الفصلُ الرابِع نُبُوَّةُ إرميا "مُسَلسَلُ النحيب" - الخلفيَّةُ التاريخيَّة
الخلفيَّةُ التاريخيَّة
لماذا يبكِي إرميا؟ لماذا هو حزينٌ إلى هذا الحدّ؟ وماذا كانت مُعاناةُ قلبِه؟ لكَي نُجيبَ على هذه الأسئِلة، عليكَ أن تَفهَمَ الإطارَ التاريخي الذي عاشَ فيهِ هذا النبيُّ حياتَهُ غير الإعتِياديَّة، وكرزَ وكتبَ نُبوَّتَهُ التي نُسمِّيها "سفر إرميا."
في الأعدادِ الإفتتاحِيَّة من سفرِ إرميا، نُخبَرُ أنَّ إرميا بدأَ خِدمتَهُ في السنةِ الثالثةِ عشر من مُلكِ يُوشِيَّا، وخدمَ إرميا حتَّى نِهايَة حُكمِ صدقِيَّا، أي حوالي إحدى وأربعينَ سنةً. بدأَ خدمتَهُ عندما كانَ يجلِسُ ملِكٌ صالِحٌ على عرش يهوذا، هو يُوشيَّا. وبينما كانَ بعضُ العُمَّال يُعيدونَ بناء الهيكل في زَمنِ يُوشيَّا، وجدوا أسفارَ كلمةِ الله. لقد إبتَعدَ شعبُ اللهِ روحيَّاً عن الله، لدرجةِ أنَّهُم نسُوا أنَّ كلمةَ اللهِ أو أن النامُوس كانَ موجُوداً. والمُلوك الآخَرون الذين ذُكِروا في الأعدادِ الإفتِتاحيَّة لسفرِ إرميا هم الذين لحِقُوا فترة حُكم يُوشيَّا، وفتراتُ حُكمِهم مُرتَبِطةٌ بسقوطِ أورشليم والسبي البابِلي.
فسقوطُ أورشليم كان كارثة امتدَّت على مدى حوالي عشرين سنةً. وأوّلُ مرَّةٍ سقطت فيها أورشليم كان يهوياقيم ملكاً. فاستسلمَ لجيوشِ نبوخذنصَّر وخدمَ نبوخذنصَّر في أورشليم مُدَّةَ ثلاث سنوات. وعندما احتلَّ نبوخذنصَّر أورشليم، دخلت إليها جُيوشُ بابِل. وأُرغِمَ اليهودُ على خِدمةِ البابِليين ودفعِ الجِزية لهم. ولكن، بعدَ ثلاثِ سنوات، تمرَّدَ يهوياقيم، فعادت جُيوشُ نبوخذنصَّر إلى أورشليم ثانيةً. وعندما سقطت أورشليم ثانيةً، كانَ يهوياكين إبنُ يهوياقِيم الذي كانَ لا يزالُ طِفلاً، كانَ ملكاً على يهوذا، فسلَّمَ المدينةَ بسهولة. في هذه المرَّة، أخذَ البابِليُّونَ الكثيرَ من شعبِ يهوذا إلى بابِل كأسرَى للسبي.
وعندما سلَّمَ يهوياكِين المدينة للمرَّةِ الثانية، نُصِّبَ أخوهُ صدقِيَّا ملِكاً دُميَةً على أورشليم. لقد حكمَ صدقِيَّا لمُدَّةِ 11 سنةً، ولكنَّهُ تمرَّدَ مُجدَّداً على البابِليين. وفي هذه المرَّة، جاءت جُيوشُ بابِل وسحقت مدينةَ أورشَليم، فلم يبقَ فيها حجرٌ على حجر. وهكذا عندما احتلَّ البابِليُّونَ أورشليم للمرَّةِ الثالثة، أخذوا الجميعَ أسرى إلى بابِل باستثناءِ الشيوخ العجائز، والمرضى، والضُّعفاء، والنبي الباكي إرميا.
في زمنِ حُكمِ يوشِيَّا، أعطَى اللهُ النبيَّ إرميا إعلاناً نبويَّاً عن هذه الكارثة بكامِلها. لقد بدأَ إرميا يعِظُ أنَّ الإجتياحَ البابِليَّ آتٍ، وأنَّ السبيَ والاحتلالَ الناتِجَين عنهُ كانا آتِيينِ أيضاً، وذلكَ بسببِ خطيَّةِ الشعب. وكانت خطيَّتُهُم بشكلٍ أساسيٍّ هي عِبادةُ الأوثان، بالإضافةِ إلى كُلِّ الخطايا التي نتجَت عن إرتدادِهم وإهمالِهم لكلمةِ الله.
أوّلاً، إنَّ رسالةَ نبي مثل إرميا وإشعياء وآخرونَ مثلهم، كانت بما معناه: "إذا تواضَعَ شعبي، الذي دُعِيَ إسمي عليهم وصلُّوا وطلبوا وجهي، ورجعوا عن طُرُقِهم الرديّة، فإنِّي أسمَعُ من السماء، وأغفِرُ خطيَّتَهم، وأُبرِيءُ أرضَهم." (أخبار الأيَّام الثاني 7: 14). ولكن، عندما لم يسمع الشعبُ إلى وعظِ الأنبياء، تغيَّرَت رسالةُ هؤلاء الأنبياء. عندها كرزَ أنبِياءٌ مثل إرميا قائِلين: "إن دينونةَ اللهِ آتيةٌ لا محالة، ولا مفرَّ منها."
- عدد الزيارات: 12099