Skip to main content

الفَصلُ الرابِع "الإنسانُ الطَّبِيعيّ والإنسانُ الرُّوحِيُّ"

(1كُورنثُوس 2: 6- 16)

في العددِ السادِس من الإصحاحِ الثَّاني كتبَ بُولُس أحد أجمل المقاطِع في كلمةِ الله:

"لَكِنَّنا نتكلَّمُ بِحِكمَةٍ بينَ الكامِلين. ولكن بِحِكمَةٍ لَيسَت من هذا الدَّهر ولا من عُظَماءِ هذا الدَّهر الذين يُبطَلُون. بَل نتكلَّمُ بِحِكمَةِ اللهِ في سِرٍّ. الحكمة المَكتُومة التي سبقَ اللهُ فعَيَّنَها قبلَ الدُّهُورِ لمَجدِنا. التي لم يعلَمْها أحَدٌ من عُظماءِ هذا الدَّهر. لأنْ لو عرَفوا لما صَلَبُوا رَبَّ المجد. بَلْ كما هُوَ مكتُوبٌ ما لَم ترَ عينٌ ولم تسمَعْ بهِ أُذُنٌ ولم يخطُر على بالِ إنسان ما أعدَّهُ اللهُ للذينَ يُحِبُّونَهُ. فأعلَنَهُ اللهُ لنا نحنُ بِرُوحِهِ. لأنَّ الرُّوحَ يفحَصُ كُلَّ شَيء حتَّى أعماق الله. لأنْ مَنْ مِنَ النَّاس يعرِفُ أُمُورَ الإنسان إلا رُوحُ الإنسان الذي فيهِ. هكذا أيضاً أُمُورُ الله لا يَعرِفُها أحَدٌ إلا رُوحُ الله. ونحنُ لم نأخُذْ رُوحَ العالم بَلِ الرُّوح الذي من الله لنَعرِف الأشياء المَوهُوبَة لنا من الله. التي نتكلَّمُ بها أيضاً لا بأقوالٍ تُعَلِّمُها حِكمَةٌ إنسانيَّةٌ بل بما يُعلِّمُهُ الرُّوحُ القُدُسُ قارِنينَ الرُّوحِيَّات بالرُّوحِيَّات. ولكنَّ الإنسانَ الطبيعيَّ لا يقبَلُ ما لِرُوحِ اللهِ لأنَّ عندَهُ جهالة. ولا يقدِر أن يعرِفَهُ لأنَّهُ إنَّما يُحكَمُ فيهِ رُوحيَّاً. وأمَّا الرُّوحِيُّ فيَحكُمُ في كُلِّ شَيءٍ وهُوَ لا يُحكَمُ فيهِ من أحَد. لأنَّهُ من عرفَ فِكرَ الرَّبِّ فَيُعلِّمَهُ. وأمَّا نحنُ فَلَنا فكر المسيح." (2: 6- 16)

كُلُّ مُعلِّمٍ عظيمٍ مثل بُولُس يفهَمُ كيفَ يتعلَّمُ النَّاس. فالناسُ يتعلَّمُونَ من خِلالِ "بابِ الأُذُن،" أو بما يسمَعُونَهُ. هذا يشمَلُ كُلَّ ما نتعلَّمُهُ من أهلِنا، قُسُوسِنا، مُعَلِّمينا، والآخرين. ونتعلَّمُ أيضاً من خِلالِ "بابِ العَين." نتعلَّمُ مَّما نراهُ. هذا يشمَلُ كُلَّ ما نقرَأُهُ ونُلاحِظهُ. لِهذا تُعتَبَرُ الثَّقافَةُ السَّمَعيَّة البَصَريَّة، التي نتعلَّمُ فيها من بابِ العَينِ و الأُذُنِ معاً، طريقَةً فعَّالَةً جدَّاً للتعليم.

