Skip to main content

الفصلُ الثامِن نُبُوَّةُ حبقُّوق - مَرصِدُ المُراقَبة عندَ حبقُّوق

الصفحة 2 من 5: مَرصِدُ المُراقَبة عندَ حبقُّوق

مَرصِدُ المُراقَبة عندَ حبقُّوق

"يُجيبُ الوُعَّاظُ دائِماً على أسئِلةٍ لا يسألُها أحدٌ، ويحُكُّونَ الناس حيثُ لا يشعُرُونَ بالحِكاك." ينبَغي على الوُعَّاظ أن يشعُرُوا بالذنب حيالَ هذا الإتِّهام الذي يصُحُّ على الكثيرينَ منهُم. إنَّما لم تكُنْ هذه حالَةُ حبقُّوق.

كانَ حبقُّوق مُعاصِراً لإرميا. ولقد لاحَظَ المُعامَلَة السيِّئة التي عاناها هذا النبي العظيم. أعتَقِدُ أنَّ حبقُّوق فكَّرَ أنَّهُ إن كانَ شعبُ يهُوَّذا قد عامَلَ نبيَّاً عظيماً كإرميا بهذه الطريقة، فكيفَ سيُعامِلُونَهُ هُوَ كقائِدِ ترنيمٍ يدَّعي أنَّهُ يحِملُ لهُم رسالَةً من الله؟

أنا مُقتَنِعٌ أنَّ حبقُّوق إبتَكَرَ أُسلوباً أدَبيَّاً بارِعاً، يستطيعُ من خِلالِهِ أن يُعلِنَ نُبُوَّتَهُ ويكسَبَ إصغاء الشعب، ويُحضِّر شعبَ يهُوَّذا لقُبولِ الرِّسالة التي أعطاهُ إيَّاها اللهُ ليُسلِّمَها إليهِم. وأنا مُقتَنِعٌ أيضاً أنَّهُ عندما طرحَ حبقُّوق أسئِلَتَهُ، كانَ يطرَحُ الأسئِلة التي طرحَها شعبُ يهُوَّذا على الله وعلى بعضِهم البعض يومِيَّاً.

إنَّ شعبَ يهُوَّذا في مدينَةِ أُورشليم كانَ يتوقَّعُ أن تظهَرَ الجُيُوشُ البابِلية قريباً. وكانتَ أبراجُ وأرصِدَةُ مُراقَبتِهم مملووءَةً بالحُرَّاس الذين كانُوا يُراقِبونَ ويتنصَّتُونَ إلى أُولى علاماتِ وضجَّةِ البابليِّين. أعلنَ حبقُّوق أنَّهُ كانَ سيبني "مرصَداً" رُوحيَّاً. وكانَ سيذهَبُ ويقِفُ في هذا المرصَد ليطرَحَ على اللهِ أسئلَتَهُ (وأسئِلةِ الشعب)، وكانَ سيُراقِبُ ويتنصَّتُ وينتَظِرُ جوابَ اللهِ على أسئِلتِهِ (وأسئِلةِ الشعب).

أتصوَّرُ أنَّ الشعبَ شجَّعوا حبقُّوق على الذهابِ إلى مرصَدِهِ، لكي يطرحَ على الله الأسئلة التي كانَت تُثقِّلُ قُلوبَهُم. عندما كانَ حبقُّوق في مرصدِهِ، تساءَلَ عن إستخدامِ اللهِ لأُمَّةٍ شرِّيرة – بابِل – لكي يُدمِّرَ شعبَهُ المُختار. سألَ قائلاً، "أيُّها الرَّبُّ إلهي قُدُّوسي، أنتَ منذُ الأزَل. هل خُطَّتُكَ من كُلِّ هذا أن تُبيدَنا؟ بالطبعِ لا. يا اللهُ صخرتُنا، أنتَ قرَّرتَ أن تُقيمَ هؤلاء البابِليِّين لكَي تُؤدِّبَنا على خطايانا الشنيعة. فنحنُ أشرارٌ، ولكنَّهمُ أشرُّ منَّا بكثير. فهل ستسمَح، أنتَ الذي لا تُطيقُ الخطيَّةَ بتاتاً، أن تقِفَ مكتُوفَ الأيدي بينما يبتَلِعونَنا؟ هل عليكَ أن تكونَ صامِتاً بينَما يبلَعُ الشرِّيرُ من هُوَ أبرَّ منهُ؟" (1: 12، 13).

لقد كانَ حبقُّوق (وشعبُ يهُوَّذا) واعِينَ الحقيقَةَ القَاسِيَة أن اللهَ كانَ يستخدِمُ البابِليِّين لكي يُعاقِبَ يهُوَّذا على خطاياهُم، ولكن كانَ لا يزالُ من الصعبِ عليهِ وعليهِم أن يفهمُوا لماذا يستَخدِمُ اللهُ أُمَّةً شرِّيرَة لكَي يُؤدِّبَ شعبَهُ. وفوقَ كُلِّ هذا، لقد كانت شُرورُ البابِليِّين تفُوقُ كثيراً شُرورَ شَعبِ يهوَّذا. فلِماذا إستخدمهُم اللهُ لتأديبِ شعبِه؟

كانت هذه هي الأسئِلة وكانَ هذا هُوَ الإطارُ الذي فيهِ طرحَ حبقُّوق الأسئِلة التي لم تكُن فقط على قلبِهِ، بل وكانت على قُلوبِ شعبِ يهُوَّذا المشؤوم الذي كانَ يقِفُ على عتَبَةِ السبي البابِليّ. كانَ حبقُّوق يُراقِبُ، يتنصَّتُ، وينتظِرُ أجوبَةً من الله على أسئِلتِهِ وأسئِلةِ الشعب. فأعلَنَ قائلاً: "على مَرصَدي أقِفُ وعلى الحِصنِ أنتَصِبُ وأُراقِبُ لأرى ماذا يقولُ لي وماذا أُجيبُ عن شكواي." (2: 1).

رِسالة حبقُّوق
الصفحة
  • عدد الزيارات: 12355