Skip to main content

الفصلُ الثاني "تصريحاتُ رِسالَة يسوع"

عندما نقرَأُ الأناجيلَ بعِناية، نكتَشِفُ أنَّ يسوعَ كانَ رجُلاً ذا رِسالة، وأنَّهُ عرفَ ما هي رِسالتُه. بينما تدرُسُ الأناجيل معي، أصغِ إلى يسوع يُخبِرُكَ لماذا جاءَ. وسوفَ تسمَعُهُ يُبرِزُ ما يُمكِنُ أن نُسمِّيَهُ "همَّهُ الأوَّل." وإذ يعرِضُ القصدَ من حَياتِهِ ورسالتِه، لن يكُونَ هُناكَ أدنَى شَكّ عمَّن هُوَ يسوع، ولِماذا جاءَ إلى هذا العالم. مثلاً، في إنجيلِ يُوحنَّا نسمَعُ يسوعَ يُقدِّمُ بَيانَ رسالتِهِ وأهدافَ رسالتِهِ بالطريقةِ التالية: "ينبَغي أن أعمَلَ أعمالَ الذي أرسَلَني ما دامَ نَهار. يأتي ليلٌ حِينَ لا يستَطيعُ أحدٌ أن يعمَل." (9: 4) وكذلكَ نسمَعُ يسوع يقُولُ لتلاميذِه، "أنا لي طَعامٌ لآكُلَ لستُم تعرِفُونَهُ أنتُم... طَعامي أن أعمَلَ مشيئَةَ الذي أرسَلَني وأُتمِّمَ عملَهُ." (يُوحنَّا 4: 32، 34)

وعندما وصلَ يسوعُ إلى نِهايَةِ سنواتِ خدمتِه العلنيَّة الثلاث، ذهبَ إلى بُستانِ جُثسيماني وصلَّى قائلاً، "أنا مجَّدتُكَ على الأرض. العملُ الذي أعطَيتَني لأعمَلَ قد أكملتُهُ" (17: 4). وكانت كلماتُهُ الأخيرة على الصليب صرخَةَ إنتِصارٍ عظيم بِقولِهِ، "قد أُكمِل!" (19: 30).


القصدُ من الحياة

لقد عاشَ يسوعُ حياةً نمُوذَجيَّة أظهَرَت لنا القصدَ من الحياةِ البَشريَّة. يقولُ أحدُ قوانين الإيمان الذي يُعلِّمُونَهُ لأطفالِ الأهلِ الأتقِياء، "إنَّ غاية الإنسان الرئيسة هي تمجيد الله، والتمتُّع بالشرِكَة معَهُ إلى الأبد." نعم إنَّ القصد من الحياةِ الإنسانيَّة هو تمجيد الله. ولكن، ماذا يعني هذا، وكيفَ نُمجِّدُ الله؟

أجابَ يسوعُ على هذا السُّؤال عندما صلَّى قائلاً ما معناه، "مجِّد نفسَكَ أيُّها الآب، وأرسِل لي فاتُورَةَ الكِلفة، فأنا مُستَعِدٌّ لأدفَعَ الثَّمَن" (يُوحنَّا 12: 23- 28). لقد برهَنَ الحقيقة، أنَّهُ بعَيشِهِ الحياة التي عاشَها، دفعَ الثمَن الذي مجَّدَ الله، عندما أعلَنَ في نِهايَةِ حَياتِهِ: "لقد مجَّدتُكَ على الأرض. العمَل الذي أعطَيتَني لأعمَلَ قد أكملتُهُ... قد أُكمِل!... يا أبتاه، بينَ يدَيكَ أستَودِعُ رُوحي." (17: 4؛ 19: 30).

في الخمسينات من القَرنِ العِشرين، كانَ هُناكَ مُرسَلٌ شابٌّ إسمُهُ Jim Elliot بالإضافَةِ إلى أربَعةِ مُرسَلينَ آخرين كانُوا معَهُ في الإكوادُور، الذين إستُشهِدوا جميعاً عندما هاجَمَهُم هُنود الأُوكا بالسِّلاح الأبيَض، وألقُوا أشلاءَ جُثَثِهِم في نهرٍ في الأدغال. عندما أُرسِلَ جُنُودٌ لكَي يسترجِعوا الجُثَث، وجدوا جُثَّةَ جيم إليُوت، ووجدوا أيضاً مُذَكِّراتِهِ اليومِيَّ. في هذه المُفكِّرَة المُبلَّلَة بالمِياه، قرأوا الكلمات التالية: "عندما يحِينُ الوقتُ في خُطَّةِ وقصدِ اللهِ لكَ لكي تمُوت، إحرَص أن تستَسلِمَ للمَوت بكُلِّ جوارِحِكَ."