يذكُرُ بُولُس في هذا المقطَع العَينَ، الأُذُنَ، والقَلب. القَلبُ يُشيرُ إلى الإرادة. من الصعبِ أن نُعلِّمَ أُولئكَ الذين لا يُريدُونَ أن يتعلَّمُوا. أخبَرَنا ربُّنا قائِلاً، "إن أرادَ أحدٌ أن يعمَلَ، فسيعلَم." (يُوحنَّا 7: 17) فالتَّلاميذ أتباع المسيح يتعلَّمُونَ بالعَمَل، ومن ثمَّ بِقضاءِ ما تبقَّى من حياتِهم بعمَلِ ماتعلَّمُوه. هذا هُوَ المعنى الجوهَريّ لكلمة "تلميذ." فلا عجَبَ أنَّ يسُوعَ كانَ يُفتِّشُ عن أشخاصٍ كانت لهُم الإرادة بأن يعمَلُوا ما يعلَمُوه.

رسالةُ هذا الإصحاح العَظيم الأساسيَّة هي أنَّه لكي نتعلَّمَ حقيقَةً رُوحيَّة، ينبَغي أن يكُونَ لدَينا بابٌ آخَر – ينبَغي أن يكُونَ لدينا باب الرُّوح القُدُس. يستَخدِمُ بُولُس إيضاحاً جَميلاً لكي يوضحَ ما يُريدُ قولَهُ. فهُوَ يتحدَّانا بأن نُفكِّرَ بكونِ روح الإنسان وحدَها تعرِفُ أفكارَ الإنسان. الطريقَةُ الوَحيدَةُ التي بِها نستطيعُ أن نعرِفَ ما يُفكِّرُ بهِ شخصٌ آخر، هي أن يكُونَ لدينا رُوح هذا الشخص الآخر.

بالطريقَةِ نفسِها، الشخصُ الوحيدُ الذي يعرِفُ أفكارَ الله هُوَ رُوح الله القُدُّوس. فعِندَما يكُونُ لدَينا الرُّوحُ القُدُس، يكُونُ لدينا إمكانيَّة معرِفة أفكار الله. فبِغنىً حقيقيّ، عندما يكُونُ لدينا الرُّوح القُدُس ساكِناً فينا، يكُونُ لدَينا فكرُ المسيح بعَينِهِ.

يُعلِّمُ بُولُس بإسهابٍ أنَّ الطريقة الوَحيدة لنعرِفَ حقيقَةً روحيَّة، هي بأن يكُونَ لدينا الرُّوح القُدُس، لأنَّ الحقيقَةَ الرُّوحيَّة تُعرَفُ رُوحيَّاً. فإن لم يكُنْ لديكَ الرُّوح القُدُس، لن يكُونَ بإمكانِكَ أن تعرِفَ حقيقَةً رُوحيَّة. في 1كُورنثُوس 2: 15 تجدُ عبارَة، "الإنسان الرُّوحي". عمَّن يتكلَّمُ بُولُس هُنا؟

إنَّهُ يَصِفُ الشخص الذي كانَ قد آمنَ بالإنجيل وإختَبَرَ مُعجِزَةَ الخلاص، التي من خِلالِها يكُونُ قد قَبِلَ الرُّوحَ القُدُس. هذا الشخص لا ينبَغي أن يكُونَ مُفكِّراً عقلانيَّاً أو مُثقَّفاً لاهُوتِيَّاً، رُغمَ أنَّهُ من الرَّائع لشخصٍ رُوحِيّ أن تكُونَ لدَيهِ ثقافَةٌ لاهُوتِيَّة.

ما يُحَيِّرُني هُوَ أنَّ الرُّسُل الأربعة الأوائِل كانُوا جميعاً أُمِّيِّين. ولقد إستطاعُوا أن يُبشِّرُوا العالم أجمَع بيسُوع، لأنَّهُم كانُوا أشخاصاً رُوحِيِّين، وكانُوا قد قَبِلُوا الرُّوحَ القُدُس. يُوجد حوالي مليُونا قسِّيس أو راعي كنيسة في هذا العالم اليوم، ولكن أقل من مائة ألف منهُم يحمِلُونَ شهاداتٍ في اللاهُوت. ولكنَّ المسيح الحَيّ المُقام من الأموات لا يزالُ يَصِلُ إلى قُلوبِ الناس في العالَمِ أجمَع من خِلالِ أشخاصٍ مثل هؤلاء الرُّسُل الأُمِّيِّين.

