هذا اللحم. ولكنَّهُ قالَ أنَّهُ ليسَ الجميع يفهَمُونَ أنَّهُ يُوجَدُ إلهٌ واحدٌ حَقيقيٌّ، وأنَّ الأوثانَ ليسَت شيئاً، بل مُجرَّد خشب وحجر وذهب وفضَّة. فعندما يأكُلُ هؤلاء لحماً قُدِّمَ للأوثان، يتأذَّى ضميرُهم. "لهذا إحذَرُوا من أنَّ مُمارَسَة هذا المُستوى العالي من المعرِفة الذي يُعطيكُم حُرِّيَّةً لتأكُلُوا هذا اللحم، أن لا يُصبِحَ هذا عثرَةً للأخِ الأضعَف." (9)
يسُوع المسيح يُحِبُّ الشخصَ الذي حُكِمَ عليهِ بأنَّهُ الأضعف في ضميره أو في عقلِه. ولقد أحَبَّ يسُوعُ هذا الشخص لدرجةِ أنَّهُ ماتَ من أجلِهِ. سألَ بُولُس، "هل تُحِبُّ أخاكَ كِفايَةً لكي تتخلَّى عن صحنٍ من اللحم من أجلِه؟" القضيَّةُ مُجدَّداً ليسَت ما هُوَ صوابٌ وخَطأ، بل كم نُحِبُّ الأشخاص الذين يظُنُّونَ أنَّ هذا خطأ؟
فكِّرْ بأمرٍ ما من حضارتِكَ أو حياتِكَ أو كنيستِكَ، الذي هُوَ بِرأيِكَ ليسَ خطأً، لكونِكَ تتمتَّعُ بحُسنِ التمييز. ولكن قد تكُونُ تعرِفُ مُؤمنين لا يُحسِنُونَ التمييز بمقدارِكَ أنت، ولا يرونَ القضيَّة بِوُضُوح كما تراها أنت. ولأسبابٍ خاصَّةٍ بهم، يَظُنُّونَ أنَّ هذا خطأ. وإذا رأَوكَ تعمَلُ هذا الأمر، سوفَ يتأذُّونَ رُوحِيَّاً.
قد تتساءَلُ، "لماذا تُحَدُّ حُرِّيَّتي بسبب ضعفِ ضميرِ أو عقلٍ شخصٍ آخر؟" هُنا يظهَرُ دورُ المحبَّة. ولهذا يقُولُ بُولُس أنَّ القضيَّة ليسَت قضيَّة معرِفة أو عِلم. فالعِلمُ ينفُخُكَ، ويجعَلُكَ تتكبَّر، أمَّا المحبَّةُ فتبنيكَ وتبني الآخرين. لقد أحَبَّ المسيحُ الأخَ الأضعَفَ لدرجةِ أنَّهُ ماتَ من أجلِه. فكم أنتَ تُحِبُّ أخاكَ الأضعَف هذا؟ فهل تُريدُ، بدافِعِ المحبَّة وليسَ العلم، أن تُضَحِّي بِكُلِّ ما يُمكِنُ أن يعثُرَ أخاكَ الأضعَف؟
- عدد الزيارات: 2887