الفَصلُ الحادِي عشر رِسالَةُ يُوحنَّا الأُولى
أنا أُسمِّي الأعداد الستَّة عشر الأُولى من رسالة يُوحنَّا الأُولى "بُوصلة اليَقين التأكيد." إن اليَقين هُوَ مَوضُوعُ هذه الرّسالة بكامِلِها. هل لدَيكَ التأكيد الكامِل بأنَّ خطاياكَ غُفِرَت، وبأنَّكَ إذا مُتَّ اليَوم، فسوفَ تذهَبُ إلى السماء؟ إن كانَ يُعوِزُكَ هذا التأكيد، عندها عليكَ أن تقرَأَ هذه الرِّسالة.
هذا المُؤلِّف، الذي كتبَ سفرَ الرُّؤيا، ورسالتَين أُخرَيَين قصيرَتَين سُمِّيَتا على إسمِهِ، يُخبِرُنا دائماً لماذا يكتُب. فلقد كتبَ إنجيلَ يُوحنَّا لِكَي نُؤمِنَ وتكُونَ لنا الحياة الأبديَّة. ويكتُبُ هذه الرِّسالة لأُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ، لكَي يعرِفُوا، ومن ثمَّ لِكَي يُؤمِنُوا. بكلماتٍ أُخرى، إنَّهُ يكتُبُ لأُولئكَ الذين يُفتِّشُونَ عن التأكيد، تأكيد خلاصِهم. فإن كُنتَ لا تشعُرُ بالأمانِ رُوحِيَّاً، ولَيسَ لَدَيكَ تأكيدٌ كامِلٌ بخلاصِكَ، يقُولُ يُوحنَّا لكَ، "أكتُبُ إليكَ." (يُوحنَّا 20: 30، 31؛ 1يُوحنَّا 5: 13).
"إن كانَ أحدٌ لا يعرِف، ولا يعرِف أنَّهُ لا يعرِفُ، فهُوَ غَبِيٌّ. تجنَّبْهُ. وإن كانَ أحدٌ لا يعرِفُ، ويعرِف أنَّهُ لا يعرِف، فهُوَ طِفلٌ. علِّمهُ. وإن كانَ أحدٌ يعرِف، ولا يعرِف أنَّهُ يعرِف، فهُوَ نائم. أيقِظْهُ. وإن كانَ أحدٌ يعرِفُ، ويعرِف أنَّهُ يعرِف، فهُوَ قائدٌ. إتبَعْهُ." يكتُبُ يُوحنَّا هذه الرِّسالة لأشخاصٍ يعرِفُونَ أنَّهُ بإمكانِهم أن يعرِفُوا أنَّهُم مُخلَّصُون.
الأعدادُ الستَّة عشر الأُولى من رِسالَةِ يُوحنَّا، تُقدِّمُ لنا تماماً كما فعلَ إنجيل يُوحنَّا، نوعاً من اللمحةِ السريعة لما كانَ يُوحنَّا سيُخبِرُنا بهِ. جميعُنا نحتاجُ إلى بُوصُلة رُوحيَّة. وسوفَ نجِدُ بُوصلة التأكيد هذه، في هذه الرسالة المُوحاة عن التأكيد. تماماً كما أنّ البُوصُلةَ تحتَوى على ثمانِيَة نُقاط إتِّجاه، هُنا نجدُ هذه النُّقاط الثمانِي التي أجدُها على بُوصلة التأكيد للرسُول يُوحنَّا: النُّقطَةُ الأُولى حولَ بُوصلة التأكيد هذه هي إنجيل الحقائِق.
يُخبِرُنا يُوحنَّا أنَّ الإيمان مَبنِيٌّ على الحقائِق. فالإيمانُ ليسَ خُطوَةً في الظلام ولا قفزَةً في النُّور. وكما تعلَّمنا في إصحاحِ الإيمان في الكتابِ المقدَّس، الإيمانُ مَبنِيٌّ على البُرهان أو الدليل. فالإيمانُ يُعطينا مادَّةً لرجائِنا. هذا هُوَ الفرقُ بينَ الرجاء والإيمان. فبدُونِ بُرهانٍ يُعطِي أساساً لرَجائِنا، كُلُّ ما نستطيعُ فعلُهُ هُوَ مُجرَّد الرَّجاء. ولكنَّ الإيمانَ هُوَ دائِماً مُؤسَّسٌ على بُرهانٍ أو دَليل.
