Skip to main content

الفصلُ الثَّاني من الأفضَل لكَ أن تُؤمِنَ!

الكلمتان المِفتاحِيَّتان اللتانِ تَلِيانِ كلمة "أفضَل" هُما "آمن،" و"إحذَر." يُحذِّرُ الكاتبُ كثيراً من خُطُورَةِ الإرتِداد – أي أخذ موقِف في مَرحَلَةٍ ما من رحلَةِ إيمانكَ، ثمَّ التراجُع عن هذا الموقف الذي سبقَ لكَ وإتَّخذتَهُ. إنّ َمفهُومَ الكاتِب عن الإرتداد ليسَ عن شخصٍ لديهِ لاهُوتٌ مغلُوط، بل لديه اللاهوت الصحيح ولكنَّهُ لا يعمَلَ شيئاً حيالَهُ.

تمَتلئُ رسالةُ العبرانيين بالحثِّ والتحذيراتِ. والكلمةُ التي تَربِطُ تلك التحذيراتِ هي "لئلا" والمُعبَّرُ عنها أحياناً بعبارَة – "لِكَي" أو "خِشيةَ أنْ"، (عبرانيين 2: 1، 3: 13، 4: 1، 11).  مُعظَمُ هذه التحذيراتِ يَتعلّقُ بعملِ المسيحِ فينا. وبعضُها الآخر يَتعلّقُ بعملِ المسيحِ مِنْ خلالِنا. غالِباً ما تتبَعُ التحريضاتُ في عبرانيين عبارَة "دَعُونا، أو فَل..." (عبرانِيِّين 4: 1، 11، 10: 22، 23، 24).

عندما تَفهمُ الموضوعَ الذي تُعالجِهُ رِسالَةُ العبرانِيِّين، ستَفهمُ أيضا غايةَ رسالةِ العبرانيين، والتي هي تَشجيعُ المؤمنين المتألمين من خَلفِيَّةٍ يهُودِيَّة، الذين كانُوا خائري العزائم، وعلى وشكِ التخلِّي عن إيمانِهم. كما وتَشجيعُ أُولئكَ من اليهود الذين لم يكُونُوا قد آمنُوا بعد بيسُوع، لكي يتَّخِذُوا الخُطوَةَ الحاسِمة بإتِّجاهٍ إلتزامٍ حقيقيّ بالإيمان. وبينما يُخاطِبُ أولئكَ الذين لم يكُونُوا قدِ إختَبَرُوا الإيمانَ الحقيقيَّ بعد، أرادَ بوُضُوح أن يَكشِفَ الضمانَ المُزيَّف عند أولئكَ الذين لم يتَّخِذُوا إلتزاماً صادِقاً بالإيمانِ بيسُوع.

وتستَمِرُّ تحذيراتُ الكاتِب بينما يُركِّزُ على حدَثٍ في التاريخِ العِبري، نجدُهُ مُسجَّلاً في الإصحاحِ الرابِع عشر من سفرِ العدد. فعندما تاهَ شَعبُ إسرائيلَ في البريةِ أربعين سنة، عَرَضَ الله عليهم الإيمانَ به عشرَ مرات، وذلكَ عندما صَنَعَ معجزاتٍ عشرَ مراتٍ، ورَفضُوا تصديقَهُ. كانَ اللهُ يُحاوِلُ أن يُزوِّدَهُم بالإيمانِ الكافي ليقتَحِمُوا مُدُنَ كنعان المُحصَّنَة.

وَصَلَ اللهُ مع ذلك الجيل إلى حدِّ أنْ قال: "لقد عيلَ صَبري منكم، لنْ تَدخلوا الأرضَ التي وعدتُكُم بها. الوحيدان اللذان سيَدخُلانِ الأرضَ منكم هما يشوع وكالب لأنهما آمنا بي." يُحذِّرُ كاتبُ الرسالةِ الشعبَ بأن لا أن يتشبَّهُوا بعدَمِ إيمانِ أجدادِهم، بل أن يدخُلُوا إلى أرضِ الموعِد الرُّوحيَّة، التي يُسمِّيها "الرَّاحة." (عبرانِيِّين 3: 7- 4: 1).

