الفصلُ الرابِع رِسالَةُ يعقُوب
إنَّ رِسالَةَ يعقُوب هي رسالَةٌ عمَلِيَّةٌ لِلغَايَة، ولهذا يُشيرُ إليها البعضُ بأنَّها "أمثالُ العهدِ الجديد." إنَّها أشبَهُ بتفسيرٍ مُتَتَالٍ لتعاليم يسُوع المسيح، خاصَّةً المَوعِظَة على الجَبَل. بإمكانِكَ أن تَجِدَ على الأَقَلّ عشرة أمثِلَة حيثُ يُوسِّعُ يعقُوب أمثالَ يسُوع ويُطبَّقُها.
يعتَقِدُ الكثيرُ من المُفسِّرين أنَّ يعقُوبَ الذي كتبَ هذه الرِّسالَة كانَ يعقُوب أخا الرَّب يسُوع المسيح بالجَسَد. لم يكُنْ يُؤمِنُ بيسُوع خلالَ خدمة يسُوع العَلَنيَّة على الأرض لمُدَّةِ ثلاثِ سنين ونِصف. بعدَ القِيامَة، نعرِفُ أنَّ يسُوعَ ظهَرَ خِصِّيصاً لبُطرُس وليَعقُوب، أي ليعقُوب أخي الرَّب (1كُورنثُوس 15: 7).
مِنَ المُحَيِّرِ أن نُلاحِظَ أنَّهُ بعدَ أن تجدَّدَ يعقُوب، عُيَّنَ مُباشَرَةً تقريباً ليكُونَ أحدَ القادة العُظماء في كنيسةِ العهدِ الجديد. يعقُوب هُوَ الرسُولُ الذي ترأَّسَ مجمَعَ أورشَليم كما تمَّ وصفُهُ في أعمال 15.
هذا هُوَ يعقُوب الذي أشارَ إليهِ بُولُس في رسالَتِهِ إلى أهلِ غلاطية عندما كتبَ يقُولُ أنَّهُ عندما صعِدَ إلى أُورشَليم، كانَ هُناكَ ثلاثَةُ رِجالٍ بدوا وكأنَّهُم أعمِدَةُ كنيسةِ أُورشليم – أي يُوحنَّا، بطرُس، ويعقُوب.
يُخبِرُنا التقليدُ أنَّ يعقُوبَ طُرِحَ من أعلى بُرجِ الهيكَل، ومن ثمَّ ضُرِبَ بالهرواةِ حتَّى الموت بأمرٍ من رَئيسِ الكهنة. وعندما حدَثَ هذا، يقُولُ التقليدُ أنَّ المُجتَمَعَ اليَهُودِيّ ثارَ على رَئيسِ الكهنة وطردُوهُ من مَنصِبِهِ. وعندما دمَّرَ تيطُس الأمبراطُور الرُّوماني أُورشليمَ عام 70 ميلاديَّة، كثيرٌ من اليهُودِ الأتقِياء الذين لم يُصبِحوا أتباعاً ليسُوع، إعتَقَدُوا أنَّ خرابَ أُورشَليم كانَ دينُونَةً من الله عليها بسبب إستشهاد هذا الرجُل التَّقي يعقُوب.
بما أنَّ رسالَةَ يعقُوب هي من الرسائل العامَّة، تأتي في نهايَةِ العهدِ الجديد إلى جانِبِ الرسائل العامَّة الأُخرى. ويعتَقِدُ مُعظَمُ المُفسِّرينِ أنَّها أبكَرُ أسفارِ العهدِ الجديد.
