Skip to main content

الفَصلُ العاشِر عَشَر بَركَاتُ الغُفران

أحد الأهداف التي وضعتُها نصبَ عينيَّ لأُحقِّقَها من خلالِ هذه الدراسة هي كلمة "علاقةٌ مُتَبَادَلَة." فلقد سبقَ وقُلتُ في البداية عندما قدَّمتُ هذه الدراسة أن أحد الأهداف المُتعدِّدة لهذه الدراسة هو إظهار علاقة أسفار الكتاب المقدس ببعضِها البعض، بهدف تبيان وحدَة الكتاب المقدس. فمثلاً، بعدَ أن تستطلِعَ الأسفار التاريخية وتصل إلى أسفارِ الأنبياء، سوفَ تُلاحظ أنهُ قد أصبحَ لديكَ الخلفية التاريخية التي عاشَ فيها هؤلاء الأنبياء وكرزوا وتألَّموا وماتوا. ويؤهِّلُكَ أدبُ العهد القديم التاريخي أيضاً لفهمِ أحد أعظم أسفار الكتاب المقدس، سفر المزامير، وخاصةً مزامير داوُد.


قَلبُ داوُد في المَزامِير

إن مزاميرَ داود وصموئيل الثاني 11-18 يتفقانِ معاً بطريقةٍ جميلة. ففي المزامير التي كُتِبَت في هذه المرحلة التاريخية من حياةِ داود، نستَطيعُ أن نفهَمَ عظمةَ داود، حتى ولو كانَ ذلكَ في مرحَلَةِ سُقوطِه الأخلاقِيّ والرُّوحِيّ.

المَزمُور الثَّالِث

وفي تلكَ المرحلة من هروبِ داوُد إلى البريَّة، قامَ رَجُلٌ إسمُهُ شِمعِي بشتمِه. (2صَمُوئيل 16: 5- 8). فقالَ قائِدُ أبطالِ داود، "لِماذا يَسُبُّ هذا الكَلبُ المَيتُ سَيِّدِي المَلِك. دَعني أعبُرُ فأقطَعَ رأسَهُ." (9) ولكنَّ داوُد أجابَهُ، "دَعُوهُ يَسُبُّ لأنَّ الرَّبَّ قالَ لهُ سُبَّ داوُد." (11 ب).

وبينما كان داود ينسحبُ من أورشليم، كتبَ المزمور3. يقولُ داود في المزمور 3، "يا ربُّ ما أكثر مُضايقيَّ. كثيرون قائمون عليَّ. كثيرون يقولون لنفسي ليسَ لهُ خلاصٌ بإلهِه." (مَزمُور 3: 1- 2). هذا ما كان شِمعي يقولُهُ عندما كان يسبُّ داود ويرشُقُهُ بالحجارة. ولكن داود يقولُ في المزمور 3، حيثُ يُظهِرُ أنهُ رجلٌ تقي، "أما أنتَ يا ربُّ فتُرسٌ لي. مجدي ورافعُ رأسي. بصوتي إلى الربِّ أصرخُ فيُجيبُني من جبلِ قُدسِهِ." (مَزمُور 3: 3- 4).

وعندما نظرَ داود إلى ماضيه، رأى عجائب أنجزها الربُّ في حياتِه. فعندما نظرَ إلى إستجابات الله لصلواتِهِ في الماضي، كان لهُ الإيمان أن يضعَ ثقتَهُ بالله في الحاضِر والمُستقبَل.

المَزمُورُ الرَّابِع

يُخبِرُنا داود في المزمور الرابع شيئاً يُناسبُ هذه المرحلة من حياتِه. يقولُ لنا داود أنهُ عندما تكونُ حالتُنا العاطفية غارقة في البؤسِ والشقاء، فيطيرُ عنَّا نومُنا، يقولُ لنا داود أننا غالباً لا نستطيعُ أن ننام لأنهُ علينا أن نتَّخِذَ قراراً كبيراً، الذي يتطلَّبُ حُسنَ التصرُّف. ويُخبِرُنا أنهُ في وسطِ الليل عندما لم يكُن بإمكانِهِ أن ينام، أنهُ في تلكَ المرحلة إتَّخذَ قراراً. وكان قرارُهُ التالي، "سوفَ أذبحُ ذبائحَ البِرِّ وأتوكَّلُ على الرب." (مَزمُور 4: 5) قالَ داود أن دافعَهُ لعملِ الخير كانَ أنهُ كان مُحاطاً بأشخاصٍ يقولون، "من يُرينا خيراً؟" (مَزمُور 4: 6). ونحنُ جميعاً اليوم مُحاطون بأشخاصٍ يتطلَّعون إلى شخصٍ يعملُ خيراً، وليسَ ما هو لمصلحتِه. فعندما يرونَ من يفعلُ خيراً حتى ولو كلَّفَهُ ذلك كُلَّ ما عنده، فسوفَ يتباركُ هؤلاء الناسُ ويتقرَّبونَ من الله بسبب ما رأوه.