إذ ندرُسُ العهدَ الجديدَ معاً، سيكُونُ هدَفي واضِحاً بإستِمرار عندما أطرَحُ عليكَ أسئلةً تطبيقيَّةً شخصيَّةً مثل: "ماذا يقُول؟ ماذا يعني؟ ماذا يعني لكَ؟ ماذا يعني للأشخاص الذي يدُورونَ في فَلَكِ علاقاتِكَ؟ ماذا يعني لأولئكَ الذين تُعلِّمُهُم؟ وماذا يعني لله؟"

لقد كانَ يسوعُ مُنشَغِلاً طِوالَ حياتِهِ بالقِيامِ بالأعمال التي أرادَهُ اللهُ أن يُتمِّمَها. فقالَ يوماً بعدَ الآخر، "ينبَغي أن أعمَلَ أعمالَ الذي أرسَلَني ما دامَ نَهار. يأتي ليلٌ حِينَ لا يستطيعُ أحدٌ أن يعمَل." عندما وصَلَ يسوعُ إلى نِهايَةِ حياتِه، لم يكُنْ لديهِ أيُّ عمَلٍ لم يتُمِّمْهُ. فكُلُّ ما كانَ عليهِ أن يعمَلَهُ هو أن يمُوت.

بينما تُطبِّقُ هذه المُقدِّمة شخصيَّاً، أودُّ أن أطرَحَ عليكَ بعضَ الأسئِلة:

ماذا بدأَ يجري في حياتِكَ نتيجَةً لما تمَّمَهُ يسوع بالطريقةِ التي عاشَ فيها حياتَهُ؟ هل وجدتَ العمل الذي خلقَكَ اللهُ من أجلِهِ وخلَّصكَ لكي تُتمِّمَهُ لمجدِه؟ هل تصطادُ السمك، لا بل النَّاس، يوماً بعدَ الآخر؟ وعندما يحينُ وقتُكَ لتَمُوت بِحَسَبِ خُطَّةِ الله، هل سيكُونُ بإمكانِكَ أن تقُول "أيُّها الآب، أنا مجَّدتُكَ على الأرض. العمل الذي أعطيتَني لأعمَلَ قد أكمَلتُهُ؟ هل سيكُونُ بإمكانِكَ القول، "كُلُّ ما عليَّ أن أفعَلَهُ هو أن أمُوت؟ يا أبتاهُ، بينَ يدَيكَ أستَودِعُ رُوحي؟" أو هل سيكُونُ لديكَ شعُورٌ بالعَمَل غير المُتمَّم، بينما تُفكِّرُ بمقاصِد الله من خَلاصِكَ في هذا العالم؟


حَياةُ المسيح

من أفضَلِ الطُّرُق لِدراسَةِ حياةِ يسوع المسيح في الأناجيل، هي بِطَرحِ السُّؤال التالي: ما هي تِلكَ الأعمال التي أرادَهُ الآبُ أن يُتمِّمَها والتي كانت مُهمَّةً بالنِّسبَةِ ليسوع؟ في نِهايَةِ ألمِه، عندما صرخَ يسوعُ صرخةَ الإنتِصار على الصليب، "قد أُكمِل!" كانَ قد تمَّمَ رسالتَهُ بِوُضُوح. ولكن ما هوَ الذي تمَّمَهُ بالتحديد؟

هُناكَ تِسعَةٌ وثمانُونَ إصحاحاً في الأناجيل الأربَعة. أربعَةُ إصحاحاتٍ تتكلَّمُ عن وِلادَةِ المسيح والسنوات الثلاثين الأُولى من حياتِه. وخمسةٌ وثمانُونَ إصحاحاً تُغطِّي السنوات الثلاث الأخيرة من حياتِه. وسبعَةٌ وعشِرونَ إصحاحاً تُغطِّي الأُسبُوعَ الأخير من حياتِه. ثمانِيَةٌ وخمسُونَ إصحاحاً تُغطِّي خدماتِهِ في التعليمِ والشفاء وتدريبِ الرُّسُل. في إنجيل يُوحنَّا، حوالي نِصف الإصحاحات تتكلَّمُ عن السنوات الثلاث والثلاثين من حَياتِه، بينما يُغطِّي النِّصفُ الآخر الأسبُوعَ الأخير من حياتِه.

