Skip to main content

الفَصلُ الثالِث عشَر "خِلافاتٌ بينَ التلاميذ"

(1كُورنثُوس 6: 1- 8)

 عندما كتبَ بُولُس الإصحاحِ السادِس من هذه الرِّسالة، عالَجَ مُشكِلَةً أُخرى في كنيسةِ كُورنثُوس. كانَ لدى المُؤمنين مشاكِلُ تتفاقَمُ بينَ بعضِهم البعض، إلى درجةِ أنَّهُم كانُوا يُقاضُونَ بعضُهُم بعضاً في المحاكِمِ المَدَنيَّة في مَدينَةِ كُورنثُوس.

هذا التصرُّف كانَ مُناقِضاً لكُلِّ ما آمنَ بهِ بُولُس وعلَّمَهُم بهِ. فَلِماذا يذهَبُ المُؤمِنُونَ إلى محكَمَةٍ وَثَنيَّة ليقِفُوا أمامَ قاضٍ هُوَ مُجرَّدُ إنسانٍ طَبِيعيّ أو غير روحِيّ، ويقُولُوا لهُ، "نحنُ أشخاصٌ رُوحِيُّون، ولكن لدَينا مُشكِلَة وليسَ لدينا الحِكمة لِنَحُلَّها. فحتَّى ولو كانَ لَدَينا الرُّوح القُدُس وأمَّا أنتَ أيُّها القاضي فليسَ لديكَ الرُّوح القُدُس، فنحنُ نحتاجُ إلى الحكمةِ التي لدَيكَ، والتي ليسَ لدينا إيَّاها"؟ كانَت هذه المُشكِلة في فِكرِ بُولُس عندما كتبَ في الإصحاحِ الثاني، "لأنَّ الرُّوحِيَّ يحكُمُ في كُلِّ شَيءٍ، ولا يُحكَمُ فيهِ من أحَد."

وفوقَ ذلكَ، كتبَ بُولُس يقُولُ أنَّهُ يوماً ما، "سيدينُ المُؤمنُونَ العالم." (1كُورنثُوس 6: 2) فإنْ كُنَّا سنفعلُ هذا، فلماذا لا نستطيعُ أن نحكُمَ في قضايا الحياةِ التافِهة؟ "فكونُكُم لدَيكُم مُحاكمات ضِدَّ بعضِكم البَعض، يعني أنَّكُم قد أصبَحتُم فاشِلين." هذا هُوَ جوهَرُ ما كتبَهُ بُولُس في العددِ السابِع.

وكما كانَ الإختِلاطُ بالمُرائِينَ المُدَّعِينَ الإيمان، يُلطِّخُ شهادَتهُم (الإصحاح 5)، فإنَّ هذه المُقاضاة في المحاكِم كانت بمثابَةِ تقويضٍ لكُلِّ ما يُؤمِنُونَ بهِ. وهكذا جاءَ الرَّسُول بُولُس بالحلّ: "لماذا لا تُظلَمُونَ أنتُم بالحَرِيّ؟" سيكُونُ أمراً مُمَجِّداً للرَّبِّ بأن تقبَلُوا خسائِركُم وتُسلَبوا. ولكن بدلَ ذلكَ، أنتُم الذين تظلُمُونَ بالحَرِيِّ وتسلُبُون إخوتَكُم – ومن خِلالِ ذلكَ تجعَلُونَ المسيحَ وكنيستَهُ يبدُونَ في سخافَة.


حَلٌّ رُوحِيٌّ عام

بينما تدرُسُونَ هذه الرِّسالة التصحيحيَّة، ستجدُونَ أنَّ بُولُس يُعطِي حلاً خاصَّاً لكُلِّ مُشكِلَةٍ واجهها في كنيسةِ كُورنثُوس. ولكن، عندما نَصِلُ إلى الإصحاحات 12 إلى 14، يُقدِّمُ لنا بُولُس حُلُولاً أكثَرَ عُمُومِيَّةً في طبيعتِها. الحَلُّ العامُّ لكُلِّ المشاكِل التي عالَجَها بُولُس في كَنيسةِ كُورنثُوس، نَجِدُها في الإصحاحات 12 إلى 14، خاصَّةً في الإصحاح 13. فمحبَّة آغابِّي التي يُظهِرُها بُولُس في ذلكَ الإصحاح هي غيرُ أنانِيَّة، ولاتتمحوَرُ حولَ الذات. بالطبيعة، الذَّاتُ هي في مَركَزِ كُلِّ شَيءٍ نُفَكِّرُ بهِ ونعمَلُهُ. ولكنَّ بُولُس يقُولُ أنَّهُ عندما يأتي المسيحُ إلى حياتِنا، يُعطينا مركَزاً آخَرَ لِحياتِنا.