مَوضُوعُ رسالَةِ يعقُوب
عندما تدرُسُونَ مُحتَوى هذه الرِّسالَة، سترونَ لماذا يُؤمِنُ البعضُ أنَّ يعقُوبَ كانَ يُحاوِلُ أن يُحدِثَ توازُناً مُقابِلَ تعليمِ بُولُس الرسُول. فنحنُ نعلَمُ أنَّ بُولُس كانَ يُدافِعُ دِفاعاً مُستَميتاً عن التبرير بالإيمانِ وليسَ بالأعمال. في الإصحاحِ الثاني من هذه الرِّسالة، يُخبِرُنا يعقُوبُ بإسهابٍ أنَّنا لا نتبرَّرُ بالإيمانِ فقط، بل وبالأعمالِ أيضاً. ولكن رُغمَ أنَّ رسالة يعقُوب هذه تأتي في آخِرِ العهدِ الجديد، فإنَّ باقي رسائِلَ بُولُس كُتِبَت بعدَ كتابَةِ رسالَةِ يعقُوب. يعتَقِدُ الكثيرُ من المُفَسِّرين أنَّ يعقوب كتبَ قبلَ أن يكُونَ هُناكَ أيُّ أُمَميٍّ في الكنيسة. لهذا تبدُو رسالَةُ يعقُوب يهُوديَّةً لا بَل حتَّى نامُوسِيَّة.
نوعانِ من التَّجارِب
في الإصحاحِ الأوَّل من هذه الرسالة، نتعلَّمُ أنَّ يعقُوبَ هُوَ رجُلٌ لا يهتَمُّ بظَواهِرِ الأُمُورِ (أي كيفَ تبدُو الأُمور)، بل بمصادِرِ الأُمُور (أي كيفَ هي حقَّاً.) ويُشبِهُ يعقُوبُ يسُوعَ كثيراً في هذا السياق. فلقد شدَّدَ يسُوعُ على الإنسانِ الداخِليَّ وعلى القضايا الداخِليَّة. ولقد شدَّدَ يسُوعُ أيضاً على موقِفِنا تجاهَ الأُمُور وعلى الدافِع الذي يُحرِّكُ أعمالَنا. إنَّ جوهَرَ رسالَةِ يعقُوب يُوازِي القِيَم التي شدَّدَ عليها يسُوعُ في تعليمِه.
يُخبِرُنا يعقُوبُ في إصحاحِهِ الأوَّل عن مصادِر ونتائج إمتحانِنا. في بعضِ الترجمات، هذه الإمتِحانات تُوصَفُ كتجارِب. ولكنَّ يعقُوبَ يُمَيِّزُ فيما بعد بينَ هذين النَّوعَين من التجارِب، ولكنَّهُ في هذه الحال كانَ يُشيرُ إلى إمتِحاناتِ الألم التي عانَى منها قُرَّاؤُه. في كلماتِهِ الإفتِتاحِيَّة، قالَ يعقُوب: "إحسُبُوهُ كُلَّ فرحٍ يا إخوَتي حينما تقعُونَ في تجارِبَ مُتَنَوِّعة." وهكذا يطلُبُ منَّا يعقُوبُ أن نفرَحَ في تجارِبِنا، لأنَّ "إمتِحانَ الإيمان المقصُود منهُ أن يقُودَنا إلى الثِّقَة بالإيمان. فإذا سَمَحنا لإمتِحانِ الإيمانِ أن يقُودَنا إلى ثِقَةِ الإيمان، عندها سنختَبِرُ إنتصارَ الإيمان، الذي يُسمِّيهِ يعقُوب "إكليل الحياة."
عندما تجتازُونَ في عاصِفَةٍ في حياتِكُم، فإنَّ هذه التجرِبَة غالِباً ما تَصِلُ بكُم إلى مكانٍ لا تعلَمُونَ فيهِ ماذا تفعَلُون. ستُدرِكُونَ أنَّكُم تحتاجُونَ إلى حكمَةٍ تفوقُ حكمتَكُم البَشَريَّة. كتبَ يعقُوبُ يقولُ أنَّهُ علينا أن ندعَ إمتِحانَ الإيمانِ يقُودُنا إلى ثِقَةِ الإيمان. عندما تُعوِزُنا الحكمة، علينا أن نطلُبَ من الله، الذي يُسرُّ بأن يُشارِكَنا حكمتَهُ.