بالنسبَةِ لكُتَّابِ هذه الأناجيل، السنوات الثلاث الأخيرة من حياتِهِ هي أكثرُ أهمِّيَّةً بكثير من وِلادَتِهِ والسنوات الثلاثين الأُولى من حَياتِه. الأُسبُوع الأخير من حياتِهِ هو أكثَرُ أهمِّيَّةً بسبعِ مرَّاتٍ من وِلادتِهِ ومن السنوات الثلاثين الأُولى من حياتِه. الإصحاحاتُ الثمانِية والخمسون التي تُغطِّي تعليمَهُ، شفاءَهُ، وتدريبَهُ للتَّلاميذ تُبرهِنُ القيمَةَ التي علَّقها هؤلاء الكُتَّاب على هذه الأبعاد من حياتِهِ وخدمتِه.

بما أنَّ هذا المسح للعهدِ الجديد ليسَ شامِلاً ومُفصَّلاً لكُلِّ ما جاءَ في الأناجيل، بل مُجرَّدُ مُقدِّمة ولمحة عامَّة تُحاوِلُ أن تُظهِرَ كيفَيَّةَ الإقتِراب من هذه الأناجيل وتكوين فكرة عامَّة عنها، سأُحاوِلُ أن أضعَ التشديد في دِراستِنا على الأماكِن التي شدَّدَ عليها كُتَّابُ الأناجيل أنفُسِهم، وأن أُركِّزَ إهتِمامَنا على تلكَ المناطِق الهامَّة في هذهِ السِّيَر المُقدَّسة.


رِسالَةُ يسوع الأولويَّة

ستُظهِرُ دراستُنا لهذه الأسفار بأنَّها مُسمَّاةٌ بالأناجيل لأنَّها تحمِلُ "الأخبار السارَّة" أنَّ يسوعَ أتى، وعندما أتى، كانَ حمل الله الذي جاءَ ليرفَعَ خطيَّة العالم (يُوحنَّا 1: 29). فإن كانَ لدَينا وَعيٌ لكونِنا خُطاة، نَعرِفُ لماذا إعتَبَرَ هؤُلاء الكُتَّابُ الأناجيلَ أخباراً سارَّة.

عِدَّةُ إصحاحاتٍ من هذه الأسفار تُشدِّدُ على الأُسبُوعِ الأخير من حياةِ يسوع، لأنَّهُ نفَّذَ في هذا الأُسبُوعِ الواحِد كُلَّ ما أرادَ أن يعمَلَهُ كحَمَلِ الله ليُخلِّصَنا من خَطايانا. التشديدُ في هذه الأَناجيل يُظهِرُ لنا أنَّ مَوتَهُ على الصَّلِيب في أُورشَليم من أجلِ خَطايانا، وقِيامَتَهُ من الموت كانت رِسالتُهُ الأساسيَّة، وبالتَّالِي كانت أَولَويَّتُه.

ثُلثُ مُحتَوى الأناجيل هو سِجلٌّ عن كيفَ تمَّمَ يسوعُ رِسالتَهُ الأساسيَّة المُعطَاة لهُ من الآب، عندما أحبَّ اللهُ العالم حتَّى أرسَلَ إبنَهُ ليَمُوتَ على الصَّليب من أجلِ خلاصِنا (يُوحنَّا 3: 15 – 19). لقد شدَّدَ الرُّسُلُ على أهمِّيَّةِ عمَلِِ يسوع الخَلاصِيّ (1بطرُس 1: 18، 19؛ 2: 24؛ 2كُورنثُوس 5: 19، 21- 6: 1، 2).