يَكتُبُ يُوحنَّا عن المسيح المُقام عندما يبدَأُ رسالتَهُ هذه، وذلكَ بالقَولِ لقُرَّائِهِ ما معناهُ، "إسمَعُوا، نحنُ شُهُودُ عيانٍ ولقد رأيناهُ عن كَثَب. ولقد وضعنا أصابِعَنا في أثرِ المسامير في يديه؛ ولقد وضعنا يدَنا في جنبِهِ. إنَّ إيمانَنا بالمسيح المُقام مُؤسَّسٌ على حقائِق."
عندما تُقارِنُونَ أسفاراً مثل إنجيل يُوحنَّا معَ باقي أسفار العهدِ الجديد، تظهَرُ حقيقتانِ إنجيليَّتان: موتُ يسُوع المسيح وقيامةُ يسُوع المسيح. كتبَ بُولُس للكُورنثُوسيِّينَ ما فحواهُ: "يسُوعُ المسيحُ ماتَ من أجلِ خطايانا، بحَسَبِ الكُتُب؛ يسُوع المسيح قامَ من الموت، بِحَسَبِ الكُتُب. هذا هُوَ الإنجيل: هذا ما كرزتُ لكُم بهِ في كُورنثُوس. وهذا ما آمنتُم بهِ وتُؤمنُونَ بهِ الآن، وهذا ما يُخلِّصُكُم." (1كُورنثُوس 15: 1- 4).
النُّقطَةُ التالِيَة من "بُوصلة التأكيد أو اليقين" هِي الإيمان. عليكُم أن تُؤمِنُوا بهاتَين الحقيقَتين من الإنجيل. النُّقطَةُ الثانِيَة هي الإيمانُ بالحَقَائِق. النُّقطَةُ الثالِثة هِي نتيجَةُ الإيمان بحقيقَةِ موتِ يسُوع، الذي يصنَعُ كُلَّ الفَرق في العالم! فخطاياكُم غُفِرَت.
الذي يبنيهِ يُوحنَّا من أجلِنا هُنا في بُوصلة اليَقين هذه هو ببساطَةٍ التالي: إن كانَ لديكَ فعلاً الإيمانُ بحقيقَةِ موتِ يسُوع المسيح على الصليب، ستحصَلُ على الغُفران. إنَّ نتيجَةَ الإيمان بحقيقَةِ موتِ يسوع المسيح هي الغُفران. وأعني بذلكَ الغُفران المُطلَق.
في اللُّغةِ اليُونانِيَّة، الزمنُ الحاضِرُ يُشيرُ إلى الفِعل المُستَمِرّ. لهذا، في كُلِّ مرَّةٍ نجدُ الزمن الحاضِر، بإمكانِنا أن نُضيفَ عبارة "باستِمرار." "إن كُنَّا نعتَرِفُ بخطايانا بإستِمرار، فهُوَ يُطهِّرُنا بإستمرار. إنَّ دمَ المسيح يستَمِرُّ بتَطهِيرِنا من كُلِّ إثم." الغُفرانُ هُوَ نتجَةُ الإيمان بمَوتِ يسُوع المسيح." النُّقطَةُ التالِيَة في بُوصلة اليَقين هي نتيجَةُ الإيمان بقِيامَةِ يسُوع المسيح – بإمكانِكَ أن تعرِفَ المسيحَ الحَيَّ وتكُون لكَ شَرِكَة معَهُ.
إن كلمة شَركة تعني شيئاً مثل الشراكَة، أي أن يكُون الأشخاص في نفسِ السفينة معاً. تماماً كما رَكِبَ يسُوعُ في سفينَةِ بطرُس الصغيرة، ومن ثمَّ ملأَ سفينةَ بُطرُس بالسمك، فإنَّ يسُوعَ المسيح يستطيعُ أن يركَبَ في سفينتِكَ، أي في حياتِكَ. وهذا يعني أنَّ كُلَّ ما لَدَيهِ من مصادِر يُصبِحُ بتَصرُّفِكَ. فإن كُنتَ في شَرِكَةٍ معَهُ، عندها كُلُّ ما لكَ سيُصبِحُ مُلكاً لهُ أيضاً. فالشَّرِكَةُ إذاً هي النُّقطَةُ الرابِعة من بُوصلة اليَقين.