تشريحُ الخَطِيَّة
يُتابِعُ يعقُوبُ إبرازَ نوعٍ من التجرِبَة الذي لا ينبَغي أن نفرَحَ بهِ. فاللهُ ليسَ مصدَرَ تجرِبَة الخطيَّة. في النِّصفِ الثَّاني من الإصحاحِ الأوَّل، يُعطينا يعقُوبُ ما يُمكِنُ أن نُسمِّيَهُ "تشريح الخطيَّة." فبينما يُعلِّمُ بإسهابٍ أنَّ تجرِبَةَ الخطيَّة لا تأتي من الله، يُخبِرُنا أنَّ هذا النَّوع من التجارِب لا يأتي حتَّى من إبليس، بل من ذواتِنا. أوَّلاً، تبدَأُ السلسِلَةُ بما نراهُ. ثُمَّ تظهَرُ الشهوة، أو الرغبة الشديدة بالحُصُولِ على ما رأيناهُ. وكأنَّ ما رأينَاهُ هُوَ قِطعَةٌ من المعدَن، وشهوَتُكَ هي مِثلُ مغناطيسٍ شديد القُوَّة والجاذِبيَّة. فإن لم تفعَلْ شيئاً لتُعطِّلَ قُوَّةَ هذا الحقلِ المغناطيسيّ بينَ شهوتِكَ وبينَ موضُوعِ شهوتِكَ، يوماً ما ستحدُثُ المُواجَهةُ.
بالنسبةِ ليعقُوب، التجرِبَة ليست خَطِيَّة. فأنتَ لا تُخطِئ لمُجرَّدِ كونِكَ تجرَّبتَ بالخَطيَّة. فنحنُ نعلَمُ أنَّ مُعَلِّمنا تجرَّبَ في كُلِّ شَيءٍ مثلَنا ولكن بدُونِ خَطِيَّة (أعمال 4: 15). التجرِبَةُ ليسَت خطيَّة ولكن غالِباً ما تقُودُ التجرِبَةُ إلى أعمالِ الخطيَّةِ الظاهِرَة. عندما نستسلِمُ للتجرِبَةِ وبالواقِع للخطيَّة، فإنَّ عواقِبَ الخطيَّة هي دائماً الموت. (رومية 6: 23).
إنَّ النُّقطَةَ التي يُوضِحُها هذا التشريحُ هُوَ: إن كُنتَ لا تُريدُ أن تُخطِئ، عليكَ أن تربَحَ معرَكَتَكَ معَ الخطيَّة على مُستَوياتِ الشهوة، قبلَ أن تُواجِهَ عواقِبَ التجرِبَة. لقد علَّمنا يسُوعُ أن نُصَلِّيَ كُلَّ يوم، "ولا تُدخِلنا في تجرِبَة." (متَّى 6: 13).
بالإختِصار
يُخبِرُنا يعقُوبُ في الإصحاحِ الأوَّلِ كيفَ يستطيعُ اللهُ أن يجعَلَنا ننضجُ وسطَ تجارِبِنا. يقُولُ يعقُوبُ أيضاً أنَّ هُناكَ تِلكَ القضيَّة الثانِيَة، تجرِبَة الخطيَّة. فاللهُ ليسَ مصدَرَ عواقِب التجرِبَة التي تُؤدِّي إلى الخطيَّةِ، وبالتالي إلى الموت. فليسَ هُناكَ أيُّ شيءٍ صالِحٌ في الخطيَّة. إنَّ تلخيصَ الإصحاح الأوَّل من رِسالَةِ يعقُوب قد يكُن: مُمتَحَنُونَ للحَياة، مُجرَّبُونَ للموت، ومُتَعلِّمُونَ الفَرقَ بينَ الإثنين.
- عدد الزيارات: 10454