هَدَفانِ آخران لرِسالَةِ يسوع

عندَما نقرَأُ كيفَ حَوَّلَ يسوعُ بَيانُ رِسالتِهِ إلى أهداف رِسالتِه، نرى أنَّ هُناكَ مَجالان في حياتِهِ وخدمتِه مُشدَّدٌ عليهِما في الأناجيل. نكتَشِفُ أوَّلَ أهداف رِسالتِهِ عندما نقرَأُ بإستِمرار عن المجالِ الخارِق للطبيعة في حياتِهِ وخدمتِه، الذي هُوَ تشديدٌ حاسِمٌ عندَ كُتَّابِ الأناجيل الأربَعة. لقد حقَّقَ يسوعُ عدَّةَ مُعجِزات، مُعظَمُها كانت مُعجِزاتُ شِفاء.

لو حدَثَ واكتَشفنا هذه الوثائِق ولم تكُنْ لدَينا أدنَى فِكرَة عن ماهِيَّتِها، فعندما سنقرأُ هذه الأناجيل، قد نظُنُّ أنَّ أفضَلَ عُنوانٍ يُمكِنُنا أن نضَعَهُ لها هو "مُعجِزاتُ يسوع،" أو "شِفاءاتُ يسوع." حوالي ثُلث مُحتوى الأناجيل الأربَعة يَصِفُ مُعجِزات يسوع. ومن الجدير بالإعتِبار أنَّ هذا التشدِيد يستَمِرُّ في ظِلِّ خدمةِ الرُّسُل عبرَ الجيل الأوَّل للكنيسة.

بينما تقرأُ قصَّةً تِلوَ الأُخرى عن مُعجزاتِ الشفاء التي حقَّقَها يسوع، وعندما ترى الرُّسُل في الجِيلِ الأوَّل للكنيسة يُحقِّقُونَ المُعجِزات ويَشفُونَ المرضى، إسأَلْ نفسَكَ، "ما هو معنى هذه النَّاحِيَة من خدمةِ المسيح المُقام الحَيّ اليَوم؟" فإن كانَ المسيحُ نفسُهُ الذي عاشَ هُنا منذُ ألفَي عام، يحيا الآن فيكَ وفِيَّ، هل تظُنُّ أنَّهُ بإمكانِهِ أن يُحقِّقَ مُعجِزاتٍ وأن يَشفِيَكَ ويشفيَني اليوم؟

بالإستِناد إلى خبرتِكَ ومُلاحظاتِكَ، هل يعمَلُ يسوعُ اليومَ عجائِبَ، من شِفاءِ المرَضى وإقامَةِ المَوتى، كما كانَ يعمَلُ عندما كانَ في الجسدِ على الأرض؟ وهل إرادتُهُ هي دائِماً للشِّفاء؟ وهل شفى يسُوعُ كُلَّ واحِدٍ؟ وهل كانَ يسوعُ أو هل هُوَ اليوم أكثَرُ إهتِماماً بصحَّةِ النَّاس الجسديَّة أم بِصِحَّتِهِم الرُّوحيَّة؟ ماذا تَظُنُّ؟ عندما تُجيبُ على هذا السُّؤال في إطارِ الشفاءِ الجسدي، تأكَّد أن تأخُذَ بِعَينِ الإعتِبار الشفاءَ الرُّوحي الذي يحدُثُ من خِلالِ الخلاص الذي يختَبِرُهُ أولئكَ الذينَ يُؤمِنُونَ ويُصبِحُونَ تلاميذ يسوع المسيح اليوم.


رِسالَةُ يسوع

هدَفٌ آخر من أهدافِ رِسالَةِ يسوع مُشدَّدٌ عليهِ في الأناجيلِ الأربَعة، إلى جانِبِ موتِهِ وقيامَتِهِ ومُعجِزاتِهِ العديدة. أودُّ أن أختُمَ هذه اللمحة التمهيديَّة للأناجيل بالمُلاحظة التالِيَة، أنَّ ثُلثَ مُحتوى الأسفار الأربَعة الأولى من العهدِ الجديد على الأقَلّ، تُسجِّلُ كَلِمات يسوع التي نطَقَ بها.

قالَ يسوعُ أنَّهُ هُوَ الطريق والحَق والحَياة، وأنَّنا لا نستطيعُ أن نأتِيَ إلى اللهِ الآب إلا بِهِ (يُوحنَّا 14: 6). عندما يُخبِرُنا أنَّهُ هوَ الطريقُ إلى الله، يُشيرُ إلى عمَلِهِ على الصليب، الذي يُوفِّرُ الطريقَ الوحيد للمُصالَحة معَ الله بعدَ إنفِصالِنا أو طَلاقِنا عنهُ، ولترميمِ العلاقة معَ أبينا السماوي.