المَزمُور الثَّالِث والعِشرُون

يقولُ داود في مزمور 23: 3 "يردُّ نفسي، يهديني إلى سُبُلِ البرِّ من أجلِ إسمِه." عندما يُربِضُنا اللهُ ويجعلُنا نعترف بأننا خرافَهُ وهو راعينا، نقومُ مُجدَّداً. ولكن عندما نقفُ ونستلمُ القيادة ونجعلُ من أنفُسِنا الراعي بدل الخروف، تتحولُ المراعي الخضراء إلى يابِسة، ومياه الراحةِ إلى مياهٍ عكِرَة، والكأسُ الريَّا إلى كأسٍ فارغة. فعندَما ننسى من هو الراعي ومن هو الخروف، عندها نحتاجُ إلى ردِّ النفس.

ولكن كيفَ سيردُّ اللهُ نُفُوسَنا؟ إن إلهنا هو إلهُ عمليٌّ جداً. يقولُ داود، "يردُّ نفسي، يهديني إلى سُبُلِ البرِّ من أجلِ نفسِهِ." (مَزمُور 23: 3 ب). إنَّ إختبارَ نهضةٍ وإنتعاش يتطلَّبُ أكثَر من مُجَرَّدِ التَّجاوُب معَ دَعوَةِ الواعِظِ في كنيسةٍ ما بالتَّقَدُّمِ إلى الأمام أو رَفع اليد بِهَدَفِ تكريسِ الحياةِ لِلرَّب، ويتطلّبُ أكثَر من إختبارِ صلاةٍ على المَذبَح. اللهُ يَقُولُ، "عندما تُريدون أن تُرَدَّ نُفوسُكُم، فأنا سأفعلُ لكُم ذلكَ بهذه الطريقة. عليكُم أن تسيروا في طريق البرّ لِبِضعِ سنين. وعندما تسيرون في طريق البر، فهذا سيردُّ نُفُوسَكُم."

هذا ما نراهُ يحدُثُ في حياةِ داود في صموئيل الثاني الإصحاحات 11-18. لقد إتّكَلَ داود على الله وقال، "سوفَ أسيرُ في سُبُلِ البِرّ من أجلِ إسمِك." وعندما سارَ داود في طريقِ البِرّ وإختبرَ التأديب وعواقب الخطية، أخذَ داود نعمةً من الله لعملِ الخير. وعندما تجاوبَ داود مع تأديبِ الله على عواقب خطيَّتِه، ردَّ اللهُ نفسَه.

لقد كان داود ملكاً لمدةِ أربعين سنةً. وكان ملِكاً لستة عشر عاماً قبلَ أن يُخطِئ. وبعدَ أن أخطأَ، سارَ في طريقِ البِرّ لفترةِ أربَعَةٍ وعشرينَ سنَةً، فردَّ اللهُ نفسَهُ، وردَّ اللهُ مملكتَه. فأرجعَ اللهُ داوُد إلى العرش، وملكَ داود كأفضلِ ملِكٍ لمدةِ أربعةٍ وعشرين عاماً بعد أن أخطأ، لأنَّهُ عادَ وسارَ في طريقِ البر، مُعتَرِفاً بخَطِيَّتِهِ، تائِباً عنها، تابِعاً الرَّبّ.

هل أنتُم بحاجةٍ للإعتراف وللتوبة الحقيقية؟ أو بكلامٍ آخر، هل تعرفونَ كيفَ تسقُطونَ بنجاح؟ أقولُ لكُم بكلِّ محبَّةٍ وإخلاص أنكُم لن تعرفوا أبداً بركةَ الغُفران إلا عندما تحذُوا حذوَ داود وتعترفوا بخطيَّتِكُم لله. تذكَّروا أن الإعترافَ يعني أن تقولَ عن خطيَّتِكَ نفس ما يقولُهُ اللهُ عنها. فكلمةُ إعتراف تعني أن أُوافِقَ مع الله حولَ ما عمِلتُه. أُشجِّعُكُم أن تقرأوا المزمور 23، 51، و55، ودعوا داود يتكلَّمُ إليكُم، وسوفَ تخلُصُون إن إعترفتُم بخطاياكُم. وبعدَها سوفَ تختبِرون، مثلما إختبرَ داود، بركةَ الغُفران.