في الإصحاحَين الثالِث والرَّابِع، يقُولُ الكاتِبُ ما معناهُ: "إن كُنتُم لا تزالُونَ تَستطيعُونَ أن تسمَعُوا صوت َالله ولكنَّكُم لا تُصغُونَ إليهِ، فأنتُم تماماً مثلُ أُولئكَ الذينَ كانُوا في البَرِّيَّة، الذين إستمرُّوا بالدورانِ في حلقَةٍ مُفرَغة لمدَّةِ أربَعينَ سنَةً. سيأتي اليومُ الذي فيهِ لن تَعُودُوا تَسمَعُون صوتَ الله. فسوفَ يتحوَّلُ اللهُ عنكُم، وسوفَ تفشَلُونَ في دُخُولِ أرضِ الموعِد الفيَّاضَة بالحَياةِ في المسيح، لأنَّ الصَّوتَ سيَخْفُتُ تدريجيَّاً."

في الإصحاحِ الخامِس، يُريدُ الكاتِبُ أن يُعالِجَ موضُوعاً يصعُبُ فهمُهُ. إنَّهُ على وشكِ أن يُظهِرَ أنَّ يسُوعَ أفضَلُ من كُلِّ الكهنوت السابِق لهُ. كانَ اليهودُ يتوقَّعُونَ من الكاتِبِ أن يُظهِرَ أنَّ يسُوعَ كانَ كاهِناً على رُتبَةِ هارون أو لاوي. ولكنَّ الكاتِبَ يبدَأُ عرضَهُ لهذا الأمر وذلكَ بأن يُبرهِنَ أنَّ يسُوعَ هُوَ كاهِنٌ مُمَيَّزٌ على رُتبَة ملكي صادَق.

في هذه المرحلة، يضعُ بُولُس مُزدَوِجَين في مكانٍ ما ويقُول، "كُنتُ أودُّ أن أُخبِرَكُم المزيدَ عن مَلكي صَادَق، ولكنِّي لا أَستطيع." داخِل هذين المُزدَوِجَين، يتأسَّفُ الكاتِبُ على أنَّ قُرَّاءَهُ لم ينموا في فهمِهم لكلمةِ اللهِ إلى مرحَلَةٍ يستطيعُونَ معها أن يفهَمُوا ما كانَ سيُخبِرُهُم بهِ عن ملكي صادق. ويُظهِرُ نوعَ نظامِ التغذِيَة الرُّوحِيَّة التي يحتاجُونَها لكي ينمُوا رُوحيَّاً. (عبرانِيِّين 5: 11- 14)

عندما تذهَبُ إلى الكنيسة، يُعلِّمُكَ راعي كنيستِكَ، الذي يكُونُ قد هضمَ الطعامَ الرُّوحيَّ من كلمةِ الله، يُعلِّمُكَ ما سبقَ وهضمَهُ هُوَ شخصيَّاً. وهذا يُشبِهُ شربَ الحليب أو اللبن، الذي هُوَ غذاءٌ مهضُومٌ أصلاً، ومُعَدٌّ للأطفال الذين لم يتطوَّرَ عندَهم بعد النظامُ الهضمي الخاصّ بهم. إنَّ كان كُلُّ ما تعرِفُهُ عن كلمةِ اللهِ يأتي إليكَ من خِلالِ راعٍ سبقَ لهُ وهضمَ كلمةَ اللهِ تلكَ، فإنَّ هذا يجعَلُ منكَ طِفلاً رُوحيَّاً. ولكن إذا إقتربتَ من كلمةِ اللهِ بمُفرَدِكَ أمامَ الرُّوحِ القُدُس، فإنَّ الرُّوحَ القُدُس سيُعلِّمُكَ من خِلالِ الكتابِ المقدَّس، وستجِدُ نفسَكَ تأكُلُ اللحمَ الرُّوحي لتغذِيَتِكَ الرُّوحِيَّة.

بحَسَبِ الرسُول يُوحنَّا، نتيجَةً لكونِكَ مولُوداً ثانِيَةً، جاءَ المسيحُ ليعيشَ في قَلبِكَ، وبهذا تكُونُ قد قَبِلتَ مسحَةَ الرُّوحِ القدُس. يُريدُكَ يُوحنَّا أن تعرِفَ أنَّكَ "لا تحتاجُ أن يُعلِّمَكَ أحدٌ لأنَّ المسحةَ التي فيكَ تُعلِّمُكَ كُلَّ ما تحتاجُ لمعرِفَتِه" (1يُوحنَّا 2: 2- 27)

