الفصلُ السابِعُ رِسالَةُ بُولُس الرسُول الأُولى إلى تيموثاوُس
تُعتَبَرُ رسالَتا بُولس الأُولى والثانية إلى تيمُوثاوُس، ورسالتُهُ إلى تيطُس، رسائِلَ بُولُس الرَّعَويَّة، لأنَّها مُوجَّهَةٌ إلى رَجُلَين جنَّدَهُما بُولُس في الخدمةِ ليكُونا رُعاةً. كتبَ بُولُس رسالتَهُ الأُولى إلى تيمُوثاوُس، ورسالتَهُ إلى تيطُس في نفسِ الوقتِ تقريباً، ولهذا نجدُ تشابُهاً كبيراً بينَ الرِّسالتَين. ثُمَّ لاحِقاً، وتحتَ قساوَةِ سجنهِ الثاني في رُوما، كتبَ رسالتَهُ الثانيَة إلى تيمُوثاوُس، التي تُسجِّلُ كلمات بُولُس الأخيرة. لِهذا، سندرُسُ بالتَّتابُع رسالَةَ تيمُوثاوُس الأُولى، ثُمَّ تيطُس، ورسالَة بُولُس القصيرة إلى فيلمُون، ومن ثَمَّ نختُمُ دراستنا لرسائِلِ بُولُس برسالتِهِ الثانِيَة إلى تيمُوثاوُس.
لقد أُقيمَ تيمُوثاوُس ستراتيجيَّاً من قِبَلِ الرسُول بُولُس ليكُونَ راعي كنيسة أفسُس. أمَّا تيطُس فأُقيمَ على جزيرَةِ كريت. وإذ نقرَأُ الرسائِل المُوجَّهة إلى تيمُوثاوُس وتيطُس، تظهَرُ شخصِيَّتانِ مُختَلِفتانِ تماماً.
يتَّضِحُ أنَّ تيمُوثاوُس كانَ شابَّاً، عطُوفاً، وحسَّاساً، قدَّمَهُ بُولُس كَمِثالٍ عنِ الرَّاعي المُحِب الذي يعتَني بِرَعِيَّتِه. ولا بُدَّ أنَّ تيمُوثاوُس كانَ أيضاً خجُولاً بعضَ الشيء، لأنَّهُ إحتاجَ إلى تشجيعِ بُولُس لهُ ليكُونَ أكثَرَ صلابَةً وشجاعَةً.
إنَّ شخصيَّةَ تيطُس التي تبرُزُ في الرسالَةِ التي وجَّهها بُولُس لهُ، تختَلِفُ كثيراً عن شخصيَّةِ تيمُوثاوُس. فلقد كانَ تيطُس أكبَرَ سنَّاً من تيمُوثاوُس، ويبدُو أنَّهُ كانَ ناضِجاً ومُستَقِرَّاً. نعرِفُ هذا من المُهِمَّات التي كلَّفَهُ بها بُولُس. فمثلاً، إستَخدَمَ بُولُس تيطُس ليُسلِّمَ رسالتَهُ التأديبيَّة للكنيسةِ المُضطَّرِبَةِ في كُورنثُوس. ولقد أقامَ بُولُس تيطُس في جزيرَةِ كريت، التي كانت مكاناً يصعُبُ فيهِ جداً تأسيسُ ورعايَةُ كنيسة. لقد كانَ الكريتيُّونَ عدائِيِّينَ جداً، وقُساةً وصَعبي المِراس. ولَرُبَّما كانَ تيطُس أفضَلَ رَجُلٍ لدى بُولُس لهكذا تحدِّياتٍ رَعويَّةٍ صعبة.
كانت هُناكَ علاقَةٌ شخصيَّةٌ وطيدَةٌ بينَ بُولُس وتيمُوثاوُس، علاقة الأب بالإبن في عملِ الخدمة. قد نفتَرِضُ أنَّهُ عندما علَّمَ بُولُس في مدرَسَةِ تيرانُّوس في أفسُس، أنَّ تيمُوثاوُس كانَ واحِداً من تلامذتِهِ. ولكنَّ تيمُوثاوُس كانَ قد إلتَقى بُولُس أوَّلاً في لِسترة (أنظُر أعمال 16: 1). لرُبَّما كانَ تيمُوثاوُس حاضِراً عندما رُجِمَ بُولُس في تلكَ المدينة، وتُرِكَ بينَ حَيٍّ ومَيت. تصَوَّرُوا أنَّهُ عندما نجا بُولُس بأُعجُوبَة من الهجُومِ عليهِ بالرَّجم، لا بُدَّ أنَّهُ كانَ لهذه الحادِثَة المُروِّعة أثراً عميقاً على شابٍّ يافِعٍ مثل تيمُوثاوُس. لَدَيَّ فكرَةٌ أنَّهُ عندما رأى تيمُوثاوُس شجاعَةَ وموهِبَةَ بُولُس، أصبَحَ بُولُس بطلَهُ المُفضَّل. ولقد جنَّدَ بُولُس تيمُوثاوُس في لِسترة في رحلتِهِ التبشيريَّة الثالِثة، لأنَّهُ منذُ ذلكَ الحين فصاعِداً، نجدُ ذكرَ تيمُوثاوُس كواحدٍ من أعضاءِ فريقِ بُولُس الإرسالِيّ.