إنشادُ ترانيمِ الغُفران

هل سبقَ وسألتَ نفسَكَ، "كيفَ تعرف إذا غُفِرَت خطاياك؟" يقولُ البعضُ أنهُ يُمكِنُكَ أن تعرف ذلكَ لأن هذا ما يقولُهُ الكتابُ المقدس. فالكتابُ المقدس يقولُه، وأنا أُؤمنُ به، وهكذا إنتهى الأمر. ولكن هُناكَ طريقةٌ أُخرى يُمكِنُكَ فيها أن تعرفَ إن غُفِرَت خطاياك. أنتَ تعرفُ ما إذا غُفِرت خطاياك عندما يزولُ الشعورُ بالذنب.

اليوم، يتعاملُ الكثيرُ من المُعالِجين النفسيين مع الشعورِ بالذنب بطريقةٍ أُخرى. يتعاملون معهُ بالقول، "لا يجب أن يكون هناكَ أي شُعورٍ بالذنب، لأنهُ ليسَ هناكَ خطأٌ وصواب. ليسَ هُناكَ ما لا تستطيعُ أن تعملَه، أو ما لا ينبغي أن تعملَه. فلا توجدُ أية ثوابت أخلاقية مُطلَقَة. فالشعورُ بالذنب هو فقط للأطفال، لأن الأطفالَ فقط هم الذين يسمحون للآخرين أن يقولوا لهم ما هو الصوابُ والخطأ. لهذا لا تسمحْ أبداً لأحدٍ أن يقولَ لكَ أن ما تفعلهُ هو خطأ. أنا أتعجَّبُ من العدد الكبير من الناس الذي يُحاوِلون حلَّ مشاكِلِهم بهذِه الطريقة اليوم.

بالمُقابِل، قالَ داود ما معناهُ، "لدي مُشكِلة شعور بالذنب لأني مُذنِبٌ. ولديَّ مُشكِلَةُ الشُّعُورِ بالذَّنبِ لأني أخطأتُ." حلُّ اللهِ لِمُشكِلةِ الشعور بالذنب هو أن نعترِف أنَّنا مُذنِبُون، وأننا أخطأنا. عندها سوفَ نُظهِرُ أنَّنا نفهَمُ ونَثِقُ بِحَلِّ اللهِ لمُشكِلةِ شُعُورِنا بالذَّنب، عندما نُقدِّمُ ذبائِجَ البِرِّ التي تُعَبِّرُ عن توبَتِنا وإعتِرافِنا، ونضَعُ ثِقَتَنا بالرَّبّ. عندَها وعندَها فقط سوفَ نختَبِرُ بَرَكَةَ الغُفران، لأنَّ شُعورَنا بالذَّنبِ سوفَ يَزُولُ.

إن المزمور 51 ليسَ فقط إعترافَ داود بخطيَّتِه، بل هو يفتحُ لنا نافِذةً من خِلالِها نستطيعُ أن نرى عظَمة الرجُل داود. لاحِظْ هذه الأمور الثلاثة في المزمور 51. فأولاً، لاحِظْ أن داود يُصلّي لله عن أصلِ خطيَّتِه: "ها قَد سُرِرتَ بالحَقِّ في البَاطِنِ، فَفِي السَّرِيرَةِ تُعَرِّفُني حِكمَةً." (مزمُور 51: 6) وكجوابٍ على هذا التضرُّع، أعطَى اللهُ إعلاناً لداود، عندما نقرَأُ ما كتبَهُ، "لأنِّ عارِفٌ بمَعاصِيَّ، وخَطِيَّتي أمامِي دائماً... هأنذا بالإثمِ صُوِّرتُ وبِالخَطِيَّةِ حَبِلَت بِي أُمِّي." (مَزمُور 51: 3 و5)

ثُمَّ لاحِظْ هذا التضرُّع العظيم الذي يُقدِّمُهُ داوُد: "قلباً نقيَّاً أُخلُق فيَّ يا اللهُ، وروحاً مُستقيماً جدِّد في داخِلِي." (مَزمُور 51: 10) إن كلمة "أُخلُقْ" تأتي من الكلمة العبرية "بَرَا"، التي تعني "عملَ شيء من لا شيء." لقد إستُخدِمت كلمة برا ثلاثَ مراتٍ فقط في تكوين 1، وإستُخدِمَت هُنا في المَزمُور 51: 10، حيثُ تعني أنَّ داوُد كانَ بِطريقَةٍ أو بأُخرى يقولُ لله، "ليسَ لدَيَّ شَيءٌ أُقدِّمُهُ لكَ لتَعمَلَ من خلالِهِ. فأنا أسأَلُكَ أن تَعملَ شيئاً من لا شيء. ضعْ شيئاً في جوهَر كِياني لم يكُن موجوداً عندما وُلِدتُ. فينبغي أن تعملَ عجيبةَ خلقٍٍ في كِياني الداخلي. هذا هو أملي الوحيد لأتمكَّنَ من العيشِ بطريقةٍ تُمجِّدُك."