عندما يقُولُ لنا أنَّهُ هُوَ الحياة، يُشيرُ إلى مُعجِزاتِهِ، بما في ذلكَ إعطائِنا الحياة الأبديَّة، وتغيير حياة جَمِيعِ الرِّجال والنِّساء الذين يُؤمِنُونَ بهِ والذين يُصبِحونَ رُوحِيِّينَ تماماً من الناحِيَتَين العاطِفيَّة والجَسَديَّة.

وعندَما يقُولُ أنَّهُ هُوَ الحقيقة، يُشيرُ بدونِ أدنى شَكّ إلى خدمتِهِ في الوعظِ والتعليم.

كإبنِ الله، كان بإمكانِ يسوع المسيح أن يترُكَ السماءَ بعدَ ظُهرِ يومِ الجُمعة، تارِكاً وراءَهُ خدمتَهُ في المجالِ السَّمَاويّ، لكَي يُحقِّقَ خلاصَ العالم في بِضعَةِ أيَّام. ولكن، لماذا قضى ثلاثاً وثلاثِينَ سنةً في هذا العالم؟ لا بُدَّ أنَّهُ كانت لديهِ أعمالٌ أُخرى يُتمِّمُها من أجلِ الآب، بالإضافَةِ إلى كُلِّ ما حقَّقَهُ من خِلالِ موتِهِ على الصليب ومن خِلالِ قِيامتِه.

وعندَما قالَ يسوعُ أنَّهُ الحَقُّ، وعندما وصَفَهُ يُوحنَّا أنَّهُ الكلمة الذي صارَ جسداً (يُوحنَّا 1: 14)، نرى تركيزاً على خِدمَةِ يسوع التي لم يكُن مُمكِناً أن تتحقَّقَ في بعدِ ظُهرِ يَومٍ واحِد. لقد سبقَ وأعطَانا اللهُ كَلِمَةً مكتُوبَةً، ولكن بتدبيرِ العِنايَةِ الإلهيَّة، أعطانا يسوعُ ما هُوَ أكثر من الكلمات المكتُوبَة. يصِفُ يُوحنَّا ما أعطانا إيَّاهُ يسوعُ بالطريقَةِ التاليَِة: "لأنَّ النامُوس بمُوسى أُعطِيَ. أمَّا النِّعمَةُ والحَقُّ فبِيَسُوع المسيح صارا." (يُوحنَّا 1: 17). لقد سبقَ وأعطانا اللهُ الحقَّ من خِلالِ مُوسى والعهدِ القديم. ولكن من خِلالِ يسوع، أعطانا اللهُ الحقَّ والنِّعمَةَ أو "الكاريزما" لنعيشَ هذا الحَقَّ. ولم يُعطِنا يسوعُ فقط الحَقّ، بل كانَ هُوَ بِنَفسِهِ الحق الذي أعطانا إيَّاهُ. وهُوَ لم يخُبِرْنا فقط كيفَ نعيشُ الحياة، بل عاشَ هذه الحياة، لأنَّهُ كانَ هذه الحياة. فكُلُّ ما كانَهُ يسوع، وكُلُّ ما عمِلَهُ وكُلُّ ما قالَهُ كانَ الحقّ الذي أرادَ اللهُ أن يُعلِنَهُ لنا من خِلالِ إبنهِ. لِهذا يَصِفُ إنجيلُ يُوحنَّا يسوعَ ككَلِمَةِ الحياة (يُوحنَّا 1: 1، 14).

لقد سبقَ ورأينا أنَّ أعظَم رِسالة أعطاها اللهُ لِهذا العالم كانت يسوع المسيح. والجزءُ من تِلكَ الرِّسالَة التي علَّمَ بِها يُشكِّلُ ثُلثَ مُحتَوى الأناجيل الأربَعة. رِسالَةُ يسوع تظهَرُ بِعِدَّةِ أشكال. فهُناكَ عِظاتٌ مُطوَّلَة، كالموعظة على الجَبَل، وموعِظَةِ العُلِّيَّة، وموعِظة جبل الزَّيتُون (متى 5، 6، 7؛ يُوحنَّا 13- 16؛ متى 24، 25).