النُّقطَةُ الخامِسة على بُوصُلة اليَقين هي إتِّباع المسيح. عندما أخَبرَ الناسُ يسُوعَ أنَّهُم آمنُوا بهِ، كانَ دائماً يقُولُ، "إتبَعْني." ويُوحنَّا سوفَ يقُولُ مِراراً وتكراراً، "بِهذا نعرِف أنَّنا فيهِ. من قالَ إنَّهُ ثابتٌ فيهِ ينبَغي أنَّهُ كما سلكَ ذاكَ هكذا يسلُكُ هُوَ أيضاً." (1يُوحنَّا 2: 6) هكذا نعرِفُ أنَّنا نعلَمُ أنَّ لنا إيماناً حقيقيَّاً وحياةً أبديَّةً.
النُّقطَةُ التالِيَة على بُوصلة اليَقين هي الحُرِّيَّة. بكلماتٍ عديدة، قالَ يسُوعُ في الإصحاح الثامِن من إنجيلِ يُوحنَّا، "إذا آمنتُم بي، عندَها أثبُتُوا في كَلِمَتِي لِتَصيرُوا تلاميذي بالفِعل." الإتِّباعُ، أو التلمَذَةُ تُعطِي قيمَةً للإيمان وتُنمِّيهِ. ولكنَّهُ يَصِفُ فيما بعد نتائجَ إتِّباعِهِ. قالَ، "إن ثَبَتُّم في كَلِمَتي (ولم يقُل لِكَمّ من الوَقت)، ستعرِفونَ الحقَّ (ولقد إستخدَم كلمةً تعني: معرِفة بواسطةِ العلاقة) وعندها الحقُّ سيُحرِّرُكُم." (يُوحنا 8: 30- 35).
يقُولُ يُوحنَّا، "أكتُبُ إليكُم هذه الأُمُور لكَي لا تُخطِئوا. وإن أخطأتُم، فالأخبارُ السارَّةُ هي أنَّهُ لديكُم مُحامٍ أو شَفيع أمامَ الآب، وهُناك غُفران. ولكنِّي أكتُبُ لكُم هذه الأُمُور لكَي لا تُخطِئوا." (1يُوحنَّا 2: 1) فكما ترَون من المُمكِن أن تتحرَّرُوا من الخطيَّة.
نُقطَةٌ أُخرى على بُوصلة اليَقين هي ما نُسمِّيَهُ "الكمال أو الملء." في 1: 4، يقُولُ يُوحنَّا، "ونكتُبُ إليكُم هذا لِكَي يكُونَ فَرَحُكُم كامِلاً." فالذي لدَينا حقيقيٌّ وصالِحٌ، وهُناكَ المزيد. يُريدُنا يُوحنَّا أن يكُونَ لدينا المزيد من الإختِبار، ممَّا يُشارُ إليهِ "بالملء."
أُسمِّي النُّقطة الثامِنة على بُوصلة اليَقين بالإثمار. لقد أخبَرَ يسُوعُ الرُّسُلَ كيفَ يُمكِنُهُم أن يكُونُوا مُثمِرينَ، لأنَّهُ أرادَ أن يكُونَ فرحُهُم كامِلاً. (يُوحنَّا 15: 11) يعتَقِدُ يُوحنَّا أنَّ بعضَ الثِّمار للهِ في إختِبارِنا للمسيح، ستُنتِجُ تأكيداً أو يقيناً في رحلةِ إيمانِنا.
نحنُ نصِلُ إلى إختِبارٍ رُوحِيّ بنفسِ الطريقة التي نصِلُ بها إلى أيِّ أمرٍ آخر، معَ طريقَةِ تفكيرٍ تتمحوَرُ حولَ الذَّات. أي: ماذا سأنتَفِعُ من هذا الأمر؟ ولكن كما رأينا في تجديدِ شاوُل الطرسُوسيّ، نصِلُ إلى مُستَوى النُّضج عندما نبدَأُ بالسُّؤال: "يا رَبّ، ماذا تُريدُ منِّي أن أفعَلَ؟" وإذ يُجيبُنا الرَّبُّ على هذا السُّؤال، يُسمِّينا الكتابُ المُقدَّسُ "مُثمِرين."
بالإختِصار، النُّقاطُ الثماني على بُوصلة اليَقين هي: الحقائِق، الإيمان، الغُفران، الشَّرِكة، الإتِّباع، الحُرِّيَّة، الملء، والإثمار. إذا وجدتَ أنَّكَ غير مُثمِر، أو أنَّكَ ليسَ لديكَ الملء، إرجِع إلى بِدايَةِ البُوصُلة وتفحَّص نُقاطَهَ الثمانِي من جديد.
- عدد الزيارات: 2987