إن الجوابَ على هذه الصلاة هو ما يُسمِّيهِ العهدُ الجديدُ "الولادة الجديدة." فيقولُ يسوع، "المولودُ من الجسدِ جسدٌ هو، والمَولُودُ منَ الرُّوحِ هُوَ رُوح. لا تتعجَّبوا أنني قُلتُ لكُم ينبَغي أن تُولَدُوا من فَوق"، - أو أنَّني أقولُ لكم أنكم تحتاجون إلى عملِ خلقٍ جديدٍ في قُلوبِكُم." (يُوحَنَّا 3: 6- 7).

عندما يُخبِرنا رُسُلُ العهدِ الجديد في رسائلِهم عن الولادة الجديدة، يُسمُّونها "الخليقة": "إن كان أحدٌ في المسيح فهو خليقةٌ جديدة." (2 كُورنثُوس 5: 17) لقد خلقَ اللهُ شيئاً في قلبِ رجلٍ أو امرأةٍ اللذين وُلِدا ثانيةً. كان لداود بصيرةً نبويَّة عندما صلَّى هذه الصلاة قبلَ ألف عامٍ من قولِ الربِّ يسوع المسيح "ينبغي أن تولدوا من جديد."

لاحِظوا دافِعَ داود وتشوُّقِهِ للرجوعِ إلى الله. فهو يقول، "رُدَّ لي بَهجَةَ خلاصِكَ، وبِرُوحٍ مُنتَدِبَةٍ أُعضُدني. فأُعلِّمَ الأثمةَ طُرُقَكَ والخُطاةُ إليكَ يرجِعون." (مَزمُور 51: 12- 13). لقد أحبَّ داود كلمةَ الله، وأحبَّ أن يعظَ بها، وأن يعلِّمَها وأن يُرنِّمَها. لقد أحبَّ أن يقودَ خُطاةً آخرينَ ليَرجِعُوا إلى مُؤَلِّفِ هذه الكلمة، كما فعلَ في الماضِي.

وأخيراً، لاحظْ أنهُ في نهايةِ هذا المزمور، يُظهِرُ داود بصيرةً نادرةً عندما يُصلِّي، "لأنكَ لا تُسرُّ بذبيحةٍ وإلا فكُنتُ أُقدِّمُها. بمُحرَقَةٍ لا ترضى." (16) تذكَّرْ أننا عندما درسنا خيمةَ العِبادة في البرية، قُلنا أنهم كانوا يأخذون حيواناً إلى خيمةِ العبادةِ ويُقدِّمونه ذبيحةً عن خطاياهم. وكان نوعُ الحيوان أو عددُ الحيوانات المُقدَّمة مُرتبطاً بمقدارِ خُطُورةِ الخطية، وبالقُدرةِ المادية للشخص المعني.

لقد عرفَ داود أنهُ كان قادراً أن يسوقَ قطيعاً بأسرِهِ ويُقدِّمهُ ذبائحَ في خيمةِ الإجتماع، ولكنَّ داود عرفَ أن اللهَ لا يُريدُهُ أن يعملَ هذا. فبكلماتٍ أُخرى، كان داود يقول، "ليسَ هذا ما تُريدُهُ أنتَ يا الله. بل أنتَ تُريدُ ثورةً في كياني الداخلي، وليسَ مُجرَّدَ تعبيرٍ خارجي. فاللهُ يُريدُ قلباً مُنكَسِراً ومُنسحِقاً، وروحاً مُنسحقة." إن كلمة "مُنسحِق" تعني "مُفرِطُ الحُزنِ على الخطيَّة." فكانَ داود يقول، "هذا ما تُريدُهُ أنتَ يا الله." لهذا صلَّى داوُد، "إكسِر كياني الداخلي. إشفِ كياني الداخلي. أخلقْ شيئاً جديداً في كياني الداخلي، عندها أستطيعُ أن أعيشَ حياةً تُمجِّدُك."

دعني أقولُها ثانيةً، إن سبقَ لكَ وأخطأتَ وأنت لا تعرِف كيفَ تعترف بخطيّتِك، إن كُنتَ تحتاجُ أن تُخلَقَ من جديد في داخلِك، ولا تعرف كيفَ ترجع إلى الله، إقترِب من المزمور 51، ودعهُ يكونُ صلاةَ إعترافِكَ وتوبتِك. فإن فعلتَ هذا، فأنت تقومُ بإعترافٍ وتوبةٍ رائعين.

  • عدد الزيارات: 7543