الإصحاحُ السادِسُ من الرِّسالَةِ إلى العِبرانِيِّين تحتوي على بعضِ الأعدادِ التي حيَّرَت نُفُوسَ المُؤمنين الأتقِياء لعدَّةِ قُرُونٍ (عبرانِيِّين 6: 4- 12). يُؤمِنُ البعضُ أنَّ هذا المقطَع يُعلِّمُ أنَّنا كمُؤمنينَ حقيقيِّين مُمكِنٌ أن نخسَرَ خلاصَنا. ولكنَّني لا أُوافِقُ على هذا الرأي. كتبَ يقُولُ: "ولكنَّنا قدْ تيَقَّنَّا من جِهَتِكُم أيُّها الأحِبَّاء أُمُوراً أفضَلَ." وعندما يكتُبُ عن الذين إستنارُوا وذاقُوا الموهِبَة السماوِيَّة وصارُوا شُرَكاءَ الرُّوحِ القُدُس، فإنَّهُ لا يَصِفُ مُؤمنينَ إختَبَرُوا الوِلادَةَ الجديدة. بل هُوَ يَصِفُ شخصاً جذبَهُ الرُّوحُ القُدُس إلى مرحَلَةِ أنَّهُ تذوَّقَ، أو شارَكَ، ولكنَّهُ لم يجتَزْ بالحقيقَةِ الخطَّ الفاصِل نحوَ الإيمانِ والتجديد.

أُذكِّرُكُم ثانِيَةً أنَّ أحد أهداف هذه الرِّسالة هُوَ حضُّ اليهُود، الذين لم يكُونُوا قد آمنُوا بعد بيسُوع المسيح، بأن يتَّخِذُوا إلتزاماً حاسِماً بالإيمانِ بالمسيح. إنَّ القصدَ من حُجَّةِ هذه الرسالة هُوَ تحدِّي هُؤلاء ليقِفُوا ويتألَّمُوا من أجلِ المسيح، وأن يخرُجوا ويتَّخِذُوا إلتزاماً تجاهَ المسيَّا، ليتأكَّدُوا من خلاصِهم. هذا ما أعتَقِدُهُ هدَفُ رسالَةِ هذا الحضِّ الشديد الذي نجدُهُ في الإصحاحِ السادِس من الرِّسالَة إلى العِبرانِيِّين.

إنَّ الأعداد 4 إلى 6 من الإصحاحِ السادِس، ينبَغي أن تُفسَّرَ في إطارِ الحُجَّةِ العامَّة والهدَف الشامِل للرسالَةِ إلى العِبرانِيِّين. فبِحَسَبِ الكاتِب، إنَّهُ لا يُعالِجُ أُمُوراً تُرافِقُ الخلاص، بَل هُوَ يحُضُّ من خلالِ هذه الرسالة الذين يعتَرِفُونَ بالإيمان، ولكنَّهُم لم يُولَدُوا بعدُ ثانِيَةً، لأنَّهُم لم يلتَزِموا بعد بالإيمانِ بيسوع المسيح نهائِياً. يُحذِّرُ الكاتبُ أمثالَ هؤُلاء أنَّهم مثلُ أُولئكَ الذين يذهَبُونَ إلى السُّوق ويتفرَّجونَ ويتفرَّجون، ولكنَّهُم لا يشتَرُونَ شيئاً. إنَّ تحذيرَ الكاتِبِ في هذا المقطَع هُوَ أنَّ البيضَةَ تصِلُ إلى تلِكَ المرحلة التي فيها إمَّا تُفقِّسُ، أو تُصبِحُ بيضةً فاسِدَةً مَيِّتَة.

ولقد إستعانَ كاتِبُ الرسالةِ إلى العِبرانِيِّين بأمثالِ يسُوع، لكي يُظهِرَ لِقُرَّائِهِ كيفَ يُولَدُون من جديد. والنُّقطَةُ التي يُشدِّدُ عليها في هذا المقطَعِ الصعب هي أنَّهم متى وُلِدوا من جديد، فإنَّهُم لن يفقُدوا خلاصَهم. ولكن قبلَ حُدُوثِ الولادَةِ الجديدة، قد يحدُثُ أمرٌ يُشبِهُ "الإجهاض الرُّوحيّ." فإنَّ هؤلاء الأشخاص قد يكُونُونَ في خَطَرٍ أن يُجهَضُوا، عندما يكُونُونَ في حالَةٍ من "الحَملِ الرُّوحيّ."

  • عدد الزيارات: 3063