يعتَقِدُ المُفسِّرُونَ أنَّ بُولُس كتبَ رسالتَهُ الأُولى إلى تيمُوثاوُس بعدَ أن أُطلِقَ سراحُهُ من سجنِهِ الأَوَّل في رُوما. كانَ هدَفُ الرسالة أن يعرِفَ تيمُوثاوُس كيفَ ينبَغي أن تعملَ كنيسةُ الله، التي هي عمودُ الحَقِّ وقاعِدتُهُ. في إطارِ هذا الوصف لنظامِ الكنيسةِ، وفي رسالتِهِ إلى تيطُس، شدَّدَ بُولس على المُواصفات التي ينبَغي أن يتحلَّى بها قادَةُ الكنيسة (أنظُر 1تِيمُوثاوُس 3: 1- 13).
يعتَقِدُ الكَثيرونَ أنَّ الكنيسَةَ هي "مَحَطَّةٌ لِخلاصِ النُّفُوس." ولكن، في الواقِع، المَقصُودُ بالكنيسةِ أن تَكُونَ غُرَفةَ عمليَّات خلاص النفُوس، أو مركزاً تُعلَنُ منهُ حقيقَةُ الإنجيل من خِلالِ أشخاصٍ عِلمانِيِّين ناشِطين. إذا كانت الكنيسةُ المَحَلِّيَّةُ ستكونُ هكذا مركزاً للحَقّ، ينبَغي أن يكُونَ لديها مبادِئ رُوحيَّة لعُضُويَّتِها، خاصَّةً لقادَتِها.
خِلالَ دراستِكُم لهذه الرِّسالَة، ستَجِدُونَ حقائِقَ أُخرى كثيرة مُشدَّداً عليها. تُسمَّى هذه الحقائِقُ "الأقوالُ الصادِقة" لبُولُس الرسُول. فبينما يكتُبُ بُولُس لهؤُلاء الرُّعاة، يقُولُ لهُم أحياناً، "صادِقَةٌ هي الكلمةُ ومُستَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول." والذي يقصُدُهُ بهذا هُوَ، "الآن أودُّ أن أقُولَ شيئاً مُهمَّاً بالفِعل."
إنَّ أَوَّلَ أقوال بُولس الرسول الصادِقة هَو التالي: "أنَّ المسيحَ يسُوع قد جاءَ إلى العالم ليُخلِّصَ الخُطاة الذين أوَّلَهُم أنا." (1تيمُوثاوُس 1: 15). ما يقُولُهُ بُولُس هُنا هُوَ أنَّ الرَّبَّ أرادَ أن يُعطِيَ مِثالاً للخُطاة. أحياناً، يَظُنُّ النَّاسُ أنَّهُم خُطاةٌ لدرجةٍ يستحيلُ معَها خلاصُهم. لهؤلاء، يقُولُ بُولُس بإلحاح، "لقد سبقَ وخلَّصَ يسُوعُ أسوأَ خاطِئٍ في العالم. فعندما خلَّصَني يسُوع المسيح، خلَّصَ أسوَأَ خاطِئٍ عاشَ على الأرض. فإن كانَ يستطيعُ أن يُخلِّصَني، لا بُدَّ أنَّهُ يقدِرُ أن يُخَلِّصَكَ." إنَّ بُولُس لا يُمارِسُ إلغاءَ أو إحتقارَ الذاتِ هُنا. ولكن لأنَّهُ إضطَّهَدَ الكنيسة، فلذلكَ رأى نفسَهُ فعلاً كأوَّلِ الخُطاة.
في الإصحاحِ الثاني، حيثُ يُخبِرُ بُولُس تيمُوثاوُس عن كيفيَّةِ عملِ الكنيسةِ يوماً بعدَ يوم، يجعَلُ بُولُس من الصلاة في رأسِ أولويَّات الكنيسة (1تيمُوثاوُس 2: 1). عندما يطلُبُ بُولُس أن تُقامَ صلواتٌ من أجلِ جميعِ الناس، ينصَحُ بنوعٍ مُعَيَّنٍ من الصلاة، يُمكِنُ تسمِيتُها "صلاةً تبشيريَّة." إنَّها الصلاةُ من أجلِ جميعِ النَّاس لأنَّ "اللهَ يُريدُ أنَّ جميعَ الناسِ يخلُصُون." (عدد 4)
على الكنيسة أن تكُونَ العمودَ والقاعِدة اللَّتَينِ منهُما يُعلَنُ الإنجيلُ (1تيمُوثاوُس 3: 15). إنَّ حقيقَةَ الإنجيل تِلكَ ينبَغي أن تُعلَنَ برُوحِ الصلاة، لأن وحدَهُ الرُّوحُ القُدُس يستطيعُ أن يُغيِّرَ الناس ويجعَلَ منهُم تلاميذَ ليسُوع. فبالنسبَةِ لبُولُس، ينبَغي أن تكُونَ الصلاةُ في الكنيسة على رأسِ أولويَّاتِ الراعي (أنظُر 2: 1)
- عدد الزيارات: 8113