هُناكَ مواعِظُ أُخرى كثيرة، خاصَّةً في متى ولُوقا، التي ليست أقَلَّ أهمِّيَّة من عظاتِهِ المُطوَّلة بسبب قِصرِها، تماماً كالأنبِياء الصِّغار الذين لم يكُونُوا أقلَّ أهمِّيَّةً بسببِ قِصرِ أسفارِهم. كثيرٌ من هذه العِظات ظهَرَت بشكلِ أمثالٍ وصُوَرٍ مجازِيَّة، ومُعظَمُ رِسالَةِ يسوع ظهَرَ بِشكلِ حِوار. الحِوارُ هُوَ غالِباً حِوارٌ عَدائِيٌّ معَ القادَةِ الدينيِّين في زمان المسيح، وغالِباً ما كانَ يسوعُ هُوَ الذي يبدَأُ هذا الحوار بطرحِ أسئِلَةٍ عليهم. (طرحَ يسُوعُ ثلاثاً وثمانِينَ سُؤالاً في إنجيل متَّى وحدَهُ.)

يبدو أنَّهُ درَّبَ الرُّسُل على طرحِ أسئِلَةٍ عليه. فعِظَةُ جبل الزيتُون (متى 24، 25) وكذلكَ أطوَلُ عِظَةٍ مُدوَّنَة ألقاها المسيحُ، أي عظة العُلِّيَّة (يُوحنَّا 13- 16) أُعطِيَت جواباً على الأسئِلة التي طرحها الرُّسُل، وأجابَ عليها يسوع. مُعظَمُ هذا الحِوار هو حِوارٌ  عدائِيٌّ معَ رِجالِ الدِّين. سوفَ تجِدُ أيضاً الكثير من هذا الحوار في لِقاءاتِ يسوع المُتعدِّدة. بعضُ تصريحاتِهِ الأكثر عُمقاً هي جوابٌ على أسئِلةً طرحَها في إطارِ لقاءاتِهِ معَ النَّاس.

بينما تقرَأُ الأناجيل، في كُلِّ وَقتٍ قالَ فيهِ يسُوعُ شيئاً ما، سواءٌ أكانَ عظةً رئيسيَّة، مثلاً، صلاةً، أو أيَّ أمرٍ سألَهُ أو قالَهُ جواباً على سُؤالٍ سبقَ وطَرَحَهُ في مُقابَلَةٍ ما، أو في حِوارٍ عدائِيّ، تذكَّرْ أنَّهُ هو كلمة الله الأزَليّ الذي صارَ جسداً، وحلَّ بينَنا. وعندما يتكلَّمُ، فهُوَ يكشِفُ ويُفسِّرُ لنا الله ويُعطينا أكمَلَ إعلانٍ عنهُ عرفَهُ العالم (يُوحنَّا 1: 18).

طريقَةٌ جَيِّدَةٌ للإقتِرابِ من الحقيقَةِ التي علَّمَها يسوع هي أن نقتَرِبَ من تعليمِ يسوع طارِحينَ السؤالَ التالي: "ماذا كانَ نظامُ قِيَمِ يسوع المسيح؟ إستِناداً إلى كُلِّ تعليمِهِ، وبِغَضِّ النَّظَر عن الشكل الذي أعلنَ فيهِ هذا التعليم، ماذا كانت قِيَمُ يسوع المسيح؟"

بينما تقرَأُ الأناجيل، أُنظُرْ إلى الرِّسالة الأساسيَّة ليسوع المسيح، التي تحقَّقَت على صليبِهِ عندما نلتَقي معَ يسوع كالطريق الذي يُصالِحُ النَّاسَ معَ الله. أنظُرْ أيضاً إلى معجِزاتِ يسوع، خاصَّةً مُعجِزات الوِلادَةِ الجديدة والشِّفاء، والتي تُقدِّمُ يسوعَ على كونِهِ الحياة. إبحَثْ عن خدمةِ تعليمِ يسوع، عندما أصبَحَ كلمةُ اللهِ جسداً وحلَّ بينَنا، مملُوءاً نِعمَةً وحَقَّاً. إقرَأ الأناجيل لكَي ترى يسوع كالطريق والحَقّ والحَياة.

  • عدد الزيارات: 12246