في هذه الأعداد، يتكلَّمُ بُولُس عن نوعَينِ من الناس. وهذا نمُوذَجٌ نراهُ على سائِرِ صفحاتِ الكتابِ المقدَّس. فالمزاميرُ تُشيرُ إلى الرَّجُلِ المُبارَك وإلى الرَّجُلِ الشِّرِّير؛ ويسُوع يتكلَّمُ عن الرَّجُلِ الحَكيم وعن الرَّجُلِ الجاهِل. (المزمُور 1؛ ومتَّى 7: 24- 27) ويتكلَّمُ بُولُس هُنا عن الإنسان الرُّوحيّ والإنسان الطَّبِيعيّ. والكلمة التي يستَخدِمُها بُولُس، "الطبيعي"، تعني "غير الرُّوحِيّ." فالذي يُقدِّمُهُ لنا هُوَ بِبساطة، الرجُل الذي يسكُنُ فيهِ الرُّوحُ القُدُس، والرَّجُل الذي لا يسكُنُ فيهِ الرُّوحُ القُدُس.

عندما يَعِظُ القُسُوسُ ويُعلِّمُونَ كلمةَ اللهِ اليوم، من المُمكِن أن ينظُرُوا إلى جمهُورِ الحُضور ويُميِّزُوا بينَ الإنسانِ الرُّوحِي والإنسان الطبيعي. عندما صلَّى بُولُس للأفَسُسِيِّين، صلَّى قائِلاً، "مُستَنيرَةً عيُونُ أذهانِكُم." (أفسُس 1: 18) أُولئكَ الذين يُشارِكُونَ كلمةَ اللهِ معَ الآخرين، بإمكانِهم أن يرَوا العيُونَ تستنيرُ بالفهمِ، عندما يسمَعُ الناسُ كلمةَ الله.

وعلى هذا المِثال، من السهلِ أحياناً أن نُمَيِّزَ الإنسان الذي يَصِفُهُ بُولُس بالإنسانِ الطَّبِيعيّ، أو الإنسان غَير الرُّوحِيّ. هذا الإنسان لا يفهَمُ الأُمورَ الرُّوحِيَّة. لا بَل يعتَبِرُها جهالَةً. لماذا، لأنَّهُ ليسَ لديهِ الرُّوحُ القُدُس. ولأنَّ عينيه غير مُستَنيرَتين بالفهم. (وأحياناً تكُونُ عيناهُ مُغطَّتانِ بالقُشُور، حتَّى أنَّهُ عندما يسمَعُ كلمةَ الله يستسلِمُ للنَّوم.)

عَلينا أن لا نتوقَّعَ من الأشخاص غير الرُّوحِيِّين أن يفهَمُوا الحقيقَةَ الرُّوحيَّة أو أن تكُونَ لهُم قِيَمٌ رُوحيَّة. فبينما تُحاوِلُ أن تُشارِكَ إيمانَكَ وإختِبارَكَ للمسيح معَ أشخاصٍ عالَميِّين غير مُؤمنين، عليكَ أن تُصلِّيَ لكي يفتَحَ الرُّوحُ القُدُسُ نفسُهُ الذي فتَحَ عينيكَ وأُذُنَيك، حتَّى يفتَحَ أعيُنَهُم وأذانَهُم أيضاً، لكي يُولَدُوا ثانِيَةً ويقبَلُوا روحَ الله.

هذا يضعُ أمامَنا بعضَ الأسئِلة الهامَّة. فبِنِعمَةِ الله، هل آمنتَ بالإنجيل، وهل وُلِدتَ ثانِيَةً؟ وهل يحيا الرُّوحُ القُدُسُ فيكَ؟ وهل لديكَ "بابُ الرُّوح" الذي بإمكانِهِ أن يفتَحَ بابَ عينكَ، وبابَ أُذُنِكَ، وبابَ قلبِكَ، ليُعلِّمَكَ الحقيقَةَ الرُّوحيَّة؟ وهل لدَيكَ وُصُولٌ إلى أفكارِ الله وفكرِ المسيح، لأنَّ لدَيكَ الرُّوحَ القُدُس حيَّاً فيكَ؟ أم أنَّكَ الإنسان الطَّبِيعي غير الرُّوحِيّ الذي لا يستطيعُ أن يفهَمَ الحقيقَةَ الرُّوحيَّة، والذي يُسمِّي الإنجيل جهالَة؟

  • عدد الزيارات: 3386