مثلاً، عندما إلتَقى بُولُس بِيَسُوع المسيح على طَريقِ دِمشق، وجدَ مركَزاً جديداً لحياتِه. فحياتُهُ أصبَحَت تَتَمحوَرُ حولَ المسيح. فبَدَلَ تفسيرِ وتقييمِ كُلِّ شَيءٍ بما كانَ يعنيهِ لهُ، أصبَحَ يرى كُلَّ شَيءٍ بِكَيفيَّةِ تأثِيرِهِ على المسيح. لقد إقتَرَبَ بُولُس من كُلِّ صُعُوبَةٍ في حياتِهِ مُتسائلاً، "ماذا سينتَفِعُ المسيحُ من هذا؟ وكيفَ يُمِكُنُ لهذا أن يُمجِّدَ المسيح؟

هذه هي وُجهَةُ النَّظَر التي يقتَرِحُها على هؤُلاء المُؤمِنين الذين كانُوا يُقاضُونَ بعضُهم بعضاً. لا تُفكِّرُوا كيفَ سيكُونُ بإمكانِكُم أن تجدُوا حُلُولاً لهذهِ النِّزاعات وكيفَ يُمكِنُ أن تأتِيَ لكُم بأكثَرِ منفَعة، بل فكِّرُوا كيفَ يُمكِنُكُم أن تجدُوا حُلُولاً لهذه المشاكِل بطريقَةٍ تُمجِّدُ المسيح. فالحُلولُ التي تتمحوَرُ حولَ المسيح وحولَ مصلَحة الآخرين، هي تمجيدُ محبَّتِكُم للمسيح ولكنيستِهِ، وذلكَ بأن تقبَلُوا الخِسارَةَ لأنفُسِكُم.


حَلٌّ رُوحِيٌّ خاصٌّ

يُقدِّمُ بُولُس للتلاميذِ المُتخاصِمينَ حلاً بديلاً في العددِ الرَّابِع: "فإن كانَ لكُم محاكِمُ في أُمُورِ هذه الحَياة فأَجلِسُوا المُحتَقَرينَ في الكَنيسةِ قُضاةً." إنَّهُ لا يقتَرِحُ حَرفِيَّاً أنَّهُ عندما يكُونُ لدَينا مُشكِلَة، علينا أن نُفتِّشَ عن الأشخاص الأقَلّ حِكمَةً أو خبرةً في هذه الأُمُور. بل يقُولُ أنَّ المُؤمنين، أي الأشخاص الذينَ يحيا فيهم الرُّوحُ القُدُس، هُم أكثَرُ أهليَّةً ليفهَمُوا مشاكِلَ الأشخاصِ الرُّوحِيِّين، ممَّا سيقدِرُ على فهمِها الأشخاصُ غيرُ الرُّوحِيِّين.

فإن كانَ هُناكَ مُشكِلَةٌ بينَ شَخصَين في كنيستِكَ المَحَلِّيَّة، لها علاقَةٌ بإرثٍ أو بأعمالٍ تجارِيَّة وما شابَه، عليكَ أن تجِدَ أشخاصاً أتقِياء في الكنيسة، من الذين لديهم خبرة في إدارَةِ الأعمال، وأن تضعَ المُشكِلَةَ أمامَهُم. أُطلُبْ منهُم أن يجلِسُوا معَ الأطرافِ المُتنازِعة، ويُعطُوا حُكمَهُم في هذه القضايا. لقد أُخِذَ بنصيحَةِ بُولُس المُوحَى بها من الله على محمَلِ الجَدِّ، وهي تُسمَّى اليوم في الكنائِس الكاثُوليكيَّة الرُّومانيَّة "بالقانُونِ الكَنَسيّ."

  • عدد الزيارات: 6865